مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نحو تطوير منظور حضاري معرفي لدراسات المرأة

محاولة جادة في ملامسة الرؤية الحضارية المعرفية للإسلام في دراسات المرأة


أ.د. منى أبو الفضل 
 لم تكن مسألة إبراز منظور معرفي "حضاري" في دراسات وقضايا المرأة أول الغيث، ولا آخره، فالوعي بالمسألة الحضارية وبإمكاناتها المعرفية والمنهجية لا سيما في حقول الاجتماع السياسي، جاء مبكرًا عن هذا التخصيص في دراسات المرأة، بيد أنه على الرغم من مرور أكثر من ربع القرن على المسألة والوعي بها والممارسة المعرفية والعلمية على هدًى منها، إلا أن المفاهيم لا تزال مشوّشة لدى البعض، ومحرّفة لدى بعضٍ آخر، وبالأخص مفهوما "الحضارة" والحضاريّ" ونظائرهما.
ولعل إعمال ذلك المنظور في قضية المرأة ودراساتها يكون مناسبًا للكشف عن حقائق المسألة والإبانة عن فكرتها وخبرتها والرسالة التي تكتنفها، وذلك ما تسعى هذه الورقة لعرضه بإيجاز شديد، بالإضافة إلى ما يلحق بها من نماذج تأصيل تنظيرية، ونماذج تطبيق على مسائل معينة في قضية المرأة.


*  الفكرة: سيرة ومسيرة
من أين نبعت فكرة تطوير منظور حضاري "معرفي" في دراسات المرأة؟ إن الجذر الأكبر للمسألة بدأ مع إشراقة ما يمكن تسميته بـ"الوعي الحضاري".
لقد استقى هذا الجذر من روافد عدة: من واقع المراجعة العالمية لحالة العلم سيما حزمة علوم الاجتماع السياسي، وما بدأ يبرز منها –حتى في مسار تدريس النظم السياسية الغربية في السبعينيات- من أهمية عنصر "الخصوصية الحضارية" في دراسة المجتمعات والدول والتواريخ المختلفة. رافق ذلك انتباه العقل والوعي للإمكانات المعرفية والمنهجية التي يمكن أن يحصلها الإنسان من التعامل مع "القرآن"، فبدأت الرؤية تتسع عن إطار مجرد الخلاصات الخُلقية والنفسية والفردية البحتة، ليتسلط ضوء أكثر كثافةً على أبعاد جماعية، وأبعاد ابستيمية (معرفية تتعلق بمصادر وكيفيات وآليات المعرفة والإدراك والوعي...) وأبعاد منهجية تخدم الاجتماع العام علمًا وعملاً.
كان للجهود المبكرة للدكتور حامد ربيع –رحمة الله عليه- وتجربته الخاصة من روما إلى القاهرة، ومن الحضارة الرومانية إلى الحضارة الإسلامية، فالتفاته إلى الخصائص الحضارية وأثرها على الرؤى المعرفية وعلى طبيعة "العلم السائد"، كان لذلك وقع وأثر، تلازَمَ مع ما شهدته أواخر السبعينيات من انبعاث ثم اتساع الظاهرة الإسلامية، وما أحدثته ثورة إيران 1979 من أثر.
شهدت هذه الفترة وعيًا متزايدًا بالبعد الحضاري، كما تجلى في أدبيات عدة، ككتابات مالك بن نبي، وبأبعاد مختلفة لعالم اللغة ومنطقها وتاريخها؛ من أمثال ما كتبه د.عثمان أمين وشاكر وغيرهما.
من ناحية أخرى لا ترتبط بعالم الأدبيات والقراءات، كان لشخصية الأم الدكتورة زهيرة عابدين كنموذج واقعي معيش، دور في دفع الفكرة إلى محيطها المشهود. لقد كشفَ هذا النموذج عن آثار التكوين العقيدي (الإيماني) المتضافر مع تكوين تعليمي حديث على إبراز نوع من المصداقية الواقعية. والقابلية الأساسية بالنسبة للمرأة المسلمة أن تتعاطى مع العصر وإشكالياته المحلية والعالمية من منطلق حضاري متميز.
مثَّلت الدكتورة زهيرة التي خرجت للحياة العامة من أوسع أبوابها مع حرصها على أولوياتها الأسرية، نموذجًا متوازنًا نادر المثال نتمنى أن يتحول ظاهرة مشعة بين نساء الأمة.
كانت فترة بروز الفكرة ومخاضها دقيقة مكثَّفة، لكنها كانت أيضًا شديدة الأثر. فها هي الوقائع، وها هي التطورات المعرفية تدفع نحو مستوى رؤية جديد يصب تلقاءً في مجال التخصص، فيتحول الوعي الذي تكرّس –لزمنٍ- في الدولة الوطنية، أو القومية، إلى كيان نوعيٍّ مختلف، كيان يجتذب عناصر الهوية والمرجعية والوعي والحركة.. ألا وهو الأمة: "الأمة القطب"، الأمة الفكرة، والأمة الملة، والأمة الجماعة والأمة الجامعة، والأمة الحضارة.
كل ذلك كان يغذّي وينمِّي ويرسِّخ مفهومًا أوسع لـ"الحضارة"، ولـ"الحضاريّ" ليس داخل الدائرة الإسلامية وحسب، إنما من منطلق مقارنات معرفية ومنهجية. كان الأمر منضبطًا أو شبه منضبط في مطلعه، وكانت فكرة "المنظور الجديد" لا تزال عالمية، وفي هذه الفترة المبكرة بدأت عمليات تفعيل إرهارصات المنظور وما تبلور منه، وخاصة في تدريس النظم السياسية العربية منذ عام 1980.


** ومن هذه البداية تخلق في تطور الفكرة مجريان:

الأول- مجرى تأصيل "المنظور الحضاري" في علوم الاجتماع بعامة، التي أضحت بتأثير هذا المنظور تُصوَّر كعلوم عمران بشري، وعلوم اجتماع عمراني، لتظهر عناصر أخرى مؤسِّسة على رأسها "توحيدي ابستيم Tawhidi Episteme" أو الرؤية الكلية التي يؤطرها التوحيد، وتتحدد فيها العلاقات بين الإله الخالق والكون والإنسان، وتتحدد فيها طبيعة الإنسان من هذه الرؤية التوحيدية، وطبيعة الحياة ومكوناتها من العلوم والأنشطة الكبرى ذات الروح الحضارية. هذه الرؤية الكلية والوصول إلى صياغتها وبلورتها في "الرؤية التوحيدية" مثلت الأرضية الخصبة التي تم غرس المنظور الحضاري المعرفي فيها، لتغذيته وتنميته على النحو الذي سيبدو في المجرى الثاني.

-الثاني (أي المجرى الثاني الذي تطورت فيه فكرة تطوير منظور معرفي حضاري) كان مجرى تفعيل المنظور في حقول علمية معينة (استكمالاً على ما بدأ بتدريس النظم السياسية العربية من منظور حضاري)، وفي مجالات حياتية ومعرفية أخرى، وكان منها "دراسات المرأة".
في مرحلة تالية، يتكشف المنظور الحضاري للمرأة ولدراساتها ويتجلى واقعًا مؤسسيًا –من خلال جمعية المرأة والحضارة- منذ العام 1998.
فالعام 1998 شهد مرحلة التنفيذ للفكرة، وإن كان هذا التنفيذ استند إلى جهد سابق منذ مطلع التسعينيات، من قبيل دورتي تدريس في تطوير منظور حضاري لدراسات المرأة، وعمل ملفات خاصة بمراجعات في الفكر السياسي والاجتماعي بصفة عامة من زاوية الرؤية المعرفية والمنهجية، مع التركيز على باب دراسات المرأة في هذه المراجعات.
وهنا يشار إلى أن الفكرة بدأت عالمية في مبررات الاهتمام بها، ثم في غاياتها التي دفع إليها طبيعة المنظور الحضاري كمنظور عالمي (لا عولمي)، حيث إن انطلاقه من قيم ومبادئ الرسالة الإسلامية حال بينه وبين آفات الانغلاق والانعزال دون الآخر، أو التقوقع على الذات، أو انتهاج سبيل التنافس الشرس أو الصراع المحتم. إن معايشة القضية في الغرب، ومن خلال التعرض لمصادر مختلفة في منطلقاتها المعرفية تتعرض لتجديد النظر وتثويره فيما يتعلق بالمرأة، كان لابد أن يجعل البعد العالمي والوعي بالمسألة في إطارها الأوسع، وفي تبايناتها الثقافية والحضارية، أن يجعل ذلك أساسيًا في تطوير منظور حضاري لدراسات المرأة، دون أن يعني ذلك وقوعًا تحت وطأة الزخم الغربي الفكري أو الواقعي، ودون أن يعني أيضًا أخذ موقف الرفض أو الصدِّ التامِّ دون رويّة.
في هذا الزخم العالمي كان ثم تيار مفتقد، لا يقف عند العرض التقليدي لقضايا المرأة في الشريعة الإسلامية (على أهمية ذلك بالطبع)، ولكن أيضًا يمنح اهتمامًا للأبعاد الوجودية والمعرفية والمنهجية للمسألة، في الوقت الذي تكالبت كل فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية في الغرب على ضخ رؤاها المعرفية واستعمال نظرياتها وأدواتها المنهجية في دفع الفكر النسوي والحركة النسوية إلى مزيد ومزيد من الاهتمام والترسيخ، والقولبة على شاكلة الثقافة الغربية.
كان لابد من منظور حضاري غير منغلق وغير تابع، نابع من رسالة إنسانية عالمية، كان تطوير هذا المنظور يمثل ضرورة للإسهام في ترشيد الفكر الإنساني، ومواجهة نزعات التطرف الفكري والحركي في قضية المرأة، سواء في الشرق أو في الغرب.

يجسد المنظور الحضاري لدراسات المرأة أبعادًا معرفية وفكرية ومنهاجية ونظرية فضلاً عن التطبيق، يمكن تلخيصها على النحو التالي:
- ترتكز الفلسفة العامة معرفيًا على "المنظور الحضاري" في معالجة مشكلات المجتمع والمرأة على حد سواء. وهو منظور ينفتح على التراث والوعي التاريخي الذي يلعب دورًا هامًا في تشكيل الأفكار المعاصرة حول المرأة، كما يؤكد الرابطة العضوية بين الماضي والحاضر، وبين القيم والماديات، والوحي والعلم، كما أنه لا يغفل التراث الإنساني وعمليات تقويمه. في هذا الإطار تمثل الرؤية الحضارية أهمية خاصة في تحليل وتفسير المشكلات المعاصرة من جانب، وفي تحديد الهوية والمسار المستقبلي من جانب آخر.
- وعلى صعيد التوجه الاجتماعي الذي يتعلق بالتطبيق على أرض الواقع، فإن هذا المدخل يهدف لتبني وجهة "إصلاحية" تهدف إلى المشاركة الحية والمتواصلة في المجتمع المصري والعربي لإصلاح واقع المرأة والأفكار المرتبطة بها. ويرنو هذا الاتجاه إلى تحقيق هدفين متلازمين هما: إنصاف المرأة من جانب، وحماية الأسرة والبناء الاجتماعي من جانب آخر. ذلك أن إصلاح واقع المرأة هو أحد الشروط الأساسية لإصلاح واقع الأمة، وأن المرأة مدخل أساسي من مداخل التغيير والإصلاح الاجتماعي والتنمية".
إن منظورًا حضاريًا لدراسات المرأة لابد أن يستثير جدلاً مع عولمة المفاهيم الخاصة بقضايا المرأة والأسرة من خلال ما تحمله تلك المفاهيم من تجاوز الخصوصيات الثقافية والحضارية, كما يستثير جدالات أخرى مع الأطر المرجعية التي ستستند إليها برامج وسياسات العمل المدني والرسمي في مجال تطوير وتحديث وضع المرأة. ومما لاشك فيه أن أبعاد هذه النقاشات تلقي ضوءاً أكبر على خصائص وأبعاد منظور حضاري لدراسة المرأة: فمن ناحية، يعي هذا المنظور أن المرجعية والأجندة الغربية تربط التنمية والتحديث بالاقتراب من الثقافة والنموذج المادي العلماني الحداثي الغربي والمنظومة المعرفية السائلة للنظام العولمي.


وهذا ما يحيلنا ببساطة إلى أهم خصائص النموذج الغربي الخاص بالمرأة خاصة في الخطاب النسوي الصاعد:
- الوضعية الفلسفية (فصل الدين عن المجال العام برمته)، تقديم المادي والاقتصادي والفرداني (ونقض المعنوي والقيمي والجمعي).
- الاختزالية الجزئية (الاقتطاع من السياق العمراني الحضاري وعدم اعتبار المرأة ظاهرة اجتماعية إنسانية مركبة).
- العولمة على المثال الغربي (بعيدًا عن خصائص البيئة والتقاليد الثقافية والاجتماعية)... وهذه الخصائص يعبر عنها مضمون مفهومي الحرية والمساواة في تعريف التجربة الغربية.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر يمكن معاينة الخصائص السابقة في التعبيرات التالية التي يعرفها الخطاب العولمي عن المرأة:
- النظر إلى الدين كمعوق لنمو المرأة، فالحجاب بالضرورة تهميش وعزل.
- الفردية المطلقة والحرية الكاملة ورفض توصيف المرأة بنسبةً كونها أمًّا أو زوجةً أو أختًا أو ابنة.
- الحط من دور المرأة في الأسرة أو في "النشاط بدون مقابل مادي نقدي"؛ حيث أضحى العمل خارج المنزل وبأجر هو أساس تأكيد الاستقلالية وأساس المكانة؛ لأن الأبعاد المادية الاستهلاكية هي معيار الفاعلية والإنجاز، ذلك في ظل النسبية المفرطة تجاه القيم الأخلاقية والمعنوية، والوفاء بمسئولياتها عنف وانتهاك ومصادرة لـ"إنسانيتها" التي صارت أسطورة فردانية من غير المقبول مراجعتها.
- ومن ثم أيضًا وفي مقابل الاهتمام بالحلول القانونية لمشاكل المرأة، مثل منحها حق الطلاق وحق الخُلع (مع اجتزائهما من الشريعة دون تطبيق أو تفعيل باقي النسق القيمي التي تنبني عليه)، فلم تؤخذ في الاعتبار عواقب الأزمات العائلية التي تتنامى في ظل عمليات التحديث المتسارعة على تماسك المجتمع، بل وتنامي معدلات الانحراف والعنف المجتمعي، كما لا تؤخذ في الاعتبار المسئولية المجتمعية والأسرية المحيطة بعقود الزواج؛ حيث تزايدت الاتجاهات نحو العقود المدنية التي تعكس فقدان الثقة وتراجع الجانب العاطفي المعنوي والأسري أمام الجوانب المادية والطابع الثنائي الضيق.
- المعنى الشكلي لشعار المساواة في المجتمعات الفقيرة، فكيف يمكن أن تتحقق المساواة ومع مَنْ في ظل التخلف وتدهور مستوى الحياة الذي يعم كافة مناحي وأطراف المجتمع.
- وبالمثل فإن المشاركة السياسية محل الاهتمام ليست إلا مفهومًا ضيقًا محدودًا، يقصُر المشاركة المطلوبة للمرأة على حق الترشيح والانتحاب وتولي المناصب العليا، في حين أن مجتمعاتنا تعاني من أزمة مشاركة سياسية بنيوية عامة ليست قاصرة على المرأة، ولكن يعاني منها كل أطراف المجتمع وقواه الأساسية أيضًا وبالأساس. هذا فضلا عن أن المشاركة يمكن أن تتخذ معنى أكثر اتساعًا يمتد للمشاركة في فاعليات المجتمع المدني والأهلي، وفي المجال العام بكل مساحاته، وليس فقط في النظام الرسمي.
- ظهور مفاهيم وخطابات جديدة ومراوغة ولزجة لم يكن يعرفها الخطاب العربي والإسلامي، مثل الحقوق الإنجابية، الثقافة الجنسية، يتم كشف مغزاها رويدًا رويدًا لتعني حرية الجنس والجسد، بما يفكك عرى الأسرة كوحدة تأسيسية في الكيان الاجتماعي الحضاري.


وفي المقابل فإن رؤية قضايا المرأة والعمل من أجلها وفقاً لمنظور حضاري إسلامي يجب أن ينطلق من أن الإسلام بأحكامه وقيمه وسننه وخبرات تاريخه إنما يقدم نموذجاً معرفياً مهمًا وإطارًا مرجعيًا واضحًا.
 وتتلخص أسس هذا المنظور فيما يلي:
-الوعي بالمرجعية الإسلامية وخصوصيتها من حيث الثابت ومن حيث المتغير.
-الهوية، والوعي بالذات المرتبط بالأمة دون انفصال عنها.
-الانفتاح على التفاعل مع الخصوصيات الأخرى دون الاستلاب أو التبعية من ناحية وفي ظل استمرار التواصل مع التراث دون تقليد أعمى أو جمود أو ضغوط.
-الجماعية كإطار لتوظيف الإبداعات الفردية والذاتية والـنَّظْم فيما بين فاعلياتها دون إفراط في الحرية الفردية ودون انسحاق في الجماعة.
-الوسطية بين الرؤية المادية البحتة وبين القيمة المعنوية الأخلاقية.
وعلى ضوء هذه الخصائص يمكننا أن نشير إلى:
أولا- ترابط المستويات الأربع وفق منظومة من القيم تعرِّف وتحدد وضع المرأة ككيان إنساني واجتماعي في علاقة حميمة مع: الأمة، والمجتمع، والأسرة، ومع الآخر، تنفي هذه العلاقة المفهومَ التجزيئي الانسلاخي عند تشخيص مشاكل المرأة وتحديد سبل العلاج.
ثانيًا- تعكس هذه الخصائص وتستبطن قيم العدل، والحق المقترن بالواجب، أكثر مما تستبطن مفهومي الحرية والمساواة بمعانيهما المباشرة؛ ذلك أنها ضمن منظومة القيم لا يمكنها أن ترى قيمتي الحرية والمساواة إلا في سياق قيمة العدل التي تشكل القيمة العليا ضمن هذه المنظومة الكلية العامة والتي تجد مرجعيتها في أصول الشرعة.
ثالثًا- تقود هذه الخصائص إلى مقاصد الكلية العامة والتي تجد مرجعيتها في أصول الشرعة، النابعة من الإطار المرجعي التوحيدي.
رابعًا- تبلور كل ما سبق في الرؤية الإسلامية الواعية عن الحجاب، التعليم، المشاركة السياسية، العمل المهني، الأحوال الشخصية، الحرية الشخصية. ففضلا عن الجدال بين المنظور النسوي العلماني والمنظور الإسلامي حول هذه القضايا، وهو الجدال الذي يعكس اختلاف الأطر المرجعية ومنظومة القيم، فإن روافد التيار الإسلامي لا تتطابق في اجتهاداتها حول وضع المرأة. وهو الأمر الذي يستغله التيار العلماني ليضيفه إلى مداخل هجومه على مواقف بعض الرؤى الإسلامية من المرأة رغم انقسام هذا التيار العلماني ذاته بين مدارس أيدلوجية وأجنحة مذهبية شتى متنازعة ومتنافسة.
وأخيراً، إن الحديث من منظور حضاري لدراسات المرأة إنما يعبر عن الوعي بحقيقة الذات الحضارية وقدر التحديات التي يجب عليها أن تواجهها وأن تضطلع بالجهود اللازم استنفاذها, من أجل الربط بين القيم المعنوية والماديات, وبين الوحي والعلم والوجود, وبين الذاكرة التاريخية والواقع, وإنصافاً للمرأة من ناحية، وحمايةً للأسرة والمجتمع من ناحية أخرى، كوحدات فاعلة وأساسية في نهضة الأمة.
من ذلك كله، خلص المنظور الحضاري إلى عبارته المفتاحية: "الأم والأمة صنوان, بينهما وثاق يشد الأصل إلى الفرع, وعلى منواله تنسج العمارة, التي هي روح الحضارة".


مأخذ: مركز الدراسات- أمان
هذا المقال عبارة عن مقدمة كتبتها الدكتورة منى أبو الفضل؛ تشرح فيها المرتكزات التي انطلقت منها لتأسيس منظور حضاري معرفي لدراسات المرأة، وللتأسيس للممارسة العملية والآليات التي عمل بها فريق العمل من الباحثات في جمعية دراسات المرأة والحضارة بالقاهرة.

التعليقات (0)

اترك تعليق