سیرة المرأة في الصحوة الإسلامیة في الماضي والحاضر
الأمة التي تعي حاضرها وتستفید من تجاربها وتجارب الأمم الأخرى، هي أمة تملك مقومات الحضارة وسوف تکون من صفاف الدول التی تسیر في رکب التطور التقدم. المرأة والرجل کلاهما مسؤولان عن أعمالهما فی الآخرة، ومسؤولان أیضا عن أعمالهما في الدنیا، ویمکن للمرأة بمشارکتها في الحیاة العامة أن تثبت نجاح التجربة وتکون القدوة کان للمرأة عبر التاریخ حضور فعال في التأثیر، سواء سمي حضورها بالحر أم بالمقید، فهي دائما تمثل النصف الآخر المکمل للبشریة، وکل معتقد أعطاها بعدا مختلفا عن غیره. ثم جاء الإسلام وکان له کلام آخر في المرأة، حدد لها الدور والواجبات وحدود تطبیقهما بالإضافة إلى التوصیة بحقوقها کإنسانة خلقها الله لتستحق الحیاة. ومنذ فجر الإسلام والمسلمون یطبقون التعالیم الإسلامیة فرادى وجماعات بإختلافات متنوعة. من هنا کان التطبیق العملي بالنسبة للمرأة یختلف من جماعة إلى أخرى، کما وخضعت التطبیقات إلى المدرسة العقائدیة التی تنتمی إلیها تلك الجماعات. وبطبیعة الحال کان للعدید من الجماعات حراك متنوع من أنشطة إجتماعیة وثقافیة وسیاسیة وحتى حرکات تحرر فی حال وجود إحتلال أجنبی. وکان للمرأة دور أو لا دور في کل هذا بحسب الجماعة التي تنتمي إلیها. فرأینا کیف أن السیدة خدیجة(ع) کانت إلى جانب الرسول(ص) تؤازره بمالها ودعمها المعنوي، ثم کانت السیدة فاطمة(ع) التي کان لها دور کبیر في نشر الرسالة من خلال مجالسها مع نساء المهاجرین والأنصار وفي مواقفها ضد الظلم، ثم بعد ذلك کانت السیدة زینب التي حملت على عاتقها مسؤولیة إستمراریة الرسالة بعد إستشهاد الإمام الحسین.
وفي العصر الحدیث مرت المرأة المسلمة عبر تجارب عدیدة، فکان یحظر على المرأة في بعض الجماعات أی نشاط خارج منزلها، وکانت تمنع من حقها فی أبسط المسائل في الحیاة، والظلم بحقها کان واضحا مما شجع الإعلام الغربی على تلقف هذه الصورة التطبیقیة وتعمیمها کنموذج یُستدل به على ظلم الإسلام للمرأة، وراحت منظمات حقوق المرأة والحرکات "النسویة" ترفع من لهجة خطابها مناشدة المدافعین عن الحریات بفك قید المرأة في بلاد المسلمین، وکنا نرى کیف کان الإعلام الغربي یرکز على وضعیة المرأة. وصار الإنسان الغربي یعتقد بأن فلسفة وضع الحجاب على رأس المرأة هي لصم آذانها ومنعها من التواصل مع العالم الخارجي. في هذا کله کان هناك فرصة لتجربة أخرى بدأت تظهر للعالم کنموذج مختلف، وهي تجربة المرأة الإیرانیة في الثورة الإسلامیة التي کانت أول بوادر ضهور الصحوات في المنطقة، کما وساهمت الدولة بعد انتصار الثورة في تعزیز دور المرأة وإبرازه کنموذج مقابل النموذج الذي یُظهره الغرب. إلا أن هناك تجربة أخرى مهمة لم تأخذ حقها بعد بالإعلان عنها کنموذج، وهي تجربة المرأة اللبنانیة وخاصة المرأة المقاومة، تجربة المرأة المتعددة المهام، والتي تماهت مع الثورة الإسلامیة في إیران في تنمیة المجتمع وکان لها دور فعّال في بناء مجتمع المقاومة الذي یمکن إعتباره صحوة إسلامیة إجتماعیة داخل مجتمع متنوع ویمیل إلى التغریب أکثر من الأسلمة کون لبنان بلد منفتح على أوروبا والغرب، فأثبتت المرأة المقاومة في لبنان أنها کانت فعلا مثالاً لقول الإمام الخمینی(قدس): "المرأة کالقرآن کلاهما أوکل إلیه مهمة صنع الرجال". ولا یمکن لنا أن نتکلم عن الصحوة دون ذکر ما قامت وتقوم به الآن المرأة بمشارکتها إلى جانب الرجل في الصحوة الإسلامیة التی یشهدها العالم العربي، وخاصة المرأة في البحرین التي تعاني الإعتقال والتعذیب في السجون في سبیل تحقیق الکرامة والعزة لأمتها. وکذلك المرأة في فلسطین المحتلة التي تعاني من جبروت الصهاینة في السجون، وتعاني هي وعائلتها من القتل والتهجیر بعد تدمیر البیوت خاصة في القدس التي یحاول الصهاینة تهویدها بالکامل من خلال طرد المقدسیین، إلا أن المرأة الفلسطینیة تقف في وجه المحتل وتناضل إلى جانب الرجل من أجل الدفاع عن حقها وحق عائلتها، إضافة إلى دفاعها عن المقدسات.
المرأة في المجتمعات الإسلامیة
جاء الاسلام وأظهر قیمة المرأة ومنزلتها مع الآخرین، وسن لها فی القوانین حقوقاً وواجبات، وأعطاها ما لم یعطها من قبله ولا من بعده أحد من الأمم والشعوب. وجاء حاملاً دستور الحق والعدل والإنصاف ناشراً لواء المحبة والأخوة والمساواة، ناصراً للضعیف المظلوم على القوی الظالم. «یا أیها الناس إنا خلقناکم من ذکر وأنثى وجعلناکم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أکرمکم عند الله أتقاکم إن الله علیم خبیر».
ثم أن الإسلام أمدّ المرأة المسلمة بالشعور بالشخصیة المستقلة، المزودة بمکارم الأخلاق، والطموح إلى العزة والکرامة، حیث أخذ النبي(ص) البیعة منها مستقلة کالرجل بقوله تعالى: «یا أیها النبی إذا جاءك المؤمنات یبایعنك على أن لا یشرکن بالله شیئاً ولا یسرقن ولا یزنین ولا یقتلن أولادهن ولا یـأتین ببهتان یفترینه بین أیدیهن وأرجلهن ولا یعصینك في معروف فبایعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحیم».
وفي الحث على التضامن مع رفع مستوى المرأة والإعتراف بتحرکها ودورها في نهضة المجتمع وصحوته قال تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أني لا أضیع عمل عامل منکم من ذکر أو أنثى بعضکم من بعض فالذین هاجروا وأُخرجوا من دیارهم وأوذوا فی سبیلی وقاتلوا وقتلوا لأکفرن عنهم سیآتهم ولأدخلنهم جنات تجری من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده حسن الثواب».
العصر الحدیث
لا شك أن الثورة الصناعیة التي حصلت في القرن العشرین ساهمت في تسریع عملیة التغییر الاجتماعي في أوروبا والعالم، وکان لبعض المثقفین والفلاسفة والعلماء دور في وضع حجر الأساس لنظام اجتماعي جدید بغض النظر عن الاستفادة العلمیة التي قدمها هؤلاء في مسألة البحث العلمي والاختراعات، فکانت الإکتشافات والتطورات تسیر في وتیرة متسارعة، وإنسحب هذا التطور على أفراد المجتمع، وکان للمرأة نصیب من هذا التطور الذی أدّى إلى تحوّل في بعض السلوکیات نتیجة التغییر في النظم الاجتماعية والقیم بعدما تم الإیحاء أو التحریض على حرکات تحرریة للمرأة في الغرب أولا ثم بعد ذلك في الشرق.
من هنا أصبحت المجتمعات الإسلامیة غارقة في ازدواجية ثقافیة. وفي خضم هذا الغرق حاولت بعض الجماعات إعادة حال المجتمعات الإسلامیة إلى ما کانت علیه من خلال الدعوة إلى الأصل وإلى کلام الله وسنة رسوله. ولما کان الغرب قد أمعن في التغلغل في تلك المجتمعات من خلال التربیة والإعلام وبشتى الوسائل، فقد نجح بعضها وفشل البعض الآخر، وسبب الفشل کان باستخدام أسلوب ردّة الفعل بدلا من الفعل نفسه، وأسلوب الفرض بدل مفهوم "وبالتي هي أحسن". وعلى الرغم من الهدف الواضح لتلک الجماعات وهو إعادة بناء الإسلام إلا أن الأمر کان في بعض الأحيان خارج الإسلام وأهدافه بسبب افتقار تلك الجماعات لمهارة الدعوة الحقة. وبما أن المرأة هي نصف المجتمع، کان هذا النصف متمم لبناء مجتمع هنا، وعالة على مجتمع هناك، وکل بحسب الإیدیولوجیا التي یحملها والنظرة الخاصة للمرأة في هذا المجتمع أو ذاك. ومن بینها تجربة المرأة الأفغانیة في ظل طالبان والمرأة الإیرانیة بعد الثورة الإسلامیة وکذلك المرأة في لبنان أیضا کون لبنان من البلدان التي تتأثر بالحراك الإقلیمي والعالمي نظرا إلى موقعه الجغرافي وإلى خصوصیته في تعدد الطوائف، وما لکل طائفة من ارتباط مع دول المنطقة والعالم، وکذلك المرأة في فلسطین، وما نشهده الآن من مشارکة للمرأة في الصحوات في العالم العربي وخاصة المرأة البحرانیة
صحوة المرأة الإیرانیة
جاءت نهضة المرأة الإیرانیة من خلال مشارکتها في الثورة الإسلامیة لتکون نموذجا مختلفا عما سبق، وأثبتت بأن المشکلة کانت في التطبیق ولیس في التعالیم، فالإسلام جاء لیعترف بأن المرأة هي نصف المجتمع وبأنها مسؤولة إلى جانب الرجل في بناء المجتمع وبالتالي بناء الکون، فشارکت المرأة الإیرانیة الرجل في الثورة ضد الظلم وانتصرت معه وسارت بالمجتمع کما سار الرجل أیضا إلى أفضل حال. وقد أعطى الإمام الخمیني(قدس) المرأة دفعا إلى الأمام عندما قال فیها کلاما لم یقله أحد في امرأة بعد قول رسول الله(ص) في ابنته فاطمة(ع)، فهي عند الإمام "نصف المجتمع وتشارك الرجل في نصفه الثاني "وکذلك" المرأة کالقرآن، کلاهما أوکل إلیه مهمة صنع الرجال." ویحیل لها الفضل الأکبر في الإنتصار بقوله: "إن انتصار الثورة کان هدیة النساء لنا قبل أن یکون حصیلة جهاد الرجال". ویقول الشیخ هاشمي رفسنجاني في انتصار الثورة الإسلامیة التی قادها الإمام الخمینی والمرأة: "إن الثورة الإسلامیة في إیران انتصرت، وأفکار الإمام الخمینی أثبتت أن التعالیم الدینیة یمکنها أن تبعث الحرکة في الناس وتقودهم نحو الإصلاح السیاسی والاقتصادي والثقافي والاجتماعی. وفي هذا السیاق دخلت المرأة المسلمة إلى مختلف المجالات الاجتماعیة، من خلال التأسي بقدوة وهي سیدة نساء العالمین السیدة فاطمة الزهراء(ع)، والاستفادة من الدعم المستمر الذي کان یقدمه الإمام الخمیني، وإشادة الإمام بمقام ومکانة المرأة والنابع بدوره من التعالیم القرآنیة الأصیلة. فحققت المرأة بذلك نجاحات ممیزة في المجالات التعلیمیة والبحثیة والصناعیة والاجتماعية. وکان لها الکثیر من الإبداعات والابتکارات والاختراعات". ویظهر بوضوح ازدياد معدل نجاح المرأة فی الجامعات، والمسابقات العلمیة، وحضورها اللافت فی تأسیس وإدارة المؤسسات التعلیمیة والاقتصادية، فنسبة الخریجات فی بعض الاختصاصات تصل إلى أکثر من 70% بحسب الإحصاءات. کما أن المرأة في إیران یمکنها أن تشارك في العملیة السیاسیة وأن تترشح للانتخابات النیابیة وکذلك لمناصب أخرى حکومیة وغیرها في الدولة.
صحوة المرأة في جنوب لبنان:
یرى بعض المثقفین بأن لدى المرأة اللبنانیة وعیا وثقافة تختلف عن المرأة في سائر دول المنطقة بسبب التعدد الطائفي الموجود في المجتمع اللبناني فینعکس تعددا ثقافیا ممیزاً.
خاضت المرأة الجنوبیة مع الرجل معرکة البقاء من ناحیة الوجود والثبات في الأرض بحکم الجغرافیة ووجود فلسطین على الحدود مع لبنان، وکانت أرض واحدة لم یفصل بینها حدود حتى جاء الاحتلال وکان اتفاق سایکس- بیکو الذي قسّم الترکة العثمانیة، فکان لبنان من حصة فرنسا وفلسطین من حصة بریطانیا، وفیما بعد سلّمت بریطانیا فلسطین للیهود لیبنوا دولتهم ذات العنوان الیهودی المحض، ولیطردوا سکانها الأصلیین کما فعل الأوروبیون المهاجرون إلى أمیرکا الشمالیة حیث قتلوا وأبادوا حضارة السکان الأصلیین بکاملها وبنوا دولتهم.
تأثر الجنوب اللبنانی باحتلال فلسطین بحکم الجغرافیا والعلاقات التي کانت المتنفس لکلا الجانبین من الناحیة الاقتصادية. ولم تتوقف إسرائیل عند احتلال أرض فلسطین فقط، بل تابعت محاولاتها لاحتلالات أخرى لدول مجاورة لفلسطین ومنها لبنان، ناهیك عن الاعتداءات التي کانت شبه یومیة على القرى والبلدات الجنوبیة، والتي کان یسقط بنتیجتها الکثیر من الضحایا. کل ذلك والدولة اللبنانیة عاجزة عن حمایة المواطنین من الاعتداءات بسبب عجزها العسکري من جهة، وعدم وجود رغبة بتغییر هذا العجز من جهة ثانیة، فکان لا بد من حراك ذاتي یقوم به أهل المنطقة الجنوبیة حفاظا على بقائهم استنادا إلى سنّة الحیاة والرغبة في البقاء وأیضا نتیجة للتربیة الحسینیة التي تربوا علیها برفض الظلم والوقوف في وجه الطاغوت، وهذه من مفارقات وجود الأکثریة من سکان الجنوب اللبناني على الحدود من فلسطین المحتلة ممن یحملون الأیدیولجیة الحسینیة. فکانت من أهم المفاعیل التربویة لثورة الإِمام الخمیني في لبنان، حیث إلتقف التواقون إلى مسار إسلامي صحیح وإلى نموذج جدید یعید الأمة إلى عزّها وإلى ما کانت علیه في بدایات الدعوة المحمدیة ثورة الإمام الخمیني، وبدأ عاشقو الرسول ورسالته في رحلة جدیدة فیها الکثیر من الأمل بتحقیق العدل الإلهي، وبایعوا الإمام الخمیني وآزروه في ثورته، من خلال المواقف التي هی في عصرنا الحدیث لها ثقل لا یقل عن المؤازة من خلال حملة عسکریة کما کان الحال في العصور السابقة. وبالرغم من أن الإسلام لا یحدّه حدود دولة ولکن التقسیم العالمي لحدود الدول جعل الناس مرغمة على استخدام مصطلحات هذا التقسیم وأن ینتمي کل إنسان إلى مکان جغرافي محدد فکان هناك الإیراني والأفغاني واللبناني والعراقي والسوري والفلسطیني إلخ .. من التسمیات.
وبطبیعة الحال فإن التطور التربوي الدیني الذی شهده لبنان وخاصة الشیعة کان له انعکاساته على المجتمع ککل. والمرأة اللبنانیة الشیعیة التي تربت على ثورة الإمام الحسین لم تجد صعوبة في المماثلة بالتأثر بثورة الإمام الخمیني، فقامت بدورها بتربیة أطفالها على ما تربت هي علیه.
التجربة الخاصة للمرأة في المقاومة
اعتمدت المقاومة منذ تأسیسها على مشارکة المرأة في مجالات عدیدة وشجّعتها على متابعة التحصیل العلمي الذی هو أساس التنمیة الاجتماعية. فکانت جنباً إلى جنب مع الرجل، لا بل سبقت الرجل في میدان العمل الاجتماعي بالإضافة إلى مشارکته في میادین أخرى، ووصلت إلى أعلى مستوات التعلیم ورفدت المجتمع بطبیبات ومحامیات وأستاذات جامعیات وباحثات وإعلامیات، وکانت خیر مثال لقول الإمام الخمینی(قدس): "المرأة نصف المجتمع وتشارك الرجل في النصف الآخر".
حققت المقاومة نجاحات نوعیة کثیرة، استحقت من خلالها أن تکون مثالاً وقدوة للأحرار ونموذجا عالمیا لمقاومة المحتل، وکانت المرأة موجودة في کل هذا الإنجاز رغم عدم مشارکتها في العمل العسکري المباشر، إلاّ أن وجودها خلف المقاومة کداعمة وداعیة وحاضنة، کان له الدور الفعّال في النتائج الإیجابیة، حتى أن العدو الإسرائیلی نفسه اعترف بدورها الفعّال المساند للمقاومة، وفي ذلك یقول الکاتب الإسرائیلي تسافي بارئیل في صحیفة هآرتس: "إذا کان الرجال یشکلّون النواة المقاتلة لحزب الله، فإن النساء یُشکّلن الداخل الاجتماعي. وإذا کان وجود النساء في الکثیر من الأحزاب والحرکات الدینیة یُعتبر هامشیاً، فإن النساء في حزب الله یُعتبرن عنصرا حیویا لاستمرار حیاة حزب الله."
ونقلا عن الأمین العام لحزب الله السید حسن نصر الله أنه قال: "أن دعوة حزب الله المرأة للمشارکة في أنشطة حزب الله لم تنطلق من ظروف الاحتلال وإنما من المنطلقات الإیمانیة والفکریة والفقهیة".
المرأة والصحوة الإسلامیة في العالم العربي
لا زلت التجربة التي تخوضها المرأة في العالم العربي جدیدة بحیث لا توجد الکتابات الکثیرة عنها، إلا في بعض ما یُکتب کمقالات وتحلیلات صغیرة حول دور المرأة في الصحوة الإسلامیة، ولذلك نحن نرى أن ما سنوضحه في هذا البحث یستند إلى وسائل الإعلام وبعض المقالات القصیرة. ولا شك أن هذا الحراك الذي تقوم به المرأة إلى جانب الرجل هو بالغ الأهمیة نظرا إلى الوقت الطویل من الإذلال الذی عاشه هذا الشعب في ظل حکّام مستبدّین ظالمین، وهو ملفت للنظر أیضا في ظل الهجمة الإعلامیة التي کانت تصور المرأة المسلمة على أنها تابعة فقط، ولیس لها أي دور في المشارکة في الشأن العام، فإذا بوسائل الإعلام الأجنبیة ترى بنفسها ومن خلال عدسات کامیراتها کیف أن المرأة المحجبة في مصر وفي الیمن وفي البحرین تخرج على الحاکم وتطالب بالحقوق السیاسیة والاجتماعية من أجل غد أفضل، حتى في المملکة العربیة السعودیة حیث التعتیم الإعلامی فإن المرأة تتحرك لتنهض بمجتمعها من الظلم والاستبداد.
لقد أثبتت المرأة من خلال مشارکتها الکثیفة في الاحتجاجات الشعبیة التي تجتاح الوطن العربي، أنّ للمرأة العربیة ما للرجل من مصلحة حیویة في التغییر والإصلاح. وقد ألزمت المرأة الإعلام الغربي من خلال حراکها أن یعترف بها وبقدرتها على التغییر. فقد نشرت صحیفة الغاردیان البریطانیة في الرابع والعشرین من شهر نیسان أبریل تحقیقا عن دور المرأة في الصحوة ومما نشرته المجلة: "إن دور المرأة العربیة في هذه الانتفاضة، أنهى الصورة النمطیة السلبیة عنها في الغرب الذی شاهد بحراًس من الوجوه النسائیة المجلببة بالسواد والغاضبة، ویزحف من أجل تغییر النظام ووضع نهایة للاستبداد والإفراج عن الأحبة، أو شاهدها وهي تخاطب الجموع أو تعالج الجرحى أو تطعم المعتصمین في القاهرة والمنامة".
أ. فی البحرین
حققت المرأة في البحرین رقما قیاسیا في المشارکة إذا ما قسنا هذا التحرك کما تقاس الأرقام في موسوعة غینیز، وما یمیز مشارکة المرأة في البحرین بالصحوة هو أنها تتعرض للاعتقال وللتعذیب داخل السجون، کما للاعتداء على حرمتها في کثیر من الأحیان في عملیة ضغط علیها وعلى عائلتها، لأن حکّام البحرین الذین یدّعون بأنهم عربا یعرفون أن المسّ بالنساء هو من الخطوط الحمراء لدى شعوب المنطقة وخاصة المسلمین لما له من ردة فعل سلبیة، ویعرفون أن الرجال في البحرین لن یتحمّلوا مسألة أن یُعتدى على نسائهم وعلى عرضهم، لذلك هم یبتزون الرجال من خلال الاعتداء على النساء.
المرأة في البحرین تعاني في سبیل صحوتها الأمرّین، هي لا تعاني فقط من الاعتداء على الزوج والولد، وأیضا تعاني من الاعتداء علیها، وهذا ما لم یحصل مع أي تحرك قامت به المرأة إلى جانب الرجل في أي من البلدان الأخرى التي حصلت فیها الصحوات، ولکنها
ب. فی فلسطین
عانت المرأة الفلسطینیة ولا زالت تعاني من تبعات زرع الکیان الصهیوني في أرض فلسطین من قبل القوى المستکبرة، وتعاني من الظلم والاعتداء على مرأى ومسمع العالم، ولکنها إلى الآن لم توقّف تحرکها في الوقوف في وجه الآلة الإسرائیلیة المتغطرسة، وقد شارکت في حقبات متعددة من النضال التي مر بها الشعب الفلسطیني، وشارکت في المقاومة وکان هناك بعض الإستشهادیات، وکذلك تعرضت للأسر والاعتقال ولکنها لم ترضخ للإسرائیلي، کما فعلت هناء الشلبي التي أعلنت إضرابها عن الطعام وقالت الموت أو الکرامة، وأصبحت رمزا للنضال والصبر تحتذی بها نساء فلسطین.
الاستنتاج
کان للمرأة نشاط في کل العصور سواء بالصمت أم بالتحرك. وفي العصور القدیمة لم تملك المرأة آلیة التحرك والتغییر، ولم تنصفها بعض الحضارات أو الأدیان القدیمة، فعاشت مقهورة لا حول لها ولا قوة. وجاء الإسلام وأوقف أنفاس الزمن للحظات وأعلن عن المرأة الإنسانة التي تستحق الحیاة کما یستحقها الرجل، وکانت السیدة خدیجة والسیدة فاطمة والسیدة زینب من أوائل النساء اللواتی قمت بالصحوة الإسلامیة، وهناك الکثیر من الأحادیث النبویة عن السیدة خدیجة والسیدة فاطمة، وکذلك الأدوار التی قمن بها، مما أعطى صورة مختلفة عن التعاطي والتعامل مع المرأة فیما بعد کونها امرأة متمکنة منذ فجر الإسلام وهناك الکثیر من الأمثلة عن نساء أخریات کان لهنّ دور فعّال في بناء مجتمعاتهن. وکان لکل حقبة إسلامیة شأن خاص بالنسبة للمرأة، واختلف الفقهاء في تفسیر مشارکة المرأة في المجتمع، فکانت هناك بعض الأفکار والأیدیولوجیات التي حدّت من مشارکة المرأة، بینما أعطتها إیدیولوجیات وأفکار أخرى مجالاّ واسعا للمشارکة. ومن بینها کانت تجربة المرأة الإیرانیة، وتجربة المرأة اللبنانیة وخاصة المرأة المشارکة في المقاومة بعد ثورة الإمام الخمینی(قدس) في إیران، بتأثیرات الثورة الإسلامیة وفکر الإمام الخمیني.
إلا أن هذه الصحوة بحاجة إلى إستراتیجیات للحفاظ علیها، ولاستمرارية المکتسبات، ونحن نرى أن المرأة التي نهضت بوضعها وطالبت بالوصول إلى حقوقها السیاسیة والاجتماعية من أجل بناء مجتمع أفضل، علیها أن تعي الخطر الذی لا زال قائما ویهدد صحوتها من خلال محاولة الغرب الآن الالتفاف على صحوة الشعوب وعدم تحقیق الأهداف. لقد أوصى السید القائد الإمام الخامنئي شباب الصحوة الإسلامیة في المؤتمر الذي عُقد في إیران هذا العام بالمحافظة على إنجازات الصحوة التي حققوها بقوله: "الصحوة الإسلامیة تواجه تحد وهو وضع إستراتیجیات تربویة وإعلامیة لنهضة الأمة الإسلامیة من أجل تحقیق عالمیة الإسلام وتحقیق السیادة الفکریة للشعوب الإسلامیة من خلال الاجتماع على ثقافة إسلامیة تواجه النظام الثقافي الآحادي الجانب الذی فرضته العولمة وهیمنت على خصوصیات ثقافات العالم الإسلامی من خلاله".
لا زال یطمح الاستعمار ببلادنا، ولهذا یدرك مخاطر الصحوة الإسلامیة على مشروعه، مما جعله یکثف الدراسات الإستراتیجیة، ویرسم الخطط لوقف هذه الصحوات، ویشوهها. وإبراز أفکار استقلالیة ونهضویة على الشاکلة الغربیة عبر بعض المثقفین، الذین ینقلون أفکار المشاریع الغربیة ویریدون تطبیقها في بلادنا دون الأخذ بعین الاعتبار اختلاف البیئة والعادات والعقلیة وإمکانیة التطبیق. وهناك بعض علماء الاجتماع یدعون إلى دراسة علم اجتماع المجتمعات التي تحصل فیها الصحوات. بعد أن تبیّن أن الصحوة قد صدمت النخبة المتغرّبة التي کانت تظن أن تغریبها قد مسخ الأمة فنسیت دینها فإذا بهذه الصحوة تجمدهم مشدوهین أمام أمر مزعج لأحلامهم. ففرقت الصحوة هؤلاء المتغربین في غیاب البدائل.
المصادر
1. شعبان، بثینة: "المرأة في السیاسة والمجتمع"، دار الفکر، دمشق 2008.
2. صمادی، فاطمة: "نساء في معترک السیاسة" ، دار نشر البنك الأهلي، عمان 2005.
3. نجاد،شکوه نوابي، "علم نفس المرأة"، دار الهادی، ط1، بیروت 2001
4. حداد،کفاح، "المرأة والعمل السیاسي"، ص 22، ،دار الهادی، ط1، بیروت 2001.
5. الغفار، عبد الرسول عبد الحسن، "المرأة المعاصرة،دار الزهراء، بیروت1983
6. الشطی، نور الضحى، "تنظیم النساء"، دار المدى، بیروت2001
7. البزری، دلال، "العمل الإجتماعی والمرأة"، دار الجدید، بیروت1997
8. عمارة، محمد، "تحرر المرأة والتمدن الإسلامی"، دار الوحدة، بیروت 1985
9. صالح، أماني، "المرأة العربیة في قرن"،دار الفکر المعاصر، بیروت 2002
10. قبیسي، بشرى، "المرأة فی التاریخ والمجتمع"، دار أمواج، ط 1 1995
11. مظهر، إسماعیل،"المرأة في عصر الدیموقراطیة"، دار الجدید، بیروت 1949
12. النیوم، الصادق، "الحدیث عن المرأة والدیانات"، الإنتشار العربي، بیروت 2002
13. أبو الشعر، هند، "المرأة والدور"، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، بیروت، ط1 2008
14. منصور، إلهام،"نحو تحریر المرأة في لبنان"، مختارات،بیروت، ط1 1996
15. الخطیب، حنیفة، "تاریخ تطور الحرکة النسائیة في لبنان"، دار الحداثة، بیروت 1984
16. "تطور المرأة عبر التاریخ"، مؤسسة عز الدین، بیروت 1981
17. "النساء العربیات فی العشرینات"، تجمع الباحثات اللبنانیات، بیروت 2001
المصدر: مجلة الطاهرة، العدد 219، نزيهة صالح.
اترك تعليق