مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور المرأة في تحقيق حلم الأنبياء

دور المرأة في تحقيق حلم الأنبياء: كان للمرأة حضورها وتأثيرها في البناء الاجتماعي


تتفاوت النظرة تجاه المرأة بين من لا يرى فيها إلاّ أنوثتها ومفاتنها الجسدية وما يستلزم ذلك من طريقة في التعامل معها، ومكانة يضعها فيها، وبين من يرى فيها الروح قبل الجسد، والإنسانية بما لها من معانٍ سامية، فيعطيها على ضوء ذلك المرتبة المناسبة والمكانة والتقدير اللازمين.
وفي عصر تفشت فيه ثقافة الانحلال والتهتك، وسعت فيه قوى الفساد والإفساد للإطاحة بقدسية المرأة وطهرها فدفعتها للإهتمام المبالغ فيه بجسدها وجماله وأنوثتها على حساب إنسانيتها، وحولتها إلى عارضة أزياء ولوحة إعلان ووسيلة ترويج وبائعة لذة لمن يطلب ومن لا يطلب، فأهدرت كل ما لديها من حياء، وأسقطتها في مستنقع الهوى والعبثية.
في مثل هذا العصر تبرز أهمية العمل على إعادة هذه المرأة إلى مكانتها وتحصينها من الأخطار المحدقة بها، كيف لا وهي التي تتشكل منها أول نواة وأول مؤسسة من مؤسسات المجتمع، وهي الحضن الذي يتربى فيه العظماء وهي أول معلمة تغذي وليدها مع اللبن من روحها وأخلاقها وقيمها، هذه الوظيفة، وهذه المسؤولية التي لا ينبغي لأي إنسان أن يستهين بها أو يقلل من أهميتها وخطورتها، تنعكس بشكل مباشر على صورة المجتمع الذي يتكون من أفراد تربوا في هذه المدرسة وتخرجوا من هذه المؤسسة، ومهما امتلكنا بعد ذلك من معاهد ومدارس وجامعات فإنها لا تغني ولا تعوض عن الدور الخطير للأسرة ومؤسستها التي تقوم على أكتاف المرأة بالدرجة الأولى وفي هذا الجانب بالذات، لأن الذين يؤسسون ويديرون ويخططون ويعملون بعد ذلك هم من خريجي مدرسة المرأة وفيهم نمت البذور التي زرعتها ورعتها وروتها.
هذا الأمر يفرض الانطلاق في الإصلاح من نقطة البداية، والإهتمام بإعدادها وتأهيلها للقيام بوظيفتها الخطيرة والعمل على تخليصها من كل فكرة أو ثقافة أو سجية خلقية تعكر صفاء روحها وتشوه وجهتها ومسيرتها وتدنس قدسها وطهرها.
ولا بد من التأكيد على أن كلاً من المرأة والرجل على حد سواء يضطلع بمسؤوليات جسيمة تخصه ويقوم بوظيفة وبدور يرتبط به من أجل بناء المجتمع في كافة مجالاته وأبعاده، ورسم معالم ثقافته وفكره ونظامه وإرادته وقيمه وأخلاقه وقدرته وتماسكه وحيويته وأصالته... إلخ.
وإذا كنا نتحدث عن المرأة فلأنها الدائرة الأخطر والتي يسلط عليها الضوء باستمرار، ويدور حولها البحث وتتفاوت النظرات إلى حد التناقض.
والمناسبة لعلها انطلقت في السياق ذاته الذي جعل من موضوعها يفرض نفسه، ونحن هنا لا بد لنا من الالتزام ضمن حدود ما نستخلصه من نظرة الإسلام للمرأة ولدورها، خاصة في مجال مساهمتها في السعي لتحقيق حلم الأنبياء وفي العمل من أجل إقامة دولة العدل العالمية، وذلك عبر المشاركة ببناء مجتمع التمهيد لظهور صاحب العصر والزمان، وما بعد الظهور، وإذا كان للمرأة حضورها وتأثيرها في البناء الاجتماعي بشكل عام، فلن يقتصر ذلك على عصر دون عصر، ولا على بلد دون آخر، ولا على ظرف معين دون غيره، بل هي في كل عصر وفي كل مصر تلعب الدور نفسه وتتحمل المسؤولية ذاتها.
وليس من الصواب الوقوع في أسر الإمكانات الظرفية التي جعلت المرأة في بعض الأحقاب تبرز في مجال دون آخر أو تعجز عن أداء دور فاعل في حقل دون آخر، بل ينبغي النظر إلى طاقتها الكامنة وإمكانياتها الذاتية التي يمكن لها أن تفجرها إذا أتيحت لها الفرصة ونالت حظها من الإعداد الصحيح والتأهيل السليم، ليكون ذلك دافعاً للعمل على استكمال الوسائل والأدوات وامتلاك الخبرة والمؤهلات كما في كل مجال من مجالات العمل والإدارة.
وإذا كنا بحاجة إلى نموذج عملي معاصر، فلسنا بعيدين عن تجربة الثورة الإسلامية في إيران التي فجرها الإمام روح الله الخميني (قدّس سره) بوحي من الرؤية الإسلامية واعتماداً على القواعد الفقهية، استطاعت من خلالها المرأة أن تحتل مكانتها الفاعلة والمؤثرة ودورها في إنجاح الثورة وحفظها على مدى العقدين الماضيين، رغم كل التحديات والصعوبات والمؤامرات، وحافظت دائماً فيها على هويتها وخصائصها وكمالاتها الروحية، التي حاول الكثيرون أن يثبتوا لنا أنها لا تتلاءم مع المرأة المعاصرة، وأنها أقرب إلى المرأة في دائرة المهام الأسرية دون المهام الإدارية والسياسية والإجتماعية، فجاءت التجربة الإيرانية لتثبت أنها قادرة على المواءمة الكاملة بين ما يريده الإسلام من المرأة على مستوى الالتزامات الخاصة وبين أي دور اجتماعي أو فكري تريد القيام به وفي مختلف الميادين العلمية والسياسية والإدارية وفي كل مكان في الجامعة والبيت والشارع وحتى في المحافل الدولية والدبلوماسية.
هذه التجربة تساعدنا أكثر على استشراف معالم الدور الذي ستقوم به المرأة في حركة التمهيد لظهور صاحب العصر والزمان المهدي المنتظر (عجل الله فرجه) وفي إقامة دولته، وإذا كنا لا نمتلك في هذا المجال من النصوص ما يثري بحثنا وما يكفي لتحديد معالم الدور، إلا أن المسار الطبيعي لحركة التاريخ والسنن الإلهية الجارية في الخلق، ومقتضى أحكام الشريعة الإسلامية التي توزع المسؤوليات والواجبات على جميع شرائح الأمة وأفرادها حسب القدرات والإمكانيات التي تتوفر أو التي يمكن توفيرها، كل ذلك يفرض أن لا يعفى أحد من الناس، من ذكر أو أنثى، كبير أو صغير، عالم أو متعلم، غني أو فقير، قوي أو ضعيف، لأي فئة انتمى ولأي شريحة انتسب، من المشاركة في بناء المجتمع والدولة وفي حركة الإصلاح ومواجهة التحديات وإزالة العقبات وتوفير شروط الفوز والصلاح والنجاح لأمته من موقعه ومن خندقه الذي يقوم فيه.
وإذا كان هناك من ضرورة تستوجب توزيع الأدوار وتقاسم المهام كما هو معلوم فلا ينبغي أن ننظر إلى أي دور مهما كان صغيراً أو كبيراً ومهما كان موقعه وكانت أهميته، بعين الاستهانة والاستصغار، لأن الجزء مهما صغر فهو جزء لا يكتمل الكل إلا به، ولا يتحقق المطلوب إلا بانضمامه إلى بقية الأجزاء.
من هنا كان تركيز الإمام الخميني (قدس سره) على أهمية حضور المرأة في مختلف ميادين الثورة، ولم يترك فرصة إلا وتحدث فيها عن ذلك، يقول (قدس سره) في الأيام الأوائل لانتصار الثورة المباركة:
"يتيح الإسلام الفرصة للمرأة مثلما الرجل لممارسة دورها في جميع المجالات. وينبغي لأبناء الشعب جميعاً سواء النساء أو الرجال، العمل على إعمار هذا البلد وإصلاح الدمار الذي خلفوه لنا.. لا يمكن إعمار إيران بيد الرجل وحده، بل إن الرجل والمرأة مطالبان بالعمل معاً على إعادة بناء البلد" (6-3-1979).
وكما كان للسيدة الزهراء عليها السلام ولابنتها العقيلة زينب حضور فاعل ومؤثر في ميدان السياسة والدفاع والمواجهة عندما استدعى الأمر ذلك، فكذلك كل النساء اللواتي يتخذن من الزهراء وزينب عليهما السلام قدوة ومثالاً لهن.
نعم، لا ينبغي لأحد من أفراد المجتمع أن يتخلى عن المسؤوليات الخاصة المناطة به ويضحي بها ليؤدي دوراً في مجال آخر قد لا يكون متعيناً عليه، بل يجب دائماً دراسة الأولويات ومعرفة السلم التراتبي للمسؤوليات، فلا يجوز بحال من الأحوال أن تسعى المرأة للقيام بدور إصلاحي تجاه جيرانها على حساب صلاح بيتها وأبنائها، بل الواجب هو الجمع بين ذلك إن أمكن وإلا فترتب المسؤوليات بحسب الأولوية التي تفرض تعين إصلاح الأبناء عليها، ثم الانتقال إلى الآخرين حسبما تفرضه الشريعة والترتيب المنطقي.
ولا شك أن الانتظار والتمهيد لنهضة صاحب العصر (عج) يتطلب الكثير من العمل المخطط والمدروس والهادف والمنهجي، والذي تساهم فيه المرأة مساهمة مباشرة، مما يفرض عليها أن تمتلك الوعي والرؤية الواضحة والمنهج العلمي السليم، ويفرض عليها التخلي عن الراحة والاسترخاء والاعتزال، لتدخل الساحة من بابها الواسع، ليس من أجل الصراع على الامتيازات كما عودنا ساسة هذا العصر بل من أجل التسابق على أداء التكليف والقيام بالواجب وتحصيل شرف التمهيد وتشكيل مجتمع الولاء والانتظار، ووضع اللبنات الأولى لصرح دولة الحق والعدل العالمية التي سيعم خيرها كامل المعمورة بقيادة الإمام الحجة المهدي(عج).
وما يمكن للمرأة أن تقوم به في هذا السبيل كبير وكثير، قد لا يقف عند حدود العلم والتعليم والتربية والإصلاح، وإن كان لهذا التكليف قدر كبير من الأهمية في التأسيس لمجتمع الصلاح، إلا أننا يوماً بعد يوم نقترب من نمط من المواجهات لا يعتمد على السيف كوسيلة للحرب، فبعد أن ظهر الكثير من الوسائل والأدوات الحديثة للمواجهة والأساليب الخفية للحرب، كالإعلام والحرب النفسية والحرب الإقتصادية والحرب الثقافية وعالم الاتصالات الرهيب الذي سخر لخدمة تلك الحروب، يبدو أن الدور الذي صار بالإمكان أن يؤديه الناس أكثر سعة وشمولية وبات لكل واحد منا موقعه المناسب وخندقه الخاص الذي يستطيع من خلاله أن يرابط في وجه العدو، ويدافع عن الدين وصلاح المجتمع.
ومما يشير إلى اضطلاع المرأة في آخر الزمان بمسؤولياتها ومواكبتها للتطور العلمي والعملي ما ورد في حديث عن حمران بن أعين عن أبي جعفر (ع) أنه تحدث عن المهدي (عج) فقال فيما قال: "وتؤتون الحكمة في زمانه، حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله وسنة رسول الله (ص)".
 
المصدر:
التربية الإسلامية بين الأسس الإيمانية والبناء العلمي، الشيخ مصطفى قصير، مركز الأبحاث والدراسات التربوية، دار البلاغة، 2014 م، لبنان- بيروت.
 
 



 

التعليقات (0)

اترك تعليق