مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أم وهب.. زوجة عبد الله بن عمير الكلبي

أم وهب.. زوجة عبد الله بن عمير الكلبي

أم وهب.. زوجة عبد الله بن عمير الكلبي 

إن الكثيرات من النساء الصالحات، هن أفضل من الكثير من الرجال، بعقلهن وإيمانهن وتدينهن وشجاعتهن، وكانت الدنيا في أعينهن لا تعادل شيئاً في سبيل الله سبحانه، والدفاع عن الكرامة والدين.
ذكر السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه (حديث كربلاء)، قال: حينما قتل عبد الله بن عمر الكلبي في واقعة كربلاء الشهيرة وكان من أصحاب الحسين عليه‌السلام، مشت إليه زوجته أم وهب، وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه وتقول:
«هنيئاً لك الجنة، أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك»، فقال الشمر لغلامه رستم: اضرب رأسها بالعمود فشدخه وماتت مكانها، وهي أول امرأة قتلت من أصحاب الحسين(ع).
وقطع رستم رأسه ورمى به إلى جهة أصحاب الحسين(ع)، فأخذته أمه ومسحت الدم عنه، ثم أخذت عمود خيمة وبرزت إلى الأعداء، فردها الحسين وقال: ارجعي رحمك الله فقد وضع عنك الجهاد(١).
فرجعت امتثالاً لأمر الحسين عليه‌السلام.
وهذه هي حال المرأة الصالحة المسلمة، التي لم تتوقف عن خوض المعارك والدفاع عن الدين والعقيدة، ولم تعوزها الشجاعة والأقدام لو سمح لها الإمام الحسين عليه‌السلام بالجهاد.
وفي كتاب إبصار العين في أنصار الحسين(ع) قال: "... كان عبد الله بن عمير بطلا شجاعا شريفا، نزل الكوفة واتخذ عند بئر الجعد من همدان دارا، فنزلها ومعه زوجته أم وهب بنت عبد من بني النمر بن قاسط.
قال أبو مخنف: فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين(ع)، فسأل عنهم، فقيل له: يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله، فقال: والله!! لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصا، وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع، وأعلمها بما يريد، فقالت له: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، افعل وأخرجني معك:
قال: فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا فأقام معه، فلما دنا عمر بن سعد ورمى بسهم فارتمى الناس، خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله، فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم، فوثب حبيب وبرير، فقال لهما الحسين:
اجلسا، فقام عبد الله بن عمير فقال: أبا عبد الله! رحمك الله ائذن لي لأخرج إليهما: فرأى الحسين رجلا آدم طوالا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال <الحسين>: "إني لأحسبه للأقران قتالا" اخرج إن شئت، فخرج إليهما، فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك، ليخرج إلينا زهير أو حبيب أو برير.
ويسار مستنتل أمام سالم، فقال له عبد الله: يا بن الزانية وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس؟! أو يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك؟! ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد، فإنه لمشتغل يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم، فصاح به أصحابه قد رهقك العبد، فلم يأبه له حتى غشيه فبدره بضربة فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى، ثم مال عليه فضربه حتى قتله، وأقبل إلى الحسين(ع) يرتجز أمامه و قد قتلهما جميعا فيقول:
إن تنكروني فأنا ابن كلب * حسبي ببيتي في عليم حسبي
 إني امرؤ ذو مرة وعصب * ولست بالخوار عند النكب
إني زعيم لك أم وهب * بالطعن فيهم مقدما والضرب

قال: فأخذت أم وهب امرأته عمودا، ثم أقبلت نحو زوجها تقول: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد(ص)، فأقبل إليها يردها نحو النساء فأخذت تجاذب ثوبه، وتقول: <إني> لن أدعك دون أن أموت معك، (وإن يمينه سدكت على السيف ويساره مقطوعة أصابعها فلا يستطيع رد امرأته)(2) فجاء إليها الحسين (ع) وقال: "جزيتم من أهل بيت خيرا، ارجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس على النساء قتال" فانصرفت إليهن(3).
وقال أبو جعفر: حمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على الميمنة فثبتوا له وجثوا على الركب، وأشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل، وحمل شمر على الميسرة فثبتوا له وطاعنوه.
وقاتل الكلبي، وكان في المسيرة قتال ذي لبد، وقتل من القوم رجالا فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي و بكير بن حي التيمي من تيم الله بن ثعلبة، فقتلاه(4).
وقال أبو مخنف: ثم عطفت الميمنة والميسرة والخيل والرجال على أصحاب الحسين فاقتتلوا قتالا شديدا وصرع أكثرهم فبانت بهم القلة، وانجلت الغبرة فخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها حتى جلست عند رأسه تمسح التراب عنه وتقول: هنيئا لك الجنة! أسأل الله الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك، فقال شمر لغلامه رستم: إضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه، فماتت مكانه(5).

وفي كتاب أنصار الحسين(ع): سيدة من النمر بن قاسط. زوجة عبد الله بن عمير الكلبي، من بني عليم. أخبر زوجته أم وهب بعزمه على المصير إلى الحسين، فقالت له: (أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، إفعل وأخرجني معك) فخرج بها ليلا حتى أتى حسينا، فأقام معه. ولما شارك زوجها في القتال وقتل رجلين من جند عمرو بن سعد (أخذت أم وهب امرأته عمودا، ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: (فداك أبي وأمي، قاتل دون الطيبين ذرية محمد). فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه، ثم قال: (إني لن أدعك دون أن أموت معك) فناداها حسين، فقال: (جزيتم من أهل بيت خيرا، إرجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس على النساء قتال، فانصرفت إليهن). وخرجت إلى زوجها بعد أن استشهد حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وتقول: (هنيئا لك الجنة). فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم: (أضرب رأسها بالعمود)، فضرب رأسها فشدخه، فماتت مكانها). (الطبري: 5/ 429 - 430 و 436 و 438).


ما هي قصة إسلامها، وما هي المعاجز التي رأتها؟

قصتها هي أنّ زوجها عندما رأى الناس يستعدون وتجهَّزون بالنخيلة للذهاب إلى قتال سبط رسول الله الحسين بن علي(ع) عَزَمَ على الذهاب لنصرته و مقاتلة هؤلاء الناس، قائلاً: واللّه لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً، وإني لأرجو ألاّ يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثواباً عند اللّه من ثوابه إيّاي في جهاد المشركين.
وعندما أخبر زوجته أم وهب وأعلمها بما يريد أن يفعله، قالت هذه المرأة الرشيدة والمؤمنة: أصبت، أصاب اللّه أرشد أمورك، افعل وأخرجني معك.
فخرج بها ليلاً حتى أتى الحسين(ع) بكربلاء(6) فاقام معه، حتى صار يوم عاشوراء (7)، فلما برز يسار وسالم من جيش عمر بن سعد، قام عبد اللّه بن عمير الكلبي، فقال مخاطباً الحسين(ع): أبا عبد اللّه رحمك اللّه ائذن لي في الخروج اليهما.
فقال الحسين: إني لأحسبه للأقران قتّالاً، أخرج إن شئت.
فخرج إليهما مرتجزاً وتقاتل معهما فقتلهما جميعاً بعد تراشق بالألفاظ.
عندها أخذت أم وهب عموداً وأقبلت نحو زوجها وهي تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمد، فأقبل إليها يَرُدَّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه وهي تقول: إني لن أدَعَك دون أن أموت معك.
فناداها الحسين(ع) وقال: جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي رحمك اللّه إلى النساء فاجلسي معهن، فإنه ليس على النساء قتال.
وعندما قتل زوجها خرجت أم وهب تمشي إليه حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب وهي تقول: هنيئاً لك الجنة.
فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم: اضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه فقتلت رحمها اللّه، وهي أول إمرأة استشهدت في كربلاء مع الإمام الحسين(ع).
ورُوِيَ أن أم وهب هذه هي التي أمرت إبنها وهب(8) بنصرة الحسين(ع) حيث قالت لابنها يوم عاشوراء: قم يابني فانصر ابن بنت رسول اللّه(ص).
فقال: أفعل يا أماه ولا أقصّر.
فبرز إلى المعركة مرتجزاً فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة، فرجع إلى أمّه وامرأته، فوقف عليهما فقال: يا أماه أرضيت؟
فقالت أم وهب: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين.
فقالت له امرأته: باللّه، لا تفجعني في نفسك.
فقالت أمّه: يابني لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول اللّه، فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي اللّه.
فرجع ولم يزل يقاتل حتى قَتل تسعة عشر فارساً و اثني عشر راجلاً، ثم قطعت يداه.
فأخذت أمه عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول: فداك أبي وأمي، قاتل دون الطيبين حرم رسول اللّه(ص).
فرجع وهب إلى ساحة القتال فقاتل حتى قتل (رضوان اللّه عليه).



__________________
(١) حديث كربلاء أو مقتل الحسين ذكره السيد عبد الرزاق المقرم وغيره كثير أمثال الطبري ـ وابن شهر آشوب ـ وابن الأثير وغيرهم.
(2) ما بين القوسين ليس في المصدر.
(3) تاريخ الطبري: 3/ 323 بتفاوت ونقص في بعض الكلمات. راجع الإرشاد: 2/ 101.
(4) تاريخ الطبري: 3/ 325.
(5) تاريخ الطبري: 3/ 326 بتفاوت في النقل.
(6)
كربلاء: مدينة إسلامية مشهورة تمتاز بقدسيتها وتأريخها الحافل بالأمور العظام والتضحيات الجسام حيث شهدت تربتها واحدة من أنبل ملامح الشهادة والفداء ألا وهي حادثة الطَّف الخالدة، وهي تقع المدينة على بعد 105 كيلومتراً إلى الجنوب الغربي من العاصمة العراقية بغداد، وتقع على حافة الصحراء في غربي الفرات وعلى الجهة اليسرى لجدول الحسينية.
(7) يُسمَّى اليوم العاشر من شهر محرم الحرام بيوم عاشوراء، وهو اليوم الذي وقعت فيه واقعة الطَّف الأليمة التي قُتل فيها سبط النبي المصطفى(ص) الإمام الحسين بن علي(ع)، خامس أصحاب الكساء وثالث أئمة أهل البيت(ع) مع جمع من خيرة أبنائه وأصحابه في أرض كربلاء.
(8) إختلفت آراء المؤرخين في تحديد هوية وهب فذكر ابن شهر آشوب أنه هو وهب بن عبد الله الكلبي، وذكر الخوارزمي أنه وهب بن عبدالله بن جناب الكلبي، وذكر العلامة المجلسي أن أم وهب وزوجته كانتا معه لدى إلتحاقه بالإمام الحسين(ع)، وفي بعض المصادر أن زوجة وهب قتلت بعد مقتل وهب في كربلاء، وقال الخوارزمي أن التي قتلت هي أمه، وفي بعض المصادر أن اسمه "وهب بن وهب" وأنه كان نصرانيا فأسلم، وفي بعض المصادر الأخرى أنه أسر، كما عن ابن شهر آشوب، وفي بعضها الآخر أنه قتل.
لكن يبدو أن أن وهبا هذا هو ابن لأم وهب زوجة عبد الله بن عمير الكلبي الذي تقدم ذكره فقد قتلت زوجته "أم وهب" عند ذهابها إلى زوجها في ساحة المعركة بعد مقتله، فتكون المقتولة أم وهب كما عند الخوارزمي لا زوجته.


المصادر:
1- المرأة في ظل الإسلام: السيدة مريم نور الدين فضل الله.
2- إبصار العين في أنصار الحسين(ع): الشيخ محمد السماوي.
3- أنصار الحسين(ع): محمد مهدي شمس الدين. ط2، الدار الإسلامية،1401-1981م.
4- مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية.

التعليقات (0)

اترك تعليق