مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المنظمات النسوية ودور رأس الحربة

المنظمات النسوية ودور رأس الحربة

تلعب بعض  الجمعيات الأهلية (1) -بغض النظر عن التسميات التي تندرج تحتها- دورًا خطيرًا في تنفيذ الأجندة الأممية التي يراد عولمتها تحت مظلة قضايا المرأة.
  فهذه الأجندة ترسم نمط حياة لن يقبله أي مجتمع محافظ لديه بقية من دين، أو حتى تقاليد محافظة ورثوها عن أسلافهم، تلك التقاليد التي ساهمت في الحفاظ على الفطرة نقية دون أن يشوبها كدر، وتعد هذه القيم خطًا أحمر للحكومات لا تستطيع أن تتعداه، الأمر الذي استوجب إيجاد شريك غير حكومي يحظى بالاعتراف الرسمي دوليًّا بشراكته؛ كي يتمكن من دخول دائرة صنع القرار والضغط على الحكومات لتنفيذ مقررات تلك الأجندة الأممية مقابل دوران عجلة التمويل السخية وملء جيوب هؤلاء الوسطاء الذين ارتضوا أن يلعبوا دور رأس الحربة، وكما يقول المحلل السياسي الغربي كارلوس ميلاني:"إن فكرة الاشتراك المباشر للمجتمع المدني في الحياة الدولية قد أحرزت تقدمًا هائلاً خلال العقود الماضية، وأسهم في ذلك إلى حد كبير المؤتمرات الدولية للأمم المتحدة من حيث إسماع صوت المجتمع المدني بما يشكل ضغطاً على السلطات السياسية "(2).
وبدأت هذه اللعبة الخطيرة عام 1964م، حيث أفسحت الهيئة الدولية مكانًا لهذه المنظمات مع الحكومات، بل ووفرت لهذا القطاع المكانة القانونية بدعاوى إنسانية براقة كي تحظى بالقبول الدولي، ويتم السماح لها بالتغلغل في حياة الشعوب، بل وكتابة تقارير توازى التقارير الرسمية المقدمة من الحكومات. 
وفي عام 1967م تم النص صراحة على ضرورة توسيع الدور الذي تلعبه تلك المنظمات غير الحكومية، وذلك في الإعلان الصادر عن هيئة الأمم المتحدة الصادر بعنوان (إعلان خاص بالقضاء على التمييز ضد المرأة) دعا هذا الإعلان إلى تغيير المفاهيم وإلغاء العادات السائدة التي تفرق بين الرجل والمرأة، مع زيادة مساحة الدور المعطى للمنظمات غير الحكومية، إذ نص على أن المنظمات النسائية غير الحكومية هي القادرة على إحداث هذا التغيير، عن طريق تحدي الأعراف والقيم الدينية والثقافية السائدة.

مؤتمر القاهرة للسكان والمنظمات غير الحكومية
ثم جاء مؤتمر القاهرة للسكان (1994م)، لتحدث نقلة كيفية و كمية في مستوى مشاركة المنظمات غير الحكومية..
نقلة كيفية: حيث شارك بعض ممثلي هذه المنظمات في القاهرة ضمن الوفود الرسمية لبلادهم، وصدر برنامج عمل المؤتمر: "ليحث على دعم دور المنظمات غير الحكومية؛ بهدف الترويج لمشاركة فعالة بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية على كل المستويات وذلك وفق إجراءات تضمن دمج المنظمات غير الحكومية في عمليات اتخاذ القرار، وإدراجها ضمن الوفود الممثلة للدول في المؤتمرات الإقليمية والدولية (برنامج العمل 15-15، 2-4، 15-12).(3).
وتشير إحدى الدراسات الصادرة عن إحدى هذه المنظمات النسوية لهذه النقلة  فتقول:"لا يمكن أن نغفل الدور الفريد الذي لعبه المؤتمر الدولي للسكان و التنمية (القاهرة، 1994م ) في دفع المنظمات الأهلية المصرية للمشاركة بطريقة نشطة في فعاليات ذلك المؤتمر، وفي دفع الحكومة المصرية على استثارة هذا الدور؛ رغبة منها في الظهور بمظهر لائق وبوجه ديمقراطي على المستوى الدولي. ويمكن أيضًا -خاصة بعد مؤتمر بكين- ملاحظة إتاحة مساحة أكبر في الصحافة الرسمية للموضوعات والأخبار المتعلقة بالمرأة "(4).
وأما النقلة الكمية: فذلك لأن مؤتمر القاهرة للسكان كان فرصة ذهبية لاختراق المجتمع المصري بشكل مباشر، والتعرف عبر دراسات ميدانية على المدخل الأسرع لتنفيذ مقررات الهيئة الدولية وكان هذا المدخل -للأسف الشديد - التمويل "وتشير نتائج دراسة ميدانية أجريت بعد انعقاد مؤتمر السكان والتنمية على عينة من 216  جمعية أهلية مصرية ذات أنشطة واتجاهات متنوعة إلى أن نسبة 81.5%  من العينة المبحوثة ترى أن "المشكلة ذات الأولوية الأولى لتنفيذ مشروعاتها هي التمويل" (5).
وبالفعل سرعان ما شهد المجتمع المصري طفرة هائلة في  عدد الجمعيات الأهلية النسائية والتي كانت -طبقًا لدليل الجمعيات الأهلية المصري- حتى عام 1994م  تبلغ 119 جمعية فقط، ثم بعد مؤتمر القاهرة للسكان، ومع تدفق التمويل، تم تأسيس عشرات من المنظمات بعضها سجل في ظل قانون الجمعيات، وبعضها الآخر سجل كشركات مدنية"(6).
ودحضًا لمقولة أن هذه الجمعيات جاءت بمبادرة واستجابة لنساء بلادنا أسوق شهادة "واحد من أهلها" -كما يقال في اللغة المصرية الدارجة-: "إن عددًا لا بأس به من هذه المنظمات الجديدة قد تأسس استجابة للاتجاهات الدولية خلال مرحلة الثمانينات والتسعينيات. كما شكلت -بصفة عامة- إمكانية الحصول على دعم أجنبي حافزًا قويًّا لتكوين هذه الجمعيات والتي تزايدت بطريقة ملفتة للنظر في مرحلة ما بين مؤتمر السكان والتنمية والمؤتمر الدولي الرابع للمرأة (بكين 1995) (7).
  والسؤال الذي يطرح نفسه رغم شذوذ كثير من أفكار هذه المنظمات إلا أن بعض الناس لا يجدون غضاضة في التعامل معهم؟ بل وسرت العدوى وفُتحت شهية الآخرين للسير على منوالهم، وصار تأسيس جمعية عمل من لا عمل له، فكل من يريد بابًا يدر عليه دخل يبحث عما سيتمّ تمويله هذا العام؟ ويتقدم بمشروع لأحد الجهات المانحة وما أيسر هذا السبيل! للدرجة التي وصفهم البعض(بطبقة المنتفعات) إشارة إلى تحويلهن أموال المنح لمنافع شخصية، وآخرون أطلقوا عليهن( موظفات حقوقيات)؛ لأنهن يعتمدن في دخلهن اليومي على العمل في مجال حقوق الإنسان.
وفى ظني أن هذا يرجع إلى الشكل الاحتفالي والدعائي الذي يصاحب نشاطات تلك الجمعيات، فورش العمل والمناقشات تتم في فنادق كبرى، وتقدم وجبات طعام فاخرة فضلاً عن الإقامة فيها، ومن لا يقيم في الفندق لكونه من أهل البلد يحصل على (بدل إقامة) نقدي، مع الأخذ بعين الاعتبار حال بلد يعيش أربعون بالمئة فيه تحت خط الفقر، ولا مانع من استقطاب بعض القيادات المحلية لإرسال رسالة إلى الجهة المانحة والحضور تمتع هذا النشاط بالدعم الرسمي حتى لو كان هذا الحضور الرسمي يقتصر على اعتلاء المنصة في الجلسة الافتتاحية، و الغياب التام وعدم العلم بما سيحدث من فعاليات قد تمتد لثلاثة أيام، ولا مانع أيضًا من مغازلة الجماهير بالاستعانة ببعض الرموز الدينية- وهي قلة قليلة جدًا بفضل الله- ارتضوا أن يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا، ورضوا بمسايرة هذه الجمعيات فيما ترمى إليه، إلى الحد الذي جعل أحدهم يصرخ قائلاً على منصة أحد مؤتمراتهم بأنه "لا وجود للتعدد في الإسلام، ولا وجود للطلاق بالإرادة المنفردة، وأن هناك تفسيرات متعددة للضرب منها الضرب في الأرض فلِم نأخذ بالضيق منها".
وصدقت مقولة "اليزابيث تشينى" ابنة نائب الرئيس الأمريكي آنذاك والتي صرحت بها أكثر من مرة (أن نساء العرب هن أهم وسيلة لإحداث تغييرات في المنطقة)؛ لذا لن نمل من إطلاق صيحات التحذير من خطورة هذه المنظمات المدعومة والممولة من الخارج لأنها نجحت بالفعل في إحداث تغييرات في البنية الثقافية.  
 وشتان بين مؤسسات المجتمع الحقيقية، ومؤسسات المجتمع الصورية، فالأولى تتشكل من القوى الحقيقية للمجتمع، والثانية لا تمثل إلا أفراداً ولا تستند على قاعدة شعبية.

----------------------------------------

الفهرس:
(1) لا أعنى هنا  الجمعيات الأهلية الأصيلة التي تقدم الرعاية للفقراء والمحتاجين. وإنما أخص بالذكر بعض الجمعيات التي تم إنشائها بعد مؤتمر بكين تحت مسميات تنمية، حقوق المرأة، حقوق إنسان..والتي يمكن إدراجها تحت ما يسمى التنظيمات الدفاعية  Advocacy Organization.
(2) المنظمات الأهلية العربية والحكومية ,قضايا وإشكاليات وحالات ما, رلوس.س.ميلاني وآخرون, مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام, القاهرة 2004
(3) يسرى مصطفى عبد المجيد، تحليل مضمون المؤتمرات العالمية التنمية الاجتماعية ودور المنظمات غير الحكومية، حلقة حوار (قضايا بناء القدرات للمنظمات غير الحكومية)، الإسكوا-جامعة الدول العربية، القاهرة من 19-21 سبتمبر 2000
(4) المرأة في المنظمات الأهلية: حالة مصر، مقدم من مركز دراسات المرأة الجديدة، ديسمبر1998.
(5) أماني قنديل، العمل الأهلي والتغيير الاجتماعي .. منظمات المرأة والدفاع والرأي والتنمية في مصر، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 1998.
(6) د.أماني قنديل، التقرير السنوي الرابع للمنظمات الأهلية العربية بعنوان تمكين المرأة 2004، الشبكة العربية للمنظمات الأهلية، 2005، ص358.
(7) بحث المرأة في المنظمات الأهلية: حالة مصر، مقدم من مركز دراسات المرأة الجديدة، ديسمبر1998

المصدر: موقع اللجنة الاسلامية العالمية للمرأة والطفل
         سيدة محمود محمد- مسئولة قسم الأبحاث في اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل

التعليقات (0)

اترك تعليق