مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الحرب الناعمة والإنتاجات الفنية

الحرب الناعمة والإنتاجات الفنية "المسلسلات التركية نموذجاً"

 ورد عن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "من نام لم يُنم عنه".
كثيراً ما نسمع عن الحرب الثقافية أو الغزو الثقافي، أو حرب الأفكار، أو ما شابه من المصطلحات... وفي الآونة الأخيرة راج مصطلح الحرب الناعمة، أطلق هذا المصطلح "جوزيف ناي" مساعد وزير الحرب الأمريكي في عهد بيل كلينتون في كتابه الشهير "القوة الناعمة". وبيّن فيه أهداف هذه الحرب وخصائصها وأدواتها ووسائلها. ونحن في هذه المقالة نعرّف هذه الحرب تعريفاً سريعاً وندخل إلى إحدى نماذجها وهي المسلسلات التركية.
الحرب الناعمة هي إحدى أشكال الحروب اللاعسكرية تهدف إلى تغيير الهوية الثقافية "للعدو" وتجعله يتبنّى أفكار وسياسة وقيم المستهدف من خلال الجاذبية التي تلعب الدور الأساسي في الإقناع بدل الإرغام واستعمال القوة.
فعنصر الجاذبية هو محور الحرب الناعمة، ومفرداتها هي القيم والسياسة والثقافة وهو ما يعمل الغرب على نشره، وقد استطاعوا الدخول إلى ساحتنا الإسلامية الواسعة ببعض قيمهم وثقافتهم بما يمتلكون من وسائل إعلامية ضخمة ومنها السينما والتلفزيون، ولا يخفى أنّ العلمانية التركية في الآونة الأخيرة ظاهرة تستحق الوقوف عندها لما تجتذب من المشاهدين العرب ولما تتضمّنه من مفاهيم مخالفة للإسلام. وإليك بعض ما نشر في الصحف:
كاد الأمر أن يتسبّب في مأساة حقيقية عندما تركت الممرضات، في إحدى المستشفيات، سيدة حالتها حرجة بسبب متابعتهنّ لمسلسل نور التركي.
تعرّضت سيدة سعودية لانتقادات، وهي تؤدي واجب العزاء، عندما سألت عن جهاز تلفزيون لتتابع حلقات مسلسل تركي.
رجل أردني يبرّح زوجته ضرباً بسبب مهنّد التركي وآخر يطلّق زوجته.
سجّلت إدارة الأحوال المدنية، في منطقة عربية ما يقارب 700 طفلة باسم لميس بالتزامن مع عرض المسلسل التركي سنوات الضياع.
هذا القليل القليل من مقتطفات الصحف العربية تبيّن لك مدى الإنبهار بالمسلسلات التركية، وأقل ما يمكن وصفه بالمضحك المبكي.
المسلسلات التركية:
مسلسلات تركية مدبلجة إلى العربية، يقوم على دبلجتها كادر إعلامي وفني سوري معروف بدأت عرضها قنوات أم بي سي عام 2007، وتناقلتها سائر الفضائيات العربية وصارت عادة طبيعية عند المشاهدين العرب، خاصة عند النساء.
أسباب انتشارها ونجاحها:
إنّ أهمّ أسباب نجاح المسلسلات التركية في المجتمعات العربية يعود لعدة أمور:
1- الدبلجة السورية المحببة خاصة وأنّه يقوم بها كادر فني معروف.
2- الحبكة الجيدة والإخراج الجيد.
3- جمال وأناقة أبطالها.
4- المبالغة في الرومانسية وفيض المشاعر العاطفية الجياشة.
5- المظاهر الجذابة في المأكل والملبس والمسكن والحياة المرفهة.
6- المقاربات الجذّابة في دغدغة أحلام الفتيات بالشاب الجميل والحياة المرفهة والسعادة المنتظرة.
المفاهيم والمضامين الخطيرة لهذه المسلسلات:
وبقراءة سريعة لمضامين هذه المسلسلات يدرك القارئ مدى مخالفتها للشرع الحنيف فضلا عن محاربتها إياه. والخطر أن يتحوّل أبطال هذه المسلسلات إلى نموذج ومثال يحتذى، وإليك أبرز مضامينها:
- النموذج والقدوة في الملبس والمأكل والأناقة وكيفية التصرف، المخالف للإسلام.
- تشجيع العلاقات المحرمة القائمة على الصداقات والزنا وتقديمها باسم الحب.
- ممارسة الإجهاض على أنّه حل لمشكلة الزنا والعلاقات غير المشروعة، بل لا تجد فيها ما يحرّم ذلك من طب أو قانون أو عقيدة.
- نشر ثقافة العري والأزياء الغربية الفاضحة.
- تعاطي الخمور والمسكرات.
- عرض المشاهد الحميمية دون حياء.
- تشجيع النساء للتمرد على أزواجهنّ.
- الخيانة الزوجية من قبل المرأة وتعاطف المشاهد معها، خاصة عندما تُقدّم المقارنات الظالمة للأزواج مقابل الحب والعاطفة خارج نطاق الزواج.
- الترويج للزواج المدني وتقديمه في حلل جميلة.
- التشجيع على الحياة الغربية ونمط العيش.
- تشجيع الأبناء على التمرد على الآباء.
النتائج المباشرة للمسلسلات التركية التي سجّلت عبر الصحف العربية:
- المثال والقدوة المتّبع من قبل الشباب والنساء: التسمية بأسماء الأبطال/ تغيير الأسماء/ تداول صور الأبطال على الهواتف والتواصل الاجتماعي.
- الطلاق: سُجّلت حالات عدة في مختلف الدول العربية.
- العنف الأسري نتيجة الغيرة.
- تغيير الأشكال ليتلاءم مع شكل البطل والبطلة.
- محور أحاديث الناس والمتابعة لا تشمل الكبار فقط بل تتعداها إلى الأطفال.

يظهر من هذه النتائج عمق تاثير هذه المسلسلات وخطورتها على المجتمع، صحيح أنّ ما تداولته الصحف عن حالات عديدة، لكن هذه العينات تؤشّر إلى مدى اهتمام الناس بهكذا مسلسلات وتعلّقهم بها.
ما تمّ تداوله في الصحف هو نتائج مباشرة لكن السؤال ما هي النتائج المباشرة وغير المباشرة لهكذا مسلسلات؟
يبقى علينا أن نعمل بقوله تعالى: «يا أيُّها الذِّينَ آمنُوا قُوا أنفسَكم وأهلِيكم ناراً» (التحريم 6)، ونُبعد أنفسنا وأولادنا عن هذه الأخطار التي تتسلّل إلينا بشكلٍ ناعم عبر نافذة ساحرة اسمها "التلفزيون". طبعاً هذا الأمر يتطلّب منّا الحكمة والصبر وإدراك مدى الخطورة.

مصدر: مجلة نور الإسلام- العددان 173- 174 آب 2014م-  محمد شمص

التعليقات (0)

اترك تعليق