مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

قوة الإرادة: تعلّمت وعلّمت...

قوة الإرادة: تعلّمت وعلّمت... (من سيرة المناضلة خديجة حرز)

(من سيرة المناضلة خديجة حرز)
.. لم أدرس منذ صغري في المدرسة، فوالدي كان يرى أن يتعلّم أخي, لأنه لم يكن في المدرسة إلاّ بنت واحدة وهي ابنة المختار وكذلك ابنة الشيخ الذي يعلم في المدرسة في بلدة مجدل سلم.
 لذلك كنت أقف على أبواب المدرسة, بالضيعة، وكان أخي يدرس فيها وأنا لا، فأقف في الخارج وأنظر وأستمع إلى ما يردّدون من النشيد اللبناني، وكلمات أخرى كالدعاء أو بيت شعر لرشيد نخلة أو إيليا أبو ماضي، وأتذكر منها هاتين الكلمتين: "ربي راعي والديّ كما راعيتني", وكانوا يردّدونها صباحاً، فآتي إلى البيت وأردّدها. وفي  كل سنة كان أبي -عندما يسمعني "أسمّع" الدرس بدلاً من أخي- يقول: "خلص يجب أن نضع خديجة بالمدرسة فهي ذكية"، عندها أبدأ بالحلم بالحقيبة والكتب وبالشرائط البيضاء التي يضعنها فتيات المدارس في شعرهن, مع المريول الكحلي.. وتحلّ السنة المقبلة، ولا يقوم والدي بتسجيلي في المدرسة بحجة أنّه سيتكلف عليّ وفي النهاية سأذهب إلى بيت زوجي...
بعدها انتقلنا إلى المدينة...
في يوم من الأيام –وكنت قد بلغت الثالثة عشر من عمري-  عدت الى البيت فرأيت والدتي جالسة على عتبة البيت تفكر, فسألتها: ما بك؟ أخبرتني  بأنها تفكر أن تخبر الأستاذ توفيق [مدير مدرسة تقع قرب دارنا] بإرسال خديجة الى المدرسة. وما إن سمعت ذلك حتى شعرت بأن الأبواب قد فُتحت لي, فذهبت إليه مباشرة وقلت له أنّني لست متعلمة لكنّي أحب العلم, وكانت المدرسة ملاصقة للبيت وهي مدرسة خاصة غير رسمية, وتحمل اسم "معهد لبنان الحديث"، فصممت أن انتج أكثر في العمل –وقد كنت أعمل في الخياطة- ولا أخبر أمي حتى أكمل المبلغ المطلوب للدراسة والذي ستدفع والدتي جزء منه, حينها اتفقت على مبلغ مع الأستاذ وأخبرت أمي أنّه أقل من ذلك.
وبدأت بالذهاب إلى المدرسة وكنت نحيلة وطويلة، دخلت في البداية إلى الصف الأول وأحضرتُ الكتب، حيث ذهبت إلى الإدارة بنفسي وأحضرت لائحة بالكتب التي يجب أن أحضرها, ودخلتُ إلى الصف والتلاميذ جميعهم صغار في عمر 7 سنوات, حينها تضايقتُ كثيراً وشعرت بالخجل وبدا عليّ ذلك، وأتى المدير للتفقد فرأى العرق يتصبب مني، عندها ناداني وطلب مني الحضور إلى مكتب الإدارة وقال لي "أنت متضايقة لأنهم جميعاً صغار؟!"  أجبته: "نعم" , فقال: "تأتين وتدرسين هنا وأعطيك الدروس هنا في قسم الادارة".
وكان هذا أول يوم لي في المدرسة، وصرت، كل ثلاثة أيام، أنهي الكتاب كله وكنت أجد القراءة سهلةً عليّ، مع العلم أنني لم أقرأ الكتاب من قبل، وذلك لأنني كنت متعطشة جداً للعلم وأحبه كثيراً، ثمّ بدأت بقراءة قصص لجبران خليل جبران مثل الأجنحة المتكسرة والنبي، وكنت أعيد قرائتها عدّة مرات حتى أفهمها، ولم يكن أحد يساعدني من أخواتي، فقد كانت أختي الموجودة معي، والتي هي أكبر مني سناً، أُميّة. 
 وقد بقيت أدرس حتى أكملت السنة لكنّي لم أستطع الاستمرار والسبب كان أن مرضت بالتهاب اللوزتين, ودخلت المستشفى, وأُجريت لي عملية جراحية لنزع "اللوز".
أجريت العملية في مستشفى الوزيس بجديدة المتن بمنطقة الدكوانة، وقالت الراهبات في المستشفى لأمي "بما أنكم من الجنوب وبلادكم جميلة, خذيها إلى الجنوب لأنّها ضعيفة وبحاجة إلى الراحة"، حينها أخذتني أمي إلى الضيعة وكنتُ قد أصبحت تقريبا في الخامسة عشر من عمري. ولم أعد الى المدرسة لكن بدأت بقراءة الكتب وما يتوفر لديّ من قصص أدبية لجبران وكذلك روايات عالمية أستعيرها من المكتبات بقيت أدرس في المنزل, وخصوصا عبر كتب أخي.
وكنت أقرأ الروايات العالمية على مسمع صديقاتي، فقد قرأت لهنّ رواية بائعة الخبز وقد انجذبن إليها وتشوقن إلى معرفة تفاصيلها. وعندما وجدت الاهتمام، لديهنّ فكرت أن أعلمهنّ القراءة والكتابة، وهذا ما حصل، فكانت كلّ واحدة منهنّ تأتي وبيدها كتاب وقلم ودفتر...


مصدر: أرشيف مشروع التأريخ لدور المرأة في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي
        اعداد وتحرير موقع ممهدات

التعليقات (0)

اترك تعليق