الجندر.. خفايا المعنى وتقنين الشذوذ: «الجندر» هو مصطلح ابتكرته وفرضته وثائق المؤتمرات الدولية
«الجندر» هو مصطلح ابتكرته وفرضته وثائق المؤتمرات الدولية، والاتفاقيات الخاصة بالمرأة، ليجدوا بديلا عن مصطلح الجنس ـ أي نوع الإنسان ذكر أو أنثى ـ والذي لا يقبل احتمالاً ثالثاً، لتتسع الدائرة لتشمل الشواذ والجنس الثالث والأجناس الأخرى!
أوجدوا بهذا المصطلح فرصة لتعبير كل إنسان عن نفسه وميوله، من دون النظر إلى أصل خلقه ذكراً أو أنثى، فالجندر؛ دعوة خبيثة تكرس الشذوذ الجنسي بذريعة إزالة الفوارق بين الرجل والمرأة، وإنصاف جنس المرأة! حيث تم إدراج مصطلح مساواة النوع «الجندر» لضمان حصول الشواذ على نفس حقوق الأسوياء أو التقليديين، وهذا ما تجلى أخيرا في قرار الأمين العام للأمم المتحدة في مارس 2004 بحصول المتزوجين الشواذ على نفس حقوق المتزوجين «التقليديين»، وذلك من حيث الميراث والضرائب والتأمينات الاجتماعية!
الظهور الأول للمصطلح
ظهر المصطلح لأول مرة في وثيقة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد في القاهرة عام 1994، ثم أثير مرة ثانية ولكن بشرط واضح في مؤتمر بكين للمرأة عام 1995م، وقد شاع استخدام هذا المصطلح في المؤتمرات الدولية بغية التدرج في فرضه على الدول، ويسعى دعاة الجندر إلى تمرير هذا المصطلح في كل مؤسسات المجتمع الرسمية، وغير الرسمية لجعل الشواذ مقبولين اجتماعيا ولهم شرعية قانونية!
وتعريب هذا المصطلح خالطه الغموض في وثائق مؤتمرات الأمم المتحدة التابعة لها، بل إن النسخة الإنجليزية لمؤتمر بكين الدولي المشهور ذكرت المصطلح 254 مرة من دون أن تعرِّبه! وتحت ضغط الدول المحافظة تم تشكيل فرق عمل لتعريفه وخرجت لجنة التعريف بعدم تعريف المصطلح!
«الجندر» وفخ المصطلح
رغم استخدامه بكثرة في الآونة الأخيرة، إلا أنه ظل مفهوما غامضاً، ويتم تعريبه وترجمته- إلى اللغة العربية- إلى مصطلحات عدة منها «الجنس البيولوجي، الجنس الاجتماعي، الدور الاجتماعي، النوع الاجتماعي»، ويستخدمه البعض حالياً للتعبير عن عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين المرأة والرجل في المجتمع.
ومازال يستخدم هذا المفهوم كأداة في تقارير مؤتمرات الأمم المتحدة للمرأة، ليس لتحسين دورها في التنمية ولكن أيضاً لفرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته والأدوار المترتبة عليها، والاعتراف بالشذوذ الجنسي وفتح الباب على إدراج حقوق الشواذ من زواج المثليين وتكوين أسر «غير نمطية» كما يقولون!
وفي ذلك المصطلح أرادوا منا أن نستسلم للمسمى الفاسد في مضامينه ومعانيه ودلالاته، بل قبول التعامل معه لإعطاء الشواذ كل الحقوق، باعتبار أن ذلك الفعل من الحرية الشخصية التي لا تُمس، فالشاذ جنسياً في بريطانيا كان يُعاقب بالحبس والغرامة، وبعد أن طرحت المؤتمرات الدولية ذلك المصطلح خففت العقوبة وصارت غرامة بغير حبس، وبمضي الوقت وبعد أن فرضته تلك المؤسسات ألغيت العقوبتان وأصبح الشذوذ مباحاً، وتطورت المسألة وطالب الشاذون بحقوقهم في الوظائف العامة، وأصبح التعريض بهم تمييزاً عنصرياً يحاسب عليه القانون، وأصبحت دور العبادة عندهم تبارك مثل هذا الزواج وتعطيه الحقوق المتبعة في الزواج الطبيعي من ميراث وحقوق مالية والتبني. ووصل الأمر في هولندا باتهام من ينتقد الشذوذ بأنه تعد على القيم! حيث رفعت أكثر من خمسين منظمة في هولندا العرائض على رجل انتقد الشذوذ علنا.
بل امتد الأمر إلى أقصى درجات الضغط التي يمارسها النظام العالمي الجديد، حيث أصبح من شروط انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي ـ مثلاـ الاعتراف بالشذوذ الجنسي.
مصطلح «الجندر» في بطاقات الطيران
في بطاقات الطيران ـ في الغرب والولايات المتحدةـ كان يُكتب مصطلح لتحديد نوع الراكب (ذكر أو أنثى)، ويصطلح عليها بكلمة الجنس، اختفى هذا المصطلح ليحل محله مصطلح جديد وهو: Gender جندر، والسر في هذا التبديل أن كلمة الجنس تعني الوضع التشريحي، أي الأعضاء التناسلية التي تميز الذكر من الأنثى ـ أما كلمة Gender فلا يهمها الوضع التشريحي، بل يُقصد بها ميول الشخص لعله يكون ذكرا يشعر بمشاعر الأنثى أو العكس، وعليه أن يظهره بلا حياء ولا خجل، من باب الحرية الشخصية!
الأسرة في مفهوم «الجندر»
كانت الأسرة في الماضي ـ في الشرق والغرب ـ تضم ثلاثة أجيال الجد والجدة، والأبناء وزوجاتهم، والأحفاد، ومن ثم انكمشت الأسرة إلى الأسرة التي تضم رجلاً وزوجته وطفليهما، وأطلق عليها مصطلح «الأسرة النووية»! ويقصدون بذلك الأسرة الأساسية، أي نواة تكوين الأسرة.
أما الآن فأصبحوا يسمون الأسرة النووية «الأسرة الأساسية»، وظهرت مسميات وأنماط لأسر مختلفة ـ غريبة الأطوار وغريبة عن الفطرة والإنسانيةـ لتكريس المفهوم الغربي للأسرة، وأنها تتكون من شخصين يمكن أن يكونا رجلا وامرأة أو من نوع واحد، نذكر نماذج لتكوينها:
• أب مع أطفاله وصديقته أو أطفالهما.
• أم وصديقها مع أطفالها أو أطفالهما.
• أم وصديقتها مع أطفالها أو أطفالهما.
• أب وصديقه مع أطفاله أو أطفالهما.
• أم وأب وصديقه وأطفالهم، وبذلك حدث تعديل طفيف إذ انضم للأسرة عشيق الأب ووافقت الأم على ذلك!
• أم وأب وصديقتها وأطفالهم!
و«الأطفال غير الشرعيين» كانوا يسمون بهذا الاسم، ولكنهم أصبحوا يسمون «أطفال أم غير متزوجة»، ثم اكتسبوا أخيراً اسماً حتمياً لطيفاً هو «أطفال طبيعيون» يعني أن الحادث تم قيده ضد مجهول أو أنه ثمرة الطبيعة. وأخيراً أصبحوا يسمون «أطفال الحب (الجنس)» مع أنه في واقع الأمر، هؤلاء الأطفال لا علاقة لهم بالحب أو الكره، فهم نتيجة علاقات عابرة لقضاء شهوة آنية، ومهما كان المعنى المقصود، فإن تلك المصطلحات تخفي الأصول، وتجعل ظاهرة الأطفال غير الشرعيين ظاهرة طبيعية تماماً، والانتقال من الحرام إلى الحياد ثم إلى الحلال.
الفلسفة الجندرية والحرب على الرجال
الفلسفة الجندرية فلسفة غربية جديدة تتبناها منظمات نسويّة غربيّة استطاعت أن تخترق بعض المستويات العليا في منظمات عالميّة، مثل منظمة الأمم المتحدة، وأفلحت كذلك في عقد مؤتمرات دوليّة تخص قضايا المرأة، كان من أشهرها مؤتمر بكين عام 1995م.
والسياسات الجندريّة تسعى إلى الخروج على الصيغة النمطيّة للأسرة، وتريد أن تفرض ذلك على كل المجتمعات البشرية، وتسعى إلى تماثل كامل بين الذكر والأنثى، وترفض الاعتراف بوجود الفروقات، وترفض التقسيمات، حتى تلك التي يمكن أن تستند إلى أصل الخلق والفطرة.
فهذه الفلسفة لا تقبل بالمساواة التي تراعي الفروقات بين الجنسين، بل تدعو إلى التماثل بينهما في كل شيء. وهذه الفلسفة لا تقوم على أسس علميّة، بل هي تصورات فلسفيّة تتناقض مع معطيات العلم الحديث، وتتناقض مع الواقع الملموس للرجل والمرأة. ولا تملك هذه الفلسفة الدليل على إمكانية إلغاء الفروق بين الرجال والنساء. وليس لديها الضمانات التي تجعلنا نطمئنّ إلى أنّ تطبيق هذه الفلسفة سيأتي بنتائج إيجابيّة.
وهذه الحركات الأنثوية المتطرفة أعلنت بفلسفتها الحرب ضد الرجال والمطالبة بعالم بلا رجال! رادف ذلك الهجوم بشكل مكثف على مؤسسة الأسرة باعتبارها مؤسسة قمع وقهر للمرأة، والبديل هو الارتباط الحر والحرية الجنسية، بل تجاوز الأمر إلى الدعوة إلى الشذوذ الجنسي (السحاق) باعتباره شكلا ملائما للخروج من سيطرة الرجل العدو! ومن ضمن ما دعت إليه تلك الحركات إلغاء دور الأب في الأسرة ورفض السلطة الأبوية، كما رفضت الأسرة والزواج وأباحت الإجهاض ورفضت الأمومة والإنجاب وأباحت الشذوذ الجنسي وبناء الأسرة اللانمطية، حيث رأت الحركة الأنثوية أن إباحة الشذوذ وسيلة لكي تتخلص المرأة من تبعيتها للرجل ومن سطوته أيضا وتخلصها من مشكلات الإنجاب والولادة والأمومة، وتثبت المرأة من خلالها أنها تستطيع أن تستقل بذاتها وتستغني عن الرجل تماما!
رأي الشرع في «الجندر»
جاء في الفتوى الصادرة عن دار الإفتاء المصرية للدكتور علي جمعة ما يفيد بأن «مساواة الجندر» والتي تعني التساوي المطلق بين الرجل والمرأة يرفضها الإسلام، والشأن بين آدم وزوجته حواء المساواة في الحقوق، والواجبات، وفي الإنسانية، وفي التكليف، وليس الشأن بينهما هو التساوي في الخصائص والوظائف، ولذا نرى الشرع الإسلامي قد نهى عن تشبُّه كل فريق بالآخر، التشبُّه الذي يخل بتوازن الكون وبمراد الله من خلقه».
وفي بيان مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر جاء القول: «استخدم كلمة نوع (جندر) عشرات المرات بمعان محرَّفة ترمي إلى إلغاء الفوارق بين الذكور والإناث، وتحويل الإنسان إلى مسخ لا هو بالذكر ولا بالأنثى، وذلك مع الإيهام ببراءة القصد وسلامة الهدف».
مصدر: موقع جريدة الرؤية
عيسى القدومي
اترك تعليق