مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نعي زينب (عليها السلام) للحسين (عليه السلام) [1]

نعي زينب (عليها السلام) للحسين (عليه السلام) [1]

نعي زينب (عليها السلام) للحسين (عليه السلام) 
و لسيدتنا زينب الكبرى (عليها السلام) خطب و كلمات تقشعر منها الجلود، قالتها تجاه الظلمة كابن زياد و يزيد (عليهما اللعنة) و هي في الحقيقة كالمصباح في دياجير الظلم و الواجب على أحرار العالم -مسلمين كانوا أو غير مسلمين- أن يقتبسوا من ضياءها.
لما أدخل رأس الحسين (عليه السلام) وحرمه على يزيد (عليه اللعنة) وكان رأس الحسين (عليه السلام) بين يديه في طشت، جعل ينكت ثناياه بمخصرة في يده[1] ويقول: ليت أشياخي ببدر شهدوا*جزع الخزرج من وقع الأسل‏*لأهلّوا واستهلّوا فرحا*ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل‏*لست من خندف إن لم أنتقم‏*من بني أحمد ما كان فعل*لعبت هاشم بالملك فلا*خبر جاء ولا وحي نزل، إلى آخر الأبيات.‏[2]
فَقَامَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) فَقَالَتْ‏: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ أَجْمَعِينَ، صَدَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، كَذَلِكَ يَقُولُ‏: «ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى‏ أَنْ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَكانُوا بِها يَسْتَهْزِؤُنَ».[3]‏ أَ ظَنَنْتَ يَا يَزِيدُ حَيْثُ أَخَذْتَ عَلَيْنَا أَقْطَارَ الْأَرْضِ وَآفَاقَ السَّمَاءِ فَأَصْبَحْنَا نُسَاقُ كَمَا تُسَاقُ الْأُسَرَاءُ، أَنَّ بِنَا هَوَاناً عَلَيْهِ وَبِكَ عَلَيْهِ كَرَامَةً وَأَنَّ ذَلِكَ‏ لِعِظَمِ خَطَرِكَ عِنْدَهُ، فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنَظَرْتَ فِي عِطْفِكَ جَذْلَانَ مَسْرُوراً[4] حَيْثُ رَأَيْتَ الدُّنْيَا لَكَ مُسْتَوْثِقَةً وَالْأُمُورَ مُتَّسِقَةً وَحِينَ صَفَا لَكَ مُلْكُنَا وَسُلْطَانُنَا، فَمَهْلًا مَهْلًا، أَنَسِيتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى:‏ «وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ‏».[5] أَمِنَ الْعَدْلِ يَا ابْنَ الطُّلَقَاءِ تَخْدِيرُكَ حَرَائِرَكَ وَإِمَاءَكَ وَسَوْقُكَ بَنَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ص سَبَايَا؟! قَدْ هَتَكْتَ سُتُورَهُنَّ وَأَبْدَيْتَ وُجُوهَهُنَّ، تَحْدُو بِهِنَّ الْأَعْدَاءُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ[6] وَيَسْتَشْرِفُهُنَّ أَهْلُ الْمَنَاهِلِ وَالْمَنَاقِلِ[7] وَيَتَصَفَّحُ وُجُوهَهُنَّ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ وَالدَّنِيُّ وَالشَّرِيفُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجَالِهِنَّ وَلِيٌّ وَلَا مِنْ حُمَاتِهِنَّ حَمِيٌّ وَكَيْفَ يُرْتَجَى مُرَاقَبَةُ مَنْ لَفَظَ فُوهُ أَكْبَادَ الْأَزْكِيَاءِ وَنَبَتَ لَحْمُهُ مِنْ‏ دِمَاءِ الشُّهَدَاءِ وَكَيْفَ يَسْتَبْطِئُ فِي بُغْضِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ مَنْ نَظَرَ إِلَيْنَا بِالشَّنَفِ وَالشَّنَئَانِ وَالْإِحَنِ وَالْأَضْغَانِ، ثُمَّ تَقُولُ غَيْرَ مُتَأَثِّمٍ وَلَا مُسْتَعْظِمٍ: لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحاً*ثُمَّ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تُشَل، مُنْتَحِياً عَلَى ثَنَايَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَيِّدِ شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟! تَنْكُتُهَا بِمِخْصَرَتِكَ وَكَيْفَ لَا تَقُولُ ذَلِكَ وَقَدْ نَكَأْتَ الْقَرْحَةَ وَاسْتَأْصَلْتَ الشَّافَةَ[8] بِإِرَاقَتِكَ دِمَاءَ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ وَنُجُومِ الْأَرْضِ مِنْ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَتَهْتِفُ بِأَشْيَاخِكَ زَعَمْتَ أَنَّكَ تُنَادِيهِمْ فَلَتَرِدَنَّ وَشِيكاً مَوْرِدَهُمْ وَلَتَوَدَّنَّ أَنَّكَ شَلَلْتَ وَبَكِمْتَ وَلَمْ تَكُنْ قُلْتَ مَا قُلْتَ وَفَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ.[9]
أجل، إنها زينب (عليها السلام) وما أدراك من هي زينب (عليها السلام)؟! البطلة الشجاعة والمجاهدة المضحية والعالمة غير المعلمة والفهمة غير المفهمة. والواجب على المسلمين قاطبة أن يعرفوا قدرها العظيم ويكرموا شأنها الغالي ويكنّوا المحبة والمودّة لها وعليهم أن يقتبسوا من ضياء فكرها وينهلوا من نمير علمها.

الهوامش:
[1]. أي بدأ يضرب أسنانه المباركة بطرف القضيب.
[2]. «تسلية المُجالس وزينة المَجالس»، الحسيني الحائري، محمد بن أبي طالب، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، الطبعة الأولى، 1418هـ، ج2« ص387.
[3]. سورة الروم: 10.
[4]. أي تكبّرتَ وأعرضتَ فرحان مسرورا.
[5]. سورة آل عمران: 178.
[6]. تريد عليها السلام أن الأعداء ساقت بهن من قطر لآخر.
[7]. تعني عليها السلام أنه رفع كل من في الطريق رأسه ينظر إليهن.
[8]. أي أزلتَ قرحتك وذهبتَ بجرحك.
[9]. «بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار»، المجلسی، محمد باقر بن محمد تقي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانية، 1403 هـ، ج45، ص133.



المصدر: موقع الولاية نت.

التعليقات (0)

اترك تعليق