مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة هي الدواء الشافي وصمام الأمان الذي يتحكم بالضغط النفسي للعائلة

المرأة هي الدواء الشافي وصمام الأمان الذي يتحكم بالضغط النفسي للعائلة

  لو أردنا الحديث عن هموم الرجل وأسبابها لطال بنا المقام، ولخرجنا عن حدود الموضوع الذي من أجله نواصل البحث، وهو دور فاطمة عليها السلام في الحياة الأسرية كزوجة.
ولكن لو أردنا الحديث عن كشف هذه الهموم، فلربما لن نجد هناك شيئاً أسرع وأقوى أثرا وتأثيرا من المرأة.
فالمرأة هي الدواء السحري، وهي صمام الأمان الذي يتحكم بالضغط النفسي للرجل، وهي الكاشف الوحيد لتلك الغيوم المتلبدة في فضاء الروح، ولا نبالغ إن قلنا إنها الوحيدة القادرة على تحويل هذه الغيوم إلى سحب تحمل الغيث والماء الذي يجدد حياة الرجل، فتراه يمطر همة وثقة بنفسه، وحيوية عالية تسخّر جميع قدراته الروحية والبدنية، فتراه يجعل من الخسارة ربحا، ومن التأخر تقدماً، ومن الهزيمة نصرا.
وتلك صفحات التاريخ قد ملئت بنماذج متعددة لما أسلفنا، بل إنك أيها القارئ الكريم: لتجد صورا أخرى تحكي، أن المرأة، وإن كانت في تلك الأدوار والأثر فهي أيضا موضع هبوط الهمة، وعنوان الفشل لكثير من الرجال.
لكن هذا لا يغير من حقيقة كونها الشيء الوحيد الذي يكشف هموم الرجل وأن تعددت هذه الهموم بتعدد أسبابها، وهي أيضا الشيء الوحيد الذي تجتمع فيه جميع معاني السكن، الذي جاء به الوصف القرآني، قال تعالى: «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...»[1].
ولذلك قد نجد أن كثيراً من الرجال ربما يعيشون ويسكنون أرقى الدور، وأجمل القصور لكنهم في سكنهم هذا مضطربون؛ لأنهم فاقدون لسكن الروح والنفس، أنهم فاقدون للزوجة، بينما تجد الكثير لا يستظل إلا بسقف متهاوٍ، وجدران ضعيفة، لكنه مطمئن ساكن النفس لوجود زوجة تشاطره الحياة.
ومن معاني السكن القرآني: أن المرأة هي الحاضنة التي يزرع فيها الحب، فبغيرها لا يمكن أن تجد الدفء، ولا الجو، ولا الظرف الملائم للحب
 (فهو بالنسبة للزوجين غذاء روحي لا يقل أهمية ولا يقل خطورة لنفس كل من الزوجين، وكلما كان الحب الذي يسود الحياة الزوجية هو الواقعي الإنساني المتزن، ارتفع مؤشّر السعادة في الأسرة.
والحب المتزن قوامه قلب متعاطف وعقل متفاهم وجسم متجاذب، وهو أشبه بالمثلث الدائم المتلاقية أضلاعه فتعاطف القلبين بين الزوجين ضرب من ضروب الحب المتبادل بينهما، ومن آيات التعاطف بين الزوجين ذلك الحنين الذي يشعر به كل منهما في غيبة الآخر)[2].
ومن آيات الحب هو كشف هموم الزوج، وتسكين آلامه على الرغم من وجود هموم قد تثقل عاتق المرأة، وأحزان قد تنهك قواها لكنها هي السكن النفسي والنبع العاطفي لكل من يحيط بها، فمنها يتعلم الأبناء معاني المودة والرحمة، ليكونوا كما كانت أمهم لأبيهم.

ونحن عندما نركز الضوء على المرأة دون الرجل، فذلك التركيز أصله القرآن وتطبيقه العترة الطاهرة عليهم السلام.
فنموذج العلاقة الأسرية تجده في بيت علي وفاطمة عليهما السلام، وأسس التوافق والتواصل الزواجي نأخذه من بيت علي وفاطمة عليهما السلام، وتعلم الحب الحقيقي الذي تتجلى فيه معاني المودة والرحمة تجده في هذا البيت، الذي فيه كل مصاديق السكن الروحي والنفسي والإيماني.
ويكفي من الشواهد على كيفية كشفها لهموم وأحزان علي عليهما السلام، هو ما أخرجه السيد ابن طاووس، وأبو عيسى الترمذي، والفقيه الشافعي ابن المغازلي[3] مختصرا، وغيرهم في حديث المؤاخاة: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وعلي واقف يراه ويعرف مكانه، لم يواخ بينه وبين أحد، فانصرف علي عليه السلام باكي العين فافتقده النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «ما فعل أبو الحسن؟».
قالوا: انصرف باكي العين يا رسول الله. قال: «يا بلال اذهب فأتني به».
فمضى بلال إلى علي عليه السلام وقد دخل إلى منزله باكي العين.
فقالت فاطمة: «ما يبكيك لا أبكى الله عينيك؟»
قال: «يا فاطمة آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار وأنا واقف يراني ويعرف مكاني، ولم يواخ بيني وبين أحد».
قالت: «لا يحزنك إنّه لعله ادّخرك لنفسه».
قال بلال: يا علي أجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتى علي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «ما يبكيك يا أبا الحسن؟».
قال: «آخيت بين المهاجرين والأنصار يا رسول الله وأنا واقف تراني وتعرف مكاني ولم تواخ بيني وبين أحد؟».
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إنما ادخرتك لنفسي، ألا يسرك أن تكون أخا نبيك؟».
قال: «بلى يا رسول الله أنّى لي بذلك؟».
فأخذ بيده فأرقاه المنبر وقال: «اللهم هذا مني وأنا منه إلا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه»)[4].
وحديث المؤاخاة من الأحاديث المشهورة وقد تناقلته حفاظ المسلمين بأسانيد صحيحة وطرق عديدة[5].
ومن خلاله يظهر لنا الأسلوب الجمالي الذي اتخذته البضعة النبوية في استدراك الموقف وتهوين الأمر الذي لحق بأمير المؤمنين علي عليه السلام، فكانت كلماتها بلسماً يرطب القلب ويخرج الهم ويزيل الحزن عن علي عليه السلام.
ومن ناحية أخرى يكشف عن دقة تقييمها للأمور، وحسن معرفتها ببواطن الحوادث.
وأخيرا: قد أعطت درسا لكل امرأة تتعلم من خلاله كيفية التعامل مع الزوج عندما يعود إليها مهموما حزينا متكدر الحال، فأي هم يبقى في نفس الرجل وهو يسمع زوجته تستقبله بهذا الحب واللطف والحنان.
وأي جمال حملته تلك الكلمات وهو يسمعها بصوت هادئ: (ما يبكيك لا أبكى الله عينيك).
فهذا الجمال وحدها المرأة التي تقرأ معانيه، ووحده الرجل الذي يرى ملامحه.
 
ـــــــــــــــ
[1] سورة الروم: الآية 21.
[2] الصحة النفسية للحياة الزوجية، لصالح عبد العزيز: ص239 ط الهيئة المصرية العامة لسنة 1972م.
[3] هو الحافظ الفقيه المحدّث: أبو الحسن، أو أبو محمد، علي بن محمد بن محمد بن الطيب الجلابي الواسطي، الشافعي، الشهير بابن المغازلي، مؤرخ واسط وخطيبها، ترجم له ابن حجر في (تبصير المنتبه بتحرير المشتبه)، ترجمة 1/380 بتحقيق علي محمد اليحاوي ط الدار المصرية للتأليف، وسبب تسميته بـ(ابن المغازلي) يعود إلى أن أجداد المصنف كان نزيلا بمحلة المغازليين بواسط فنسب إليها، ذكر ذلك السمعاني في: الأنساب ط مرجليوث ورقة 146، ولد بواسط العراق، وتلقى العلم فيها على أبيه القاضي محمد بن محمد الطيب الذي كان من أفاضل علماء واسط، وكان قاضي المرافعات بها كما أخذ وروى عن كثير من الثقات الأثبات، حملة الحديث، ذكره المرتضى الزبيدي في تاج العروس، وقال إنه توفي سنة 534هـ التاج 1/186 الطبعة المصرية سنة 1306هـ بينما أرجع السمعاني وفاته إلى سنة 480هـ.
[4] بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج37 ص186ـ187.
[5] راجع حديث المؤاخاة بين علي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المصادر التالية: صحيح الترمذي، كتاب المناقب: ج5، ص454، حديث3720؛ تلخيص المستدرك للذهبي مطبوع بذيل المستدرك؛ كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ص194؛ مصابيح السنة للبغوي الشافعي: ج2، ص275؛ الصواعق المحرقة لابن حجر: ص120؛ مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لابن المغازلي: ص37، ح57و59، وفي ط منشورات دار مكتبة الحياة جاءت الأحاديث في الصفحة: 4ـ44؛ تاريخ الخلفاء للسيوطي: ص170؛ أسد الغابة: ج4، ص29؛ تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي الحنفي: ص24؛ ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص56؛ الشافعي: ص140، وبهامشه إسعاف الراغبين: ص140؛ نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ص94؛ ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي: ج1، ص103، ح143و145و246؛ جامع الأصول لابن الأثير: ج9، ص468؛ الرياض النضرة للطبري: ج2، ص242و277؛ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي: ص21؛ مستدرك الحاكم: ج3، ص14؛ مجمع الزوائد للهيثمي: ج9، ص112؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي: ج18، ص24؛ السيرة النبوية لابن هشام: ج2، ص108؛ مقتل الحسين للخطيب الخوارزمي الحنفي: ج1، ص48؛ الطبقات الكبرى لابن سعد: ج3، ص22؛ كنز العمال للهندي: ج15، ص92، ح260 و271 و286 و299 و304 و325 و334 و350 و355 و383.


مصدر: موقع العتبة الحسينية المقدسة- السيد نبيل الحسني

التعليقات (0)

اترك تعليق