واقعية الدور الحضاري للمرأة في التمهيد للظهور المقدس
وبالرغم ممّا تقدم من مشاهد لصورة قاتمة واضحة للمرأة في حركة الواقع الإنساني، وفي بطن النص الإسلامي. إلّا أنّ الصورة ليست ذات وجه واحد كما يبدو للمتشائمين، فهي كالعملة ذات وجهين لا يعرف أحدهما دون وجود الوجه الآخر، فهناك وجه آخر يضيء المحجة وينير الدرب ويبشر بخير قادم، ويتحسس المؤمنون المنتظرون في هذا الزمان الصعب بصماته في شخصية المرأة المؤمنة المعاصرة التي تشارك الرجال في الإعداد لمجتمع "التوطئة والثورة والتغيير الجذري" من خلال أدوارها الحضارية المختلفة في حاضرها ومستقبلها في زمن الظهور.
وبالتأكيد ليس حديثنا عن الأدوار الحضارية التي تقوم بها المرأة سواء مع جيل الموطئين أو مع جيل الأنصار لمجرد دغدغة عواطف المرأة وهدهدة أحلامها، أو لكسب ودّها القلبي، وإنّما هو تسجيل صادق معبر عن فاعلية واقعية تتجلى في أدوار متنوعة، ومنتجة، ومبدعة تقوم بها المرأة في زمانها -حاضرها أو مستقبلها- في مسيرة التاريخ الإنساني.
فالمرأة في منطق الإسلام هي إنسان رشيد، عاقل، مكلّف في كل مراحل حياتها الإنسانية عدا طفولتها، ولا تقل مسؤولياتها عن الرجال، وهي كذلك جزء من أمّة ينتظر لها -كما كانت من قبل- أن تكون فاعلة في البناء الحضاري المتوقع للإنسانية، ولا يمكن بالتأكيد إنجاز هذا البناء وتشييده بإهمال قدرات المرأة وطاقاتها الفطرية والمكتسبة نتيجة عمليات تدريبية خاصة.
ومن هنا تتحدث النصوص الإسلامية عن جماعة "الموطئين" الذين يعيشون فترة ما قبل حركة الظهور المباركة وما يعدون لها في فترة الغيبة دون تمييز بين الرجال والنساء.
ومن هنا نطرح السؤال هل المواطئون هم جميعا من الرجال؟
إذا كانوا رجالا ألا تشارك المرأة في عملية الإعداد للحركة التغييريةمن خلال تربية أجيال "المجتمع المنتظر" أو "تدريب أبناء المنتظرين" من خلال وظيفتها التربوية على تقبل حركة الانتظار نفسها وممارستها بفهم إيجابي على امتداد عصر الغيبة الكبرى؟ وهل يمكن للرجال وحدهم القيام بعملية التوطئة والتعبئة بمعزل عن جهد المرأة؟
نعم ذلك غير ممكن في منطق العقل والديسن والتجربة الحيّة والنظام الاجتماعي العام، وسنّة الحياة، وإلّا سيكون وجود المرأة عبثًا لا معنى له، وهذا يتناقض وحكمة الخلق الإلهي وغايته السامية.
وهذا يعني أن للمرأة فعلها الحضاري المؤثر وحركتها النشطة، لأنّه من الصعب قبول أن تكون التوطئة ممكنة بدون تدخل إيجابي من المرأة المؤمنة المنتظرة، ودون فعل مقتدر في هذه المهمة العبادية والجهادية. فالمرأة لن ترصد الحوادث المتوقعة في المستقبل الإنساني رصدًا سلبيًا. وهناك مثلا طائفة من النصوص والأحاديث التنبؤية الإسلامية التي تشير إلى خروج جيش من المشرق يوطئون الأمر للإمام المهدي(ع)، ومع أن هذه النصوص لا تذكر في متنها "لفظ النساء" ولا تخصهّن بالذكر، بيد أن هذه الأحاديث لا تعني الرجال وحدهم، فالموطئون جماعة من المؤمنين والمؤمنات بالمهدي تؤدي دورها قبل حركة الظهور بأدوار مختلفة تناسب قدرات كل جنس على حدة.
ومن الصعب أن يتمكن هذا الجيش من إنجاز مهمته في التوطئة والإعداد واتعبئة الجهاديو والروحية والعلمية بجهد أحد الجنسين دون الجنس الآخر، لأن الموطئين -كأية جماعة بشرية- مكوّنة من رجال ونساء، ولا يمكن أن يتشكل النسيج الإنساني لهذه الجماعة إلّا بامتزاج الأدوار المشتركة بين الجنسين.
ومن هنا تباشر المرأة عملها الحضاري ودورها وحركتها الجهادية كالرجل تماما، حيث أنّ النساء يلدن، ويقمن بعملية "التربية" ويغرسن ثقافة الانتظار والتوطئة والتعبئة لأفراد جماعة المنتظرين والموطئين من الجنسين على امتداد عصر الغيبة الكبرى".
وهذا لا يجعل المرأة المسلمة مجرد إنسان "راصد" للحوادث المتوقعة في الحاضر والمستقبل. وإنّما هي قوّة فاعلة مؤثرة في مجالات عديدة من حركة المجتمع، ويكفيها فخرا ثقة دولة الإمام المهدي وحكومته بها عندما تكلّفها بأداء أدوار ومسؤوليات في مجالات عديدة في العلم والتعليم والإفتاء والإنتاج والمشاركة في تنمية المجتمع الجديد في دورته التاريخية القادمة.
لذا ثمّة شروط توفرها الدولة والمجتمع والمرأة نفسها تساعدها على القيام بالأدوار الحضارية الفاعلة، وتعتبر هذه الشروط عوامل بنّاءة في حركتها خلال فترة الظهور، ومنها الإعداد العلمي للمرأة إمّا عن طريق ما تقوم به الدولة الإسلامية العالمية من خدمة لها أو عن طريق ما تقوم به الدولة الإسلامية العالمية من خدمة لها أو عن طريق أنشطة منظمة تسديها للمرأة مؤسسات جماعات المنتظرين أو الموطئين أو عن طريق اجتهادها الشخصي، فالمرأة في ظل دولة الإمام المهدي(ع) تصل إالى قمّة مستوى علمي تعرفه المرأة في تاريخها الطويل.
ويمكّنها العلم الذي تكتسبه من أداء فاعليتها الحضارية، ومساهمتها في مجالات علمية مختلفة، بل إن قدراتها العلمية المتعددة تهيؤها للعمل في مجالات لم تعرفها من قبل، ولم تبرز فيها كالفقه ومهنة القضاء في فترة الغيبة.
وتشير روايتان إسلاميتان إلى أن النّاس يؤتون الحكمة في عصر الإمام المهدي(ع) إلى درجة أنّ المرأة تقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنّة رسوله عليه وعلى أتباعه الصلاة والسلام.
تقل الرواية الأولى:
- "وتؤتون الحكمة في زمانه -أي في عصر الإمام المهدي- حتى أنّ المرأة تقضي في بيتها بكتاب الله وسنّة نبيه".
- وتذهب رواية أخرى إلى القول بأنّ مجتمع الظهور يهيئ للمرأة إمكانية تعديل اتجاهات الناس من خلال تفوق المرأة في عمل لم تعتده، تقول الرواية: "تحكم المرأة في بيتها على أساس كتاب الله وسنّة رسول الله".
تدل هاتان الروايتان على أن بلوغ المرأة المسلمة في عصر الظهور المبارك لمستويات علمية عالية تمكنها من الدراية حتى بعلوم صعبة أو مزاولتها مهنتي "الفقاهة" و"القضاء" وهما من المهن التي تتطلب الدراية بعلوم عديدة. إن علم المرأة بالفقه وتمكّنها منه يؤدي بالتالي إلى عملها بالقضاء والإفتاء، والوصول بالمرأة المؤمنة إلى مستوى الاجتهاد الديني الذي احتكره الرجال على امتداد مراحل التاريخ الإسلامي باستثناء ظهور عدد قليل من النسوة الفقهيات، وبذلك تمكِّن الدولة الجديدة للمرأة فرصة إثبات كفاءتها في مجال هو صعب بالتأكيد، وتنمية قدراتها العلمية والاجتماعية. ويدل إفتاء المرأة في بيتها على شيوع المعرفة الدينية، وتمكّن المرأة من المساهمة بفعالية كبيرة في إعادة صياغة شخصية المرأة وتثقيفها دينيا في أجواء تربوية سليمة ترعاها الدولة الإسلامية العالمية المرتقبة، وهذا كلّه يصبّ في تربية الإنسان وبناء شخصيته.
أ- الأمن النفسي
تحقق حركة الإمام المهدي التغييرية أمنًا نفسيًا للمرأة بنفس القدر الذي يشعر به الرجال في مجتمع الدولة الإسلامية خلال فترة الظهور المبارك، وهذا الشرط ضرورة أساسية لتحقق الفعل الحضاري لدى المرأة وقيامها بالأدوار والتكاليف الشرعية التي تجعل حركتها إيجابية وبنّاءة. ومن وهج هذا الإحساس النفسي يتولّد لدى المرأة المسلمة حس الحرية الحقيقية والكرامة وتمتعها بهذه النعمة، ويؤدي إحساس المرأة بالحرية والأمن والطمأنينة إلى نمو قدراتها وإثراء إمكانياتها، وشعورها بقيمة ذاتها.
ومن المؤكد أن المرأة تستطيع ككائن إنساني مكتمل النمو والنضج من تحقيق أدوارها الحضارية البنّاءة حين يتم إشباع حاجات المرأة المادية والمعنوية ويخاصة الحاجة للمعرفة، والحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى الحرية. وجوهر تحقيق حاجة المرأة للأمن أن لا تشعر بالخطر على نفسها سواء كانت في العراء -البر الخلوي أو مكان صحراوي أو أي مكان نائي أو في حركتها من مكان لآخر- أو في مكان ممارستها لأعمالها الإنتاجية والاقتصادية أو في غدوها وراحها لأداء فرائضها العبادية والدينية.
حيث تقول إحدى الروايات عن النساء في عصر الإمام(ع):
"وتأمن النساء في عهد المهدي في أنفسهن حتى لو أنّ المرأة في العراء -أي البر الخلوي- لم تخف على نفسها، ويظهر الله تعالى كنوز الأرض للمؤمنين، ويستغني كل فقير بقدرة الله تعالى"، وهذا بخلاف حال المرأة في عصر ما قبل الظهور الذي تؤكد فيه الروايات على أنّه "لا تقوم الساعة... حتى يكون في خمسين امرأة القيم الواحد، وحتى تمطر السماء، ولا تنبت الأرض"، وذلك لحمايتها من الظلم والاضطهاد.
إذن المعنى العام لهذه الرواية -كما يبدو من محتواها- هو توفير قدر مناسب من الأمن النفسي للمرأة وعدم شعورها بالخطر الذي اعتادته في آخر الزمان من فترة الغيبة الكبرى.
إن تأمين الإشباع المقبول لحاجات المرأة المادية شرط ضروري لضمان توجيه حركة المرأة في مسار عبادي وحضاري فاعل، فالإشباع يوفر الأمان النفسي للمرأة ويخفف عنها الضيق الاقتصادي، ويسمح بنضج أفضل لفعل إيجابي بنّاء تؤديه "المرأة" المسلمة، وتحقيق إنجازات تقدميّة.
إن الإشباع المادي يتيح للمرأة أن تتعلم، وأن تنمي قدراتها ومهاراتها العقلية، وتصل بها إلى قمّة مستوياته، وتؤكد الرواية أنّ الناس يؤتون الحكمة حتى تستوعب المرأة "علوما" كثيرة ومتنوعة وجديدة لم يتح لها مجتمع "الغيبة" اقتحامها من قبل بنفس الدرجة التي بلغها الرجال كغلم الفقه الذي يعتبر علما مركزيا في الثقافة الإسلامية، وعلوم الحديث والتفسير والأخلاق وعلوم الدنيا. وهذا معناه أن المرأة المسلمة إذا ما غمرها الأمان، واطمأنّت نفسها في الحصول على إشباع حاجاتها المادية أصبحت أكثر تهيؤا لممارسة أفعالها الحضارية الإيجابية من قنوات عديدة كالعلم ووالعمل، والخدمات الاجتماعية، والمجالات الأخرى، وأصبحت تحت تأثير توفير هذا الإشباع أكثر إحساسا بالأمن والحرية، وأكثر استعدادا للإبداع.
وهكذا فإنّ توفير هذا الإحساس ضرورة لنضج الفعل الحضاري وتقدمه عند المرأة وإكسابها الثقة بنفسها، وبإنجازاتها، وستقدم المرأة في زمان الإمام المهدي نفسها نموذجا أعلى غير مسبوق في تاريخها.
إنّ إشباع الحاجات المادية والمعنوية أحد مفاتيح "الفعل الحضاري" الذي ينتظر أن تقوم به المرأة في مجتمع "الظهور"، وأن ركيزة ما تقوم به المرأة من أدوار تاريخية وفاعلة وحاسمة في حركة المجتمع الإنساني هو نتيجة ما تحصل عليه من إشباع حاجاته، فيعزز جهدها ويمنحها القدرة على استخدام كامل طاقاتها التي تساعدها على أداء فعلها الحضاري في مجالات عديدة خاصة بعد أن تثبت تفوقا في مجال العلم والحكمة.
وهذا كله يمنح المرأة المؤمنة فرصة لممارسة فعالياتها الحضارية في مجالات متعددة تناسب مسؤولياتها الإنسانية وتكاليفها الدينية، ويمنحها حقوقها كاملة.
ثمة مظاهر عديدة تثبت رعاية الدولة المسلمة العالمية ومساندتها لأداء فعل المرأة الحضاري المطلوب أن تؤديه في مجتمع الظهور، فتوفير الدولة للإشباع المادي والمعنوي لحاجات المرأة هو مثال على هذه المساندة وإن كان الإشباع حقا للإنسان.
كما إن الدولة تتدخل بفعالية واضحة في الإعداد العلمي لأفراد المجتمع رجالا ونساء، وتعبير "وتؤتون الحكمة في زمانه" الوارد في إحدى الروايات السابقة الذكر شاهد على شيوع "المعرفة" الرشيدة التي توظف في خدمة الإنسانية، وهي معرفة متنوعة تقدمها الدولة للناس بتخطيط موجه من قادة المجنتمع وكفاءاته التخصصية لخدمة المجتمع، وتكتسبها المرأة كالرجل تماما بالمراس والتدريب وتخطيط قادة الدولة، فالحكمة التي تتمكن منها النسوة المؤمنات في عصر الظهور لا تأتي من فراغ، بل من عمليات تدريب مقصودة وهادفة لقدرات الرجل والمرأة معا.
وجاء تعبير "الدولة الكريمة" كتعبير سياسي ورد على لسان الإمام المهدي(ع) في دعاء "الإفتتاح" الذي ينسبه الرواة والمحدثون والمؤرخون للإمام وذلك عندما قال الإمام في دعائه الكريم:
"اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك".
وهذا المصطلح شديد التعبير عن سمو الحالة الإنسانية وطهر المجتمع الذي تحكمه بكفاءة حكومة الإمام بعد ظهوره المبارك، فهذه الدولة المحكومة بإسلام نقي ستضمن بعد طول معاناة للبشرية إشباعا شريفا لحاجات الإنسان مادية كانت أو معنوية، وسيجد الآدمي كامل حقوقه، وسيدمر كل طغيان ألأو استكبار ينتهك كرامة الأفراد.
وهكذا فإن "الدولة الكريمة" في مجتمع الظهور تساند المرأة ماديا ومعنويا وتوفر لها إشباعا متنوعا لحاجاتها، وتستجيب لإنسانيتها بإعادة حقوقها المغتصبة أو المعطلة أو الضائعة، وإعطائها من جديد فرصة استثمار أقصى إمكانياتها لممارسة أدوارها الحضارية بواسطة هذا الإسناد الإنساني.
إن بناء المجتمع الإسلامي المذكور يتطلب أن تسند الدولة -بقيادتها وشعبها المؤمن في كل بقاع الأرض- جهد المرأة ودورها وحركتها وأفعالها لأن هذا الإسناد يستفرغ طاقات المرأة الفطرية، وينمي إمكانياتها، فلم يخلق الله هذه الطاقات في كيان المرأة ليعطّل بلا نمو أو لتجميده بلا فعل إيجابي يرضي الله تعالى، وإنّما ليتعاضد أفراد المجتمع الإنساني في حركتهم نحو واقع أفضل.
كما إن بناء المجتمع الإنساني لا يتم عادة بجهد الرجال وحدهم، فمن المستحيل إنماء قدرات جماعة صغيرة كالأسرة بدون النساء وهنّ شقائق الرجال على حد تعبير الحديث الشريف، فكيف بمجتمع كبير يشمل الإنسانية كلها، ويعانى من صعوبات وإشكاليات تاريخية ثقيلة، فالمرأة إذن وما تقوم به من أدوار فاعلة عنصر هام في بناء الحضارة الإنسانية المقبلة كما هو حالها في بناء حضارة الإنسانية سابقا وحاضرا، مع فارق في الدرجة، أي أن درجة مساهمتها في البناء الحضاري لمجتمع المستقبل أعلى درجات مساهماتها في فترات ماضية على ولادة مجتمع "الظهور".
وتتجلى "حكمة المرأة" ورشدها العقلي في مظاهر تمثل جميعا نسيجا مشتركا من السمات السوية مثل:
- طاعة الله ومعرفة الإمام القائد من الناحية الروحية أو السلطة الزمانية والسياسية.
- اجتناب الكبائر التي توجب النار.
- وضع الأمور في مواضعها.
- حسن التصرف في المواقف.
- التزين بالصمت والعمل العبادي المتقن.
- ترك اللّذّات المحرمة وتنظيم إشباع الحاجات.
- الأعراض عن ملذات الدنيا الزائدة عن حد الإشباع.
- انسجام الذات وتوافق القول مع القلب والفعل.
- علم المرء بنفسه سواء كان رجلا أو امرأة.
- التولّه بالآخرة والعمل استعدادا لها.
- ضبط النفس والسيطرة على انفعالاتها.
- وعي المرأة بأحكام دينها ودنياها، ونفاذ بصيرتها وعزم إرادتها.
- قابليتها لتعديل سلوكها بنفسها أو بمعاونة غيرها من أبناء مجتمعها وفق المعايير والمحددات الإيمانيّة.
ب- شجاعة المرأة وسكينتها:
ينسب للمرأة عادة سرعة هلعها وخوفها، واستجابتها بدرجة أكبر للقلق النفسي، بيد أنها تقلب حالته السيكولوجية في عصر الظهور، فيتبدل خوفها أمنا وتنتقل بحرية وأمان، وتكون قادرة على اتخاذ قرار الحركة الاجتماعية من منطقة لأخرى لا يخيفها شيء.... تمشي في العراء أو البر الخلوي بلا وجل. بل تمارس حريتها ونشاطاتها العبادية بدون صحبة من الرجال لدفع الخوف عنها أو حمايتها من غوائل الزمن.
إن هذه السكينة القلبية تمثل تجسيدا فعليا لإرادة القوة والشجاعة ولثقة المرأة بذاتها، وللسيطرة الداخلية على ذاتها وضبط مشاعرها، وتمتعها باحترام يحمل الآخرين على عدم إيذائها أو لا ينهاها أحد، وتنطوي هذه الحالة إقرارا بالقوة النفسية التي تمكن المرأة من الدفاع عن نفسها.
تعتمد المرأة على ذاتها، وتبلغ بهذه الخاصية مداها كما لاحظنا ذلك في تحركها المستقل، وبحرية ودون خوف أو وجل، فهي لا تكتفي بتفتح شخصيتها ونضجها، والحصول على "الحكمة" كالرجال تماما، بل تؤدي أدوارا تثبت كفاءتها، وتبرهن على رشدها العقلي، وقدرتها على تحقيق إشباع رشيد لحاجاتها، واهتماماتها بقضايا الشأن العام خاصة الهموم السياسية للمجتمع.
كما تصفّي المرأة في مجتمع الظهور كل انحرافاتها الأخلاقية، وتسمو بذاتها ذهنيا ووجدانيا وروحيا، وتتمكن من الانسجام التام مع قيم الدولة الإسلامية الجديدة والتوافق مع أنظمتها وتشريعاتها وأحكامها، وبذلك يتحوّل الطهر الأخلاقي والوجداني للمرأة إلى حركة تجعل "حياءها" الداخلي والفطري مظهرا للحكمة التي تبلغها المرأة، فتظهر سيطرة متألقة على نفسها وضبطا لشهواتها.
وتتمتع المرأة بالثبات العاطفي والإتزان النفسي، والتي تندرج تحت هذه الخاصية الأساسية سمات وجدانية فرعية كالصبر والثبات أمام الشدائد، والشعور بالأمن النفسي، وثقة المرأة بذاتها، وقدرتها على مقاومة الإحباطات النفسية بدرجة أقوى وأكثر رشدا واتزانا، والتعامل بقدرة أفضل على حسم الصراعات الداخلية حسما موفقا في ضوء المحددات التربوية والإيمانية.
المصدر: اسماعيل، لبنى طه، معالم المسار المهدوي وأخلاقية المهدويين. ط١، الشركة الفنية للطباعة، مؤسسة وكالة أنباء التقريب. ٢٠١٢م.
اترك تعليق