مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خديجة مزرعاني(2): عيد الأم في المعتقل

خديجة مزرعاني(2): عيد الأم في المعتقل

المحطة الثانية البارزة لي مع العدوان الصهيوني كانت لما بلغت الستين من عمري، وكانت مع ابني ذي الثمانية عشرة عامًا، بعد أن كانت الأولى مع أمي وأنا في الثامنة عشرة... وكأن القدر يعود عليّ مقلوبًا!
لقد تواصلت الاعتداءات على لبنان، وعلى حولا تحديدًا، منذ العام 1948 وحتى العام 1978، عندما اجتاح العدو المنطقة الحدودية واحتلها بشكل مباشر، فبدأ يعتقل رجالنا وأبناءنا ويزجهم في معتقلاته، ثم كان الاجتياح الشامل في العام 1982، لتتصاعد عمليات الاعتقال حتى العام 1989 عندما اعتقلوا بني.
بادئ الأمر أخذوه من مدرسته الثانوية، اقتادوه إلى مركز أمن العملاء في عيترون. حققوا معه وأعادوه مساء اليوم نفسه. ثم بعد حوالي أسبوع داهم العملاء منزلنا، وطلبوا من ابني أن يرافقهم لمدة عشر دقائق، وعندما اعترضت طريقهم قالوا: أسئلة بسيطة فقط. قضيت ليلتي تلك وأنا أتصور أن الباب يقرع وأن ابني عاد إليّ. كنت أقوم وأفتحه مرات عدة ولكن من دون طائل.
بعد حوالي الأسبوعين، وبالتحديد في يوم 21 آذار/مارس 1989، والذي يصادف طبعًا يوم عيد الأم، حضر معاون المسؤول الأمني، وبدأ يشتمني بحجة أنه داخ في البحث عني. قال إنهم سيأخذونني إلى معتقل الخيام لـ"مواجهة" ابني! عند ذلك علا صراخي وصراخه، واجتمع الجيران والأقارب مستنكرين اعتقال سيدة في الستين من عمرها، وقد أخذ منها المرض مأخذًا، لاسيما في عينيها وظهرها، فما كان من العميل إلا أن هددهم وأبعدهم، ثم أقلني بسيارته مع عملاء آخرين، إلى معتقل الخيام حيث تقدمت مني اثنتان من الشرطة النسائية للتفتيش، فنزعتا الجزء الأكبر من ملابسي. أذكر أنه أثناء ذلك، وقع من رأسي دبوس شعر، فطلبتا مني أن آخذه، فأجبت بأن دستُ عليه، وقلت لهما إني لست في حاجة إليه، وإن كانتا تريدانه فليكن. فبدأتا بشتمي ووصفي بأني (مُخرِّبة)، ثم وضعوا كيسًا غطى رأسي ووجهي، وربطوا فوقه عصابة على عيني.
أدخلوني إلى غرفة التحقيق، حيث جاء أحد المحققين وبدأ يسألني عن أولادي وأقاربي. كانت عيناي تلتهبان تحت تأثير العصابة، وكلما حاولت أن أتفقدهما كان المحقق يدعو على يديّ بالكسر، ويشتمني ويمنعني من إراحة عيني.
بقيت على تلك الحال طوال النهار من دون طعام ولا شراب، وعيناي محجوبتان حتى أشفقت عليّ واحدة من الشرطة، فطلبت منها أن تسقيني ماء، الأمر الذي أثار الجدل بينهن. فقلت لهم: "لا أريد منكم شيئًا، دعوني وشأني فقط". في آخر النهار تقدم مني شخص، عرفت إنه المسؤول الأمني في قريتي، وطلب مني أن أقنع ابني بالتعامل معهم حتى يطلقونا نحن الاثنين حالًا، وقال لي: "ابنك رأسه يابس. نحن نطلب منه معلومات بسيطة عن إخوته وأحزابهم ومعارفهم، ولكنه لا يتجاوب معنا". فرفضت الأمر، وكنت فخورة برفض ولدي هذا العار.
لم تطُلْ فترة اعتقالي في الخيام، بعد إخفاق هدفهم من هذا الاعتقال، لكنها كانت تجربة قاسية على سيدة في مثل عمري، كانت حلقة في سلسلة مريرة امتدت أكثر من خمسين عامًا مع العدوان الصهيوني، ولكن رغم كل ما مر بنا علينا كانت النتيجة -والحمد لله- متوّجة نصرًا على هذا العدو، الذي دخل يومًا بلادنا غاشمًا، وفر منه تحن جنح الظلام مخذولًا.
 
المصدر: موقع المقاومة الإسلاميّة. جلال شريم

التعليقات (0)

اترك تعليق