من خطاب للإمام الخامنئي في نقد الطروحات النسوية (الفيمينيسم)
خطاب الغرب، تقهقر وانحطاط:
خطاب الغرب حول المرأة، خطاب سياسيّ مدروس بدقة. بمعنى أنّه أُجريت محاسبات دقيقة، قبل بدء العمل بهذا الفكر وهذا الخطاب. بالطبع هذا ليس خبراً أنقله لكم، استناداً إلى معلومات ووثائق. لكن القرائن تؤيد هذا التحليل وتدعمه. فمع بداية عصر النهضة، وما تبعه من ظهور الصناعة الحديثة وانتشارها في الغرب، تنامي هذا الخطاب الغربي تدريجياً، ووصل إلى أوجه في عصرنا. لكن بالطبع، سيصاحب هذا "الأوج" انحطاطٌ وتنزّل، وإن شاء الله ذلّ وانهيار هذا الخطاب
لخطاب الغرب حول المرأة، أجزاء مختلفة، لكنّ جزئين منه هما الأبرز:
ترجيل المرأة:
الأول: "تَرْجيل" المرأة، أي تشبُهها بالرجل، وهو جزء مهم من هذا الخطاب. والآخر، أن تصبح المرأة وسيلة سهلة لتلذّذ الرجل جنسياً. سواء أكان تلذّذاً بصرياً (أي بالنظر)، وما يلي ذلك من مراحل أسوأ وأبعد من التلذّذ البصري، وهذا جزء آخر من خطاب الغرب بخصوص المرأة. أما مسألة الـ"فمينيسم" (الدفاع عن حقوق المرأة) وما شابه من الأمور الرائجة في عالمنا الحالي، هي في الواقع نتاج الخطاب الغربي ذاك (من إفرازاته)، والذي سيوصل الأمور إلى هنا في نهاية المطاف.
الهدف من "ترجيل المرأة"، دفعها للقيام بأعمال أكثر انسجاماً مع بنية الرجل الجسدية، العصبية والفكرية، وجعلُ ذلك افتخاراً وامتيازاً للمرأة. ونحن في المقابل انفعلنا، وخُدعنا وقبلنا عن جهل وعن غير التفات لهذا الخطاب. أنظروا كيف أنّنا نفتخر بوجود هذا العدد من النساء، في المراكز التنفيذية الفُلانية في البلاد. لا يخطئنّ أحد فهمي، فأنا لا إشكال عندي من وجود هؤلاء السيدات في تلك المناصب التنفيذية، أعني بأنني لا أعارض ذلك ولا أنفيه، ولا أجد فيه أيّة مشكلة لنفترض بأن وزير الصحة عندنا كان إمرأة، وكانت بعض السيّدات معاونات لرئيس الجمهورية، وتولينَّ مناصب أخرى في البلاد. ولا أرى إشكالاً في ذلك، إلا أن المشكلة تمكن في الافتخار والتباهي أمام العالم، أن انظروا كم سيدة لدينا في المراكز التنفيذية للبلاد!. هذا ما يسمى الانخداع والانفعال. لا حاجة للافتخار هنا.
سلبية النظرة الإنفعالية:
حسناً، فقد وُجدت سيدة تمتلك خصائص وقُدرات أهّلتها لهذا المنصب، هذا جيد، ولمَ لا؟! فهو ليس مخالفاً للقانون. لكن أن نُفاخر بأن لدينا هذا العدد من السيدات المسؤولات في المراكز التنفيذية، فهذا خطأ. لو أننا افتخرنا بوجود هذا العدد من السيدات المثقفات، المتعلّمات، فهذا جيد، وهذا في مكانه، إذا قُلنا بأن لدينا هذا العدد من السيدات المؤلفات والناشطات الثقافيات والسياسيّات، فلا إشكال في ذلك، وإذا قُلنا بأن لدينا هذا العدد من السيدات الاستشهاديات والمجاهدات في مختلف الميادين، فهذا جيد، لو قلنا بأن لدينا هذا العدد من النساء الفعّالات في المجالات السياسيّة والثورية، مذيعات وكاتبات، فهذا جيد، ومن الجيد أن نفخر بهنّ. لكن أن نفخر بأن لدينا هذا العدد من الوزيرات وهذا العدد من النواب والمعاونات في المراكز التنفيذية المختلفة، وهذا العدد من مديرات المؤسسات التجارية، فهذا خطأ، وهذا انفعال في مقابلهم. وهل تقرّر إحالة أعمال الرجال للنساء؟! لا، فمقام المرأة، هوية المرأة وشخصية المرأة، يكمن في جنس المرأة ذاتها- هويةٌ جدّ سامية ومكرّمة- وهي تتفوّق في بعض النواحي على الرجال. نجد أنّه في الإجمال لا فرق بين المرأة والرجل، ونجد أنّه من حيث الخلقة، ومن جهة الخصوصيات الطبيعيّة التي خلقها الله المتعال فيها، هناك بعض الامتيازات للمرأة وبعض الامتيازات للرجل، وقد وهب الله تعالى قدراً من الخصوصية لهذا الجنس وكذا للجنس الآخر. يمتلك هذا الجنس بعض المميزات والخصائص، وكذا الجنس الآخر، لذلك، ففي الأمور الإنسانية، لا فرق وتفاوت بينهما، كما لا فرق في الأمور التي جعلها الله للإنسان، لناحية الحقوق الإنسانية، والحقوق الاجتماعية ومن ناحية القيم المعنوية والسير التكاملي المعنوي. أي أنّ رجلاً يصبح كعلي بن أبي طالب عليه السلام ، وامرأة كالسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ، ورجل كعيسى عليه السلام وامرأة كمريم عليها السلام . لا فرق بين الاثنين. إذن هي نظرة صائبة، أن نعرف المرأة في إطار جنسها، كما هي، امرأة واقعية، أنثى. وأن نعرف أيّ قيم يمكن أن نُنميها ونُرقيها في هذا الفرد المنتمى لهذا الجنس، وذلك المجتمع (الجماعة) المنتمي لهذا الجنس هذه النظرة، هي نظرة صائبة علينا أن لا ننفعل أمام النظرة الغربية، لكن للأسف هذا ما أصابنا.
وسيلة للتلذذ:
بالنسبة للجزء الثاني، حيث جعلوا المرأة وسيلةً لتلذّذ الرجل جنسياً، هو ليس بالتلذّذ المعنوي والروحي ولا بالتلذّذ العلمي، إذ يمكن لشخصين الجلوس معاً فيستمتع أحدهما بحديث الآخر، بمعلوماته، لكن لا، فهذا ليس مطروحاً، الهدف (عندهم) هو أن يتمكن الرجل وبكل سهولة من التلذّذ جنسياً بالمرأة. وقد دخل هذا الأمر من الغرب كصفعة على وجه الدول غير المحصّنة وغير المسلحة بسلاح الإسلام، بما في ذلك بلادنا. ولحسن الحظ جاءت الثورة، وتمّ التصدي لهذا المدّ بشكل كبير، لكن يجب أن تصبح سداً في مواجهة هذا الخطر الداهم والبلاء العظيم. فالحجاب أحد مقدمات هذه المواجهة، وكذلك مسألة الثياب والزّي، ومسألة المعاشرة والاختلاط بين الرجل والمرأة ومعرفة حدودهما، أيضاً من مُقدمات مواجهة هذا البلاء العظيم، الذي هو بلاء للمرأة والرجل على السواء، وفيه بالطبع مسألة تحقير المرأة، دون الالتفات إلى ذلك.
الغرب الخائف:
يجري اليوم وبشكل متعمّد إثارة هذه القضايا، وأنا على إطلاع بذلك، فقد قرأت كتابات وصحف ومؤلفات لمفكرين غربيين، بدأوا يشعرون تدريجياً بالخوف والاندهاش من هذه الأوضاع، الحق معهم، لكنهم تأخروا في إدراك ذلك. لقد أثاروا مسألة الشهوة والتي ترتكز على موضوع المرأة، لكن نشاهد اليوم حدوث الأسوأ من ذلك، وهو موضوع "السُحاق" و"المثلية"، والزواج وتشكيل عائلة من زوجين مثليين، وما شاكل. أمور يبدو التحدّث عنها سهلاً، لكنها هاويات عظيمة، سحيقة وخطرة، حُفرت في طريق الحضارة وفي طريق من يُدير تلك الحضارة ويُسيّرُها. منزلق عجيب، سوف يقضي عليهم. إنهم في منتصف الطريق، منتصف المُنحدر، وبرأيي لم يعودوا قادرين على وقف الانزلاق فقد تخطت المشكلة مرحلة المعالجة.
لقد قرأت في صحف الدول الأجنبية منذ عدة سنوات، قبل حوالي سبع وعشر سنوات، أن الأمريكيين يبحثون عن كتب المؤلف الفلاني مثلاً، وذلك الروائي والقصصي الذي تتمحور كتاباته حول العائلة بغية تحويلها إلى فيلم سينمائي وما شابه. حسناً، لقد قاموا بشيء ما، وما زالوا يحاولون، بيد أن مساعيهم لا تساوي أكثر من جدولٍ مائيّ صغير، مقابل سيل عظيم صنعوه بأنفسهم، فابتلوا به ولسوف يبلوهم أكثر فأكثر.
نحن نملك نوعاً من الحصانة(التحصن) في هذه القضية، بسبب وجود الحجاب وبقية الضوابط، لكن يجب أن لا نستسهل الأمر وأن نأخذه على محمل الجد. ما أشارت إليه السيدات في هذا الإطار، وما قلن إنهن يعملن عليه، كقضية الانجذاب الجنسي وخطره على المرأة والرجل والمجتمع والعائلة. برأيي ينبغي النظر إليه بجد وأهمية اكبر.
الخطاب الهجومي:
حسناً، ذكرنا بأنّ خطاب الإسلام هو "المرأة الحقيقية". وكما أشرت ويجب أن نطرح هذا الخطاب بنحو"هجومي"، وأن لا يأخذ موقع الدفاع على الإطلاق. قالت بعض السيّدات إنّ الساعين وراء مواثيق المرأة والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، يهددون بأنكم إذا فعلتم كذا وكذا، فسنصدر قراراً ضدكم. حسناً، فليفعلوا، للدرك الأسفل! يجب أن يُطرح الخطاب الإسلامي حول المرأة بشكل "هجومي"،(انتزاعي)، فإذا قالوا لمَ لا تسمحون للمرأة التجول دون حجاب؟ يجب القول: " لمَ تسمحون لهذا النوع من الحرية المُضرّة والمُرعبة الموجودة حالياً في الغرب؟! ما يجري اليوم حقيقةً، بخصوص عدم الاحتشام والحجاب في الغرب، يجعل الإنسان يُصاب بالدهشة والتساؤل عما سيفعلونه فيما بعد، وإلى أين هم سائرون؟ لا ريب وأنكم تملكون معلومات أكثر مني، لكنني أيضاً أملك معلومات كثيرة حول ما يجري في هذا المجال، وعلى شتى المستويات: من المستويات العليا إلى مستوى العمل والمعيشة المتعارف عليها في الحياة والمهنة وما إلى ذلك.
مصدر: من خطاب للإمام الخامنئي دام ظله في حشد من السيدات في الحوزات والجامعات_11-5-2013
اترك تعليق