مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الكوثر

الكوثر

بسم الله الرحمن الرحيم

«إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر» [الكوثر]

صدق الله العظيم

وأما تفسيري في هذه الليلة فهو تفسير سورة الكوثر: «إنا أعطيناك الكوثر* فصل لربك وانحر* إن شانئك هو الأبتر»

يقول المفسرون، أن بعض أعداء رسول الله(ص)، وفي بعض التواريخ أنه "عمرو بن العاص" أو والده، على كلٍ، هذه الجماعة من الملحدين الكفار، حينما مات "القاسم" ابن رسول الله، وفي بعض التواريخ حينما مات "إبراهيم" ابن الرسول(ص)، ارتاحت لموت ابن رسول الله، وقالت أن رسول الله أبتر.

وأبتر في اللغة يعني مقطوع الذنب، وحينما يموت أطفال الإنسان وليس للإنسان من طفل يقولون له "أبتر" على أساس أنه ليس له ولد يحيي ذكره، ويكمل رسالته.

فحينما مات ابن الرسول(ص) أو أبناء الرسول وما بقي له إلا بنات أو بنتًا واحدة، فقالوا: رسول الله أبتر. صحيح أنه اليوم ينادي ويدعو ويبشر بالإسلام، ولكن غدًا حينما يموت، يموت ذكره، لأنه ليس له ولد يحيي ذكره. هذا المنطق الجاهلي كان يستند على عنصرين:

العنصر الأول: أنه ليس هناك من رسالة إلا رسالة الشخص والعنصر والعائلة؛ فكما أن دكانة الإنسان إذا لم يكن له ولد لا تبقى مفتوحة، كانوا يعتقدون أن كل رسالة وكل جاه وكل حكم، إذا لم يكن وراءه صبي، فسوف يموت ويموت صاحبه. ما كانوا يتصورون أن هناك رسالة يؤدي صاحبها دور الواسطة، الرسالة لله، والإسلام لله، وليس لشخص محمد(ص) أو لعائلة محمد(ص) حتى تنقطع بموته. فهو أدى دوره، والرسالة تعيش في قلوب المؤمنين، تعيش في الشعائر، تعيش في الأحكام، تعيش في النظم والقوانين، تعيش في المبادئ والكتب؛ تعيش في القرآن الكريم قبل كل هذا، فالرسالة لا تموت بموت ابن الرسول.

والعنصر الثاني الذي أدى إلى هذا التفكير هو عنصر احتقار البنات، فكانوا يعتبرون أن البنت لا تتمكن أن تحيي ذكر الوالد، فحين لا يكون للإنسان من صبي ذكر، ولو كان له بنات متعددات، فلا تبقى رسالته، بل تموت بموته.

حينما سمع الرسول(ص) هذا النوع من التشفي والارتياح النفسي عند أعدائه، طبعًا، تألم؛ تألم حسب عادة كل إنسان، فنزلت هذه السورة المباركة «إنا أعطيناك الكوثر» يا رسول الله لا تحزن. نحن صحيح أنه أخذنا منك أبناءك، ولكن أعطيناك الكوثر. ما هو الكوثر؟ الكوثر في اللغة العربية يعني الشيء الكثير الكثير، الكوثر يعني الكثير الكثير، باصطلاحنا، فنحن أعطيناك الكوثر. ماذا أعطى الله لرسوله من الشيء الكثير الكثير؟ نقول: كل شيء.

أولًا، أعطاه الرسالة الكثيرة الخالدة، تلك المبادئ والقيم التي تتجلى في كل عصر وفي كل زمان بصورة أكثر إشراقًا ونورًا واتساعًا وإشعاعًا من العصر السابق. وكلما تقدم العلم تظهر حقيقة هذه المبادئ بصورة أكثر شموخًا وأعلى.

«إنا أعطيناك الكوثر» الكوثر في الأمة، ليس لك ولد، ولكنك أنت أبو هذه الأمة، هذه الأمة التي أصبحت خلال مدة أقل من قرن واحد مئة مليون شخص، وأصبحت في عصرنا هذا 600 مليون شخص. تلك الرسالة التي كانوا ينتظرون موتها بموت الرسول، الآن يوجد من أتباع الرسالة، ولو شكليًا، 600 مليون شخص، والحبل على الجرار. ولتعرف أن هذه الرسالة ممتدة بطبيعتها، وليست هناك من دعوة متينة قوية وراء هذه الرسالة.

أحب أن أنقل لكم مشاهداتي أو كلمة "لويس ماسينيون" المستشرق في كتابه "سنوية العالم الإسلامي" في سنة 1954، يقول أنه دخل في الإسلام من الإفريقيين السود سنة 1954 ستة ملايين شخص، وقد دخل في الديانة المسيحية مليون شخص. ثم يقول أن الدعوة المسيحية مزودة بمئات وألوف وعشرات الألوف من الدعاة والمبشرين والرهبان والراهبات والمؤسسات الدينية والمستشفيات والمدارس والمزارع النموذجية والمستوصفات، بينما الدعوة الإسلامية ليس لها شيء من هذا، بل من طبيعتها هي تتقدم. وهذه ظاهرة شاهدتها في أفريقيا رأي العين. فقد شاهدت الإقبال العجيب على الإسلام حتى باتوا يسمون الإسلام دين أفريقيا. الأفريقي يرغب إلى الإسلام بطبيعة الحال، وقد ألقيت محاضرة في هذا الحقل في جامعة في "سيراليون" حول سبب هذه الرغبة، وقرب الفطرة الأفريقية، أم الفطرة الإنسانية بشكل طبيعي إلى الإسلام وتعاليم الإسلام، فإذًا، الحبل على الجرار.

«أعطيناك الكوثر»: الأمة الكثيرة. «أعطيناك الكوثر»: القرآن وكفى به، فإن هذا الكتاب كتاب الله، كلمات الله. مع كل تقدم في التفكير نفهم من القرآن شيئًا جديدًا، واليوم نحن إذا درسنا القرآن بالفعل، على ضوء ثقافة عصرنا نفهم من القرآن الأشياء الكثيرة، وقد سبق وتحدثت للإخوان في هذا الموضوع بشكل واسع.

﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ هل يلومونك على عدم الذرية، فسوف نعطيك الذرية الكبيرة الكثيرة. إحصاء عدد ذرية الرسول لا يمكن بدقة، ولكن في أيام العثمانيين حينما كان هناك نقابات للأشراف كان في كل بلد نقيب للأشراف يحصي عدد السادة، ومنذ أكثر من مئة سنة عملوا إحصاء، فبلغ عدد السادة في العالم حوالي ثمانية عشر مليون شخص. ولا شك أنه من وقتها إلى الآن تكاثر هذا العدد، فإذا تريد الأولاد، سوف نعطيك الأولاد. لا تحزن. لكن أين نسب أعدائك الذين كانوا يتهمونك بهذا؟ «إنا أعطيناك الكوثر»، مجد أولادك، مشاهد أولادك، مقابر أولادك، زوار أولادك، آثار أولادك لا تحصى.

وإذا وقفنا عند هذه النقطة، وعرفنا أن ذرية الرسول الأكرم(ص) هي من نسل علي وفاطمة(ع)، فبإمكاننا أن نقول كما ورد في بعض الكتب أن الكوثر هو علي وفاطمة(ع) اللذين كانت الذرية، وكانت الرسالة، وكانت الدعوة عن طريقهما. وهذا، نجد أنه تفسير صحيح أو بيان لمصداق من مصاديق الكوثر.

«إنا أعطيناك الكوثر» في بعض الروايات أن الكوثر نهر كبير عريض طويل يجري من تحت العرش ويمتد إلى يوم القيامة، وحواليه مئات الألوف من الكؤوس لشرب الشاربين. لا شك أن هذا الماء ماء معنوي يتجلى وينسجم مع يوم القيامة، من الذي يشرب من هذا الماء؟ هو الذي يشرب من ماء الولاية في هذه الدنيا، وإلا فهناك التناسب والتماسك بين الدنيا والآخرة.

«ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا» [الإسراء، 72] إذا كان الإنسان في هذه الدنيا أعمى البصيرة فلا شك أن يوم القيامة هو أعمى. الدنيا والآخرة متناسلتان، الدنيا مزرعة الآخرة، باب الدنيا الآخرة، متجر للأرباح في الآخرة، الجنة والنار تتكونان من عملنا هنا، والوصول والسقي من الكوثر يتوفر لنا هنا. أتذكر في دعاء شهر شعبان نقرأ هذه الفقرات:

"اللهم فأعنا على الإستنان بسنته فيه، ونيل الشفاعة لديه"(*)؛ الإستنان بسنة النبي(ص) في هذه الدنيا هو الذي يؤدي إلى نيل الشفاعة من النبي يوم القيامة. فإذا كان الإنسان هنا ماشيًا وسالكًا سبيل الحق ومتمسكًا بأهداب متابعة النبي وولايته وولاية أهل بيته فلا شك أن له من النعم والشراب والماء والارتواء والراحة في يوم القيامة ما وصفته الأخبار بنهر الكوثر.

فإذًا، ﴿إنا أعطيناك الكوثر﴾ من جميع الجوانب، ذلك الكوثر الذي كان يملأ قلب "معاوية" وأعداء الرسول حقدًا، حينما قال له "مغيرة بن شعبة": يا "معاوية"، إنك قد بلغت مناك، فلو كففت عن سب ابن عمك؛ يطلب منه أن يمنع اللعن على المنابر لأمير المؤمنين(ع)، فيقول له حينما يستعرض أن الخليفة "أبا بكر" أخو تيم جاء وحكم وعدل ومات ومات ذكره، والخليفة الثاني أيضًا والخليفة الثالث أيضًا ثم يقول: "هذا أخو هاشم يُنادى باسمه في كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدًا رسول الله، لا والله "إلا دفنًا دفنًا". هذا الكوثر الذي نرى في أقطار العالم، وفي إذاعات العالم، وعلى مآذن العالم من أندونيسيا، من اليابان، من شنغهاي، من الصين، مرورًا بباكستان وبورما، وأفغانستان، وإيران والقفقاس وطشقند والعراق والسعودية والحجاز، واليمن، والجنوب، والشمال، والشرق، لبنان، سوريا، مصر، الأردن، فلسطين، وهكذا في شرق أفريقيا، وهكذا في جنوب أفريقيا، وهكذا في شمال أفريقيا وفي غرب أفريقيا، وحتى في مركز أفريقيا... مئات الألوف والملايين من المآذن، كل يوم خمس مرات "أشهد أن محمدًا رسول الله". هذا هو الكوثر الذي أعطيناك يا "محمد"، أعطيناك الكوثر من جميع النواحي، فلا تحزن.

وتجاه هذا الكوثر «فصلِّ لربك»، أذكر ربك وقدم الطاعة، وكن عند حسن ظنه «وانحر». في التفسير المشهور أن النحر هو نحر الذبيحة، لأن الصلاة والذبيحة في عيد الأضحى للحجاج، ولكل شخص يصلي صلاة العيد وينحر مستحبة، وفي الحج واجب. «فصل لربك وانحر» يعني قدم قربانًا وذبيحة إعلانًا بأنك لا تبالي بنفسك، فتستسلم أمام الله بالصلاة، ولا بمالك فتقدم لله قربانًا. لا شك أن هذا القربان مفيد للفقراء.

ولكن في بعض التفاسير ﴿انحر﴾ فُسِّرَت يعني ضع يدك عند نحرك في الصلاة، التكتيف. وهذا الحديث نقل في بعض الكتب عن علي(ع) أيضًا، ولكن أعتقد أن الحديث غير صحيح لا أريد أن أناقش الحديث من الناحية الرجالية أو الحديثية، ولكن أريد أن أناقش من الناحية اللغوية. فأنتم تعلمون أن ﴿انحر﴾ فعل، وإذا يريد أن يكون مشتقًا من كلمة النحر، بمعنى النحر، هنا يجب أن يكون "تنحر" وليس "انحر"، لأن الفعل المصطنع لا أعرف ماذا يسمونه إذا أردنا أن نتخذ فعلًا من اسم نقول تحجر الماء، ولا نقول احجر الماء، توسد الحجر. وهكذا، إذا أردنا أن نشتق فعلًا من اسم من باب التفعل والتفعيل نتخذ، لا من باب الثلاثي "انحر" لا يستعمل في اللغة العربية ضع يدك عند نحرك، بل انحر يعني إذبح. إذا نريد أن نقول ضع يديك قرب نحرك يجب أن نقول تنحر وليس إنحر.

فإذًا، الحديث غلط، ولا يمكن أن يصدر الغلط عن الرسول(ص) «فصلِّ لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر». عدوك هو الميت، الذي لا ذنب له ولا عقب، وبالفعل عدوه كان أبتر من جميع الجوانب. لو كان للرسول ذرية فعدوه ليس له ذرية، لو كان له أمة ليس لعدوه أمة، لو كان لأولاده قبور ومشاهد وأسماء، فليس لعدوه ذلك، وهكذا لو كان له مبادئ وقيم وأخلاق وتعاليم ورسالة، فليس لأعدائه ذلك. فهم "الأبتر" لا أنت يا رسول الله، فكن قرير العين وقدم الشكر والطاعة لله تعالى.

وفي هذه السورة المباركة درس لنا وتأكيد بأن الإنسان إذا سلك سبيل الحق فهو الخالد، «كل من عليها فانٍ* ويبقى وجه ربك» [الرحمن، 26-27]، ما وجه الرب؟ يعني كل عمل صدر لوجه الله فهو الخالد، «ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام» [الرحمن، 27]، فإذًا، الإنسان في سبيل الحق خالد.

توضيح هذه الحقيقة أن الإنسان كيف يخلد في سبيل الخير والحق؟ وينتهي عندما يسلك سبيل الباطل، يحتاج إلى مطالعة ودراسة تجارب البشر. طريق الحق والخير، طرق مختلفة فطريق العلم طريق الحق، وطريق العدل طريق الحق، وطريق الأخلاق طريق الحق، وهكذا الطرق إلى الله وإلى صفاته طرق الحق، فلنستعرض بعض هذه الطرق؛ نحن اليوم أمامنا صرح من العلم، ماذا يعني العلم؟ يعني الكهرباء، يعني الصناعة، يعني الفيزياء والكيمياء، يعني كل هذه الوسائل التي نعيش فيها من البنايات، السيارات، الطائرات ووسائل النقل والانتقال وأمثال ذلك فلنسأل... إن هذه الأمور، هذا الصرح، وهذه الدرجة من العلم، كيف حصلت؟

لا شك أن كل عالم وضع في بناء هذا الصرح حجارة، كل عالم عمل تجربة وكرسها وقدمها، هذه التجارب اجتمعت بعضها فوق بعض، هذه الحجارة وضعت بعضها فوق بعض، حتى وصل العلم إلى ما وصل إليه، فأنت لا تتمكن أن تقول أن استفادتنا من الكهرباء في ميكروفوننا أو سيارتنا أو في وسائل الإعلام أو في تدفئتنا أو في تبريدنا أو في الوسائل التي نحن نستفيد منها، لا تتمكن أن تقول أن هذا شغل شخص واحد، آلاف من الناس سعوا وجمعوا تجاربهم ووضعوها جنب بعض حتى وصل العلم إلى هذه الدرجة. فإذًا، نحن في تمتعنا بحضارتنا نستفيد من إنتاج آلاف من العلماء الذين سعوا وأنتجوا في هذا الحقل.

فإذًا، يعيش معنا وإلى الأبد كل من وضع صخرة في بناء صرح العلم، وكل من قدم تجربة في تكوين مقام العلم، وهكذا في الخلق، وهكذا في الدين، وهكذا في القوانين، وهكذا في الأدب وفي جميع التجارب البشرية. يعني أنت اليوم تعيش في مستوى من الحضارة، هذا المستوى من الحضارة القسم الإيجابي منه مبني على جهود الآلاف من الذين سعوا في سبيل الحق والخير وأوصلوا درجة العلم إلى ما أوصلوها إليه في هذا العصر.

ربما تقول لي أن الشرور أيضًا تكاملت، أقول لك نعم، ولكن الشرور سوف تموت، بأي دليل؟ لأن الشرور ليست في هذا العصر تجربة فريدة من نوعها؛ فالشرور، عشرات المرات في تاريخ البشرية، نمت وتكاثرت وبلغت القمة ثم انهارت أو أدت إلى انهيار الحضارة البشرية، وبدأ الإنسان يجرب من جديد ويبني من جديد، فالشرور أيضًا بنيت على أكتاف أهل الشر، ولكن الشرور لن تدوم، ولا يبقى إلا الخير وما هو في صالح الإنسان في جميع جوانب الوجود.

فكل شيء ينسجم انسجامًا واقعيًا مع الإنسان، ومع مصالح الإنسان، يبقى ببقاء الإنسان ويخلد بخلود الإنسان. وكل شيء لا ينسجم مع الإنسان انسجامًا واقعيًا يطلع مدة ثم يموت وينتهي، وهكذا. والسبب في ذلك أن الفكرة التي يعطيها الإسلام عن الكون أن الكون مجموعة سائرة نحو الحق والخير، أليس هذا ما يقوله القرآن: «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون» [الأنبياء، 105]، و«وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا» [النور، 55]، «ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون» [الأنبياء، 105]. المجموعة المستفادة من القرآن الكريم أن العالم نحو الخير ونحو الكمال، فإذًا، هذه المجموعة من أجزاء الكون التي تتحرك وتنتج وتفعل وتؤثر وتتفاعل وتثمر، هذه الحركات كلها تمشي وتسير نحو الحق ونحو الخير؛ يعني موكب الكون. قافلة الوجود تسير نحو الأفضل ونحو الخير، حتى تصل إلى قمة الخير وقمة الكمال والنظام الأتم على حد تعبيره.

فكل شيء في العالم يمشي نحو الخير، فإذا كنت في عملك خيّرًا فسوف تكون مواكبًا مع الكون، يعني عملك الخيّر يكون مثل بذرة في أرض صالحة تنمو وتثمر؛ ولكن عمل الشر في مزرعة الكون غير منسجم مع المزرعة، فعمل الشر يموت، وتموت جهود صاحبه، ويموت ذكر صاحبه معه. أما عمل الخير فهو منسجم متناسب مع مزرعة الكون، فيثمر ويعلو وينضج وينتج، ولهذا العمل الخيّر في أي حقل من الحقول، العمل الإيجابي: ﴿فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾ [الرعد، 17].

العمل الإيجابي، العمل الذي صدر لوجه الله، وفي سبيل الله عمل متناسب مع العالم، يخلد بخلود العالم، يواكب موكب العالم وقافلة العالم. أما عمل الشر فلا، لأن العالم لا يتناسب مع تحمل عمل الشر، يمكن سنة، سنتين، أو خمسين سنة، مئة سنة يبقى عمل الشر ويزداد، ولكن يموت، ويموت ذكر صاحبه، ولهذا نحن نعتقد أن هذه السورة والتعاليم القرآنية تعطينا درسًا وتقول لنا:

أيها الإنسان الذي تحب نفسك، وتحب الخلود، وتريد أن تبقى طيب الذكر خالدًا في الدنيا والآخرة، أسلك سبيل الخير في جميع جوانبه صغيرًا كان الخير أو كبيرًا هذا هو طريق البقاء وطريق الخلود.

وفقنا الله، إن شاء الله، للوصول والسعي في هذا السبيل، وإلى اللقاء في الليالي القادمة.

والسلام عليكم.
___________________

* - مفاتيح الجنان، ص140.
المصدر: مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، (د.ت).

التعليقات (0)

اترك تعليق