السيدة فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب(ع) من شاعرات القرن الأول الهجري(6)
فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب(ع):
قالت تنعي أباها:
نعق الغرابُ فقلت مَن تنعاه ويحك يا غرابْ
قال: الإمام فقلت مَن قال: الموفق للصواب
قلت: الحسين، فقال لي بمقال محزون أجاب
إن الحسيــن بكربلاء بيــن الأسنة والحراب
أبكي الحسيـن بعبرة ترضى الإله مع الثواب
ثم استقلّ به الجناح فلــم يطق ردّ الجواب
فبكيت مما حلّ بـــي بعد الرضى المستجـاب(1)
فاطمة بنت الحسين -أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله وكانت عند الحسن بن علي(ع) وقد كانت قد ولدت من الحسن طلحة وقد درج ولا عقب له. كذا قال أبو الفرج. ثم تزوجها الحسين بوصية من أخيه الحسن فولدت له فاطمة تزوج بها الحسن المثنى بن الحسن بن أمير المؤمنين. روى الصبان في إسعاف الراغبين: إن الحسن المثنى بن الحسن أتى عمه أبا عبد الله الحسين يخطب إحدى ابنتيه: فاطمة وسكينة، فقال له أبو عبد الله(ع) أختار لك فاطمة، فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول الله(ص)، أما في اردين فتقوم الليل كله وتصوم النهار، وأما في الجمال تشبه الحور العين، وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله تعالى فلا تصلح لرجل.
جاء في الدر المنثور: ولما مات الحسن المثنى خرجت زوجته فاطمة بنت الحسين(ع) على قبره فصطاطا، وكانت تقوم الليل وتصوم النهار، فلما كان رأس السنة قالت لمواليها: إذا أظلم الليل فقوَّضوا هذا الفسطاط، فلما أظلم الليل وقوّضوه سمعت قائلا يقول: هل وجدوا ما فقدوا. فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا.
قالت: وكانت فاطمة كريمة الأخلاق حسنة الأعراق، وكانت فاطمة أكبر سناً من أختها سكينة وترى أنها مدفونة في مصر خلف الدرب الأحمر في زقاق يعرف بزقاق فاطمة النبوية في مسجد جليل ومقامها عظيم وعليه المهابة والجلال.
وبأعلى القبر لوح من الرخام منقوش عليه بخط بديع:
أسكنت من كان في الأحشاء مسكنه بالرغم مني بين الترب والحجرٍ
يــا قبر فاطمة بنت ابن فاطمة بنت الأئمة بنت الأنجم الزهــر
يـا قبر مافيك من دين ومن ورع ومن عفـــاف ومن صون ومن خفر
وتقول المؤلفة أنّ وفاتها كانت سنة عشر ومائة للهجرة:
قال الشيخ عباس القمي في كتابه (نفس المهموم): توفيت فاطمة بنت الحسين في السنة التي توفيت بها أختها سكينة بنت الحسين وهي سنة سبع عشرة بعد المأة من الهجرة بالمدينة.
أولادها:
1ـ عبد الله المحض وإنما سُمي بالمحض لأنه اجتمعت عليه ولادة الحسن والحسين وكان يشبه برسول الله(ص) وهو شيخ بني هاشم في عصره وكان يتولى صدقات أمير المؤمنين علي(ع). وقيل له: بم صرتم أفضل الناس؟ فقال: لأنّ النّاس كلهم يتمنون أن يكونوا منا ولا نتمنى أن نكون من أحد.
وكان من شعره:
بيــض حرائر ما هممن بريبة كضبـاء مكة صيدهنّ حرامُ
يحسبن من لين الكلام زوانياً ويصدّهن عن الخنا الإسلام
مات في حبس المنصور الدوانيقي بالهاشمية يوم عيد الأضحى سنة خمس وأربعين ومائة وصلى عليه أخوه الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع)، وله من العمر خمس وسبعون سنة، وله من الأولاد محمد ذو النفس الزكية، وإبراهيم باخمرا من أبطال الهاشميين.
2- إبراهيم الغمر.
3ـ الحسن المثلث.
وكل من هؤلاء له عقب وكلهم ماتوا في حبس المنصور الدوانيقي لما حج المنصور أيام ولايته سنة ٤٥ من الهجرة ودخل المدينة جمع بني الحسن فكانوا أكثر من عشرين رجلا وقيدهم بالحديد وقال لعبد الله المحض أين الفاسقان الكذابان يعني ولديه محمد وإبراهيم قال: لا علم لي بهما، فأسمعه كلاماً بذيئاً ثم أوقفه وأخوته وعامة بني الحسن في الشمس مكشوفة رؤوسهم وركب هو في محمل مغطى فناداه عبد الله المحض: يا أمير أهكذا -فعلنا بكم يوم بدر- يشير إلى صنع النبي(ص) بالعباس حين بات يأنُّ، قيل له: ما لك يا رسول الله لا تنام، قال: كيف أنام وأنا أسمع أنين عمي العباس في الوثاق. قالوا: وكانت طفلة لعبد الله المحض اسمها فاطمة قد وقفت على الطريق لما مرَّ محمل المنصور وقالت يا أمير المؤمنين، فالتفت إليها المنصور فأنشأت تقول:
ارحم كبيـــــراً سِنـّه منهدماً في السجن بين سلاسل وقيود
إن جدت بالرحم القريبة بيننا مــا جدَّنا من جدكم ببيعد
فلم يلتفت إليها، وجاء ببني الحسن إلى الهاشمية وحبسهم في محبس تحت الأرض كانوا لا يعرفون ليلا ولا نهارا، ومن أجل معرفة أوقات الصلاة فإنهم جزؤوا القرآن وعند انتهاء كل جزء يصلون وقتا من الأوقات. قال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ولما حملوا من المدينة نظر اليهم ابن أبي زناد السعدي فقال:
من لنفس كثيـــرة الإشفــــاق ولعينٍ كثيــــرة الإطراق
لفراق الذين راحوا الى الموت عياناً والموت مر المذاق
ثم ظلـــوا يسلّمــــون علينا بأكفٍ مشدودة في الوثـاق
قال: وحتى ماتوا في الحبس ويقال إنّ المنصور ردم عليهم الحبس فماتوا.
لقـــد هدّ ركنــي رزءُ آل محمدِ وتلك الرزايا والخطوب عظـــامُ
وأبكت جفوني بالفرات مصـــارع لآل النبي المصطفى وعظــــــام
عظام باكنـــــاف الفرات زكيّة بهنّ علينـــــا حرمة وذمـــآم
فكم حــرّة مسبية ويتيــــــمة وكم من كريـــم قد علاه حســام
لآل رســـــــول الله صلّــت عليهم ملائكة بيـــض الوجــــوه كرام
افاطم اشجانـي بنوك ذوو العلى فشبتُ وانـــــي صــــادق لغلام
وأضحيتُ لا ألتذّ طيــب معيشتــي كأن عليَّ الطيبــــــــات حرام
ولا البارد العذب الفرات اسيغه ولا ظل يهنيني الغداة طعــــام
يقولون لي صبراً جميـــلاً وسلوةً وما لي الى الصبر الجميل مرام
فكيف اصطباري بعد آل محمــــدِ وفـي القلب منـــي لوعة وضرام
الهوامش:
1- الدر المنثور في طبقات ربات الخدور. قالت: وقيل أن هذه الأبيات لفاطمة الصغرى وأنها تخلفت بالمدينة.
المصدر: كتاب أدب الطف: جواد شبّر. ج1.
اترك تعليق