مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

رغم أنها تبحث عن المكسب والإثارة في مواجهة برامج التلفزيون... الخسارة مضمونة

رغم أنها تبحث عن المكسب والإثارة في مواجهة برامج التلفزيون... الخسارة مضمونة

كل محاولات المنع والسيطرة فشلت في الماضي والأكيد أنها تفشل اليوم وسوف في المستقبل فقد استولى الصندوق السحري المسمى بالتلفزيون على عقول الكبار وقلوبهم قبل الصغار وتعدى تأثيره الأفراد إلى المجتمعات والعلاقات الاجتماعية، ومنذ بدأ البث عبر الأثير والجميع يشكو ويخاف ويمنع... وفي النهاية تذهب كل المحاولات أدراج الرياح... فقد تحول ذلك الصندوق إلى الآمر الناهي في حياتنا وبات الجميع أسرى الجلوس أمامه بالساعات... بعد أن جاء بالعالم بين أيدينا.
لكن ليس كل ما يلمع ذهبا: فقد جاء وجاءت معه العديد من السلبيات فمرات كثيرة يفاجئ الواحد منا خلال جلسة عائلية بما لا يسر، فبين قنوات إخبارية لا تنقل سوى أخبار الموت والدمار والصراعات، وأخرى تعرض كل ما هو مبتذل من رقصات وكليبات، وثالثة لا تقدم سوى مسلسلات وأفلام تبث عادات وتقاليد مجتمعات لا ننتمي إليها.
ومع كل هذا الصخب تضيع الخيارات، وكم هي كثيرة تلك المرات التي اضطررنا فيها إلى غلق جهاز التلفزيون للتخلص من الإحراج مع العائلة أو لفظاعة المناظر التي نشاهدها، لا ننكر أن التلفزيون جهاز لا يمكن الاستغناء عنه رغم كل التطورات التكنولوجية. لكن يبقى السؤال كيف لنا أن ننتقي ما نشاهده أو يتابعه أبناؤنا؟ فبعض العائلات لا تهتم إلا بتشفير كل ما قد يخل بالخياء وتتجاهل أن العنف قد يضر بالأطفال. ويسهم رغما عنا في تكوين شخصيات أطفالنا دون علمنا. كل الأسرة تناولت طرق تصرف الأولياء مع المحتوى الذي تقدمه القنوات التلفزيونية، وعرضت الحلول في هذا التحقيق.
نعم للتشفير
يؤيد تماما فكرة تشفير القنوات أو حذفها كليا من جهاز الاستقبال إن كانت تبث مالا يتلاءم مع عاداتنا وتقاليدنا، جاسم عبد الله واحد من الذين يحرصون على إبعاد أطفالهم قدر المستطاع عن التلفزيون، يقول جاسم: خصصنا غرفة للطفال نجهزها بالألعاب وكل ما يسليهم، لكنني فضلت ألا يكون فيها تلفزيون وعوضناه برسوم متحركة نختارها وفق سنهم وما يناسب تربيتنا لهم. ونعرضها لهم على "الآيباد" والأجهزة الإلكترونية، لكي لا يشاهدوا شيئا بدون مراقبتنا، أما بالنسبة للكبار فكثيرا ما تجدنا أمام لقطات مخجلة وأخرى عنيفة تخدش حياءنا أو تجرح مشاعرنا، لكننا نتحاشى مثل تلك البرامج والقنوات، وعني شخصيا لا أثق إلا بالقنوات المحلية التي تعرض كل ما يوافق عاداتنا وتقاليدنا، وتسهم في تربية أطفالنا وفق ما تفرضه أخلاقنا لا ما يطلبه سوق الإعلام، فحتى قنوات الأطفال مثل mbc3 لا أثق بها، لأنها تستورد الرسوم المتحركة من دول غربية مختلفة عاداتها وتقاليدها عنا دون أن تراقبها، أو تعدلها.
لا تجلب سوى المشكلات
يرى عبد الله الشامسي أن برامج التلفزيون سواء تلك الموجهة للكبار أو الصغار أصبحت لا تجلب سوى المشكلات، موضحا: القنوات الإخبارية دم ومناظر لا تطاق، والقنوات العامة مسلسلات تافهة أو برامج تضيع وقتك، ونادر جدا أن تجد على التلفزيون ما ينفعك ويتوافق مع تفكيرك وعاداتك وتقاليدك إلا على القنوات المحلية، لكن كثيرا ما نجد نساءنا يشاهدن مسلسلات تركية أو لاتينية مدبلجة ويلتف حولهن الأطفال بإدراكهم المحدود لينهلوا من تصرفاتهم، وربما يقومون بها في المستقبل في غياب التوجيه.
لذا أنا دائما أنصح زوجتي بالحرص، لكن المشكلة أن البرامج أصبحت تضر الكبار والصغار، فالإعلام أصبح يبحث عن الربح ولا يراعي عاداتنا وتقاليدنا ولا أخلاقنا وهويتنا، وما أستغربه أن تبث قنوات عربية تنمي إلى دول إسلامية بعض البرامج المخلة بالحياء.
وتتفق نرمين نبيل مع الرأيين السابقين ولا تجد حلا غير التشفير في مواجهة القنوات التي تبث ما يتعارضمع أخلاق عائلتها وما قد يعيق تربية أطفالها، تقول ما نراه أن بعض التلفزيونات العربية أصبحت تبث برامج تخدش الحياء، وحتى القنوات الخاصة بالأطفال تبث ما لا يتلاءم مع تربيتنا نهائيا، لكن كأولياء يجب ألا نترك أطفالنا يشاهدون كل ما يعرض، وتخفف حسب المراحل العمرية للأطفال، وبرامج التلفزيون في زمننا هذا أصبحت تضر كل شرائح المجتمع. وكل الأشخاص كبارا كانوا أم صغارا.
لا تتركها أمها تشاهد إلا كل ما هو عربي او أجنبي يكون أكشن، أو برامج عامة تقول ليلى إسماعيل: لا تفرض والدتي علينا رقابة مباشرة، لكنها تقوم بنصحنا وتشاهد معنا التلفزيون، وهي تناقشنا فيما يصح وما لا يصح، ثم إنني وصلت إلى سن أستطيع فيها أن أميز بين الخطأ والصواب، وأشاهد ما يناسب عاداتنا وتقاليدنا وما يناسب سني، وبالعكس أساعد أمي في تربية إخوتي فتجدني أشاهد معهم برامج الأطفال وأخبرهم بما يصح وما لا يصح، كما كانت تفعل أمي معي بالضبط، لكن لا يصحّ المنع، لأننا في عالم مفتوح، والإنترنت يوفر ما لا يوفره التلفزيون، فطريقة الإرشاد هي المثلى.
لا غني عن الأكشن
بالنسبة لبشار فإن أفلام الأكشن والرعب والعصابات لا غنى عنها، يقول أحب مشاهدة الأفلام الأميركية التي تتناول قصص العصابات، وأفلام الرعب، ولا يمنعني أحد منها، فهي جميلة وكثيرا ما تنتهي بانتصار الخير، والقضاء على الشر، ولا يوجد فيها ما يسيء إلى عاداتنا وتقاليدنا، بل بالعكس هي تقوي شخصيتنا وتنبّهنا كيف ندافع عن أنفسنا، وتجعلنا ننتبه كي لا يستغفلنا الناس.
يرى عمر أنه لا جدوى من انتهاج سياسة المنع، والرفض والتشفير، يقول: نعيش في عالم مفتوه، فإن استخدم اباؤنا المنع، واجههم الأطفال بالعناد، فنحن لا نحب كلمة ممنوع، لكننا نمتثل حين يكون المنع بالنصح والتوجيه، ثم من يكون والده صديقه فإنه سوف يشاهد معه البرامج التلفزيونية ويلعب معه "البلاي ستيشن" وبذلك يمكن أن يقول له دعنا نشاهد هذا، وذلك ليس بالجيد فمحتواه سيئ إلى غير ذلك، وهو ما يفعله معي والداي حين يقولون وأنا أمتثل لهما، فلا أحد يمنعني لكنهم يشرحون لي.
تسيء إلينا
كسابقيها اعتبرت شروق هشام أن الرقابة والمنع قد يؤديان إلى نتيجة عكسية، تقول: جيلنا أكثر معرفة بخبايا الانترنت والتكنولوجيا، لذا لا يجدي معه المنع التعسفي، فما يمنعوننا عنه من التلفزيون بيمكن أن نشاهده عن طريق الانترنت، لذا فالأفضل أن نعرف لماذا المنع، وتقوية الوازع الديني مما يجعلهم يفرضون على أنفسهم رقابة شخصية.
ثم ليس الأفلام الغربية وحدها التي تتعارض مع عاداتنا وتقاليدنا، فكم هي كثيرة تلك البرامج الحوارية العربية التي تبثّ في قنوات عربية لكنها تخل بالحياء العام وتسيء، وتجد المحاور لا يحمل أدنى احترام للعائلة العربية ويسأل أسئلة مبتذلة! وكم من أفلام عربية لا يمكن لأي منا أن يشاهدها لما تحمله من لقطات فاضحة، في حين نجد بعض الأفلام الأجنبية تحمل في طياتها رسالة تربوية، وتفيدنا كثيرا.
تشاهد جنا هشام التلفزيون مع أهلها ولا تلفاز خاصا لديها، تقول جنا: ليس لدي تلفزيون خاص بي، لكنني أشاهد مع والدتي المسلسلات المدبلجة، ومع والدي أفلام الأكشن والرعب ولا أحد يمنعني عنها.

بعض الحلول أعطانا إياها أستاذ التطوير الذاتي عبد الله القايدي الذي رأى بأن وسائل الإعلام تضر بالمجتمع كله وليس الأطفال فقط، فإذا ما تم بث أفكار غير صحيحة أو لا توافق عاداتنا وتقاليدنا فإنها تضر المجتمع عموما، بغض النظر عن عمر المتلقي أو مستواه العلمي، لذا على الأأهل أن يقوموا بتقنين ساعات مشاهدة التلفزيون، مع اختيار البرامج المناسبة، واشغال وقت فراغ الأولاد بتنمية الهوايات والقدرات، وخلق أجواء عائلية تغني عن مشاهدة التلفزيون، تقليل المحتوى السيىء عن طريق التشفير حتى لا يتم الوصول إليه بسهولة، لكن المنع المباشر غالبا لا يجدي، بل يجب خلق وازع داخلي، والأفضل مشاهدة التلفزيون مع الأأطفال، وشرح ما يلائم وما لا يلائم، حيث أجعله يرفض الخطأ من داخله وعن قناعة.
الرقابة بالتربية
ترى مريم سلطان أن الرقابة يجب أن تكون بالتربية المهم أن نزرع في أطفالنا القيم والمبادىء، وبالتالي فإنهم سيمنعون أنفسهم من مشاهدة ما يتعارض مع تربيتهم، لكن العائلة العربية تخطىء حين تمنع كل ما هو يسيء للتربية فقط والاخلاق ونتغاضى عن مشاهد العنف والرعب التي يمكن أن تضر الأطفال، فنحن نربي جيلا قد يصبح عنيفا بسبب ما يشاهده في التلفزيون، ثم حتى الرسوم المتحركة التي يشاهدونها ملأى بمشاهد العنف التي يطبقونها لاحقا في حياتهم، وفي شجاراتهم.

جيل الإنترنت
من الناحية النفسية تقول الاستشارية النفسية هند البدواوي إن الممنوع مرغوب لذا فهي ضد طريقة المنع والتشفير والمسح، وتوضح: أنه أصبحت الأجيال تعيش في عالم مفتوح، يكنهم فيه أن يشاهدوا ما لا يخطر على بال، سواء عن طريق الإنترنت والوسائل التكنولوجية خاصة أنهم أكثر تفوقا منا لذا فإنني أفضل أن نعتمد طرق التوجيه، وطرق أخرى كأن نقطع حبل أفكار الطفل حين تركيزه مع موقف نرى بأنه خطأ، ونساله عن رأيه في الموقف ونجعله ينقده، ويقتنع بأنه لا يصح، وذلك قبل أن يخزنه في اللاوعي ويظهره من خلال تصرفاته، فتربية الجوهر أكثر نجاعة من فرض الرقابة الذي يمكن أن نفرضها.
خاصة أن أغلب البرامج أصبحت ترسخ لثقافة مبدأ الأخذ دون عطاء أو مجهود، وذلك يتنافى مع عاداتنا وتقاليدنا، وهو نفسه ما تفعله الرسوم المتحركة التي أظهرت للطفل أنه يمكن أن يحصل على كل ما يريد إذا أصبح شريرا. وأفضل طريقة للتخلص من تلك الآثار هي الحوار والنقاش والشرح للأطفال، لكن ليس الصغار فقط فنحن كذلك نعاني من ترسبات ما يعرض علينا، ومثال ذلك عندما نتهم الرجل العربي بأنه غير رومنسي، ونتجاهل بأن الله عز وجل قال: (ليس الذكر كالأنثى) فطبيعة الرجل تجعله يعبر بطريقة عملية، وتلك المسلسلات الغير واقعية تجعلنا نقارن حال أزواجنا في بعض المواقع بهؤلاء الممثلين وهو ما يجعلنا نشعر بعدم الرضا ومرارة الحياة، فما يبث لنا هو منتجات لا أخلاقية هدفها ربحي لا أكثر، تحتاج منا إلى وقفة لنختار منها ما يناسبنا وما لا يناسبنا.
التربية تبدأ من البيت
رأى مدير قناة "الدار" هاشم القيسية أن أصعب المشكلات التي تواجهها التلفزيونات العربية هي عدم توفر البرامج النوعية للأطفال، يقول هاشم: نحاول أن ننتج بعض البرامج الموجهة للأطفال والتي تناسب عاداتنا وتقاليدنا وتكون هادفة، لكنها تظل قليلة مقارتة بالبرامج المستوردة، لذا فاعتماد السوق على الأفكار الغربية يجعل من أطفالنا متلقين لأفكارهم وفق ما يرونه هم، نقص آخر تعاني منه القنوات العربية وهو التنويه، فتجد التلفزيونات نتغاضى عن الإعلان عن البرامج إذا ما كانت تصلح لأن يشاهدها الأطفال، أو تحمل مشاهد رعب أو مشاهد غير لائقة، أو يمكن أن تشاهدها العائلة مجتمعة أم لا، لأن الأعمال العربية غير مصنّفة في أغلبها، وأنا قبل أن أكون مسؤولا عن قناة تلفزيونية أب لأطفال تهمني تربيتهم، لذا تجدنا نحاول دوما أن نراعي العائلة العربية وعاداتها وتقاليدها، فالتربية تبدأ بالبيت لكن يشارك فيها المجتمع والإعلام والمدرسة، وعلى كل طرف تحمل مسؤوليته المجتمعية.
بطاقة فنية
ازداد عدد القنوات التلفزيونية الفضائية المجانية في العالم العربي ليصل إلى ٧١٦ في مايو ٢٠١٣. تبث هذه القنوات على أنظمة عربسات، نايل سات، نورسات وياه لايف (يشمل العدد القنوات تحت البث التجريبي). غالبية القنوات تبث بجودة قياسية(SD)، في حين تصل نسبة القنوات التي تبث بجودة عالية (HD) إلى ٩٫٧٪.
لا يزال عدد القنوات التلفزيونية المجانية الفضائية التي تستهدف المنطقة العربية مستمرا في النمو، حيث ازداد عدد القنوات التلفزيونية الفضائية المجانية والتي تبث بجودة قياسية بنسبة ٥٩٫٩٪ ما بين / يناير ٢٠٠٤/ مايو ٢٠١٣.

المصدر: مجلة كل الأسرة - العدد - 1038، 4 سبتمبر/ أيلول 2013 - 28 شوال 1434
تحقيق: حنان غربي

التعليقات (0)

اترك تعليق