مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

علاقة السيدة رقيّة بأبيها الإمام الحسين(ع)

علاقة السيدة رقيّة بأبيها الإمام الحسين(ع)

١- تفرش سجّادة الصلاة كل يوم لأبيها:
ينقل الشيخ الخلخالي فيقول: نقل البعض عن كتاب "سرور المؤمنين" فقال: إنّ السيدة رقيّة(ع) كانت كل يوم في أوقات الصلاة تفرش سجّادة سيد الشهداء(ع) ليصلّي عليها.
وفي يوم عاشوراء لمّا حان وقت صلاة الظهر جاءت وفرشت السجّادة وجلست تنتظر والدها ليأتي ويصلّي، وفيما هي على ذلك الحال إذا بشمر اللعين يدخل الخيمة فتساءلت منه السيدة رقيّة(ع) وقالت: ألم تر والدي؟ فلم يجبها اللعين إلاّ أنّه أمر غلام أن يأتي ويضربها فامتنع الغلام فجاء اللعين بنفسه ولطمها على وجهها لطمة علم الله ماذا صنعت هذه اللطمة بأهل السماء(1).
٢- بنيّة إليّ إليّ:
ينقل الشيخ الخلخالي فيقول: أن السيدة زينب(ع) في ليلة الحادي عشر من محرم جمعت العيال في خيمة قد احترق نصفها، وبقيت تحرس النساء والأأطفال طيلة تلك الليلة وبينما هي كذلك أخذتها غفوة فرأت والدتها الصديقة الزهراء(ع) وقالت لها: أماه أما تدرين بما جرى علينا؟.
فأجابتها الصديقة الزهراء(ع): لا تحرقي قلبي بعتابك يا بنية، قالت العقيلة زينب: إذن لمن أشكو شجوني؟.
فتأوهّت الصديقة الزهراء(ع) وقالت: لقد كنت حاضرة عندما حزّ اللعين رأس ولدي وفصل رأسه عن بدنه، ثم أنها(ع) قالت: والآن ابحثي عن عزيزة الحسين رقيّة(ع) فلم تجبها، فخرجت مع السيدة أمّ كلثوم تبكيان يبحثن عنها، وبينما هما كذلك صوت السيدة رقيّة(ع) بين القتلى.
فتوجّهنا نحو القتلى وإذا بالسيدة رقيّة(ع) قد ألقت بنفسها على جسد أبيها وهي تشكو إليه بما جرى عليهم.
فهدّأتها السيدة زينب(ع) ورفعتها عن جسد والدها.
ولم تمض لحظات إذا بالسيدة سكينة تأتي فرجعوا معا، وفي أثناء الطريق التفت السيدة سكينة إلى السيدة رقية(ع) وقالت: كيف وجدت جسد أبي؟ فأجابتها السيدة رقيّة: بينما كنت أصيح في البيداء أبتاه...أبتاه...إذا بصوت والدي يتهادى إلى سمعي قائلاً: بنيّة إليّ إليّ...(2).
٣- قف لي هنيهة لأراك وأتزوّد منك:
ينقل الشيخ الخلخالي فيقول: نقل في بعض الأخبار: أن السيدة سكينة(ع) قالت لإحدى أخواتها -ويحتمل أن تكون السيدة رقيّة- يوم عاشوراء:
هلمّي نأخذ برداء والدي ونحول بينه وبين الذهاب إلى الميدان.
وعندما سمع سيد الشهداء(ع) صوتهنّ بكى كثيرًا، وإذا بالسيدة رقيّة(ع) تناديه قائلة:
أبتاه! لن أحول دون ذهابك إلى الميدان ولكن قف لي هنيهة لأراك وأتزوّد منك.
فأخذها سيد الشهداء(ع) في حضنه وجعل يقبلّها ويصبّرها وإذ بها تقول له:
أبتاه، العطش العطش، فإنّ الظمأ قد آلمني.
فأشار عليها الإمام الحسين(ع) أن تدخل الخيمة ليذهب إلى الميدان ويطلب لها ماءً وما أن أراد سيد الشهداء(ع) ذهاب إلى الميدان إذا بالسيدة رقيّة(ع) تأخذ بأذياله من جديد وهي تقول:
أبتاه أين تمضي عنّا؟.
فأخذها الإمام الحسين(ع) في حضنه ثانية وطيّب خاطرها وهدّأ من روعها ثمّ ودّعها بقلب حزين(3).
٤- عزيزة قلب الحسين(ع):
ينقل الشيخ الخلخالي فيقول: على الرغم أنّ كلّ وقائع وداع سيد الشهداء(ع) مع أهل بيته(ع) مؤلمة ومحزنة إلّا أنّ الوداع الأخير وهو وداعه مع عزيزة قلبه الصغيرة السيدة رقيّة(ع) أكثر حزنا وأشدّ إيلاما على قلوب المؤمنين.
فمن كلام لهلال بن نافع الذي كان في جيش عمر بن سعد قال فيه: كنت واقفًا خلف صفوف العسكر فرأيت الإمام يتقدّم نحو الميدان بعد أن ودّع عياله وأهل بيته، وفي ذلك الأثناء شاهدت طفلة خرجت من الخيمة ورجليها ترجفان فأخذت تعدو خلف الإمام الحسين(ع) حتى وصلت إليه وتشبّثت بأذياله وهي تقول: أبتاه أنظر إليّ فإنّي عطشانة.
وما أن سمع سيد الشهداء(ع) هذه الكلمات المشجية من عزيزة قلبه رقيّة(ع) إذا به ينقلب حاله ويجهش بالبكاء فخاطبها بدموع جارية وقال: الله يسقيك فإنّه وكيلي عليكم.
يقول هلال بن نافع: سألت من هذه الطفلة؟ وما هي علاقتها بالإمام الحسين(ع): فقالوا لي: إنّها السيدة رقيّة صغيرة الإمام الحسين(ع)(4).
٥- امتناعها عن شرب الماء تأسيًّا بأبيها:
ينقل الشيخ الخلخالي فيقول: ونقل ابن الجوزي في كتابه "مفاتيح الغيب" أنّ صالح بن عبد الله قال: عندما أحرقوا الخيام وفرّ أهل البيت(ع) في كلّ مكان رأيت طفلة قد أخذت النيران بأطرافها وهي تبكي وتفرّ من الأعداء فرقّ قلبي لها ودنوت منها لأخمد النيران، ولما سمعت صهيل فرسي اشتدّ خوفها وارتاعت أكثر فقلت لها: لا بأس عليك بنيّة لا تخافي إنّما هي النيران قد عقلت بأطرافك وأردت أن أخمدها.
وبينما كنت أطفأ النيران في أذيالها التفت إليّ وقالت:
يا شيخ أنا عطشانة، فهل إلى شربة من الناء سبيل؟.
فرقّ قلبي لها وناولتها قدحًا من الماء. فاخذت القدح وجعلت تتمعّن وتتحقّق النظر فيه وهي تتحسّر، ثم أنّها تركتني وجدّت في السير، فتساءلت منها وقلت: إلى أين تريدين؟ فقالت: إنّ أختي الصغيرة هي أشدّ منّي عطشًا.
فقلت لها: لا تخافي، فلبن يمنعوكم من الماء بعد اليوم، وريثما أخبرتها بذلك التفت إليّ والحزن والألم بادي على وجهها وقالت: أسألك يا شيخ، لقد كان والدي عطشانًا حينما ذهب إلى الميدان، فهل سقوه ماءً؟.
فقلت لها: بنيّة والله لقد سمعته إلى اللحظات الأخيرة وهو ينادي: اسقوني شربة من الماء.
فلم يسقه أحد حتى قضى عطشانًا. فانتحبت لعطش والدها عن شرب الماء.
وقد نقل بعض الفضلاء أنّ هذه الطفلى كانت السيدة رقيّة(ع)(5)


الهوامش:
(1)السيدة رقية للخلخالي: ص ١٥٩.
(2)السيدة رقية للخلخالي: ص ١٥٩.
(3)وقائع عاشوراء للسيد محمد تقي مقرم: ص ٤٥٥. حضرة رقيّة للشيخ علي الفلسفي: ص ٥٥٠.
(4)حضرة رقية للشيخ علي الفلسفي: ص ٥٥٠.
(5)مفتاح الغيب: ١٥٨.


المصدر: الفتلاوي، الشيخ علي: المرأة في حياة الإمام الحسين(ع). ط1، مكتبة العتبة الحسينية المقدّسة، 1429هـ- 2008م.


التعليقات (0)

اترك تعليق