مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

والدة  الشهيد علي مصطفى سلمان

والدة الشهيد علي مصطفى سلمان

هادئ الطبع، لين الخاطر، أحبَّ والدته كثيراً، وذكرت في مقابلة أجريناها معها: "لم يزعجني يوماً، فكان يقوم بغسل وكي ثيابه بنفسه، ويرتب خزانته ولا يترك خلفه آثاراً، حتى لا يحملني أعباءاً إضافية".
وتضيف الوالدة: "كان يسعى لإيجاد حالات المرح والبهجة في البيت، ليرى البسمة على وجوهنا جميعاً. وكان إذا علم بأن أحدنا يحب أكلة معينة، يهبّ لإحضارها، فوالده كان يحب نوعاً معيناً من الطعام، يأتي علي ويفتح "البراد"، فإن وجده كان به، وإلا ذهب السوق واشتراه. وغالباً ما كان يتفقد مؤونة البيت، وما نقص منها يؤمنّه لنا، وكما يبتاع لمنزله يبتاع لنا، حتى لو ابتاع قطعة "شوكولا" يأتي إلينا بجزء منها أو بمثلها".
علي الشاب الهادئ، الحنون، المحب، الذي زرع في قلوب الناس محبة كبيرة له، لم يترك باباً من أبواب الخير والإحسان إلا وكان أول من طرقه.. وتقول الوالدة: "صنع ولدي علي صندوقاً من الكرتون مستعملاً الخيطان لإحكامه، وجعله لصدقات الصباح للإخوة المجاهدين في العمل، وفي آخر كل شهر يجمع هذه الأموال ويضيف إليها بعضاً من ماله الخاص، ويسلمها لي كي أوزعها على الأسر المستضعفة في القرية بشكل سري حفاظاً على مشاعر هؤلاء الناس. فلم يرد علي سائلاً ولا أوصد باباً بوجه محتاج، فكان يبذل كل ما لديه في تلبية حاجات الناس، ويؤثرهم على نفسه، إذ كان لا يتبقى في جيبه فلساً واحداً، وهو دائماً مسرور بهذا العمل".
تزوج علي ورزق بابنة اسماها فاطمة، وكان يحبها كثيراً، وعرف عنه عاطفته الكبيرة تجاه أهله وإخوته.. وكان لعلي شقيق اسمه حسن يكبره بسنتين، كانا كالتوأم لا ينفصلان عن بعضهما البعض.. يأكلان معاً.. يخرجان معاً.. ينامان سوياً، وتذكر الوالدة أنها ذات مرة اشترت لكل واحد منهما سريراً، لكنهما أصرا على النوم جنباً إلى جنب.. وكانا إذا ابتاع أحدهما شيئاً لا بد وأن يذكر أخاه بالقليل منه، لشدة تعلقهما ببعضهما البعض، إلا أن شاء الله وافترقا إثر استشهاد حسن في حرب عناقيد الغضب 96..
بدأ علي عمله الجهادي عندما كان في الرابعة عشرة من العمر، وقتها كان الشهيد حسن لا يزال على قيد الحياة، وكما كانا رفيقي طفولة كانا أيضا رفيقي جهاد، وحسن موضع سر علي ويعرف عنه كل تفاصيل عمله، وحين تسأل الأم عن علي تجد الجواب لدى حسن، فهو إما عند بيت جده، أو في بيت عمه، أو خرج إلى المكان الفلاني، وهكذا... حفاظاً منهما على سرية عملهما، وخاصة أن الأوضاع السائدة وقتذاك لم تكن مساعدة، لوجود جيش الاحتلال الإسرائيلي وتعامل البعض معهم في ميلشيا لحد..
وتضيف الوالدة: "لدينا منزل في الضيعة، كان من ثغور المقاومة، يتسع لكثر من عشرين مجاهد، وكنت أثناء تواجدي معهم أعد لهم الطعام ولا أتأخر عن مساعدتهم بالقدر المستطاع، وفي مرة قمت بمداواة أحد المجاهدين الذي أصيب بحمى شديدة، فأخذت أبرد حرارته بقطع من الثلج أضعها على رأسه، وقال لي حينها أحد الإخوة أنه سيقوم بذكري في وصيته، لشدة اهتمامي بالمجاهدين ومساعدتي لهم، وكنت أجيبه بأنها خدمة أتشرف بها فأنتم أولادي."



المصدر: إرث الشهادة.
بتصرف
                                                                                 
                                                                               
 
 


 

التعليقات (0)

اترك تعليق