مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

المرأة في حركة مسلم بن عقيل

المرأة في حركة مسلم بن عقيل

الناس عموماً، في مواجهة الحق والباطل، أصناف: فمنهم الناصر المستميت المضحي. ومنهم المحارب المناهض. وبينهما: الساكت، الخاذل، المخذّل، المتذبذب، ذو الوجهين واللسانين، والمرأة في ساحة حركة مسلم كذلك.
فمن جهة: تأتي النساء إلى ذويهن بعد إعلان مسلم لثورته على ابن زياد فهذه ترغّب زوجها في الرجوع وطلب السلامة، وهذه تستعطف ولدها كي يبقي على نفسه ويقر عينها برجوعه، وتلك مع أبيها هكذا...، والنتيجة أّنه لهذا السبب وذاك انصرف عموم الناس عن مسلم ولم يبق معه أحد.
وفي الجانب الآخر، امرأة أشرق عملها بما صنعت، فهي تستقبل مسلما، وتستضيفه في بيتها، وتُحسن ضيافته، وتستر أمره، فلم تُبال بما قد تتعرض له من السلطة المنحطة التي لا تحترم نفسًا ولا عِرضًا، ولا تأبه لكبيرٍ أو صغير، ولا لرجل أو امرأة.
ثم لما خدعها ولدها، وعلم منها حقيقة ضيفهم العظيم، وسارع هذا الأثيم إلى إخبار السلطة، وأقبلت الجنود بكثرتها وعدتها وحاصرت مسلماً لم ترتعب ولم تضيق عليه حّتى يغادر دارها بل تصبرت، واستسلمت للقضاء.
هذه المرأة ذات الشيم والخصال العربية النبيلة التي حافظ عليها الإسلام وعزّزها تدعى طوعة.
دع عنك اسمها، فإن الأسماء ترتجل غالباً، ولكلّ زمانٍ خصوصيته وأسماؤه، والتف ت معي إلى دخيلتها، فأية امرأة في النساء هذه، إنّها من الصنف النادر في نوع النساء.
إن المرأة غالبًا ما تخضع لمحيطها ولزوجها ولميول معيلها، على طول التأريخ إلاّ أن جمعاً من النساء، ثُّلة من الأولين، وثلّة من الآخرين، أظهرن وعياً، وتعقّلاً، ومبدئيةً.
خُذ إليك مثلاً: امرأة فرعون.
كان الشأن بها أن تطاوع زوجها في مراده، وتؤكّد توجيهاته، فكل ما تبنيه لأجل زوجها يعود نفعه إليها، وهي تعلم جزاء من يخالف فرعون وأي مصير ينتظره.
على أن السير وحيداً عكس التيار مما تستوحشه أكثر النفوس، فكيف خالفت فرعون زوجها الطاغوت وعاكست تيار السياسة والمجتمع إلى أن اكتشف زوجها أمرها، وأوعدها، وعذّبها حّتى ماتت شهيدة وهي لا تُريد من ربها غير مستقرٍّ في رحمته، ودار كرامته.

نوادر، أمثال هذه المرأة. وطوعة من نوادر النساء ضمن محيطها.
تأمل معي:
هل هذا الحال في المرأة، وهذه الانسيابية مع الزوج والوالد والأخ، هو ما يقتضيه طبعها وقد جبلت عليه حتّى لا تتمكّن منه فكاكًا. فكيف أمرها الله ونهاها، ووعدها الجنّة وأوعدها النار. كيف نجحت امرأة فرعون ومثيلاتها في معاكسة التيار، فأعرضن عن زخارف الزوج والوالد ونحوهما، ولَبين نداء العقل والدين في وقت عز المانع والنصير من نخبة الرجال.
إن حال المرأة في العالم وعبر التأريخ، لحال مؤسف غير مرضي وغير مبرر. الحال الذي تجري فيه المرأة لا يعذرها عن دربها، والشرع فصّل ما لها وما عليها وبالوضع الذي هي فيه، لا تخرج عن عهدة التكليف، وكما يتحمل جزءًا من المسؤولية وليها ومن يقسرها على وجهة معينة، ومن يزخرف لها أقوالاً وأفعالاً فيضّللها عن طريق الصواب، فكذلك تتحمل هي جزءاً من المسؤولية لتقاعسها عن السعي بمقدار الممكن للوفاء بالتزاماتها، ولتنفيذ ما عليها من تكاليف إلزامية، فعلٍ أو ترك.
المرأة اليوم في أنحاء العالم تنطلق في مساحة أكبر من الحرية والاستقلالية لكّنها سقطت في الجانب الثاني، فمن التفريط إلى الإفراط، ومن ضلالة إلى ضلالة ومن كبوةٍ إلى أخرى أدهى منها وأمر.
هناك صِراط مستقيم، أدق من الشعرة، وأحد من السيف، مطلوب من المرأة كما هو مطلوب من الرجل، السير فيه، والاستقامة عليه، وإلاّ جرفهما تيار الضلالة على حيث لا قرار وإلى أنواع المخازي والمهالك.
على المرأة أن تستعيد دورها الحقيقي في الحياة، فالجيل الطاهر المشبع بالكرامة والقيم، لا ينشأ إلاّ في أحضان الأمهات الصالحات الواعيات العاقلات المتدينات، المستقيمات في درب العفاف آخذات بما أمر الله، منتهيات عما نهى، ومن هذا الجو تبرز طوعة وأمثالها وإلا فما في الديار غير المخذّلات عن درب الله ورسوله، نعم الثُلّة الإيمانية القليلة بملاحظة نسبة الطرف الآخر موجودة دائماً، إلاّ أّنها تبقى (قليلة) ولذلك فالأثر الإيجابي محدود جدًا.


المصدر: من كتاب مسلم بن عقيل: محمد البغدادي. ط1، العتبة الحسينية المقدسة، كربلاء.

التعليقات (0)

اترك تعليق