مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أطفال الفيسبوك... وأد البراءة

أطفال الفيسبوك... وأد البراءة

(راما) طفلة لم يتجاوز عمرها الـ (14) عاماً، جلست أمام شاشة الكمبيوتر تبحث عن موقع الفيسبوك بعد أن سمعت عن لعبة المزرعة السعيدة، لم يستقر بحثها ثوانٍ حتى وجدت الموقع، وسرعان ما قامت بإتباع الخطوات المطلوبة للتسجيل، وعندما دونت في البيانات عمرها الحقيقي اعتذر لها الموقع برسالة يفيدها بأنه لا يمكنه قبول طلب التسجيل لأنها (طفلة)، ولكن الاعتذار لم يوقف رغبتها الجامحة في دخول عالم الفيسبوك.. وبما أنه عالم افتراضي قامت بتغيير عمرها حتى يناسب شروط الموقع..

انتهت (راما) من عملية التسجيل وأطلقت جناحها الغض للتحليق في ذلك الفضاء المشحون بالمتناقضات، كانت تعبث أناملها وتلهث وراء ما يرد إليها من طلبات صداقة.. تغيّر هدف الصغيرة من اللعب في المزرعة السعيدة إلى علاقات إسفيرية مع مشتركين أكبر منها سناً، وبما أن عالم الفيسبوك يكتظ بالباحثين عن ضالات مشبوهة، وقعت الصغيرة في شباكهم الآسنة، وتغيّر نمط تفكيرها البرئ، وأضحت تبحث في عوالم أخرى صادفت دخولها مرحلة المراهقة، يكتبون لها عن الجنس وكأنه ضمن مقررات الدراسة، فنما شغف الرغبات المكبوتة عندها حد الهوس.. لم تنتبه أسرتها إلى التغيير الذى حدث لابنتهم بأن سببه جلوسها لساعات طويلة في النت، بل كانوا يتحدثون عن براعتها في ذلك العالم ويتفاخرون بها أمام الآخرين، حتى اكتشفوا فوهة الانزلاق اللا أخلاقي الذي سقطت فيه طفلتهم الصغيرة.
أُسر كثيرة تفتح أبواب العالم الافتراضي لأبنائها قبل تحصينهم بجرعات إرشادية تقيهم وأد براءتهم، والدخول في منعطفات نفسية.. وضعنا الأمر على طاولة د. نصر الدين أحمد إدريس رئيس قسم علم النفس بجامعة أفريقيا العالمية، فتحدث قائلاً: بخصوص ظاهرة تواجد ودخول الأطفال لعالم الانترنت، لا سيما موقع التواصل الاجتماعي، يجب النظر إلى هذه الظاهرة وتقييمها بشكل جيد، وبالتالي فإن تعامل الأطفال مع الأدوات الحديثة لأبد من الإشارة فيه إلى عدة جوانب، الجانب الأول وهو ما يتعلق بخصائص الأطفال وأغلبهم يكونوا في مرحلة الطفولة المتأخرة، وهي مرحلة ذات خصوصية لأنها مرحلة (مدخلية) لفترة المراهقة وكذلك تختص بجوانب نمو معرفي متقدم ونمو عاطفي انفعالي يتقدم على النمو العقلي، تقوى جوانب التطلع والإطلاع والاستكشاف.
أما الجانب الآخر يتعلق بالخصائص الأساسية لعالم الفيسبوك الافتراضي، حيث إنه عالم يتميز بالحرية المطلقة (نسيباً)، كما تنصهر فيه الفئات العمرية كافة، وتتوافر فيه بحرية كبيرة إمكانية العلاقات المفتوحة بين الجنسين، ليست هنالك حدود ثقافية ولا عادات ولا تقاليد ولا قيم تتحكم، اللهم إلا كـ (الالتزام الفردي).. وبالتالي فإن الرقابة تكاد تكون معدومة (إلا الرقابة الذاتية)، ومن خلال هذين العالمين (عالم الطفل وعالم الفيسبوك) تكون الفوارق شَاسعة، حيث تكمن الخطورة في ضعف الرقابة الذاتية للطفل لكي يقيم ويختار يميز بين الصحيح والخطأ، كما أنّ العلاقات والصداقات غير المُنضبطة تجعل من دخول الطفل لهذا العالم الافتراضي مسألةً خطيرةً، وكذلك هناك خطورة تتعلق بأنّ الطفل يقرأ ويتطلع على المحتوى الذي ينشر على صفحات الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وغيرهم، وإنّ خطورة الإطلاع على تلك المحتويات تتمثل في لفت انتباه الطفل لموضوعات وقضايا لا تتناسب مع سنه خاصةً القضايا الجنسية وبالتالي وبما لديه من حاسية الاستطلاع فهو ينساق وراء تلك المحتويات في عَوالم الإنترنت الشاسعة مما تحوله لقضايا أخرى، فتلك المحتويات به الصالح والطالح.
ويرى نصر الدين أنّ الفترة الطويلة التي يجلس فيها الأطفال أمام الشاشة تضعهم في خطورة، فهي تؤثر على صحتهم البدنية، كما تؤثر في الجوانب الاجتماعية، فالطفل تجده يميل إلى الانطواء ويزهد في التفاعل حتى مع أفراد الأسرة في وقت يحتاج فيه إلى تفعيل الدور الاجتماعي. هناك مشكلة أخرى تتعلق بالتقييم الخطأ الذي تقع فيه بعض الأسر وذلك من خلال تشجيع الأطفال للدخول في ذلك العالم الافتراضي، بل أن بعض الأسر تقف وراء ذلك اعتقاداً خاطئاً منها بضرورة المسايرة وبالتالي يجب الانتباه إلى المسألة.

المصدر: صحيفة الراكوبة.

التعليقات (0)

اترك تعليق