مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مشاكل ناتجة عن التعصب للأرحام

مشاكل ناتجة عن التعصب للأرحام

بسبب الفهم الملغوط للعلاقات الرحمية يقوم البعض بالتعصب الأعمى لأرحامهم نتيجة للإلفة والمحبة بينهم، فإذا وقع إشكال بين أحد أرحامهم وبين شخص آخر وكان هذا الآخر على حق فإنهم حتى مع كونهم متدينين يتعصبون لرحمهم، بل ما يزعج ويؤذي هو اصطفانهم إلى جانب أرحامهم أمام القضاء الشرعي وهو يعرف أنه يزور بمعنى أنه يشهد شهادة زور يهدف من وراء ذلك أن يساعد رحمه ولو على حساب الدين وهو بذلك يرتكب حرمة شرعية كبيرة لأنه جعل محبته لرحمه أهم عنده من محبته لله وخوفه منه، وهذا ما حذر منه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حيث قال: ‹قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ›(1). فإن الآية الكريمة تحذر من يكون أهله وأرحامه أحب إليه من الله سبحانه وتعالى ورسوله أن مصيره هو عقاب الله عز وجل في الآخرة وتطلب منه التربص إلى ذلك الوقت ووصفه بالفاسق الذي لا يهديه الله.
فيجب علينا التنبه لعواطفنا وأن يكون ارتباطنا بالدين أقوى من ارتباطنا بالعشيرة والأهل فنستحق أن نكون بذلك مؤمنين حقيقيين. ويجب أن نتذكر دائما أن هذه الأنساب مؤقتة بالحياة الدنيا، أما يوم القيامة فلا أنساب بيننا ولا يتعرف من تعصبنا له وخالفنا الشرع لأجله علينا في ذلك اليوم المشهود وهذا ما عبر عنه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله:
‹فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ›(2). فيوم القيامة لن يتعرف أحد على أحد، بل كل واحد منا مشغول بنفسه يسأل الله عز وجل أن ينجيه ولا يمتلك في تلك اللحظة الحرجة أن يتعرف على أحد. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الصلة الحقيقية لأرحامنا تكون بنهيهم عن المنكر الذين يرتكبون لا بتشجيعهم عليه لأنك إن شجعته دفعته للنار في حين أنك بنهيك إياه ترشده إلى طريق الجنة.
وقد أفرد الله سبحانه وتعالى سورة خاصة لمن يود رحمه على حساب أمته ودينه هي سورة الممتحنة التي يصور الله عز وجل قضية حاطب بن بلتعة الذي أراد أن يبلغ أهله في مكة بنية الرسول(ص) غزوها حبا لهم وخوفا عليهم فضيّع بذلك دينه وقال الله سبحانه وتعالى عن ذلك أنه لن تنفع هذا الشخص أرحامه فقال:
‹لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ›(3). ونحن لا نمنع هنا من أن يحب الرجل أهله فهذا الأمر مطلوب ومحبوب من الله سبحانه وتعالى، ولكن الذي نمنع عنه هو التعصب الأعمى ومشاركتهم بالظلم، فقد ورد أن الإمام علي بن الحسين زين العابدين(ع) سئل عن العصبية فأجاب:
"العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم"(4).
باختصار تعتبر صلة الرحم من الأحكام الشرعية التي فرضها الله سبحانه وتعالى لتأمين مجتمع إسلامي متماسك يساعد بعضه البعض ويهتم بعضه بالبعض فإذا ما قام كل أفراد المجتمع الإسلامي بهذا الواجب فإن هذا المجتمع سيكون مجتمعا قويا لا يستطيع الأاعداء أن يهزموه، أو أن يوقعوا الفرقة بين صفوفه.
ولصلة الرحم انعكاسات إيجابية على الصعيد الفردي كما لها على الصعيد العام، إذ تؤدي صلة الرحم إلى إطالة العمر وتأجيل الأجل وكذلك إلى زيادة الرزق وتخفيف وطأة الموت وكثير من المسائل المشابهة.
ولا يجوز من الناحية الشرعية التذرع بأي شيء لقطع الرحم لأن الرحم كما ورد عن الإمام الصادق(ع): لا يقطعه شيء فيجب صلة رحمنا حتلى الذي يخالفنا في الرأي والمذهب بل والدين، وكذلك من يكون منهم غير متدين، ولعل صلتنا لهم تساعد في هدايتهم إلى دين الحق ومذهب الحق وجماعة الحق.
وقد حذر الشرع الكريم من الوقوع في قطيعة الرحم لما لها من تأثيرات سلبية على المجتمع أولا إذ تكون سببا في ضعفه وتفككه ما يؤدي إلى سهولة ضربة والسيطرة عليه وعلى الصعيد الفردي فإن قاطع رحمه يُبتلى بقلة الرزق وتقريب الأجل وقطع الرحمة عن القوم والمجتمع الذي يوجد فيه من يقطع رحمه.
ويجب الالتفات أخيرا إلى أنه كما أمرنا الله سبحانه وتعالى بصلة رحمنا ونهانا عن قطعها أمرنا أن نحافظ على الدين وأحكامه بحيث لو تعارض أي تصرف مع حكم من أحكام الشرع الحنيف فإن الأولوية دائما ستكون للدين لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعليه يجب الالتفات إلى أن نمتنع عن التعصب لأرحامنا في ظلمهم والمحرمات التي يرتكبونها. وأن نفهم أن الصلة الحقيقية لهم تكون في دعوتهم للسلوك الحق القويم والانتهاء عن الظلم والعصيان.

__________________________
(1) سورة التوبة، الآية:٢٤.
(2) سورة المؤمنون، الآية:١٠١.
(3) سورة الممتحنة، الآية:٣.
(4) الكافي الجزء ٢ الصفحتان ٣٠٨-٣٠٩.


المصدر: مشاكل الأسرة بين الشرع والعرف: الشيخ حسان محمود عبد الله ، ط١، دار الهادي، ١٤٢٨ﻫ-٢٠٠٧م.

التعليقات (0)

اترك تعليق