مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أسباب الاختيار

أسباب الاختيار

أسباب الاختيار:
 
كتابة وإبلاغ الرسالة من قبل الإمام (الخميني) إلى أحد قطبي العالم الذي يشهد تطورات وتغييرات سياسية وآيديولوجية كبرى، كان في حد ذاته عملاً جبّاراً وتاريخياً، وقد أثبت بمرور الزمن صحة توقعات الإمام (الخميني)، منها: عدم الانغرار بأبهة العالم الغربي، و "إنه يُسمع صوت تهشم عظام الشيوعية، فيجيب من الآن فصاعداً البحث عنها في متاحف التاريخ السياسي العالمي".
السؤال هو: لماذا اخترتُ (أنا) والسادة (جوادي آملي) و(لاريجاني) لإيصال هذه الرسالة المهمة والتاريخية؟ لماذا أكون أنا (المرأة) سفيراً وممثلاً عن الإمام (الخميني)؟ فأنا  أفتخر وأتشرف بهذا الوسام أن أرافق الإخوة في هذا السفر العظيم، والذي من المحتمل أن يقع فيه أي نوع من الخطر، وهو السبب الذي دعانا فيه السيّد (احمد الخميني) أن نكتب وصيتنا أو نجددها، كان هناك تخوف من عدم العودة إلى الوطن نهائياً.
بعد هذا السفر وجهّت سؤالاً للسيد (أحمد) عن الوصيىة، فأجابني بصراحة: "كنا قلقين جداً، ونشعر بالخطر، وكان من المحتمل أن يقصف الأمريكان الطائرة وهي محلقة في الجو، أو أن حكومة الإتحاد السوفيتي تعتقلكم، ولا يسمحوا لكم بالعودة أبداً، وهناك أيضاً احتمالات أخرى من هذا القبيل".
يُذكرّنا عمل الإمام الخميني هذا بعمل رسول الله(ص) في صدر الإسلام وهو أنه: كيف كان يرسل مبعوثيه ورسله مبشرين ومنذرين من دون قلق أو خوف إلى أقصى نقاط العالم، وليصل الخطاب الإلهي ونداء الحق والعدل والحرية والسلام إلى أسماع العالم بأسره، وخاصة إمبراطوريتي الروم والفرس. حركة كان لها بركات كثيرة على الإسلام والمسلمين، ويتكرر هذا العمل حالياً على يد نائب وحفيد رسول الله(ص) مرة أخرى أيضاً.
لقد كان اختيار الشيخ (جوادي آملي) في نظري بسبب ما يتميز به سماحته من صفات على المستوى العلمي والمعرفي والديني، وإحاطته بالعلوم الإسلامية، وخاصةً فيما يتعلق بمعارف وعلوم القرآن، والفلسفة والعرفان أيضاً. وله منزلة خاصة ودور مهم بين العلماء والمفكرين في الوسط الديني. مضافاً إلى ذلك أنه لم يسجن نفسه بيد جدران الحوزة الأريعة، بل كان له وجود ومعرفة أيضاً في شؤون الدولة وقضايا الحكومة، وكان له توجه وشعور عميق وسليم في إجراء وتطبيق الأحكام الإسلامية، وهو قادر ببساطة وسهولة ومن دون إثارة أيّ مشكلة أو ضجيج أن يبدي نظره حول القضايا والمسائل الفلسفية في العالم الشرقي والغربي، والدفاع عن الإسلام.
نغمة ووقع الكلام، السماحة والسيماء الهادئة، والتصرف المتين، بإمكانها أن ثؤثر وتستقطب كل مخاطب نحوه.
كان الإمام (الخميني) مستحضراً كل صفاته وخصائصه أكثر من غيره، فكان حسن الاختيار يعود لهذه الأسباب.
أما السيد (لاريجاني)، فهو إنسان مثقف، حاصل على شهادة الدكتواره في الفلسفة والرياضيات، وهو من أسرة علمائية عريقة، له رأي ووجهة نظر في عالم السياسة والفكر، وهو شخص فاضل من الأجلاء والمفكرين، ومن الناس الثقاة والذين يُعتمد عليهم. أما الصفات الأخرى التي يتمتع بها –وقد كانت مؤثرة في حسن الإختيار- هي: كونه معاوناً لوزير الخارجية، ومعرفته بعدد من اللغات.
أما عن اختياري لهذه المهمة الصعبة، فكلما فكرت، فإنني لم أصل إلى نتيحة غير هذه، وهي: أن الإمام كانت له نظرة خاصة، وهي أن وجود امرأة إلى جانب الإخوة السياسين من الرجال وإرسالهم إلى (الاتحاد السوفيتي)، ليعلم العالم أن للمرأة دور ومشاركة مهمة في النظام الحالي، وهي متفوقة وسباقة في كافة المجالات. وأراد الإمام (الخميني) أيضاً إلى جانب الرسالة أن يبعث رسالة شفوية أخرى إلى العالم بأسره: أننا وبصورة عملية وأكثر من أيّ مدرسة أخرى نولي أهمية فائقة وقيّمة للدور الحقيقي الذي تلعبه المرأة، القيمة الروحية والمعنوية لا القيمة الآلية.
أراد الإمام يضمّ إمرأة إلى هذا الفريق أن يعلن للعالم بأسره، ويرد على كل الدعاة المغرضة أننا بعلمنا هذا ننهي ونزيل كافة القيود والمحاذير التي من شأنها أن تحد وتحجم مشاركة المرأة وتواجدها في المجتمع الإسلامي، وأن يحصل مثل هذا التحوّل أيضاً في زمن تحاول فيه وسائل الإعلام أن تعتم على دور المرأة في الجمهورية الإسلامية.
إرسال رسالة من الإمام إلى (غورباتشوف) لا يحتاج إلى وجود سيدة أصلاً ولكنه يعين امرأة لترافق الوفد فما الداعي لذلك حيث الواقع لو أوصل الشيخ الآملي لوحده الرسالة ورجع فما المشـكلة؟ أنا على يقين بأن لا مشكلة في ذلك إذاً لماذا الإمام سيدة ضمن الوفد؟
يريد الإمام أن يقول: إن حضور المرأة ضروري في جميع الساحات... كما يريد أن يعلن عن حضور المرأة في الخطط المختلفة.
في نظري حتى المسائل الدولية يجب أن تشارك المرأة في حلّها وها أنا قائدكم أختار المرأة والرجل من أجل إبلاغ الرسالة الأولى والأخيرة إلى المجتمع الدولي(1). ولعلّ حضوري وتواجدي سنوات في ساحة القتال والنضال، تحمّل الهجرة والغربة في هذا الطريق، وحضوري وتواجدي عدّة أشهر في (نوفل لوشاتو) في خدمة الإمام، والتصدي لبعض المسؤوليات بعد انتصار الثورة الإسلامية "كقيادة الحرس الثوري في (همدان)، وكوني ممثلة عن الشعب لعدة دورات في مجلس الشورى الإسلامي، ومسؤولية قيادة تعبئة الأخوات"، لعلّ كل هذه الأمور كان لها تأثير في انتخابي لهذه المهمة.
لقد كانت رغبة الإمام (الخميني) في أن يكون لممثليه حضور وتواجد في قلب إمبراطورية الشرق والبيت الشيوعي الكبير القوي، ويكونوا قادرين لى اتخاذ القرارات الصائبة في المواقع الضرورية وفي الأزمات، والعمل مع أدائها بالشكل الجيد والمطلوب.
أتذكر أن السيد (جوادي آملي) ألقى خطاباً في مدينة (مشهد المقدسة) حول قوة وعظمة الإسلام، أشار فيه سماحته إلى مهام الوفد الذي أُرسل إلى (الإتحاد السوفيتي) آنذالك، فقال: "إنّ نسوتنا يظهرون بهذا الشكل الذي يواجهن ويتحدين فيه القوى الاستكبارية العظمى، ويرفضن مصافحة يده الممدودة ابتداءا، ليقلن: إننا نمدّ أيدينا إلى رجالكم ونحن عزل عن السلاح".
 
 
______________ 
1- صحيفة كيهان، العدد 17023 (13/2/2001م).
 
المصدر: 23عاماً.. وسط الطوفان (مذكرات المناضلة الإيرنية الحاجة مرضية (دباغ)، إعداد وتقديم: السيد محسن الكاظمي، ترجمة ونشر: دار الولاية للثقافة والإعلام، الطبعة الأولى، 2015م

التعليقات (0)

اترك تعليق