من السيدة مليحة الصدر إلى والدها الإمام: نحن ننتظرك كما علَّمْتَنَا الانتظار
ترأس قداسة البابا فرنسيس في الفاتيكان مراسيم إعلان الأمّ تيريزا رسميًا قدّيسة. بالتّوازي جرى الاحتفاء بالأمّ تيريزا نهار الأحد في كنيسة العازارية، وبالتّزامن مع وصول الذخائر التي حملتها مجموعة من راهبات كالكوتا حيث أمضت القدّيسة معظم حياتها.
السيدة مليحة الصدر كانت من ضمن المحتفين. وكانت حريصة على تدوين شهادتها بما رأت وأحسّـت بصيغة رسالة وجّهتها إلى والدها الإمام السيّد موسى الصدر.
نصّ الشهادة"..
"من نِعم الله عليّ مشاركتي بالأمس في قُدّاس للآباء العازاريين بمناسبة إعلان قداسة البابا فرنسيس الامّ تيريزا قدّيسة لكونها مدافعة عن المنبوذين. اختار القيّمون أن أجلس بمعيّة الراهبات الوافدات من كالكوتا، حيث كانت تعمل القدّيسة. سُلّط الضوء في العظة على التجربة العملية للأمّ تيريزا وخدمتها للنّاس. رُحِّب بي في هذه المناسبة كابنة الإمام السّيد موسى الصدر لتشابه مسيرة عمله بالقدّيسة. فكانت المفاجأة التصّفيق الذي ضجّ في الكنيسة عند سماع الجموع اسمك.
لا تزال تلك اللّحظات نابضة في وجداني. صحيح أنني أختبر حرارة مشاعر الناس تجاهك حيثما حلّلت.. لكن عواطف الناس المحتشدين في الكنيسة كانت لحظة مختلفة...
كأنما هم جموع المؤمنين المحتشدين في كنيسة الآباء الكبوشيين، يصغون إلى عظتك يوم بدء الصّيام. أغبطهم وأغبط آذانهم التي أصغتْ. أغبط تلك القلوب التي تأثّرت وتلك المشاعر التي اغتنت. للحظة شممتُ رائحة عباءتك، كأنك مررتَ بين المصلّين، كأنك كنت معنا. بحثتُ في وجوه الحاضرين أفتش عن وجهك...وجدتك في كلّ الوجوه، النيّرة المبتسمة التي تحبّك، وعبّرت عن حبّها لك بالدعاء لعودتك.
انتهى القدّاس، وبدأت الجموعُ تتوجّه لتناول القربان. الكثير منهم لم يستطيعوا حبس مشاعرهم نحوك أو انتظار الختام، فصاروا يتهاتفون معك عبري، يشدّهم عبق محبتهم لشخصك ولرمزيتك، كلٌّ منهم حاملٌ حكاية... اختبرها، سمعها أو شربها مع حليب أمّه.
آه كم هو غيابك جسيم!
ليس الأبّ أو الأخّ أو الزّوج، فتاريخ بلادنا وثقافاتها زاخرٌ بتضحيات غربَةٍ وأسْرٍ وفِداء... أنحني أمام كل القلوب الصّابرة المحتسبة، وأخجلُ من أوجاعهم وأعجز أمام ابتساماتهم التي تحمل في طيّاتها قساوة المعاناة ومرارة الانتظار، ولكنها يقدّمون... في سبيل القضية التي بها يؤمنون.
نفتقدك كقائد جَمَعَنا في عباءته، نفتقد نورك الذي دخل القلوب بالمحبّة، نفتقد صوتك الذي أيقظ الخير الكامن في كلّ منّا، نفتقد قلباً أحبّ لبنان بكل ألوانه، نفتقد ناقداً قدّر الميزة اللبنانية، ورأى فيها القيَمة الأسمى المتمثلة في كرامة الانسان، خليفة الله على الأرض.
حقاً إنّ الاديان واحدة، أصلها وهدفها وجهان لحقيقية واحدة: الله وخدمة الانسان. قلتها منذ 40 عاماً في بيت من بيوت الله وهذا ما شاهدته بالأمس قُدّاساً ومناسبةً ومصلّين. كل المصلّين دعوا لعودتك، كل الأيادي رُفعت لأجلك لأنها آمنت أنك كنت ولا زلت لكلّ اللبنانيين، وسعيتَ دون توقف لرفع شأن لبنان وحفظ سيادته.
عُدْ يا والدي
ننتظرك كما علّمتنا "الانتظار"
عُدْ لتقوّينا، لتذكّرنا
أعلم أن الطّريق التي رسمت واضحة
أنتَ قُلتَ أنّنا كموج البحر، متى توقفنا انتهينا
وقُلتَ أيضاً أن لا نستوحش في طريق الهدى لقلة أهله
لذلك سيدي، من بيتٍ من بيوت الله نُقسم أننا سنتسمرّ على هَديك رغم الصعاب
سنستمرّ في العمل لتحريرك وأخويك
سنستمرّ رغم حلكة الظّلام، كلّ في عمله ومن موقعه لأجل لبنان، لأجل الإنسان الذي من أجله كانت الأديان."
المصدر: مؤسسات الإمام الصدر
اترك تعليق