مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

شهادات عن التعذيب(1)

شهادات عن التعذيب(1): معتقل الخيام.. الجحيم فالجفاف

سجن الخيام:
نوال بيضون:
"الحي اللي اعتقلت منه كانت بيوته كلها لا تتعدى الـ 100، سكانه كلهم كانوا موجودين فيه، لكن الاحتلال الإسرائيلي حوَّل هذه البيوت لخراب ودمار، سكانه قسم منهم اتشرد قسم منه إما استشهد أو اعتقل الوقت كل أنا لما بأروح وتحديداً كان على سمع صوت قراءة القرآن ويدل على إنه موعد الإفطار في شهر رمضان قرب، بها الوقت كنت عم بأحضر طعام الإفطار مع إخواتي، ولفجأة بأسمع طرقات قوية على الباب فكلنا بنشعر بحالة رعب، بأطلع لأشوف مين فبناتفاجأ بألاقي أحد قادة العملاء اللي كان معروف بإجرامه ومعاه اتنين من المرافقين فيبادرني بالسؤال عن اسمي، بتأكد إنه جايين ورايا، فبيطلب مني إني أرافقهم على مركز البلدة، في البداية بأرفض، لكنه بيصوب المسدس باتجاهي يتصير حالة رعب للناس حولي، فبأضطر إني أمشي معاه، في لحظة وصولنا للمركز بيكون صوت أدان المغرب عم بأسمَّع، عم بيقطع الصمت اللي كان بيخيم على المكان، وهناك بيبلش التحقيق معي، وأبقى ليلتها بهذا المركز، وتاني يوم الصبح بأسمع صوت محرك سيارة بيتوقف هناك، لحظات وبألاقي حالي بتداخل سيارة فيها أحد العملاء وبجنبه عميل آخر، وبتمشي فينا السيارة مسافة طويلة تقريباً، حتى نوصل لمكان اسمه بركة البردار، وهناك فجأة العميل بيوقف سيارته وبدأ يطلع قدامي هذا ما تعرفيه، فأشار بتعترفي هلا قبل ما نوصل لأن اللي بيفوت على هذا المكان المفقود واللي بيطلع منه ميت.
ما برد عليه ولا بأي كلمة وبيتابع السير، وهذه اللحظات تسير بتطلع حولي بأحس إن كل شيء عم بشوفه من شجر، من مي، من حجر وكأنه آية من الجمال، وكأني لأول مرة بأشوفه، ويمكن لآخر مرة.
وبنوصل على بوابة المعتقل، وهناك بتبلش حياة جديدة، حياة بتستمر أربع سنوات.
[...] بنوصل لهون بتكون الساعة 7 تحديداً، التوقيت بأعرفه من مسجل سيارة تكون واقفة بهذا المكان يكون فيها شخص بأعرف بعدين إن هو أحد المحققين فبيدخلونا على هايدا الغرفة بتكون أول مكان بأدخله إليه داخل موقع الخيام، دخلت هذه الغرفة فهون بيكون فيه شخص ناطرني، وفيه مكتب واقف وراه فبينده، بيسألني عن اسمي ومن أي ضيعة ويشوف ما معي من أغراض فأول شغلة بياخدها هي ساعة اليد، بهيك اللحظة بأحس بكأنه انتزاع الزمن، الزمن اتوقف من هذه اللحظة، بيرفع الأبارية بيجي بيعمل اتصال، بعد شوية بييجوا بنتين فبأتفاجأ إنه فيه شيء أسود حاملينه، أصفاد بأيديهم، فتقوم إحدى الفتاتين بتحط الكيس برأسي، مو بأقدر أتحمل للو الأولى فبأرفعه فبتصرخ بوجهي وتقول: لأ نزليه، فاللي بيفاجئني إنها بتحكي لنا عربي مش، تفتكر إن على أساس إسرائيلية مش لبنانية، بعد شوية حطوا الكيس في عصية وكأنهم بدهم يمنعوا أي بصيص ضوء يدخل غير أي شيء والكلابشة بالإيدين، وبتاخدني من الكلابشة بتمسكها بتاخدني وبتطلعني من الغرفة من هون، طلعتني من هذه الغربة وهي بعد آخده الكلابشة مسكتها فأنا ما عم بأوعى إن كيف عم بيمشوا وين، لكن هي اللي كانت عم بيتسير لي خطواتي، كيف بأدي أخطي بدي أطلع رجلي أو أوطي رجلي، وبقيت ماشية في على مكان أنا مش عارفه بعد شيء عنه.
بقيت ما شيه هي وأنا عم بأتبعها هي اللي عم بتسير خطواتي كيف بدي أمشي، ما بأعرف شيء عن المكان، هذا المكان أساساً أول ما فاتني ما كان موجود هذا الجدار بعدين انبي ونحنا هون، هذا كان عبارة عن تواليت للبنات الأسيرات، هذه البوابة كمان ما كانت موجودة، وبعدين البنات.. دخلتني لهون أكيد أنا كما بعدي ما بأعرف عن المكان شيء، هذا انعمل بعدين وهو عبارة عن منشر ثياب الأسيرات كانوا يستخدموه، فبهذا المكان بأعرف أنا.. إن دخلتني بنت الشرط على غرفة كنا نسميها "زنزانة رقم 7"، أول لحظة دخلت فيها على هذا المكان بعد ما شالت لي بنت الشرطة الكيس على رأسي اتطلعت هيك إنه جدران حسيت وكأنه..طبعاً بعد ما سكرت الباب وكأنه شيء هيطبق على صدري، فبعدت شويه عن الباب ورحت أتطلع بالحيطة شو مكتوب؟ لقيتها كلها عبارات تواريخ اعتقال وأبيات شعر وعبارات عن الأم والوطن، فإحساس غريب انتابني وحسيت بأن هذا المكان هو نموذج عن.. مصغر عن مكان كله، يعني كله غرف النوم بهذا الشكل هايدا، اللحظة حسيت إنه هون بداية الموت، يعني بهذا المكان اعتبرت ولادة الموت.. فبأعتبر إن هون كانت أول لحظة الأسير بيعتبر حاله فيها إنه بدأ الحد.. العد العكسي لحياته بهذا المكان، للحظات يمكن ساعة أو ساعتين ترجع تيجي بنت الشرطة وتأخدني على غرفة التحقيق، وبعد التحقيق للمرة الأولى بترجعني على هذا المكان، يعني للتحقيق تقريباً الجسلة الأولى بتاخد حوالي 3 ساعات تحقيق والكيس على الرأس، أنا لما بأرجع على هذا المكان وألاقي فيه صحن أكل وموجود عليه قطعة خبر، فبأحس فعلاً بالإذلال كتير إنه الإنسان معقول يعامل بهذا الأسلوب هون بها الحقارة هذه، يعني الإنسان بيصير عندهم كأنه أشبه بحيوان، ويعني فأنا بأعتبر إن هاي بتجردهم من إنسانيتهم هم".
كفاح عفيفي:
"أنا كفاح عفيفي فلسطينية من مدينة حيفا، سكان مخيم شاتيلا، أسرت أثناء تنفيذ عملية بجنوب لبنان وسنة 82 تم الإفراج عني سنة 95، كنت أصغر معتقلة بوقتها بسجن الخيام، هذه الغرفة قعدت فيها 3 سنين، بس أتغيرت هلا عما كنا كتير إنه، هلا طارشين طرش جديد على أيامنا كانت كل الحيطان شعارات وكتابة أسماء النبات وشيء يوحي لك بالصبر، يعني بتقرأ الشعار يوحي لك بالصبر والأمل، هلا كله هون دهن جديد ومتغير كلياً مع إنه كنت يتحب كتير إنه يبقى على ما هو إنه للعالم اللي بتيجي بتحسن بمعنى إنه ها الكتابة هذه، وقد أيه واحد كان يعاني وكتب معاناته بالحيطان، سواء كان يكتبها بـ.. يتلاقي مسمار يكتب اسمه بالمسمار، يكتب الشعار بالمسمار بتعجب (..) يكتب نفس الشيء، مثل جرائد عاملين كنا على الحيطان، وأكتر قصيدة بعد لحدية هلا ما بتروح من بالي إنه كتبت قصيدة:
"من منكم يفهم أحزاني
وبأي سجن سجنوني
من يعرف في الأرض مكاني
وأي قبر قبروني
كلاب الشرطة تطاردني
تنهش لحمي وعيوني
قتلوني أكثر من مرة
وولدت حيث قتلوني
وأشياء كتيرة".
أنا مرت على شخصية إنسان هو مسؤول الثكنة اسمه أبو نبيل، هايدا الإنسان الوحيد ما بأنساه، ولا بأقدر أنساه بحياتي، لأني تعرضت كتير من وراه للتعذيب، يعني أنا بدي أحكيها بكل صراحة ما يعذبني إلا وقت دورتي الشهرية، يعني ناهيك بالإذلال النفسي والجسدي"..
نوال بيضون:
"من وسائل التعذيب النفسية اللي كانوا يستخدموها إنهم إن كان.. إذا كانت.. إذا كان الأسير فتاة فكانوا يوهموها بإنهم راح يعتدوا عليها، راح يجردوها من ملابسها أو يوهموها بأنهم هم جابوا أحد أفراد أسرتها سواءً أكان أخيها أو أختها أو أمها أم أبيها، المهم إنهم يوهموا الأسير بإنه أحد أفراد أسرته موجودين هون، فمن ضمن الحالات اللي مرقت فيها إنه بالتعذيب النفسي أوهمني المحقق بإنه جابوا أختي على داخل المعتقل كوسيلة ضغط لأن أعترف، وبيسمعني تحديداً صوت أسيرة عم تتعذب فللحظة الأولى أفتكر إنه فعلاً هايدي الأسيرة هي أختي، لكن بعد فترة وبطريقة تعلمتها من الأسرى داخل المعتقل وهو إن كان عدد الأسرى عادةً معروف قد إيش، فمن خلال العدد كان يتم توزيع الطعام على الأسرى، فمثلاً إذا كان عدد الأسرى، فالبيض اللي كان يجي للأسرى بيكون 20 بيضة، فإذا فاق العدد عن هيك معناته إنه فيه أسير جديد، من خلال ها الطريقة كنت عارفة قد إيه عدد الأسرى وعرفت قد إيش عدد البيض اللي إجي فعرفت من خلاله إنه هم كانوا عم بيضغطوا على بها الوسيلة وأختي ما جابوها.
الصمت.. الأسير أحياناً بيضطر يلتزم الصمت، إذا بيعرف إنه المحقق ما عنده معلومات كافية عنه، الكلام حين بيضطر الأسير إنه يبدع كلام ليخلص من حالة تعذيب معينة هو موجود فيها".
كفاح عفيفي:
"كنت أقضي معظم وقتي واقفة على الشباك في الـ.. هناك كان في الحرس على برج المراقبة يكون حامل مسجل صغير ومدوره على.. على الأغاني، أقعد أنا أتسمع عليه، وقت ما يجي صوت الأخبار، يوطي الراديو على الآخر عشان ما نسمع، وكنا دايماً.. لأنه كان ممنوع إنه نحكي مع بعض، ونشوف بعضنا داخل الغرف، كنا نقف على الشبابيك بس يكونوا الشرطة.. نحاول إنه نحكي مع بعض على.. بالغناني.. تغني كل غرفة تغني غنايه، نفهم مع بعض إنه شو عم بيغني، وأكتر شيء كنا نظلنا نغني بس يجوا بنات جداد أغاني ثورية، عشان إنهم يقووا، كان فيه الخضار وسهل الخيام كنا بقلب الغرفة يعني كتير عيونَّا يظلوا يوجعونا بس نقف على الشبك ونتطلع بالخضار بتحس إنه برواق بعيَّونا، بعدين كان إنه تحت المعتقل عشب يابس بس بيانته يطلع عشب أخضر، يعني يحسننا بالأمل إنه رغم العشب اليابس طلع خضار ونحن نفس الشيء إنه داخل المعتقل بس بيوم من الأيام راح يطلع.. راح نطلع".

المصدر:www.bintjbeil.com   

التعليقات (0)

اترك تعليق