مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

عناية الإسلام بالجانب الأخلاقي بين الزوجـين

عناية الإسلام بالجانب الأخلاقي بين الزوجـين

تشكّل الأخلاق حجر الزاوية في إدامة التماسك والألفة بين أفراد الأُسرة كمُجتمع صغير، وبينها وبين المُجتمع الكبير، ومن هنا جاء في موعظة النبي(ص) للإمام علي(ع): (... يا عليّ، أحسِن خُلقك مع أهلِك وجِيرانِك ومَن تُعاشِر وتُصاحِبُ مِن الناس، تُكتَب عند الله في الدّرجات العُلى) (1).
وفي جهة أُخرى فإنّ سُوء الخُلق يَغرس في مُحيط العائلة بذور الخلاف، ويُنتج النفرة من البيت، ويولّد الملل للأهل، يقول أمير المؤمنين(ع): (سوء الخُلق يُوحش القريب ويُنفر البعيد)(2) ويقول أيضاً في خطبته المعروفة بـ (الوسيلة): (ومن ضاق خُلقه ملّه أهلُه)(3). والملاحظ في ضوء النصوص الدينيّة أنّها تُركّز على أربع خصال أخلاقيّة لها مدخليّة كُبرى في توثيق وإدامة الحياة الزوجيّة وهي:
أ ـ الصبر الجميل:
وهو تحمّل الزوجين لتصرّفات أحدهما الآخر بدون بثّ الشكوى للآخرين، الذي يؤدّي إلى تدخّلات تعيق مسير الحياة الزوجيّة، علما بأنّ هذا الصبر سوف يكسِب الزوجين الثواب الجزيل، قال الرسول(ص) في خطبته الجامعة في المدينة قبيل رحيله: (.. ومن صَبر على سوء خُلق امرأته واحتسبَه، أعطاه الله تعالى بكلِّ يومٍ وليلةٍ يصبر عليها مِن الثواب ما أعطى أيّوب(ع) على بلائه، وكان عليها مِن الوزر في كلِّ يومٍ وليلة مثل رملٍ عالِج.. ومن كانت له امرأة لم توافقه، ولم تَصبر على مارزقه الله تعالى وشقّت عليه وحملته ما لم يقدر عليه، لم يقبل الله منها حسنةً تتّقي بها حرَّ النار، وغضَب الله عليها ما دامت كذلك) (4).
وقد ضرب أهل البيت(ع) أروع الأمثلة على الصبر الجميل، مع أهلهم وما مَلكت أيمانهم، فعن الإمام الصادق(ع)، قال: ( سمِعتُ أبا جعفر(ع) يقول: إنّي لأصبَر مِن غلامي هذا، ومِن أهلي على ما هو أمرّ من الحنظل..) (5) .
ب ـ العفّة وعدم الخيانة:
لاشكّ أنّ خَلْع حِزام العفّة مِن قِبل الزوجين أو أحدهما موجِبٌ للخيانة، التي سرعان ما تُقوّض أركان الأُسرة وتسيء إلى سمعتها وتكسب أفرادها الإثم والعار.
والمُلاحَظ أنّ الإسلام يذهب إلى أنّ سقوط الزّوج في هاوية الرذيلة يُؤدّي إلى سقوط الزوجة أيضاً في تلك الهاوية، حسب قاعدة ( كما تدين تُدان)، رَوى الإمام عليّ(ع): أنّ رسول الله(ص) قال: ( لا تزنوا فيذهب الله لذّة نِسائكم مِن أجوافِكم، وعفّوا تعفّ نساؤكم، إنّ بني فلان زنَوا فزَنَت نساؤهم ) (6).
ويروي الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قد أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام):
(.. لاتزنوا فتزني نِساؤكم، ومن وطئ فرشَ أمريءٍ مسلمٍ وُطِئ فِراشُه، كما تدين تُدان) (7).
ضمن هذا السياق نجد في النصوص الدينيّة استنكاراً شديداً للخيانة الزوجيّة وتهديداً مغلَّظاً للأزواج الذين يَخلَعون ثوب الفضيلة ويُوبِقون أنفسهم بارتكاب الرذيلة، ولهذا قال الرسول الأكرم(ص) مُتوعّداً: ( ... ومن فجر بامرأة ولها بعل تفجّر من فرجهما صديد واد مسيرة خمسمائة عام، يتأذى به أهل النّار من نتن ريحهما، وكان من أشدّ الناس عذاباً..) (8).
جـ ـ تجنّب القذف:
إنَّ الطعن في شرف أحد الزوجين، ومهما كانت أسبابه، هو أُسلوب خسيس وذنبٌ كبير، أوجب الله تعالى على فاعله الحدّ في الدّنيا، والعذاب الشديد في الآخرة، فقد ورَد عن الرسول(ص): (.. ومَن رمى مُحصناً أو مُحصنة أحبَطَ الله عملَه، وجَلَده يوم القيامة سبعون ألف ملك مِن بين يديه ومَِن خلفه، وتَنهش لحمه حيّاتٌ وعقارب، ثمَّ يُؤمر به إلى النّار) (9).
وعن الإمام الصادق(ع): (إنّ قذف المُحصنات مِن الكبائر؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: (.. لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )) (10).
والمُلاحظ أنّ الإسلام تَشدّد في مسألة الأعراض كما تشدّد في مسألة الدماء، ومن مصاديق ذلك أنّ القاذف الذي لم يأتِ بأربعة شُهود، أو لم يصرّح بصيغة اللِعان إذا كان مِن الزوجين، فسوف يتعرّض للجَلْد الشديد، ولا يتمكّن من إسقاطه عن نفسه،
عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر(ع) في الذي يقذف امرأته قال: (يُجلَد). قلت: أرأيت إنْ عفت عنه؟ قال: (لا، ولا كرامة) (11).
د ـ تجنّب الغيرة:
الغيرة مِن الأسباب التي تدعو إلى تنغيص الحياة الزوجيّة، وتعكير صفوها، لذلك لم يغفل الدين الإسلامي في توجّهاته الأخلاقيّة عن هذه القضيّة، فهو يدعو المرأة إلى تجنّب الغيرة، وخاصّة تلك التي تستند إلى الأوهام والظنون السيّئة، أو التي تنطلق من بواعث نفسيّة ذاتيّة قد تكون من باب سُوء الظن أو الحسد، وتُؤدّي بالنتيجة إلى إلحاق الضرر بعلاقتها مع زوجها، وفي هذا الصدد يقول الإمام أمير المؤمنين(ع): (غيرة المرأة كفر) (12).
ويَرى الإمام الباقر (ع) وفق نظرةٍ مَعرفيّة ثاقبة أنّ: (غيرة النساء الحسد، والحسد هو أصل الكفر، إنَّ النساء إذا غِرْنَ غضِبن، وإذا غضِبن كفَرْن، إلاّ المُسلمات منهن) (13).
وقد دلّنا الإمام الصادق(ع) على مِعيار معنوي نُميّز مِن خلاله المرأة المُتكاملة عن سِواها، وذلك من خلال إثارة غِيرتها، فعن خالد القلانسي قال: ذكر رجل لأبي عبد الله(ع) امرأته فأحسَن عليها الثناء، فقال له أبو عبد الله(ع):
(أغَرتَها ؟ قال: لا، قال: فأغرها. فأغارها فثبتَت، فقال لأبي عبد الله(ع): إنّي أغرتها فثبتت، فقال: هي كما تقول )(14).
وبالمقابل فإنّ الإسلام يُنمّي في الرجل خِصلة الغيرة إذا كانت على عِرضِه وسُمعتِه عائلتِه وكرامتِها، يرى أمير المؤمنين(ع): ( غيرة الرجل إيمان) (15) مع ذلك فإنّه يحثّه على تجنّب الغيرة في غير موضعها؛ لأنّها قد تؤدّي بالمرأة إلى الإعجاب والكِبَر وغيرهما من الخصال الذميمة،
قال أمير المؤمنين(ع) لابنه الإمام الحسن(ع): (.. وإياك والتغاير في غير موضع غيرة، فإنَّ ذلك يدعو الصحيحة منهنَّ إلى السقم..) (16).

____________
1) تحف العقول: ١٤ مواعظ النبي(ص) وحكمه.
2) غرر الحكم ح ٥٥٩٣.
3) تحف العقول: ٩٧.
4) عقاب الأعمال، للصدوق: ٣٣٩ باب يجمع عقوبات الأعمال.
5) وسائل الشيعة ١١: ٢٠٩ | ٥ من أبواب جهاد النفس.
6) مكارم الأخلاق: ٢٣٨ من نوادر النكاح، الفصل العاشر.
7) عقاب الأعمال: ٣٣٨.
8) عقاب الأعمال: ٣٣٨.
9) عقاب الأعمال، الصدوق: ٣٣٥.
10) علل الشرائع: ٤٨٠ | ٢ باب ٢٣١ العلة التي من أجلها حرم قذف المحصنات.
11) من لا يحضره الفقيه ٤: ٣٤ | ١ باب ١٠ دار صعب ط ١٤٠١ هـ.
12) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٤٩١ حكمة ١٢٤.
13) فروع الكافي ٥: ٥٠٥ باب غيرة النساء من كتاب النكاح.
14) فروع الكافي ٥: ٥٠٤.
15) نهج البلاغة، ضبط صبحي الصالح: ٤٩١ حكم ١٢٤.

16) تحف العقول: ٨٧.

التعليقات (0)

اترك تعليق