مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مشاكل اجتماعية سببها قطع الرحم

مشاكل اجتماعية سببها قطع الرحم

كثيرة هي المشاكل التي كنا نتعرض لها وسببها قطع الرحم وعدم صلتهم، ويمكن لي أن أدعي أن السمة الغالبة للمجتمعات التي نعيش فيها في أيامنا هذه هي قطيعة الرحم ولأسباب مختلفة ومتنوعة، ولا ينحصر الأمر في بلد معين، بل نتيجة لمطالعاتي وجدت أن الأمر حالة عامة في كل بلاد المسلمين، بل للأسف حتى في المغتربات هذه الحالة موجودة وسببها تأثر أهلنا هناك بعادات تلك البلاد بدل أن يؤثروا هم فيهم ويرشدونهم للأفضل، وقد عالجت بعضها الكثير أثناء معالجتي لهذه المشاكل وأحب أن أذكر بعض الموارد فلا أستطيع حصرها كلها علّها تُفيد خاصة من يقع في مثلها وهي على الشكل التالي:

أ- عدم وجود وقت:
البعض ومع اعتقادهم الجازم بوجوب صلة الرحم يعتبر أنه لا يمتلك الوقت الكافي لإجراء هذا الأمر، فمشاغل الحياة وصعوباتها تفرض علينا اهتمامنا بأولادنا ونفقاتهم ولا وقت لدينا للقيام بزيارات لصلة الرحم. والبعض يُعطي شرعية لهذا الأمر من خلال قاعدة التزاحم حيث إنه في كل مورد تزاحم فيه الواجب المهم مع الأهم قدم الأخير، وما يقولونه في المبدأ صحيح ولكن في التطبيق غير صحيح إذ لا يحتاج تنفيذ صلة الرحم إلى الزيارة دائما، بل قد يُكتفى كما قلنا بمجرد السلام، فيمكن لك أن تتصل برحمك لتبلغه أشواقك ومحبتك وأنك منهمك بعمل معاشي ضروري وستتحين الفرصة لزيارته عما قريب، فإن هذا الاتصال يُعتبر صلة لرحمك وكاف ويمكن التوصل لهذه الصلة بأساليب مختلفة تختلف باختلاف الحالات والمقامات ولا تنحصر بالزيارة كما قلنا، وكما ورد معنا فإن إرسالك مبلغًا من المال لرحم محتاج يعتبر هو الصلة الحقيقية حتى لو لم تزره ولا تعتبر الزيارة كذلك مع منع المساعدة المادية.

ب- كونهم على غير ديننا:
 يتحجج البعض لعدم صلة أرحامهم بأنهم على غير ديننا وبالتالي لا يجوز لنا زياراتهم وصلتهم، والحقيقة أنّ من أهم دواعي صلة الرحم هو أن تري رحمك سماحة الإسلام وكيف يحافظ هذا الدين على العلاقات الرحمية، فيكون ذلك منك نوعًا من أنواع الدعوة لدين الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا يجوز التحجج بعدم توافقنا في الدين لترك صلة الرحم، بل إنه يصبح أوجب خاصة مع إمكانية الاستفادة من هذا الأمر بدعوة الرحم إلى دين الحق. المهم أن لا يكونوا هؤلاء أعداء للأمة يسعون لحربها ففي هذا المجال لا يجوز أن نودهم كما تقدم معنا.

ج- كونهم على غير مذهبنا: 
من المؤسف أن نتيجة للتربية المذهبية وبُعد الناس عن حقيقة التشيع يقوم بعض المؤمنين السطحيين بمقاطعة من هم على غير مذهبهم من أرحامهم بحجة أنه لا حرمة لهم، أو لا حق لهم علينا، وهذا خاطئ مطلقا، فالتشيع مذهب يدعو للوحدة بين المسلمين ولا يسعى إلى شق عصا الأمة، وهذا ما علّمنا إياه أئمتنا(ع) ودعونا إليه منذ أمير المؤمنين علي(ع) إلى الحجة المنتظر المهدي(عج)، وقد تقدم معنا في حديث سابق أنّ الرحم إن كان على مذهبنا فله علينا حقان في حين أنه إن كان مخالفًا لنا فيبقى له علينا حق الرحم.
ومما أدّبنا به أئمتنا(ع)، أن نصلي صلاتهم ونحضر جنائزهم فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) فيما رواه زيد الشحام عنه حيث قال:
"يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفر ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدب أصحابه"(1).
وهذا الحديث يتعرض لمن خالفنا بغض النظر عن أية علاقة أخرى أو حق آخر له علينا فإذا وجد هكذا حق فإن الأمر سيصبح أشد وآكد، فرَحِمنا الذي هو على مذهب يخالفنا له علينا حق القرابة وفي نفس الوقت هناك حق أهم وأوجب علينا وهو انتماؤنا للمذهب الذي يفرض علينا أن لا نقاطع من يخالفنا المذهب.

د- كونهم غير متدينين:
في هذه الحالة يحاول قاطعوا الرحم أن يتحججوا لفعلهم هذا بأنّ رحمهم أشخاص غير متدينين وإذا ما ذهبوا إلى بيتهم فإنهم قد يتعرضون لإشكالات شرعية، أو حتى نفسية لوجودهم في بيئة لا ينسجموا معها، وإذا عرضنا لبعض التفاصيل التوضيحية فإنك ستجد الكثير من الأمثلة منها أنك ستحرج كرجل مثلًا لو أرادت الأنثى من رحمك كابنة عمك أن تصافحك عند استقبالك وهذا محرم شرعًا، وكذلك فالعكس صحيح فيما لو كانت أنثى متدينة تريد أن تزور أقارب لها وأراد الرجال مصافحتها، ومنها ما لو خاضوا في حديث غير شرعي فيه غيبة، أو نميمة، أو بهتان، أو لو كنت عندهم ثم أداروا جهاز التلفاز وكان هناك برنامج فيها أمور لا يجوز النظر إليها أو استماعها.
كثيرة هي الموارد التي قد يستعرضها الإنسان من أجل أن يبرر لنفسه ترك صلة الرحم، ولكن مع ذلك لا يجوز هذا الأمر لأنه كما قلنا سابقا إن الرحم لا يقطعه شيء، وبالتالي فإن واجبنا هو البحث عن الوسيلة التي لا توقعنا في المحاذير التي تتحدثون عنها، فيمكن لنا أن لا نصافح ونعتذر بأسلوب مناسب لا يجرح وإذا ما قاموا بالخوض في حديث لا يجوز ننصحهم ونعظهم ونحاول تغيير أجواء الحديث فإن أصروا نغادر ونكون قد قمنا بالزيارة ضمن الحد الأدنى المطلوب منها فإن الصلة تحصل بالسلام في بعض الأحيان.
هذا من جهة، ولكن من الجهة الأهم فإن كون رحمنا من غير المتدينين لا يؤدي إلى إعطائنا مبررا لترك العلاقة بهم بغض النظر عن وجوب صلة الرحم، بل يفرض علينا الاتصال بهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر حتى لو كانوا أناسًا لا علاقة نسبية لنا بهم، فإذا كانوا أرحامنا فإن الواجب يصبح آكد وأكثر أهمية لأن الأقربون أولى بالمعروف كما يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم ولأن ترك هداهم يعتبر من المحرمات التي يعاقب الله سبحانه وتعالى عليها عقابا كبيرا.

ﻫ- وجود خلافات مادية:
  يعتبر المال سببا ككثير من المشاكل بين الناس، وكثيرا ما وصل العداء بين الأهل بسبب المال إلى حالات قطيعة تستمر حتى الممات، ولعل هذا من الأسباب التي أوجبت أن يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ‹وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ›(2) فحب المال يودي بصاحبه إلى النار إذا لم يراع في تحصيله وصرفه حق الله عز وجل ومن ذلك أن يصبح سببا للخلاف بين الأهل وسببا لقطع الرحم.
إذا في بعض الأحيان يقع خلاف مالي بين شخصين ما ورحمه بسبب مال، أو عقار، أو حتى موقع دنيوي، أو لعله ديني، يقومان معا أو أحدهما بمقاطعة بعضهما البعض، وهذا من ناحية شرعية أمر غير جائز وعلى المؤمنين في حالة وقوع خلافات من أي نوع كانت اللجوء إلى القضاء الشرعي، ثم الالتزام بالحكم الشرعي المترتب على ذلك، والتسليم به وجعل الموضوع وراء ظهره والمضي في علاقة طيبة مع رحمه فهو إن كان مظلوما وفعل ذلك أخذ من الأأجر الكثير مرة لالتزامه بالحكم الشرعي حتى لو كان ظالما بحقه، وثانيا لأنه التزم بتطبيق ما أوجبه الشرع الحنيف عليه من صلة الرحم مع قناعته أن رحمه هذا ظلمه وغصبه حقه. ولعل هذا الغاصب إذا ما رأى هذا التصرف من رحمه يعود إلى رشده من خلال الصدمة الحاصلة من رد الفعل الأخلاقي لرحمه فيعيد حساباته ويتخذ قراره بإعادة حقه إليه، وهذا حصل في كثير من الحالات التي عرفت وتابعت.

و- الحرص على المال:
يعتبر البخل آفة كبيرة توقع الكثير ممن ابتلى بها بمحرمات كثيرة، فالغني الذي يجب عليه الخمس يتركه بسبب بخله، وإذا ما جاء أحدنا سائلا يسأل حاجة فإن البخيل منا يمتنع عن دفع شيء له خوفا على ماله.
وهنا أيضا فإن صلة الرحم قد تقتضي في بعض الأحيان أن يدفع الواصل لرحمه هدايا أو حتى مساعدات مالية لرحمه المحتاج، فيقوم هذا الشخص الحريص على المال أكثر من حرصه على أداء واجبه الشرعي بالهروب من رحمه وعدم صلته كي لا يدفع المال الذي تعلّق به بشكل أودى بدينه وضَيّع كل ما يقوم به من صلاة وصوم وأحكام التزم بها.
إننا نعاني في مجتمعاتنا من هذه النماذج الحريصة على الدنيا مالا وجاها ومناصب فيتركون القيام بواجباتهم بسببها.


__________________________
(1) من لا يحضر الفقيه الجزء ١ الصفحة ٣٨٣.
(2) سورة الأنفال، الآية:٢٨.


المصدر: مشاكل الأسرة بين الشرع والعرف: الشيخ حسان محمود عبد الله ، ط١، دار الهادي، ١٤٢٨ﻫ-٢٠٠٧م.

التعليقات (0)

اترك تعليق