كتب ابراهيم عوض
معلم في الديبلوماسية هو نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية السوري وليد المعلم، الذي وافته المنية فجر اليوم عن عمر يناهز 79 عاما امضى منها 65 سنة في العمل الدبلوماسي. لذلك لا غرابة ان تكو ن جعبته ذاخرة بالوقائع والاحداث والشهادات التي لا نبالغ اذا قلنا بأنها تصنع تاريخا يحاكي واقعنا العربي والدولي بشكل عام ،ويسرد قصة الصمود السوري على مدى عهود، لم تتزحزح فيها ثوابته لحظة رغم المغريات التي انهالت عليه من كل حدب وصوب، والتي رمى بها في وجه الساعين اليه من منطلق ان ذرة تراب في وطنه تضاهي مال وجاه الدنيا.
كثيرا ما قرأنا وسمعنا، مع بدء الأحداث في سوريا، عن “انقلاب” المعلم على النظام، الى غير ذلك من التلفيقات والفبركات التي ما زادته الا صلابة وعزيمة على مواجهة كل المؤامرات التي حيكت وتحاك ضد بلاده. وها هو ينام قرير العين مطمئنا على ان الهزائم لحقت بمن تربص شرا بها حتى قيل ان حربا كونية شُنت عليها في السنوات الماضية.
رؤساء دول ووزراء خارجية ومسؤولون كبار، عرب وأجانب، له صولات وجولات معهم لا تعد ولا تحصى. واذا ما ارادنا توثيقها لاحتجنا الى مجلدات. وهنا ليتنا نسمع بالخبر المفرح الذي يتحدث عن أن وليد المعلم دوّن مذكراته او بعضا منها لا ندري حتى الساعة اذا كان فعل ذلك.
لدى اللبنانيين، رؤساء وقيادات وزعماء، الكثير ليروونه عن التعاطي الديبلوماسي الراقي والمتقن معه، وان في أحلك الظروف والمواقف. لكن ما يعنيني هنا، وانا الذي سُعدت بالتعرف اليه قبل سنوات، وكنت اترقب اللحظة التي التقيه فيها وسماع كلامه السلس الممتع، الجانب اللبناني والذي كنت شاهدا على واقعتين لهما دلالاتهما الواضحة والمؤثرة.
الواقعة الأولى اسردها كاملة، حيث أذكر انه حين علت اصوات فريق الرابع عشر من آذار ,بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري العام2005، مطالبة باقامة علاقات ديبلوماسية بين لبنان وسوريا وفتح سفارة لكل منهما في بيروت ودمشق، امسك بيدي وقال لي “تذكر جيدا يا اخ إبراهيم ..نحن سنقوم بفتح سفارة عندكم ولكن سيأتي يوم يندم فيه المطالبون على ذلك ويعاودون الصراخ مطالبين هذه المرة بقطع العلاقات”. وهذا ما حصل بالفعل بعد ذلك في أكثر من محطة وصدق المعلم.
الواقعة الثانية اعرض لعناوينها دون الدخول في التفاصيل التي ادعها لوقتها، حفاظا على الامانة التي حملتها يومها والسرية التي التزمت بها.
في العام 2007 طلبت مني شخصية سعودية رفيعة المستوى زيارة الوزير المعلم في دمشق لابلاغه بأن الرياض تريد العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية وسعد الحريري رئيسا للحكومة ،علما ان الأخبر كان على عداوة مع النظام السوري.
كما ذكرت، سأكتفي بما افصحت عنه، ولدي الكثير الكثير لأقوله، عل الظروف تتيح لي ذلك ذات يوم. لكن تلك السرية التي اعتمدتها في الزيارة اياها عمل بها المعلم ايضا من دون طلب او تمنٍ لادراكه أيضا بأن المجالس بالأمانات.
مهما كتُب عن وليد المعلم لن تفلح كل الكتابات ان تكون نقطة في بحر مهارته وحنكته وتضحياته وإنجازاته الوطنية ..وهو ،بعد ضعف قلبه ،لم يتوان لحظة عن خدمة وطنه والقيام بواجبه كي يبقى حرا أبياً قاهرا لأعدائه.
نسخ الرابط :