مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

السيد موسى الصدر وزواج أخته أم جعفر

السيد موسى الصدر وزواج أخته أم جعفر

وصلنا إلى لبنان ليستقرَّ بنا المقام في بيت أخي السيد موسى الواقع في مدينة صور. ولأن وصولنا وافق ابتداء العام الدراسي في تلك السنة، لذلك صار لزاما أن ننتظر شهوراً، ريثما تحل أيام العطلة الصيفية، حيث تكون الأجواء والظروف أكثر ملائمة، لإتمام حفل الزواج.
ومرت بالفعل سبعة أشهر أو أكثر، تعلمت خلالها ما أمكنني تعلمه من اللغة العربية، وصرت أتحدثها باللهجة اللبنانية خلال أربعين يوماً. وقد استعنت في ذلك، بكتاب في تعليم اللغة. ومن خلال احتكاكي الدائم ببنات وحفيدات بيت السيد الإمام شرف الدين، وذريته وبني عمومته، الذين تربطنا بهم علاقة الرحم والقرابة.
ولقد استقبلنا آل شرف الدين بحفاوة وترحاب وتجليل وتكريم وعناية. فكنا نجتمع معهم في أكثر الأيام مساء أو ليلاً، إذ كان تزاورنا مستمراً، ولقد استفدنا كثيراً من هذه المجالسة الدائمة، في التعرف على مجمل أوضاع الحياة هناك وفي المنطقة المحيطة. وما يرتبط بذلك من عادات وتقاليد في المأكل والملبس والسفر والزواج وحفلات السهر والأفراح والأتراح. ولطالما اصطحبني بعضهن للتبضع والتسوّق.
كنت أحرص على ارتياد المكتبات التي تعرض للبيع كتبا في مختلف صنوف المعرفة، وقد اشتريت مجموعة من القصص والروايات، من روائع الأدب العالمي، من قبيل (أحدب نوتردام) (الرجل الضاحك) (البؤساء) وغيرها، رغم أني قرأت هذه الروايات المذكورة عندما كنت في قم بترجمتها الفارسية، لذلك لم أجد صعوبة في فهم ترجمتها العربية. لأن الأحداث المروية فيها، كانت حاضرة في ذهني. أتذكر أنني في أثناء قراءتي (أحدب نوتردام) عندما وصلت إلى مقطع كان الحديث فيه عن المئذنة والجرس، جرت في ذهني مقارنة بين الترجمتين: العربية والفارسية. وكلما تعثرت في استيعاب بعض النصوص العربية، كانت ذاكرتي تسعفني، فما كنت قرأته سابقا بالفارسية يساعدني على فهم ما سجل بالعربية. أو لعلي كنت أسأل الذين كانوا من حولي.
في تلك الأشهر السبعة قبل الزواج تسنّى لنا التجوال في ربوع لبنان الجميل، بجباله وسهوله ومنتجعاته، في رعاية سيِّد لبنان يوم ذاك «موسى الصدر»، الذي تربّع على عرش قلوب اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، رغم القِصَر النسبي لمدة تواجده في لبنان ذلك اليوم.
وحلّ شهر ذي الحجة الحرام‏(1) معلنا عن بداية العطلة الصيفية لتلك السنة. وهنا وصل إلى لبنان سماحة السيد الشهيد من العراق مع والدته الجليلة، وأخته العلوية الشهيدة: آمنة (بنت الهدى).
وهناك بدأت الاستعدادات تجري للتحضير للزواج. وقد كان السيد موسى حريصا على جعل حفل الزفاف بهيجاً كبيراً، يليق بشأن رجل مثل الشهيد، الذي صار من قبل ذلك الحين، رجلا معروفاً في الآفاق. بكونه فقيهاً فيلسوفاً مفكرا، على صغر سنه نسبيا. ولذلك نوى السيد موسى أن يدعو له ثلة كبيرة من رجال الفكر والمجتمع وشخصيات من مختلف الطوائف. وقد حضّر الأجواء والتجهيزات لجعله كالمهرجان الثقافي والاجتماعي، على أن يقام في موقع نادٍ معروف هناك، هو منتدى (الإمام الصادق(ع)) إلاّ أنّ الأقدار مضت باتجاه آخر. حيث غيَّب الموت قبل ليلة العقد والزفاف قليلاً.. قريبا لنا هو المرحوم السيد محمود شرف الدين، ابن عم الإمام عبد الحسين شرف الدين. وكان من كبار رجال المجتمع. ومن أبرز وجوه آل شرف الدين، حيث عمّ الأسى والحزن كثيرا ًمن الساحات. وجلَّل كثيراً من البيوتات ذات الشأن. وقد جهِّز(رحمة الله)، ونقل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن هناك.
وما كان منّا بالتالي إلاّ إلغاء جميع الترتيبات التي كنا بصدد إنجازها. وتقرر أن يتم الزواج ويحتفل له بشكل مختصر. فيقتصر الأمر على احتفال نسائي، تحضره المقربات من العائلة، وذلك في نفس منزل السيد موسى بمدينة صور.
كان ممن حضر الحفل صديقة مقربة إلى نفسي، وتربطني بها علاقة الرحم أيضاً، وقد بذلت لي كثيراً من وقتها وجهودها للتجهيز وتحضير لوازم العرس. سواء بمرافقتي للتبضع والتسوق. أو بالاستعداد لليلة الزفاف، حاولت هذه الصديقة القريبة أن تلتقط لي صوراً، تخلد ذكرى هذه الليلة. وذلك بآلة تصوير كانت تملكها. ولكني فهمت أنها تريد الاحتفاظ بالصور عندها. فلم يطاوعني قلبي أن أترك صوراً عني في لبنان، وأنا بكامل زينتي ثم أرحل عنها. فلم أتردد في الرفض، ولم يكن ذلك مني لقلة ثقة فيها، فإنها كانت والشهادة لله، امرأة طاهرة، متدينة محبة لي. غير أن ما أقلقني هو أن تتناقل الصور بين الأيدي بغير علمها، فإن الأبناء والبنات يكبرون، وقد تقع بين أيديهم وأيديهن، وهذا ما أخشاه.
في عقد الزواج، أمهرني الشهيد نسخة من كتاب الله المجيد، ومقداراً من المال، هو على طبق السنة المحمدية الشريفة. وهو بمقدار خمسمائة درهم فضة. وأهداني سواراً من الذهب مرصعاً باللؤلؤ(2)، وكان الشهيد قد هيّأ ذلك من حُرِّ ماله ومن يراع قلمه الشريف، إذ أنه(رحمة الله) كان عصاميا ملتزما بنهج خاص في التعامل مع أموال الحقوق الشرعية. ومن هنا كان حريصاً على أن تكون جميع تكاليف ومصاريف المهر وزفاف العرس، وبيت الزوجية، مما يحصِّله هو بنفسه وبتعبه. ولذلك فقد صبر وتأخر في الزواج إلى أن يتم إنجاز كتابة وطبع سفريه الخالدين: (فلسفتنا واقتصادنا). فلمّا بلّغه الله ذلك كان قد أتمّ الثالثة والثلاثين من عمره المبارك. فاستفاد من عوائد نشر هذين الأثرين العظيمين في ترتيب زواجه. وهكذا اقترن بي وقد أتممت التاسعة عشرة من عمري.
في صبيحة ليلة العرس جلست معه على مائدة الإفطار، في شرفة مطلة على سهل "كيفون" الخلابة المغرقة ببدائع الطبيعة، تداعب وجناتنا، وتهدهِد خواطرنا، نسائم عليلة عُرفت بها كيفون في هذا الوقت من السنة أي شهور الصيف.
كان مما دار بيني وبين الشهيد في هذه الجلسة، أن ابتدرني بالحديث بعد سويعة صمت وتأمل: إبنة العم‏(3) لا تحسبي أنني اتعرفُكِ لأول مرة، فقد سكنتِ قلبي، وعَرفتْكِ روحي، مذ حدثني عنك سيد موسى. لقد عرّفني على شمائلك، ووصف لي رجاحة عقلك وعلو همتك وكبر ذاتك وشفافية روحك. لقد عرفت منه تفانيك للخير، وحبك للغير، واعتماداً مني على شمائل الطهر هذه، وحرصكِ على رضا الله، وإيثارك للمصلحة، وتفانيك لمن تحبين فإن لي إليك طلبتين. الأولى منهما: أنا أعلم أنك تحبين الجميع، كما أنا، ولكني أطلب أن تمحضي حبَّك بشكل خاص خمسةً من الناس، لي بهم علقة خاصة: أمي، فإنها أمّي. أسعى لإرضائها، وأأمل أن تكوني لها بنتاً كابنتها العلوية بنت الهدى. وأخي الأكبر السيد إسماعيل الصدر، فإنه أخي وعضدي وسندي، في الآمال والآلام. فأنا بين يديه كالابن أمام أبيه، وكالتلميذ قبال أستاذه. إنه لي راعٍ وصديق وحبيب. ثم أختي وتوأم نفسي آمنة، فإنها رغم أنها تصغرني بثلاث سنوات، إلاّ أنها صهرت ذاتها في وجودي، وفاءً وفداءً لمقدس مشترك نسعى للوصول إليه. إنها رفيقة نضالي وكفاحي. وشريكتي في مسيري ومصيري، ولسوف تبوح بذلك الأيام. وكذلك السيد موسى شقيقك، الذي علّقت عليه كثيراً من آمالي، وتعلّقت به روحي. وأخيراً: الشيخ عبد الحسن البلداوي. فإنه في مقام والدي. وقد تعهدني وأختي العلوية بالرعاية منذ طفولتنا، عندما توفي والدي وأنا في الثالثة من عمري. حتى أنني لا أتذكر إلاّ صورة سديمية عن المرحوم والدي. فكان الشيخ عبد الحسن مسؤولاً عن قضاء حوائج البيت من توفير لوازم المعاش والعلاج وكل الضرورات. عندما كنا في مدينة الكاظمية.
فهؤلاء الخمسة، انسجمي معهم، وأحبّيهم حباً خاصاً كما أحبهم.
أما الطّلِبة الثانية وقد قالها مازحاً في ابتسامة محببة،أشرق لها وجهه: أريد منك أن تنجبي لي فتيات ثلاث، هنّ في حسنهنّ كالذي تصفه الأمهات في أقاصيصهن لأطفالهنّ. ومن بعدهن أتحفيني بصبي يكون قرة عين لي ولك. ولما استفهمته: لِمَ يحبُّ أن يرزق بفتيات قبل الصبي؟ أجاب: إن الولد يحتاج مني لتفرغ وعناية خاصة. فهو يشكل مسؤولية أثقل من مسؤولية تربية البنت، ولست في حال يسمح لي بهذا التفرغ. وأخاف أن اُقصِّر في حقه. وأمّا البنات، فإني أعلِّق أملاً على قدرتك الخلاقة على رعايتهن وتنشئتهن دون جهد كبير مني. وإني سأكلفك مسؤولية أعلم أنها شاقة، لكنك نعم العون على أمر الدين والدنيا: إن البيت بكل شؤونه أمانة في عنقك.
بقينا في "كيفون" عدة أيام بعد الزواج، من بعدها قرر الشهيد أن نسافر أسبوعا للترويح والزيارة وذلك إلى بلاد الشام في سوريا. وهناك تشرفنا بزيارة عقيلة البيت الهاشمي السيدة زينب(ع)، وطفلة الحسين المظلومة رقية. وسائر مقامات أهل البيت(ع). وغير ذلك، وهنا أتذكر تماماً أنه قدس الله روحه، لم يفارقه قلمه وأوراقه، التي كان يصطحبها معه حيثما حل وارتحل، وفي كل وقت. إذ أنه كان في تلك الفترة عاكفا على تأليف كتابه المتميز (الأسس المنطقية للإستقراء).
هذا الكتاب كان رفيقي وشريكي في أيامي الأولى، التي اقتحمت فيها حياة السيد الشهيد، فإنه كان رغم حرصه على إعطاء تلك الأيام الأولى نكهتها الخاصة، كونها أيام ترويح و(عسل) وسفر. إلاّ أنه لم يكن يفرغ ساعة من الوقت حتى يباشر للفور إكمال مهمته، بلا أي توانٍ. لقد كنت أسائله أحياناً: ابن عمِّ: ألا ينبغي أن تعطي لنفسك إجازة ولو محدودة، عن اشتغالاتك واهتماماتك الدءوبة؟ فكان يرد: إن هذا الدور الذي أقوم به، وهذا العمل الذي اشتغل به، هو لي وجود وحياة، إنه دنياي وآخرتي إنه الهواء الذي أتنفسه، والمستقبل الذي أرنو إليه. وهذا الكتاب على الخصوص، الذي أنا مشتغل بتأليفه (الأسس المنطقية)، أرجو أن يوفقني الله لأن أجعله، إضافة علمية متميزة في حقله‏(4).
بعد مضي أسبوع في ربوع بلاد الشام، عدنا إلى لبنان. وبقينا فيه ثلاثة أشهر أو تزيد ننتظر زواج شقيقتي الصغرى رباب، التي اقترنت بقريب لنا، هو حفيد للإمام شرف الدين وهو السيد حسين بن السيد محمد علي بن الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين.
ومن ذلك الحين، أقامت السيدة رباب في لبنان، لتغدو ربّة بيت وامرأة فكر ورسالة ومجتمع، كما يعرفها العالم الآن. وقد رجعت أنا مع الشهيد إلى العراق، لأبقى معه الشاهدة على محنة شعب وضياع وطن. ونلت نصيبي من ذلك أوفر نصيب.
وليس الفارق بيني وبين رباب كبيراً، فلقد فجعت كلتانا في «الصدرين» في بحر سنة واحدة. فحملت السيدة رباب، لواء المحرومين ممن أعاد لهم (الإمام موسى الصدر) الأمل، وأنار لهم الطريق في لبنان، وتكفلت بإيصال صوته المغيّب، وصرخاته المكممة إلى كل بقعة في داخل الوطن وخارجه. وتعهدت كثيراً من المؤسسات والمبرّات التي تركها الإمام وراءه، بالإشراف والرعاية ومازالت.
وأمّا أنا فمثلي كمثل شتلة غرستها يد السيد الشهيد الصدر في أرض العراق، وبقي يتعهدها قرابة تسعة عشر عاماً، إلى أن عصفت أعاصير ليل العراق المكفهر، وغدت أرض الرافدين مربضا للشيطان. وتكالبت قوى الشر، تمطرنا بالسَّدَعات، وسعّرت نيرانها تسفعنا بشررها وشرورها. وبات الشعب على الخسف يقتات من عذاباته، ولم يكن «للصدر» أن يقرّ له قرار، ولم يكن له بد من أن يخرج ليمزق حجب الصمت. فنهض ثائراً، مستنهضاً بصرخاته وبدمائه همماً قد أبادها اليأس والقنوط. ومضى إلى ربه شهيداً، ليتركني أواجه وحدي ذلك المسخ المرعب الذي طاردني في كابوس‏(5) ليلة ليلاء من ليالي صباي. وقد رأيت رؤياي تلك تأولت حقا، ودفعت الثمن غاليا: ربع قرن من النكبات والعذاب، تنثال علي فيها المآسي والأحقاد، كقطع الليل المظلم. فمن بعد الشهيد فرض علي العيش في قعر جحيم البعث الصدامي. في حصار رهيب. كما فُرض على أسلافنا مثله سابقا في خربة الشام من قبل. لكنها دامت معي في ظل من يحموم يزيد العصر ردحا من السنين العجاف. لم يكن لي فيها من زاد بعد الله واللجوء إلى جنبه ورحمته إلا أطلال ذكريات. كان لي في الكثير منها البلسم والسلوى.
من ألصق تلك الذكريات بما كنت أتحدث عنه قبل قليل، هو ما أتذكره في خلال سفرنا عائدين من لبنان إلى العراق عن طريق البر. إذ أننا ركبنا سيارة صغيرة فكان الشهيد قد جلس في المقعد الأمامي، بجانب السائق، ومحلي كان بالخلف. ولأن الطريق يستغرق عادة أكثر من نهار كامل. فقد أراد الشهيد أن نستفيد من هذا الوقت الطويل في شي‏ء نافع. فإنّه لم يكن يهدر أي فرصة، ولا يسمح بضياع أي وقت يمكن الاستفادة منه. فكان أفضل شي‏ء يمكن أن نفعله في ذلك الظرف، هو متابعة تعلمي للغة العربية.
فبينما كان هو يشتغل بما في يده من كتابة أو قراءة، كان(رحمة الله) إلى ذلك يكتب الكلمة بالعربية في راحة يده. ويعرضها لي إلى الوراء حيث كنت جالسة. وأنا بدوري كنت أكررها وأحفظها وأسجلها في دفتر عندي. فكانت حركة ظريفة ورائعة ومفيدة، صرنا نستلطف تذكرها في جلسات سمرنا بين الحين والآخر.



الهوامش:
1-
كان ذلك في العام 1381هـ.
2-
إنّ هذا السوار قد سلبه جلاوزة وأزلام الطاغية عند الهجوم على دارنا بعد جريمة إعدام السيد الشهيد.
3-
بهذا النداء الحبيب، بقي الشهيد يُناديني إلى اليوم الأخير قبل استشهاده.
4-
هذا ما تم فعلا. فإن الشهيد لما أتم كتابة كتابه هذا، وقدِّم للطبع ونشر في الأوساط الحوزية والأكاديمية، استقبل في المحافل العلمية باهتمام وتلهف. وصار الشهيد يهتم كثيراً بهذا الإنتاج الذي حباه به الله واعتبره من بين كتبه الهامة المثيلة، هو حصيلة عمره. ومؤشراً بارزاً على حقيقة سموه العلمي والمعرفي. ولذلك اهتم الشهيد بترجمة الكتاب كثيراً لقناعته بأن اطلاع المفكرين والمتخصصين في الحواضر العلمية الأخرى عليه، سيحقق تفوقاً للفكر الإسلامي الأصيل علي مستوى الفكر الإنساني ككل. لأنه يمثل طفرة علمية هائلة في حقله، لسوف تنبهر له الجامعات والمعاهد العالمية في أوروبا والعالم كله. لمزيد من التفصيل وما لاقى هذا الكتاب من استقبال وتطورات راجع كتاب (شهيد لأمة وشاهدها) للشيخ النعماني.
5- إشارة إلى الرؤيا التي تقدمت حكايتها في ص‏87.



المصدر: وجع الصدر.. ومن وراء الصدر أم جعفر، الأستاذة الأمل البقشي.

التعليقات (0)

اترك تعليق