مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نعي زينب (عليها السلام) للحسين (عليه السلام)

نعي زينب (عليها السلام) للحسين (عليه السلام)

نعي زينب (عليها السلام) للحسين (عليه السلام) [1]

يقول الراوي حينما سيق حرم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من كربلاء إلى الكوفة: واللّه ما أنسى زينب بنت عليّ وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين: «يا محمداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء وبناتك سبايا، إلى اللّه المشتكى ...».
 
نعي زينب (عليها السلام) للحسين (عليه السلام) [2]
إنّ عمر بن سعد (لعنة اللّه عليه) ارتحل في اليوم الثاني عشر من مقتل الحسين (عليه السلام) وساق حرم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلم) كما يساق الأسرى، حافياتٍ حاسراتٍ مسلّباتٍ باكياتٍ يمشين في أسر الذلّ، فقلن: بحقّ اللّه ما نروح معكم ولو قتلتمونا إلّا ما مررتم بنا على مصرع الحسين، فأمر ابن سعد (لعنه اللّه) ليمرّوا بهم من المقتل حتى رأين إخوانهنّ وأبناءهنّ وودّعنهم، فذهبوا بهنّ إلى المعركة، فلمّا نظرت النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههنّ. قال: فواللّه ما أنسى زينب بنت عليّ وهي تندب الحسين وتنادي بصوت حزين: يا محمداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء وبناتك سبايا، إلى اللّه المشتكى وإلى محمد المصطفى وإلى عليّ المرتضى وإلى حمزة سيّد الشهداء. وا محمداه! هذا حسين بالعراء، تسفي عليه الصبا، قتيل أولاد البغايا، يا حزناه وا كرباه، اليوم مات جدّي رسول اللّه، يا أصحاب محمد، هؤلاء ذرّيّة المصطفى، يساقون سوق السبايا.[1] حتّى إذا وصل الرکب الكوفة خرج الناس لاستقبالهم، فجعلوا يبكون و يتوجّعون، و عليّ بن الحسين عليه السلام مريض قد نهكته العلّة، فجعل يقول: إنّ هؤلاء يبكون و يتوجّعون من أجلنا، فمن قتلنا؟![2]
قال بشير بن خزيم‏ الأسدي: وَرَأَيْتُ زَيْنَبَ بِنْتَ عَلِيٍّ فَلَمْ أَرَ خَفِرَةً[3] أَنْطَقَ مِنْهَا كَأَنَّمَا تُفْرِعُ[4] عَنْ لِسَانِ أَبِيهَا فَأَوْمَأَتْ إِلَى النَّاسِ أَنِ اسْكُتُوا، فَسَكَنَتِ الْأَنْفَاسُ وَهَدَأَتِ الْأَجْرَاسُ، فَقَالَتْ‏: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ. أَمَّا بَعْدُ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ يَا أَهْلَ الْخَتْلِ وَالْخَذْلِ أَتَبْكُونَ فَلَا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ وَلَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ[5] إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي‏ نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا[6] بَيْنَكُمْ‏ وَإِنْ فِيكُمْ إِلَّا الصَّلَفُ النَّطَفُ[7] وَذُلُّ الْعَبْدِ الشَّنِفِ[8] وَمَلَقُ الْإِمَاءِ وَغَمْزُ الْأَعْدَاءِ أَوْ كَمَرْعًى عَلَى دِمْنَةٍ أَوْ كَقَصَّةٍ عَلَى مَلْحُودَةٍ[9] أَلَا سَاءَ مَا تَزِرُونَ إِي وَاللَّهِ فَابْكُوا كَثِيراً وَاضْحَكُوا قَلِيلًا فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَبُؤْتُمْ بِشَنَارِهَا فَلَنْ تَرْحَضُوهَا بغل وَأَنَّى تَرْحَضُونَ قَتْلَ مَنْ كَانَ سَلِيلَ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ وَمَعْدِنَ الرِّسَالَةِ وَمَدَرَةَ حُجَّتِكُمْ وَمَنَارَ مَحَجَّتِكُمْ وَسَيِّدَ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ أَلَا سَاءَ مَا قَدَّمَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَفِي الْعَذَابِ أَنْتُمْ خَالِدُونَ أَتَدْرُونَ أَيَّ كَبِدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ فَرَيْتُمْ وَأَيَّ دَمٍ سَفَكْتُمْ وَأَيَّ كَرِيمَةٍ أَبْرَزْتُمْ لَقَدْ جِئْتُمْ بِهَا شَوْهَاءَ خَرْقَاءَ فَلَا يَسْتَخِفَّنَّكُمُ الْمَهَلُ فَإِنَّهُ لَا تُخَفِّرُهُ الْبَدْرَةُ وَلَا يَخَافُ فَوْتَ الثَّأْرِ وَفِي رِوَايَةٍ فَوْتَ النَّارِ كَلَّا إِنَّهُ لَبِالْمِرْصَادِ فَضَجَّ النَّاسُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ.
قَالَ الرَّاوِي وَرَأَيْتُ شَيْخاً وَاقِفاً يَبْكِي وَيَقُولُ بِأَبِي أَنْتُمْ وَأُمِّي كُهُولُكُمْ خَيْرُ الْكُهُولِ وَشَبَابُكُمْ خَيْرُ الشَّبَابِ وَنِسَاؤُكُمْ خَيْرُ النِّسَاءِ وَنَسْلُكُمْ خَيْرُ النَّسْلِ لَا يُخْزَى وَلَا يُبْزَى.[10] فيا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما.

الهوامش:
[1]. «تسلية المُجالس و زينة المَجالس»، الحسيني الحائري، محمد بن أبي طالب، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، 1418هـ، ج2، ص333.
[2]. المصدر، ص353.
[3]. يقصد المرأة المستورة والمتحجبة.
[4]. أي تبدئ الحديث.
[5]. هذا دعاء على أهل الكوفة بمعنى لا زالت دموعكم جارية وصرخاتكم عالية.
[6]. الدخل بالتحريك بمعنى الدغل والنفاق.
[7]. أي الخيانة والنجاسة.
[8]. الشنف بمعنى المبغض.
[9]. أي كالجص على الضريح وذلك لأن تجصيص الضريح منهي عنه في الروايات.
[10]. «مثير الأحزان»، ابن نما، جعفر بن محمد، قم، مدرسة الإمام المهدي، الطبعة الثالثة، 1406هـ، ص86.

المصدر: موقع الولاية نت.

التعليقات (0)

اترك تعليق