مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

اتخاذ الإمام الحسين عليه السلام قبر جدته خديجة عليها السلام محلا للدعاء والمناجا

اتخاذ الإمام الحسين عليه السلام قبر جدته خديجة عليها السلام محلا للدعاء والمناجاة

إنّ من الخصائص التي حُظي بها قبر مولاتنا السيدة خديجة عليها السلام هو اتخاذ الإمام الحسين عليه السلام منه محلا للمناجاة والتضرع إلى الله تعالى وهذا يدل على أمور:
1. مشروعية زيارة القبور [...] فضلا عن اختصاص هذا الموضع – أي قبرها عليها السلام بالحظوة والمنزلة عند الله تعالى، بل يكشف عن أهمية التوجه إلى هذه الأماكن التي ضمت بين ترابها أرواح من صدقوا الله في إيمانهم وجاهدوا في سبيله ونالوا بذلك رضاه ورضا رسوله المصطفى(ص).
فضلا على ذلك ما لأم المؤمنين خديجة عليها السلام من زلفة عند الله تعالى ورسوله(ص).
فكيف لا يكون الورود إلى محل دفنها وموضع قبرها، وهي التي نالت السلام من الله تعالى وجبرائيل في حياتها، فها هي الآن تحف بها الملائكة من كل جانب، وما ذاك على الله بعزيز، بل هو ما أعده لعباده الصالحين.
{ويَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِى كَانُواْ يَعْمَلُونَ}(سورة الزمر، الآية: 35)
2. إنّ قصد قبرها(ع) وقبور أولادها الأئمة المعصومين(ع) هو مما يدل على تعريف الأجيال
بتلك الشموس الإيمانية والرموز الإسلامية التي تُستلهم منها الدروس والعبر في الثبات والجهاد والتضحية والتقوى وغيرها من الفضائل.
3. إنّ إتيان قبرها(ع) هو أداء لبعض حقوقها على المسلمين جميعًا رجالًا ونساء، فإن لم تكن
تستحق ذلك من كونها المرأة الصابرة والمثابرة والمناصرة لله ورسوله(ص)، فهي أم المؤمنين أفلا يكون لها الحق على أبنائها بزيارة قبرها ومن ثم، ألا يكون التارك لقبرها عاقًا في حق أمه؟!.

إذن:
يعلمنا سيدنا ومولانا أبو عبد الله الإمام الحسين(ع) هذا المنهج التربوي في الإيفاء بحق أم المؤمنين(ع) والسعي في برها، فضلًا عن إرشادنا إلى أن هذا الموضع هو من الاماكن التي يرفع فيها الدعاء وتُقضى عنده الحاجات وإلا لما كان يتضرع إلى ربه ويناجيه فيه والبيت الحرام بجواره، وحجر إسماعيل بقربه، ومقام إبراهيم أمام ناظريه.
ولذلك:
فقد توجه –بأبي وأمي- إلى قبرها حين خرج من المدينة المنورة بأهل بيته وأخوته وأصحابه وقد عزم والي المدينة على الغدر به فكان من شأنه حينما عزم على الخروج من مكة متجهًا إلى العراق أن جاء زائرًا لقبر جدته خديجة(ع) ومودعًا إياها وشاكيًا إلى الله تعالى ما نزل به من الظلم.
قال أنس بن مالك -وكان قد ساير الإمام الحسين(ع)– فأتى قبر خديجة، فبكى عليه السلام ثم قال- لأنس-: "اذهب عني"
قال أنس: فاستخفيت عنه، فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلًا:
يا رب يا رب أنت مولاه            فارحم عبيدًا إليك ملجاه
يا ذا المعالي عليك معتمدي   طوبى لمن كنت أنت مولاه
طوبى لمن كان خادما أرقاً      يـشكو إلى ذي الجلال بلواه
وما به علة ولا سقم              أكثر من حبّه لمولاه 
إذا اشتكى بثه وغصته           أجابه الله ثم لباه


فنودي:
لبيك عبدي وأنت في كنفي   وكلمـا قلت قد علمناه
صوتك تشتاقه ملائكتي         فحسبك الصوت قد سمعناه
لوهبت الريح من جوانبه        خر صريعا لما تغشاه   
سلني بلا رغبة ولا رهب      ولا حساب إني أنا الله(1)


قال العلامة المجلسي (طيّب الله ثراه) في بيان بعض مضامين هذه الأبيات:
(الأرِق، بكسر الراء، من سهر بالليل، قوله: قد سفرناه، أي حسبك إنا كشفنا الستر عنك. قوله لو هبت الريح من جوانبه، الضمير إما راجع إلى الدعاء كناية عن أنه يجول في مقام لو كان في مكانه رجل لغشي عليه مما يغشاه من أنوار الجلالة، ويحتمل إرجاعه إليه(ع) على سبيل الإلتفات لبيان غاية خضوعه وولهه في العبادة بحيث لو تحركت الريح لأسقطته)(2)



_____________________________________________________
(1) مناقب آل أبي طالب لابن شهر: ج 44، ص193، العوالم، الإمام الحسين(ع) للبحراني: ص68.
(2) البحار للمجلسي: ج44، ص193.



المصدر: خديجة بنت خويلد أمة جمعت في امرأة، دراسة، وتحقيق السيد نبيل الحسني، قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، ج4، ط١، ٢٠١١م، كربلاء المقدسة العراق.

التعليقات (0)

اترك تعليق