مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

غريبة الشام

غريبة الشام

في المنتخب للطريحي، وفي الإيقاد للسيد الجليل ثقة الإسلام السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي(قدس) ما ملخصه: أنه كانت للحسين(ع) بنت صغيرة يحبها، وتحبه، وقيل: كانت تسمى رقيّة، وكان لها ثلاث سنين وكانت مع الأسرة في الشام، وكانت تبكي لفراق أبيها ليلها ونهارها، وكانوا يقولون لها: هو في السفر، فرأته ليلة في النوم، فلما انتبهت جزعت جزعًا شديدًا وقالت ايتوني بوالدي، قرة عيني، وكلما أراد أهل البيت إسكاتها ازدادت حزنًا وبكاء، ولبكائها هاج حزن أهل البيت، فأخذوا في البكاء ولطموا الخدود، وحثوا على رؤوسهم التراب ونشروا الشعور وقام الصياح، فسمع يزيد صيحتهم، وبكاءهم، فقال: ما الخبر؟ قيل له: إن بنت الحسين(ع) الصغيرة رأت أباها بنومها فاتبهت وهي تطلبه وتبكي وتصيح، فلما سمع يزيد ذلك قال: ارفعوا إليها رأس ابيها وحطوه بين يديها تتسلى، فأتوا بالرأس في طبق مغطى بمنديل ووضعوه بين يديها، فقالت: ما هذا؟ إني طلبت أبي، ولم أطلب الطعام.
فقالوا: إن هنا أباك فرفعت المنديل، ورأت رأسا، فقالت: ما هذا الرأس؟
قالوا: رأس أبيك، فرفعت الرأس، وضمته إلى صدرها، وهي تقول:
يا أبتاه من ذا الذي خضبك بدمائك؟ يا أبتاه من ذا الذي قطع وريدك؟ يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني؟ يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر؟ يا أبتاه من للنساء الحاسرات؟ يا أبتاه من للأرامل المسبيات....
يا أبتاه من للعيون الباكيات؟ يا أبتاه من للضايعات الغريبات؟ يا أبتاه من للشعور المنشورات؟ يا أبتاه من بعدك واخيبتاه من بعدك، واغربتاه، يا أبتاه ليتني لك الفداء، يا أبتاه ليتني هذا اليوم عمياء، يا أبتاه ليتني توسدت التراب ولا أرى شيبك مخضبًا بالدماء.
ثم وضعت فمها على فم الشهيد المظلوم، وبكت حتى غشي عليها، فلما حركوها فإذا هي قد فارقت روحها الدنيا، فارتفعت أصوات أهل البيت بالبكاء، وتجدد الحزن والعزاء، ومن سمع من أهل الشام بكاءهم بكى، فلم ير في ذلك اليوم إلا باك أو باكية فأمر يزيد بغسلها وكفنها ودفنها(1).
غريبة الشام والمغسّلة:
ورد في بعض الأخبار أنّ المغسّلة عندما كانت تغسّل جسد السيدة رقيّة(ع) تركت التغسيل فجأة وتساءلت قائلة: من هو كبير هؤلاء الأسرى؟
فأجابتها السيدة زينب وقالت: ماذا تريدين؟
قالت المغسلة: ماذا كان مرض هذه الطفلة حتّى أصبح جسدها هكذا؟
فأجابتها العقيلة(ع): إنّ الطفلة لم تكن مريضة أنّها آثار السياط، وطعنات كعب الرماح.
وفي بعض الروايات أنّ يزيد اللعين أمر ان يأخذوا مصباحًا وصاجة من الخشب ليغسلوا السيدة رقيّة(ع) عليها ويكفّنوها في ثوبها القديم الذي كان عليها.
وفي نفس الوقت خرجت نساء الشام وهنّ لابسات السواد وقد ازدحمن من كلّ حدب وصوب يردن مشايعة أهل البيت(ع) بعد أن علت أصواتهنّ بالنحيب والبكاء والصياح.
آنذاك استفادت العقيلة زينب(ع) من هذه الفرصة الذهبية فأخرجت رأسها من المحمل وخاطبت أهل الشام قائلة: يا أهل الشام، لقد أودعناكم في هذه الخرابة أمانة، فالله الله فيها، يا أهل الشام تعاهدوا قبرها بالزيارة، فهي غريبة لا أحد لها في هذه الديار - ولا تنسوا أن ترقوا الماء وتشعلوا المصابيح عند مرقدها الشريف(2).


الهوامش:
(1) معالي السبطين: ص ٥٨٥.
(2) السيدة رقية، الخلخالي: ص ١٧٠.


المصدر: الفتلاوي، الشيخ علي: المرأة في حياة الإمام الحسين(ع). ط1، مكتبة العتبة الحسينية المقدّسة، 1429هـ- 2008م.

التعليقات (0)

اترك تعليق