إلى زوجة سماحة السيد أحمد، السيدة فاطمة الطباطبائي(4)
إبنتي:
بُعث الأنبياء ليعطوا البشر الرشد المعنوي، ويخلّصوهم من الحجب، وللأسف أن الشيطان أقسم وبواسطة أذنابه، أن لا يدع أهدافهم تتحقق «فبعزتك لأغوينّهم أجمعين».
نحن جميعاً نيام ومبتلون بالحجب «الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا».
كأن جهنم محيطة بنا، وخدر الطبيعة مانعٌ من الشهود والإحساس «إن جهنم لمحيطة بالكافرين».
وللكفر مراتب كثيرة: رؤية النفس، ورؤية العالم، والنظر إلى غيره (تعالى) من مراتب ذلك.
أول سورة من القرآن، إذا تدبرناها ونظرنا إليها بعينٍ غير هذه العين الحيوانية، ووصلنا إليها بعيداً عن الحجب الظلمانية والنورانية، تتدفق ينابيع المعارف إلى القلب، ولكن للأسف إننا غافلون حتى عن افتتاحها {ومن اطلع وخرج من الغفلة لم يصلنا خبره}.
أنا القائل الغافل وغير العامل، أقول لابنتي: تدبري القرآن الكريم هذا المنبع للفيض الإلهي، ورغم أن صرف قراءته باعتباره رسالة المحبوب إلى السامع المحجوب له آثار محببة، لكن التدبر فيه يهدي الإنسان إلى المقامات الأعلى والأسمى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها».
وما لم تُفتح هذه الأقفال والأغلال وتتحطم، لا يحصل من التدبر ما هو نتيجته.
يقول الله المتعال بعد قسمٍ عظيم: «إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسّه إلا المطهرون».
وطليعة أولئك هم الذين نزلت فيهم آية التطهير.
أنتِ أيضاً لا تيأسي، لأن اليأس من الأقفال الكبرى، اسعي قدر الميسور في رفع الحجب، وكسر الأقفال، للوصول إلى الماء الزلال ومنبع النور.
ما دام الشباب في يدكِ فجدّي في العمل، وفي تهذيب القلب، وكسر الأقفال، ورفع الحجب، فإن ألف شاب هم أقرب إلى أفق الملكوت يوفقون، ولا يوفق هرم واحد.
القيود والأغلال والأقفال الشيطانية، إذا غُفل عنها في {مرحلة} الشباب، تضرب جذورها في كل يوم يمضي من العمر، وتصبح أقوى.
"الشجرة التي هي الآن تُقتلع من جذورها بقوة شخص، تصبح بمرور الزمان عصية لا يمكن اقتلاعها".
من مكائد الشيطان الكبرى، والنفس الأخطر منه، أنهما يعدان الإنسان بالإصلاح في آخر {أمره} وزمانِ الشيخوخة، ويؤخران التهذيب والتوبة إلى الله، إلى الزمان الذي تصبح فيه شجرة الفساد، شجرة الزقوم قوية، والإرادة والقوة على التهذيب ضعيفتين، بل ميتتين.
لا نبتعد عن القرآن، في هذه المخاطبة بين الحبيب والمحبوب، والمناجاة بين العاشق والمعشوق، أسرار لا سبيل لأحد إليها غيره هو وحبيبه، ولا إمكان أيضاً للحصول على هذا السبيل.
لعل الحروف المقطعة في بعض السور مثل "ص" من هذا القبيل.
وكثير من الآيات الكريمة التي لكل من أهل الظاهر، والفلسفة، والعرفان، والتصوف، تفسيره أو تأويله الخاص لها, أيضاً من هذا القبيل، رغم أن لكل طائفة بمقدار قابليتها حظاً أو خيالاً، وتصل إلى الآخرين نفحةٌ من هذه الأسرار بوسيلة أهل بيت الوحي الذين جرت عليهم {الأسرار} من منبع الوحي الفوار، وتصل منهم إلى الآخرين، كلٍّ بمقدار قابليته.
وكأن أكثر المناجاة والأدعية خصّصت لهذا الأمر.
ما نجده في أدعية المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم ومناجاتهم، قليلاً ما نجده في الأخبار التي هي في الأكثر بلسان العرف والعموم، ولكنّ لسان القرآن لسانٌ آخر، لسان يرى كل عالمٍ ومفسرٍ أنه يعرفه، ولكنه لا يعرفه.
القرآن الكريم من الكتب التي لم يسبقه إلى معارفه سابق.
وتصوّر كثير من معارفه، أصعب من تصديقها.
كثيراً ما يمكن إثبات مطلب فلسفي بالبرهان الفلسفي، والرؤية العرفانية، ولكن مع العجز عن تصوّره.
تصوّر ربط الحادث بالقديم الذي عبّر تعالى عنه في القرآن الكريم بتعبيرات مختلفة.
وكيفية معية الحق مع الخلق التي يقول البعض إنهها المعية القيومية التي {يعتبر} تصوّرها حتى لأولئك القائلين {بها} من المعضلات.
وظهورُ الحق في الخلق، وحضورُ الخلقة {الخليقة} لدى الحق.
وأقربيتُه جل وعلا إلى المخلوق من حبل الوريد.
ومفادُ «الله نور السماوات والأرض».
و «هو الأول والآخر والظاهر والباطن».
«ما يكون من نجوى ثلاثة» إلخ.
و«إياك نعبد وإياك نستعين».
وأمثال هذه، مما أظن أنه لم يتحقق تصوره لغير المخاطب، {وتحقق} بتعليمه، لقرباه، الذين كانوا أهلاً لمثل هذه المسائل، والوصولُ إلى كوّة منه، تلزمه المجاهدة المشفوعة بالتهذيب.
"المؤسف أن عمر هذا المكسور القلم مضى، وليس من نتيجة لقيل المدرسة وقالها، إلا الكلام المحزن، بعد كل ذلك التوثب" واليوم لا أثر للشباب الذي هو ربيع الحصول {والعثور}.
ولا أرى إلا منسوجات السابق، التي ليست إلا حفنة من الألفاظ.
أوصيك أنت وجميع الشباب الطالبين للمعرفة، أنكم وجميع الموجودات جلوته هو وظهوره هو.
اسعوا وجاهدوا لتعثروا على بارقةٍ من ذلك، وتذوبوا فيه فتصلوا من العدم إلى الوجود المطلق.
عندما أصبح عدماً كانعدام "الأورغ" سيردد وجودي لحن «إنا لله وإنا إليه راجعون».
بُعث الأنبياء ليعطوا البشر الرشد المعنوي، ويخلّصوهم من الحجب، وللأسف أن الشيطان أقسم وبواسطة أذنابه، أن لا يدع أهدافهم تتحقق «فبعزتك لأغوينّهم أجمعين».
نحن جميعاً نيام ومبتلون بالحجب «الناس نيام وإذا ماتوا انتبهوا».
كأن جهنم محيطة بنا، وخدر الطبيعة مانعٌ من الشهود والإحساس «إن جهنم لمحيطة بالكافرين».
وللكفر مراتب كثيرة: رؤية النفس، ورؤية العالم، والنظر إلى غيره (تعالى) من مراتب ذلك.
أول سورة من القرآن، إذا تدبرناها ونظرنا إليها بعينٍ غير هذه العين الحيوانية، ووصلنا إليها بعيداً عن الحجب الظلمانية والنورانية، تتدفق ينابيع المعارف إلى القلب، ولكن للأسف إننا غافلون حتى عن افتتاحها {ومن اطلع وخرج من الغفلة لم يصلنا خبره}.
أنا القائل الغافل وغير العامل، أقول لابنتي: تدبري القرآن الكريم هذا المنبع للفيض الإلهي، ورغم أن صرف قراءته باعتباره رسالة المحبوب إلى السامع المحجوب له آثار محببة، لكن التدبر فيه يهدي الإنسان إلى المقامات الأعلى والأسمى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها».
وما لم تُفتح هذه الأقفال والأغلال وتتحطم، لا يحصل من التدبر ما هو نتيجته.
يقول الله المتعال بعد قسمٍ عظيم: «إنه لقرآن كريم. في كتاب مكنون. لا يمسّه إلا المطهرون».
وطليعة أولئك هم الذين نزلت فيهم آية التطهير.
أنتِ أيضاً لا تيأسي، لأن اليأس من الأقفال الكبرى، اسعي قدر الميسور في رفع الحجب، وكسر الأقفال، للوصول إلى الماء الزلال ومنبع النور.
ما دام الشباب في يدكِ فجدّي في العمل، وفي تهذيب القلب، وكسر الأقفال، ورفع الحجب، فإن ألف شاب هم أقرب إلى أفق الملكوت يوفقون، ولا يوفق هرم واحد.
القيود والأغلال والأقفال الشيطانية، إذا غُفل عنها في {مرحلة} الشباب، تضرب جذورها في كل يوم يمضي من العمر، وتصبح أقوى.
"الشجرة التي هي الآن تُقتلع من جذورها بقوة شخص، تصبح بمرور الزمان عصية لا يمكن اقتلاعها".
من مكائد الشيطان الكبرى، والنفس الأخطر منه، أنهما يعدان الإنسان بالإصلاح في آخر {أمره} وزمانِ الشيخوخة، ويؤخران التهذيب والتوبة إلى الله، إلى الزمان الذي تصبح فيه شجرة الفساد، شجرة الزقوم قوية، والإرادة والقوة على التهذيب ضعيفتين، بل ميتتين.
لا نبتعد عن القرآن، في هذه المخاطبة بين الحبيب والمحبوب، والمناجاة بين العاشق والمعشوق، أسرار لا سبيل لأحد إليها غيره هو وحبيبه، ولا إمكان أيضاً للحصول على هذا السبيل.
لعل الحروف المقطعة في بعض السور مثل "ص" من هذا القبيل.
وكثير من الآيات الكريمة التي لكل من أهل الظاهر، والفلسفة، والعرفان، والتصوف، تفسيره أو تأويله الخاص لها, أيضاً من هذا القبيل، رغم أن لكل طائفة بمقدار قابليتها حظاً أو خيالاً، وتصل إلى الآخرين نفحةٌ من هذه الأسرار بوسيلة أهل بيت الوحي الذين جرت عليهم {الأسرار} من منبع الوحي الفوار، وتصل منهم إلى الآخرين، كلٍّ بمقدار قابليته.
وكأن أكثر المناجاة والأدعية خصّصت لهذا الأمر.
ما نجده في أدعية المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم ومناجاتهم، قليلاً ما نجده في الأخبار التي هي في الأكثر بلسان العرف والعموم، ولكنّ لسان القرآن لسانٌ آخر، لسان يرى كل عالمٍ ومفسرٍ أنه يعرفه، ولكنه لا يعرفه.
القرآن الكريم من الكتب التي لم يسبقه إلى معارفه سابق.
وتصوّر كثير من معارفه، أصعب من تصديقها.
كثيراً ما يمكن إثبات مطلب فلسفي بالبرهان الفلسفي، والرؤية العرفانية، ولكن مع العجز عن تصوّره.
تصوّر ربط الحادث بالقديم الذي عبّر تعالى عنه في القرآن الكريم بتعبيرات مختلفة.
وكيفية معية الحق مع الخلق التي يقول البعض إنهها المعية القيومية التي {يعتبر} تصوّرها حتى لأولئك القائلين {بها} من المعضلات.
وظهورُ الحق في الخلق، وحضورُ الخلقة {الخليقة} لدى الحق.
وأقربيتُه جل وعلا إلى المخلوق من حبل الوريد.
ومفادُ «الله نور السماوات والأرض».
و «هو الأول والآخر والظاهر والباطن».
«ما يكون من نجوى ثلاثة» إلخ.
و«إياك نعبد وإياك نستعين».
وأمثال هذه، مما أظن أنه لم يتحقق تصوره لغير المخاطب، {وتحقق} بتعليمه، لقرباه، الذين كانوا أهلاً لمثل هذه المسائل، والوصولُ إلى كوّة منه، تلزمه المجاهدة المشفوعة بالتهذيب.
"المؤسف أن عمر هذا المكسور القلم مضى، وليس من نتيجة لقيل المدرسة وقالها، إلا الكلام المحزن، بعد كل ذلك التوثب" واليوم لا أثر للشباب الذي هو ربيع الحصول {والعثور}.
ولا أرى إلا منسوجات السابق، التي ليست إلا حفنة من الألفاظ.
أوصيك أنت وجميع الشباب الطالبين للمعرفة، أنكم وجميع الموجودات جلوته هو وظهوره هو.
اسعوا وجاهدوا لتعثروا على بارقةٍ من ذلك، وتذوبوا فيه فتصلوا من العدم إلى الوجود المطلق.
عندما أصبح عدماً كانعدام "الأورغ" سيردد وجودي لحن «إنا لله وإنا إليه راجعون».
12 شهر رمضان المبارك 1404 هجرية
روح الله الموسوي الخميني
روح الله الموسوي الخميني
المصدر: جريدة العهد.
اترك تعليق