مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة في عصر الظهور و  أسباب تكوين نظرة قاتمة عن المرأة

المرأة في عصر الظهور و أسباب تكوين نظرة قاتمة عن المرأة

تمهيد:
إن استثمار المخزون المعرفي والروحي والإيماني والتربوي للروايات والنصوص، وذلك بغرض استثارة همّة النساء وعزيمتهنّ، وإيقاظ إرادة القوّة وتوجيه الحماس والنشاط لديهن توجيها مستنيرا. وفي الوقت نفسه نحاول إحداث تغيير جوهري في النظرة السلبية أو الاتجاه المضاد لدى بعض المؤمنين ومنهم باحثون ودعاة من موقف المرأة، واستبدالها بأفكار صحيحة معززة لأي اتجاه إيجابي منها من خلال عرض الروايات التي تحمل طابعا معرفيا، من هنا لا بد أن يدرك البعض من أفراد المجتمع المسلم مستوى وحجم الفاعلية الحضارية المتوقعة للمرأة في تغيير المجتمع الإنساني، ويقدّروا أثرً أدوارها الكبيرة، ويجعلوا من هذه الأدوار قوة للمرأة، ونموذجا حسنا مؤثرا على عامة النساء في الاتجاه العبادي الصحيح، حيث تمثل هذه الأدوار والمواقف نسيج حركتها وفاعليتها الحضارية خلال أواخر فترة الغيبة وعصر الظهور، باعتبارها محور المجتمع بالتربية والتعليم لأولادهن، فالمرأة هي المعلم الأول للطفل، لذا يجب أن يؤهل هذا المعلم ليصبح له القابلية على الإعطاء المعرفي الصحيح، والقدرة على بناء شخصية الطفل الصحيحة والصالحة.
إن دعم المرأة وتثقيفها واجبا شرعيا على كل مسلم، يجب على الآباء مراعاة بناتهن وأن لا يلقوا بهنّ إلى التهلكة، فنحن ما زلنا في زمن المتاجرة بالنساء وللأسف، ما زال المجتمع ينظر إلى المرأة النظرة الجنسية فقط، وليست النظرة العقلية، ما زالت المزادات تقام في أرذل وأفخم محلات البغاء، تباع النساء فيها كالألبسة بوضع حقير ومشين، مقابل حفنة من المال. إن الله سبحانه أعطى الفتيات لذويهم رحمة لهم، فلا تجعلوهم نقمة لآخرتكم. إن احترام النساء واجب والإعتناء بهن وبحرمتهن من المقدسات، فلا تضيعوا عليكم فرصة الإستفادة من الرحمة في الدنيا والآخرة.
 المرأة في عصر الظهور
إن إبراز الحالة الإنسانية التقدمية التي تتبوأها المرأة المؤمنة في عصر ظهور الأإمام المهدي(عج) في ضوء ما تبلغه من كمال أو رشد عقلي، وفي ضوء المهام والمسؤوليات والتكاليف والأدوار التي تسند لها، وفي ضوء نجاحها في تحقيق إنجازاتها الكبرى. وتقديم صورة عامة مجملة لبعض التغيّرات الاجتماعية والسيكولوجية والثقافية والحقوقية التي تحدث في حياة المرأة بعد حركة الظهور، وهي في المنطق العلمي نتائج ومعطيات مترتبة عن هذه الحركة. وغرس القيمة الإنسانيّة للمرأة في التكوين النفسي والعقلي للرجال من أفراد جماعة "المنتظرين" وتنمية اتجاهات موضوعية لديهم معززة لأدوار المرأة ومواقفها المتألقة في نهضة المجتمع المسلم خاصة في عصر الغيبة. وفي خطاب يتكون من مجموعة الروايات والنصوص الإسلامية المنقولة التي أشارت للأدوار المتوقعة للمرأة سواء كانت سلبية أو إيجابية، إذ تستبطن هذه الروايات الأساس المعرفي لواقع المرأة في عصري الغيبة والظهور، وما يجري عليها من مظالم وما تقوم به من أدوار لها وعليها. وقبل مناقشة الصورة المزرية لحالة المرأة نود توضيح عام لموقف الإمام المهدي من قضية المرأة، وهو موقف يبين مدى اهتمامه(ع) باحترام كرامة المرأة وتحذيره لها من التنازل عن مكانتها الإنسانية في زمن صعب لا يرحم أهله بعضهم. لم يكن من عادة الإمام المهدي(ع) أن يتوجه بخطاب خاص بالرجال وحدهم وخطاب آخر يخص النساء وحدهنّ، فلم يظهر هذا النوع من الخطاب في تراثه المعرفي أبدا، فقد امتاز خطابه الكريم في غالبيته بالعمومية لا خصوصية فيه لجنس دون آخر، لكنّه(ع) كان دائما يوجه في أغلب الأحيان كلماته لأتباعه وقواعده الشعبية من المسلمين يدعوهم للتقيّد بالإسلام وتعاليمه وأنظمته وقيمه الروحية والعقائدية والأخلاقية والاجتماعية. بيد أنّه في بعض أدعيته يذكر في وحدة لفظية ومترابطة ومتصلة لا فكاك فيها لفظ "المؤمنين والمؤمنات" واستخدامهما في سياق تعبيري مشترك يتم تكراره للدلالة على إيمان الإمام المهدي بوحدتهما الأنسانية ووحدة همومهما المشتركة. يقول الإمام المهدي(ع) في أحد أدعيته التي ذكر فيها لفظ "المؤمنين والمؤمنات" معا "إلهي بحق من ناجاك، وبحق من دعاك في البر والبحر تفضل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغنى والثروة، وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحّة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرم، وعلى أومات المؤمنين والمؤمنات بالنغفرة والرحمة، وعلى غرباء المؤمنين والمؤمنات بالرد إلى أوطانهم سالمين غانمين بمحمد وآله أجمعين"(١) ومع ذلك فالإمام المهدي(ع) قد استخدم في بعض الأدعية كدعاء "الاهتمامات العامة" تصنيفا عاما للفئات الاجتماعية الهامة في تركيبة أي مجتمع إنساني، والمؤثرة بقوة في حركة المجتمع المسلم وبناء نسيجه العقائدي والروحي والاجتماعي والأخلاقي والسياسي.
وقد صاغ الإمام المهدي(ع) وصاياه الإرشادية لهذه الفئات المتعددة التي تشكل في غيبته نسيج المجتمع المسلم كالعلماء والمتعلمين، والزهاد، والمستمعين، والمشايخ، والشباب، والأغنياء، والجند، والأمراء، والرعية أو الشعب بتعبيرنا المعاصر. ولم يستثن من هذه التصنيف العام فئة النساء لأنّهنّ وفق رؤية الخطاب الإسلامي شق الإنسانية الذي يشترك مع الرجال في صياغة المجتمع وتكوينه، وقدّم الإمام المهدي لهنّ خطابه الإرشادي وموعظته الحسنة من أجل مصلحتها، ومنفعة المجتمع الإسلامي بأسره في عصر غيبته الكبرى وحمايته من أوضار الشر والتدهور العقائدي والأخلاقي والاجتماعي. ويبدو أنّ خطاب بعض الباحثين المسلمين المعاصرين متشائم -في ظاهره- من المرأة حاضرها ومستقبلها على حد سواء، فلم يروا في حياتها الواسعة القائمة سوى صورتها العارية المنحرفة التي تثير فتنة الجنس وشهوة الرجال، ولم ينظروا في تاريخها وحياتها المعاصرة إلّا لعيوبها الأخلاقية. ولهذا ركز بعض الباحثين خاصة خصومها كامل جهدهم في كشف ما تقوم به بعض النسوة المنحرفات من أعمال مخجلة قد استغلت فيها إنسانيتها وتعرضت فيها كرامتها للأبتذال وخدش الحياء. إنّ عالم المرأة أوسع من واقع الانحراف، فثمّة جوانب مضيئة تأخذ مساحة كبيرة في حياتها، كما أنّ انحراف المراة ليس حتمية تاريخية لا تقبل التغيير، فتاريخ الإنسان رجلا أو امرأة لم يخلو من الانحراف حينا ومن الاستقامة حينا آخر.
في "مجتمع الظهور"، لا بد أن نرى أنّ جهود المرأة تشكل جزء من القوى المخلصة الفاعلة في بناء مجتمع الانسانية في عصر ظهور الإمام المهدي المبارك. لهذا يركز بعض المتشائمين على عرض نصوص النبوءة الاسلامية الكاشفة لسلبيات النساء وإظهار عيوبهن في عصر الغيبة ما قبل الظهور ومطابقتها مع وقائع الإنحراف النسوي وشواهده المادية في آخر الزمان، وبيان مصداقيّة النصوص التنبؤية التي تقرأ حوادث المستقبل قبل أن تقع. وليس من شك أنّ تلك الوقائع والنصوص منسجمة مع بعضها، بيد أنّ هناك قسما آخر من نصوص البشارة يحدّثنا عن حركة نسوية إيجابية مساهمة بفعالية في بناء مجتمع الإسلام الجديد المرتقب خلال فترة الظهور وقيام دولة الإمام المهدي بأمور الدين وشؤون الدنيا معا. لذلك من حقنا التفاؤل بمستقبل زاهر للمرأة المؤمنة المنتظرة، وطبع بصماته في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية للمجتمع الجديد القادم بإذن الله تعالى.
بل إنّ هذه المساهمة الفعّالة للمرأة تنطلق في زمان سابق لعصر الظهور، وتكتسب خلال فترة الغيبة الكبرى -خاصة في آخر الزمان- قدرات جديدة تفيد في ترسيخ موقعها في عصر الظهور، ولولا وجود هذه القابلية الإيجابية الفاعلة عند المرأة المسلمة لما توجّه الخطاب الإرشادي للإمام المهدي بدعوة المرأة إلى العفة والحياء وضبط السلوك وتعديله على معايير النظرة العبادية، صحيح أنّ مساحة التشاؤم لواقع اليوم أكبر أحيانا من مساحة التفاؤل، إلا أن التاريخ ميدان للفعل الإنساني المعطاء، وميدان للتغيير الاجتماعي -النفسي، وتعديل الاتجاهات النفسية والعقلية الإنسانية بما يتفق مع سنن الله التي تضبط السلوك الإنساني في حالتي التفاؤل والتشاؤم وفي حالات مختلفة. وقد سجلت المرأة المسلمة في إيران ولبنان والبحرين إلى حد ما وربّما في بلدان مسلمة أخرى مثالا على تألق أدوارها الإيجابية في تعديل وضع المجتمع وتغيير بعض قيمة وعاداته الخاطئة، والتحرك صوب الصورة المطلوبة للمجتمع المسلم أو الاقتراب منها على أقل تقدير..
 أسباب تكوين نظرة قاتمة عن المرأة
١- المشاهدة الحيّة للوضع المأساوي للنسوة في العالم -مسلمات أو غير مسلمات- وانحراف سلوكهن عن قيم الإسلام وضوابطهة في الحياة العامة. تؤدي هذه المشاهدة المستمرة للسلوك المنحرف العلني لدى عدد كبير من النساء إلى نظرة تشاؤمية من المرأة ونقلّل من شأنها، وشعور البعض من هؤلاء الباحثين بصعوبة عودة المرأة عن أخطائها الأخلاقية، وعجزها عن إعادة ترتيب حياتها في ضوء محددات السلوك السوي الذي يقره المشرّع الإسلامي.
٢- إنّ بعض الدراسات التي اهتمت بوصف حال بعض النسوة قبل حركة الظهور لم تذكر شيئًا إيجابيًا عن الجوانب المضيئة في حياة بعض النساء المنتظرات إلّا نادرًا، فأدى هذا الإهمال إلى تكوين نظرة غير متسقة نحو المرأة المسلمة.
يستفاد من الروايات الإسلاميّة أنّ المرأة بوجه عام تتعرض قبل حركة الظهور المباركة لأشكال مختلفة من الإهانة الأخلاقية المريرة التي تنكس بكرامتها إلى أدنى حد تعرفه في تاريخها، فقد عبَّرت هذه الروايات عن مشاهد متنوعة للحالة المتدهورة المروّعة التي تعيشها النسوة خاصة في عالمنا الإسلامي كقتل النساء وبقر بطونهن ظلما، والطواف بهن من مجلس للآخر، أو تؤخذ، كما تمر المرأة بأشكال مهنية وبحالات من القهر النفسي التي تكتوي بها إنسانيتها.
ونحن نلاحظ في حياتنا الحاضرة والمعاصرة شواهد وأدلة ووقائع حية معبرة عن الوضع السيئ الذي يمتهن كرامة ويبخس حقها في العيش الكريم، تارة باسم الدين وتارة باسم تحريرها من ضوابطه، وإذا كان معيبا على الرجال ممارسة حالة القهر والإذلال على المرأة،  فإنه من المؤسف -كما تفيد روايات الخطاب التنبؤي الإسلامي العام -أن تكون المرأة نفسها سببا فاعلا في منشأ هذه الحالة المرضية في مجتمع ما قبل الظهور.
ومن الأحاديث التي تمثل نماذج معبرة عن الصورة القاتمة التي تكونت لدى بعض الباحثين.
قال الإمام علي(ع): "تكون النسوة كاشفات عاريات، متبرجات، من الدين خارجات، داخلات في الفتن، مائلات إلى الشهوات، مسرعات إلى اللذات، مستحلات للمحرمات، في جهنم خالدات"(٢).
وبذلك أتاحت المرأة لبعض الناس -باحثين وعاديين- تشويه صورتها، وجعلتهم يرسمون عنها صورة قاتمة، بينما معالم هذه الصورة نفسها موجودة في عالم الرجال، ولا اختلاف بين الجنسين سوى.. هذا رجل وتلك امرأة.


(١)مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص١٧١.
(٢)منتخب الأثر، الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، ص٤٢٦.

المصدر: اسماعيل، لبنى طه، معالم المسار المهدوي وأخلاقية المهدويين. ط١، الشركة الفنية للطباعة، مؤسسة وكالة أنباء التقريب. ٢٠١٢م.

التعليقات (0)

اترك تعليق