مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مشاكل الحياة الزوجية وطرق معالجتها..

مشاكل الحياة الزوجية وطرق معالجتها.. وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ

مشاكل الحياة الزوجية وطرق معالجتها:
1- الثقة بالله والدعاء:

إنّ الطريق الوحيد الذي يمكن للإنسان سلوكه في حل المشاكل وتحمل الشدائد والمصائب والابتلاءات هو التوكل على الله والثقة به والتوسل والدعاء إليه، فإنّ بيده كلّ شيء وإن مشاكل الإنسان لا شيء قبال قدرته وعظمته، فإنّه لو اعتمدنا عليه وجعلناه وكيلنا في ذلك سوف نشعر لا إرادياً بزوال تلك المشاكل عن عواتقنا، ذلك أنّ «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ».
إنّ الإنسان لو أعرضت عنه الدنيا بأسرها وكان متوكلاً على الله تعالى لم يضره ذلك شيئاً، فإنّ الذين توكلوا على الله وجعلوه حسبهم ليسوا بالقليلين، وهؤلاء هم الذين صاروا بثقتهم بالله أُسوة البشريّة، فهذا إبراهيم الخليل(ع) الذي صنع له نمرود أكواراً من الحطب وألقى فيه فتيل النار يريد بذلك إحراقه لكنه توكل على الله ولجأ إليه فصارت النار عليه برداً وسلاماً، وبذلك أثبت للجميع بأنّ الله تعالى هو المدافع الوحيد عنه والمنجي له من أعدائه وأنه غير محتاج بتوكله عليه إلى مَن سواه.
وإليك نموذجاً آخر يوسف(ع) الذي ألقاه أخوته في البئر وهو غلام وقد انقطع رجاءه من كلّ شيء سوى الله الذي أنجاه من ظلمة البئر وجعله أميناً على خزائن مصر، وهناك نماذج أخرى كثيرة تعرضت الروايات لذكرها كإسماعيل(ع).
حوار بين إبراهيم وإسماعيل(ع):
روي أنّ إبراهيم(ع) قال لإسماعيل(ع) في حال الذبح: "أُعد أنت بالفرج، لأنك المضطر "أمّن يجيب المضطر إذا دعاه..." فلما رأى الكبش خرج ليأخذه، فلما رجع رأى يدي إسماعيل مطلقتين، قال: ومَن أطلقك؟ قال: رجل من صفته كذا، قال: هو جبرئيل، وهل قال لك؟ قال: نعم، قال لي: أُدع الله فدعوتك الآن مستجابة، قال إبراهيم: وأي شيء دعوت؟ قال: قلت: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، قال: يا بني إنّك لموفق"(1)
إنّ إسماعيل في تسليمه لأبيه ورضاه بحكم الله تعالى كان قد توكل على الله تعالى في ذلك الوقت الحرج الذي يظهر فيه أنّه قد انقطعت السبل به سوى التوكل على الله تعالى، فإنّ الله لا يكل العبد الذي لجأ إليه –خصوصاً في الظروف الحرجة- إلى نفسه أو لا ينصره.
وقد ورد استحباب الإكثار من قول: "يا رؤوف يا رحيم" في الشدائد، فعن الإمام الرضا(ع) أنه قال: "رأيت أبي في المنام، فقال: يا بني إذا كنت في شدة فأكثر من أن تقول: "يا رؤوف يا رحيم"(2).
القنوط من استجابة الدعاء:
قال أمير المؤمنين(ع) في رسالته إلى ولده الحسن(ع): "ثم جعل بيدك مفاتيح خزائنه، فألحح في المسألة يفتح لك باب الرحمة بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه، فألحح عليه، ولا يقنطك أن أبطأت عنك الإجابة فإنّ العطية قدر المسألة، وربما أُخرت عنك الإجابة ليكون أطول للمسألة وأجزل للعطيّة، وربما سألت الشيء فلم تؤته وأوتيت خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صُرف عنك لما هو خير لك، فلربّ أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أُوتيته...".
وعن أبي عبدالله الصادق(ع) قال: قال لقمان: "يا بني ولا تضجرن بطلب حاجة، فإنّ قضاءها بيد الله، ولها أوقات، ولكن ارغب إلى الله وسله وحرّك إليه أصابعك"(3).

2- الصلاة لرفع الفاقة والبلية:
قال أبو حمزة الثمالي كان علي بن الحسين(ع) يقول لأولاده: "يا بني إذا أصابتكم مصيبة من مصائب الدنيا، أو نزل بكم فاقة أو أمر فادح فليتوضأ الرجل منكم وضوءً للصلاة، وليصل أربع ركعات أو ركعتين، فإذا فرغ من صلاته، فليقل: يا موضع كلّ شكوى، يا سامع كلّ نجوى، يا شافي كلّ بلوى، ويا عالم كلّ خفية، ويا كاشف ما يشاء من بلية، ويا منجي موسى، ويا مصطفي محمد(ص)، ويا متخذاً إبراهيم خليلاً، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلّت حيلته، دعاء الغريق الغريب الفقير الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلّا أنت يا أرحم الراحمين، سبحانك إني كنت من الظالمين، قال علي بن الحسين(ع): لا يدعو بهذا رجل أصابه بلاء إلّا فرّج عنه"(4)

3- الصبر عند الشدائد:
ومن السبل الأخرى لمواجهة المشاكل والمحن والصبر وعدم الهروب عن تحمل أعباء المشاكل، فقد ورد عن أمير المؤمنين(ع)، قال: "لا يُعدم الصبور الظفر وإن طال به الزمان"(5)
وقال(ع): "الصبر جنّة من الفاقة"(6)
وعنه أيضاً(ع) لولده الحسن(ع): "اطرح عنك واردات الأمور بعزائم الصبر وحسن اليقين"(7)
وعنه(ع) في وصيته للحسن(ع) أيضاً: "من كنوز الإيمان الصبر على المصائب"(8)
وكان يوصي الإمام زين العابدين(ع) ولده محمد الباقر(ع) فيقول: "يا بني اصبر للنوائب، ولا تتعرض للحتوف، ولا تعطِ نفسك ما ضره عليك أكثر من نفعه عليك"(9)
ولا يخفى أنّ الصبر هنا بمعنى الاستقامة والسعي والجد والوقوف بوجه المشاكل لا بالمعنى الشائع بين الناس من الركود والخضوع ووضع إحدى اليدين على الأخرى وعدم القيام بشيء.
يا بني، صلاح الأمر في ذلك:
يقال أنّ لقمان كان يقول لولده –الذي كثيراً ما كان يشكو مما يصيبه-: بأن صلاح الأمر فيما وقع، وكان لقمان يرجو وقتاً يثبت به مقولته عملياً لولده، وذات يوم سافر لقمان مع ولده إلى إحدى القرى المجاورة فركبا دابتهما، وفي الطريق عطبت الدابة فاضطرا إلى المشي ولكن عثر ولد لقمان وسقط فلم يستطع الحركة، فمكثا مكانهما حتى أصبحا، وصار الولد يشكو من ذلك ووالده يقول له الصلاح فيما وقع، حتى التحقا بركب كان قد مرّ بهما فركبا معهم ولكنهما سرعان ما واجها بوصولهما جثث القتلى على الأرض، فلما تفحصّا عن الخبر، قيل لهما بأن جماعة داهموا القرية ليلة البارحة فقتلوا هذه المقتلة، فقال لقمان لولده: أرأيت إنّ الصلاح فيما وقع، فإنّه إن لم يحدث بنا ما حدث كنا الآن مع هؤلاء القتلى(10).

4- كتمان البلاء والشكوى إلى الله:

قال الإمام محمد الباقر(ع) لولده جعفر بن محمد(ع): "يا بني، من كتم بلاءً ابتلي به وشكا ذلك إلى الله عز وجل كان حقاً على الله أن يعافيه من ذلك البلاء"(11)
أُدع الله وحده:
روى مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله الصادق(ع) أنه قال لبعض ولده –وقد اشتكى مما أصابه-: "قل عشر مرات: يا الله يا الله يا الله... فإنّه لم يقلها أحد من المؤمنين قط إلّا قال له الرب تبارك وتعالى: لبيك عبدي سل حاجتك"(12)
اللهم شافني بشفائك..
قال الحسن بن أبي نعيم اشتكى أحد أولاد أبي عبدالله الصادق(ع) لما نزل به من المرض، فقال له أبو عبدالله(ع): "قل: اللهم اشفني بشفائك، وداوني بدوائك، وعافني من بلائك فإني عبدك وابن عبديك..."(13)
حوار بين زين العابدين(ع) وأبيه(ع):
قال أبو جعفر الباقر(ع) قال أبي علي بن الحسين(ع): "مرضت مرضاً شديداً، فقال لي أبي: ما تشتهي؟ فقلت: أشتهي أن أكون ممن لا أقترح على الله ربي ما يدبره لي، فقال لي: أحسنت، ضاهيت إبراهيم الخليل صلوات الله عليه قال جبرئيل: هل لك من حاجة؟ فقال: لا أقترح على ربي، بل حسبي الله ونعم الوكيل"(14)

5- الرضا بما قسم الله تعالى:
قال أمير المؤمنين(ع) فيما أوصى به ولده الحسين(ع): "... ومَن رضي بما قسم الله لم يحزن على ما فاته"(15)
وروي أيضاً عنه(ع) أنه قال: كان فيما وعظ به لقمان ابنه أن قال له: "يا بني، ليعتبر من قصر يقينه وضعفت نيته في طلب الرزق أنّ الله تبارك وتعالى خلقه في ثلاثة أحوال من أمره، وأتاه رزقه ولم يكن له في واحدة منها كسب ولا حيلة، إنّ الله تبارك وتعالى سيرزقه في الحال الرابعة، أما أول ذلك فإنّه كان في رحم أمه يرزقه هناك في قرار مكين حيث لا يؤذيه حر ولا برد، ثم أخرجه من ذلك وأجرى له رزقاً من لبن أمه يكفيه به ويربيه وينعشه من غير حول به ولا قوة، ثم فطم من ذلك فأجرى له رزقاً من كسب أبويه برأفة ورحمة له من قلوبهما لا يملكان غير ذلك حتى أنّهما يؤثرانه على أنفسهما في أحوال كثيرة، حتى إذا كبر وعقل واكتسب لنفسه ضاق به أمره وظن الظنون بربه وجحد الحقوق في ماله وقتر على نفسه وعياله مخافة إقتار رزق وسوء اليقين بالخلق من الله تبارك وتعالى في العاجل والآجل، فبئس العبد هذا يا بني(16)

6- منهج النبي والأئمة الأطهار(ع) وسيرتهم:
إنّ أفضل الطرق العمليّة في مواجهة المشاكل أخذ الدروس والعبر من سيرة النبي(ص) والأئمة الكرام(ع)، فإنّ سيرتهم هي المظهر الواضح لتجسّم تعاليم السماء وأكثر الطرق اعتماداً ووثوقاً:
أ‌- أمر النبي(ص) أهله بالصلاة:
قال يوسف بن عبدالله بن سلام: إنّ النبي(ص) كان إذا نزل بأهله شدة أمرهم بالصلاة ثم قرأ: «وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا»(17)
وورد في مكارم الأخلاق: كان النبي إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله: "يا أهلاه، صلّوا صلّوا"(18)
ب‌- منهج علي بن أبي طالب(ع):
قال زين العابدين(ع): "ما أصيب أمير المؤمنين بمصيبة إلا صلى في ذلك اليوم ألف ركعة وتصدق على ستين مسكيناً وصام ثلاثة أيام، وقال لأولاده: إذا أُصبتم بمصيبة فافعلوا بمثل ما أفعل، فإني رأيت رسول الله(ص) هكذا يفعل، فاتبعوا إثر نبيكم ولا تخالفوه فيخالف الله بكم، إنّ الله تعالى يقول: «وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ».
ثم قال زين العابدين(ع): فما زلت أعمل بعمل أمير المؤمنين(ع)(19)

7- عدم التعلق بالدنيا:
إنّ ميل الإنسان نحو الحياة ولذائذها أمر فطري، ولا حق لأحد منع الآخرين من هذا الحق المشروع، وقد تعرض القرآن الكريم إلى ذلك، كما وقد واجه الأئمة المعصومين(ع) بشدة من كان يتصور أنّ الزهد لبس الخشن والجشب واعتزال الناس. لكن لا يخفى أنهم وإلى جانب ذلك أشاروا إلى مسألة هامة وهي موضوع بحثنا، ألا وهي أنّ الأئمة المعصومين(ع) وفي الوقت الذي أوصونا وأرشدونا إلى السعة على العيال والتمتع بالحياة والنعم الغلهية كذلك حذرونا من التمسك والتعلق بها؛ لأن ذلك يؤدي بالإنسان إلى المخاطرة بالحياة الطيبة وإلى عمى الأبصار والبصائر والحد من تحصيل المعارف.
إنّ التعلق بالدنيا بمعنى طول الأمل والاتكال على الدنيا والتأخر عن قافلة السعداء، وواضح أنّ هذا التعلق غير قابل للسيطرة وأنه إلى أي حد يكون منشأ في سد باب الخير ومانعاً من الحركة التكامليّة والعمل بالتكاليف الشرعية.
ومن هنا فقد ورد التأكيد الكثير من النبي(ص) والأئمة المعصومين(ع) على النهي عن التعلق بالدنيا وقد كانت سيرتهم على ذلك حيث لم تتعلق قلوبهم لحظة واحدة بالدنيا، بحيث لو جعل بأيديهم جميع ما في الدنيا لم يفرحوا به، ولو أعرض الناس جميعاً عنهم وأُخذ ما في أيديهم لم يأسفوا عليه، وهذا هو معنى الزهد في الدنيا وإلى ذلك أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: «لِكَيْ لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ»(20)



الهوامش:
1- مستدرك الوسائل 5: 247.
2- بحار الأنوار 93: 272.
3- بحار الأنوار 13: 420.
4- الفصول المهمة: 188، مستدرك الوسائل 6: 392.
5- نهج البلاغة، الكلمات القصار (رقم: 145).
6- تحف العقول: 86.
7- بحار الأنوار 70: 181.
8- تحف العقول: 85.
9- الفصول المهمة: 188.
10- أربعين حديث (بالفارسية): 11.
11- مكارم الأخلاق: 289.
12- وسائل الشيعة 4: 1132.
13- مكارم الأخلاق: 392.
14- بحار الأنوار: 46: 67.
15- تحف العقول: 84.
16- بحار الأنوار 13: 414.
17- مستدرك الوسائل 6: 395.
18- مكارم الأخلاق: 334.
19- مستدرك الوسائل 2: 481.
20- سورة الحديد: 23.



المصدر: حقوق الأولاد في مدرسة أهل البيت(ع): محمد جواد الطبسي، ط1، دار الرسول الأكرم(ص)، بيروت، لبنان، 1421هـ - 2000م.

التعليقات (0)

اترك تعليق