مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

لا تشغل بالك بالأمر الآن

لا تشغل بالك بالأمر الآن

ذات يوم كنت أقود سيارتي وأنا أستمع إلى أحد البرامج الإذاعية الحوارية التي تستقبل مكالمات المستمعين. وفي أقل من نصف ساعة كان هناك ثلاثة مستمعين قد اتصلوا يشكون من بعض الأشياء التي فعلها شركاؤهم في الحياة، وفي حالة منهم كانت الشكوى من شيء لم تكن الزوجة متأكدة من حدوثه. وفي المكالمات الثلاثة كانت نقطة الخلاف قد وقعت منذ سنة على الأقل. فبالنسبة لإحدى الزوجات كانت نقطة الخلاف أن زوجها ربما يكون قد غازل امرأة أخرى منذ سنتين، وقد كان هذا الموضوع يسيطر على تفكيرها بحيث لا تستطيع أن تنساه، وبالتالي كانت تتساءل عما يمكنها أن تفعله إزاء هذا. وفي المكالمة الثانية شكت إحدى الزوجات إنه منذ عدة أعوام حدثت فرقة عاطفية بينها وبين زوجها ولم يعد يعيرها انتباهه، ومن ثم فهي تسأل لتعرف ما الذي جنته لتجد منه هذا.
وكانت الأفكار تأتي وتروح في ذهنها وكانت تقول عبارات مثل "قد يكون بسبب هذا أو ذاك". وفي النهاية اتصل أحد الأزواج ليعلن عن إحباطه من أن زوجته في عام زواجهما الأول قد قامت بشراء أشياء باهظة الثمن مستخدمة البطاقة التأمينية، مما جعله لا ينام الليل خوفًا من أن تكرر زوجته هذا السلوك في أي وقت وذلك على الرغم من أنها تبدو وقد كبحت جماح رغبتها واستفادت من هذا الموقف، وقد ظل هذا الزوج على غضبه مما ارتكبته زوجته مما قد يضر بمستقبلهما.
وهكذا شعرتُ كما لو أنني أريد أن أصرخ قائلًا له "انس الأمر تماما ولكن هذه لم تكن النصيحة التي أسدتها الضيفة للمستمعين، بل على العكس أخذت هذه السيدة تشجعهم على الاستغراق في هذا الأمر وأن يحللوا الأحداث ونقاط الخلاف بينهم وبين شركاء حياتهم، كما شجعتهم على أن يملئوا أذهانهم بالشكوك والمخاوف ودواعي القلق. وكانت تقول أشياء مثل "هل فكرت أن يكون هناك ثمة نمط سلوكي هنا؟".
وقبل أن أسهب في حديثي دعني أقرر لك حقيقة وهي أنني لست هنا بصدد الحديث عن تغزل الزوج لغير زوجته أو عن ضعف مهارات الإنصات أو عن الإفراط في الإنفاق. وهذه الموضوعات الثلاثة من الممكن بل إنها بالفعل تؤدي إلى مشاكل بين المتزوجين. ومع هذا يبدو أن معظم الأشخاص يتجاهلون الأثر السلبي للتركيز على مثل هذه الأمور بما لا يعود عليهم بنفع. ومدى ما لهذا من تأثير على علاقتنا الروحية. فنحن ننسى مدى التأثيرالسلبي الذي يكون عندما تعايش أناسًا لا ينسون خلافاتهم ويتشبثون بأمور قديمة. ونحن ندرك كم هو صعب أن نظل على حبنا لشخص يتوقع منا ما لا يمكننا وينسى أننا بشر نخطئ ونصيب. وهناك مقولة قديمة لا تنطبق فقط على هذه الحالات الثلاث ولكن علينا جميعًا، هذه المقولة هي "ما كان قد كان".
والعلاقات الزوجية فيها ما يكفيها من التحديات ولا تحتاج إلى هذا العبء الإضافي الذي يتمثل في التشبث بالأمور الخلافية القديمة، ومن المفيد أن تذكر نفسك دائما بما سيحدث لقدرتك على الحب والتسامح عندما نذكر أنفسنا بشيء قد مضى. وعادة عندما يكون ذهنك مشحونًا بالمخاوف والأشياء التي تذكرك بأمور الماضي وبالمشاكل، فإن هذا سيملؤك بالخوف والشك والإحباط، وبالتحديد فإنك ستكون على استعداد لأي شيء آخر غير الحب، وسوف يمتد إحباطك لنواح أخرى في حياتك وقد ينتهي بك الأمر بأن تشغل نفسك بكل أنواع "الصغائر".
ونحن لا ندعوك هنا إلى أن تدفن رأسك في الرمال. فالحقيقة التي لا اختلاف حولها أننا جميعًا نقع في أخطاء وليس منا من هو معصوم، وأننا على الأقل نخطئ في تقديرنا من حين لآخر. ولكي تأخذ طريقك وسط هذه الأمور فلا بد أن نعيش في بيئة يسودها التسامح والود، وبعبارة أخرى يمكن القول أنه حينما يقع شخص تحبه في خطأ ما فإن أفضل تصرف تفعله أن تظل على حبك ودعمك له ولا تجعل من الخطأ حدثًا جللاً. وبهذا الشكل يظل رباط الحب بينكما سليما ولا يشعر شريكك في الحياة بغضاضة في مناقشة الأمور الخلافية فيما بينكما كما سيشعر بأن هناك من يدعمه في رحلة حياتكما كزوجين.
ولذلك فإذا كنت ممن يشغلون أنفسهم بالماضي فقد يكون هذا هو الوقت المناسب لتدع عنك هذه الأمور. وبدلا من أن تضمر مشاعر سلبية وتظل على عنادك خذ قراراً بأن تكون متسامحًا وأن تنسى هذه الأمور وتنطلق قدمًا في حياتك، فإذا فعلت هذا فستجد في المقابل أن علاقتك الزوجية قد أصبحت أكثر ثراءً وأنها أشربت المزيد من الصراحة والصدق والمزيد من الحب والمتعة.


المصدر: لا تهتم بصغائر الأمور في العلاقات الزوجية: د.ريتشارد كارلسون وكريستين كارلسون، مكتبة جرير.

التعليقات (0)

اترك تعليق