مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نفقة الأرحام هل هي واجبة؟

نفقة الأرحام هل هي واجبة؟

في هذا المجال يطرح موضوع النفقة على الأرحام والتي يصطلح عليها بنفقة الأقارب، وهنا لا إشكال كما بيَّنا سابقا بوجوب النفقة على الوالدان والولد وأنه يُجبر على هذه النفقة من تجب عليه ولكن وقع الكلام في النفقة على غيرهم من الأقارب حيث ورد أنه لا يجبر الإنسان على نفقة هؤلاء سوى من قدمنا وقد ورد في ذلك ما رواه حريز عن الإمام الصادق(ع) حيث قال: "قلت له: مَن الذي أجبر عليه وتلزمني نفقته؟ قال: الوالدان والولد والزوجة"(١).
ومن خلال هذا الحديث يتضح أنه لا يجب على الإنسان أن ينفق على رحمه غير أبويه وأولاده ولا يُجبر على ذلك. نعم يُستحب له أن ينفق عليهم فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) قوله:
"من عال ابنتين أو أختين أو عمتين أو خالتين حجبتاه من النار بإذن الله"(٢).
وهذا ما يؤكد الاستحباب المؤكد وعدم الوجوب، ولكن يتبادر إلى الذهن هنا سؤال ماذا لو لم يكن هذا الرحم قادرًا على الإنفاق على نفسه وكان محتاجًا وكنت قادرًا على مساعدته من دون ترتب ضرر عليك هل يجوز لك أن تتمسك بالحكم الأولي ولا تسد له حاجته؟
من الناحية الشرعية لا يجوز ذلك لأنه مع انحصار المساعدة بك فإنها تجب عليك وأيضًا فإن مساعدته هي مصداق عملي من مصاديق صلة الرحم التي لا تنحصر بمجرد السلام والكلام، بل إنها في واقع الأمر ممارسة عملية، فمن كان قادرًا على مساعدة رحمه بالمال ليسد له حاجته وحاجة عياله ولم يفعل هو عند الله سبحانه وتعالى قاطع لرحمه.
وقد حرر هذا المعنى الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه في مسالك الأفهام بقوله:
"وإنما يستحب عطية الرحم حيث لا يكون محتاجا إليها، بحيث لا يندفع حاجته بدونها، وإلا وجبت عينا، لأن صلة الأرحام واجبة عينا على رحمه، وليس المراد منها مجرد الاجتماع البدني، بل ما يصدق معه الصلة عرفا، وقد يتوقف ذلك على المعونة بالمال حيث يكون الرحم محتاجا والآخر غنيا لا يضره بذل ذلك القدر الموصول به، بل قد يحقق الصلة بذلك وإن لم يسع إليه بنفسه، كما أن السعي إلى زيارته بنفسه غير كاف مع الحاجة إلى الوجه المذكور(٣).
إن هذا التوجيه الرائع لصلة الرحم من قبل الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه، قد أصاب به عين الحقيقة لأنه كيف يكون واصلا من منع رحمه من مال محتاج إليه؟ وما حاجة هذا الرحم للزيارة التي ستخسره ضيافة للزائر طالما أنها ستزيد دينه وحاجته؟ لذلك كان الرحم المرسل للمال الزائر واصلا وكان الزائر القادر على دفع المال ويمنعه قاطعا، وهذا نظر إلى فهم حقيقي لمفاهيم الآيات والروايات.
وهنا لا بد من تحديد أدق للموضوع فنقول إن الرحم إن احتاج للمال لا يلزم رحمه بإعطائه المال إن أمكنه تأمين المال من خلال مساعدات اجتماعية فإن لم يتوفر له ذلك ولم يتأمن باذل للمال يستطيع إعطاءه من الحقوق الشرعية المتوجبة عليه من الخمس والزكاة، فإن لم يكن لديه من هذا المال وانحصر بالمال التبرعي منه وجب عليه ذلك.
وفي موضوع إعطاء الرحم من الحقوق الشرعية المتوجبة على الرحم القادر ورد عن الإمام الصادق(ع) قوله:
قال: "في الزكاة يعطى منها الأخ والأخت، والعم والعمة، والخال والخالة، ولا يعطى الجد والجدة"(٤).
طبعًا عدم إعطاء الجد والجدة كونهما من الآباء إذ إن نفقتهما واجبة حيث تجب النفقة على الأبوين وإن علا فتشمل الأجداد وعلى الأبناء وإن نزلوا فتشمل الأحفاد.
نعم ورد وجوب شرعي في نفقة الأقارب في مورد أن يكون هذا القريب يحق له أن يرث من الرحم لعد وجود وارث آخر فساعتئذ يجب على هذا الرحم الوارث أن ينفق على هذا الرحم المقطوع فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) قوله:
"أُتي أمير المؤمنين علي(ع) بيتيم فقال: خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه"(٥).
فإن أمير المؤمنين علي(ع) أوجب على من يفترض أن يرثه لو مات أي الطبقة الأقرب والألصق من طبقات الميراث أن يتولى أمر هذا اليتيم وينفق عليه.
وبالتالي يتحصل معنا أن نفقة الأرحام هي أبرز مصاديق صلة الرحم سواء على سبيل الاستحباب أو الوجوب كما قدمنا.


الهوامش:
(١)وسائل الشيعة الجزء ١٥ الصفحة ٢٣٧.
(٢)وسائل الشيعة الجزء ١٥ الصفحة ٢٣٨.
(٣)مسالك الأفهام الجزء ٦ الصفحة ٤٥.
(٤)وسائل الشيعة الجزء ٦ الصفحة ١٦٦.
(٥)وسائل الشيعة الجزء ١٥ الصفحة ٢٣٧.


المصدر: مشاكل الأسرة بين الشرع والعرف: الشيخ حسان محمود عبد الله ، ط١، دار الهادي، ١٤٢٨ﻫ-٢٠٠٧م.

التعليقات (0)

اترك تعليق