مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الحب والمشاعر في الحياة الزوجيَة

الحب والمشاعر في الحياة الزوجيَة

اهتمَ الإسلام بالأسرة اهتماماً بالغاً ووضع لها المبادىء والأحكام التي تضمن لها سعادتها واستقرارها في ظل حياة ملئها طمأنينة وراحة وسكينة وتأتي تعاليم السماء هذه لتلبي حاجة الإنسان في فكره وروحه ووجدانه ومشاعره وعواطفه وأحاسيسه بشكل متَزن ومتوازن بعيداً عن الكبت والحرمان أو الإشباع المفرط.
وحتى أن تحقق الأسرة هدفها المنشود من السعادة والاستقرار في ظل تعاليم السماء كان لزاماً عليها الأخذ بأسس السعادة في الحياة الزوجيَة كما رسمها الإسلام وبيَنها القرآن وتأتي مسألة إظهار الحب والمشاعر كأساس متين وركن رصين في إسعاد الحياة الزوجية. فإن من أوثق الأسباب في تلاحم الأسرة وتماسكها هو شيوع المحبة والمودة بين الزوج وزوجته.
قال تعالى {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} (سورة الروم، الآية: 21)، وهنا لفتة جميلة من القرآن إذ قال {جعل بينكم مودة} ولم يقل جعل بينكم محبة والفرق واضح بين المحبة والمودة إذ أن المحبة هي الميل القلبي من المحب لمحبوبه دون إظهار ذلك في الواقع العملي بينما المودة هي الميل القلبي من المحب لمحبوبه مع إظهار هذا الحب سلوكاً وعملاً في الواقع الخارجي وهذا ما يريده القرآن من الزوجين بأن يظهر كل منهما حبه للآخر والقيام بإبراز المشاعر وتحريك العواطف وأن لا يكتفي بالحب القلبي وحده قال رسول الله(ص) (قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً).
ومن أجل التأكيد على مبدأ إبراز الحب وإظهار المشاعر وبيان الدور الذي تلعبه في إسعاد الحياة الزوجيَة وتعميق أواصر المودة والمحبة بين الزوجين نطرح النقاط التالية كبرنامج عملي يعمل على تغذية المشاعر وإرواء العاطفة:
الإحترام والتقدير وعدم جرح العواطف أو خدش المشاعر

إنَ من أبرز مظاهر الحب الحقيقي هو إحترام المحب لمحبوبه وتقديره وتبجيله بل وتعظيمه قولاً وعملاً فضلاً عن اجتناب جرح عواطفه أو خدش مشاعره وهذا ما أوصى به الإسلام تحت عنوان المعاشرة بالمعروف {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهنَ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً} فعلى الزوجين معاً أن يتعاملا بالصدق والثقة والاحترام المتبادل ومراعاة المشاعر فيما بينهما وعامل مثل ما تحب أن تعامل وإنني إذ أنصح الزوجين معاً أخص بالذكر الزوج باعتباره الطرف الأقوى في الحياة الزوجية وصاحب القوامة فيها أنصحه بأن يثمن الأعمال التطوَعية والخدمات المجانية التي تقدِمها الزوجة لإنعاش الحياة الزوجية وإسعادها فالزوجة التي تقوم بالطبخ والنفخ وغسل الملابس وكنس الدار ورضاعة الأولاد وغيرها من الخدمات ألا تستحق أن تقابل من قبل الزوج بالشكر والتقدير والاحترام الكبير فإنه من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق وكذلك حال الزوج الذي يجد ويجتهد ويكدح ويتعب ويسعى باحثاً عن لقمة العيش الحلال ليقدِمها بين يدي أسرته ويوفِر لهم سبل العيش الكريم وتأمين احتياجاتهم الأساسية من سكن وملبس ومأكل ومشرب وغيرها كل ذلك لإسعاد أسرته وراحتهم أفلا يستحق أن يقابل كذلك بالشكر والتقدير والاحترام الكبير.
فما أجمل الحياة عندما تتبادل فيها القيم الرفيعة وتطبق أحكام الدين والشريعة فيسود الحياة راحة وهناء وسعادة وارتقاء.
الإرتواء العاطفي في الحياة الزوجية:
حينما يعطش الإنسان بيلوجياً ويشعر في داخله بالنداء الفطري الغرائزي الذي يحركه ويدفعه نحو التلبية والاستجابة لهذا النداء بضرورة الارتواء يلجأ حينها إلى الماء وسد العطش الحاصل غريزيَاً وهذا النوع من العطش الفطري ينتاب الجسد ويرفعه الماء.
وهناك نوع ثاني من العطش الفطري والغرائزي القائم مع الإنسان في تركيبته الفطرية الغرائزية وهو عطش المشاعر والعواطف والتي تنتاب الروح ولا يرتفع العطش عنها إلا بتحريكها وتلبية حاجتها وتغذيتها.
والإنسان ليس هو لحم ودم فحسب بل جانب منه لحم ودم وجانب آخر أحاسيس ومشاعر وعواطف فالجانب الجسدي يحتاج إلى الغذاء والجانب العاطفي يحتاج إلى الغذاء.
ومن الاستدلال بالرأي الشرعي في ضرورة إرواء الجانب العاطفي في الحياة الزوجية نستدل بهذا الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا يقع أحدكم على أهله كما تقع البهيمة ليكن بينهما رسول فقيل وما الرسول يا رسول الله؟ فقال القبلة والكلام".
وهنا دعوة واضحة وصريحة إلى إرواء العاطفة وتحريك المشاعر بين الزوج والزوجة بالتقبيل والكلام الغزلي الرفيق المعبر والمؤثِر.
تقديم الهدايا وبذل العطايا:
حثَ الإسلام على البذل والكرم وتقديم الهدايا الماديَة والمعنوية وشجع على الهدايا فإنها تورث المحبة قال رسول الله: "تهادوا تحابوا تهادوا فإنها تذهب بالضغائن"، وقال رسول الله(ص): "الهدية تورث المودة وتجدِد الإخوة وتذهب الضغينة تهادوا تحابوا".
فالإسلام يدعو إلى نشر ثقافة البذل والعطاء والتسامح والإخاء بين أبناء الأمة الواحدة ويدعو الإسلام إلى إكرام الزوج وتقديم الهدية من الزوج للزوجة من مصاديق الإكرام المأمور به شرعاً فالهدية تزرع الحب وتعمق أواصر المحبة وتوثق الرابطة بين الزوجين وتحفِز بقلبيهما الذكريات الحلوة والجميلة.
قال رسول الله(ص): "نعم الشيء الهدية وهي مفتاح الحوائج".
فمن أراد استرضاء زوجته واستمالت قلبها إليه والزيادة في توقيره وتبجيله والمبالغة في إكرامه وإحسانه.
فليبادر بتقديم الهدايا والعطايا للزوجة فإنها مفتاح الحوائج ولا ينبغي لنا أن نغفل عن أن الهدية على ضربين هدية مادية وهدية معنوية، والهدية الماديّة ما كانت من الأمور المادية كهدية المال أو الذهب أو الفواكه أو غيرها من الأمور المادية وهناك الهدية المعنوية وهي ذات البعد المعنوي ولا وجود لها مادياً كالكلمة الطيِبة والابتسامة المشرقة وغيرها من المعاني.
وكلا هذين النوعين من الهدية المادية والمعنوية يبعث على الأنس والراحة ويساهم في زرع المحبة بين الزوجين إلا أنَ الهدية المعنوية أبلغ أثراً وأعظم ذكراً والأفضل والأجمل أن يجتمعا معاً.
وقال الإمام الصادق(ع): "رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته فإن الله عز وجل قد ملَكه ناصيتها وجعله القيِم عليها" (وسائل الشيعة، ج7، ص 122).
قال الشاعر:
لو كان يهدي للإنسان قيمته  لكنت أهدي لك الدنيا بما فيها
دغدغة العواطف ورقَة المشاعر:
إنَ للكلمة آثاراً كبيرة على واقع حياة الإنسان في مختلف المجالات والمساحات الدينية والاجتماعية والسياسية والنفسية فالكلمة تارة كفر وتارة إيمان وتارة هدم وتارة بناء وتارة حرب وتارة سلم وتارة طيبة وأخرى خبيثة والكلمة بما لها وعليها فهي تحمل السحر الخطير والوقع التأثيري الكبير.
وحتى يسعد الزوجان معا عليهما توظيف الكلمة لدغدغة العواطف وترقيق المشاعر وترهيف الأحاسيس ولا بأس بتوظيف الكلمة في قالب الحسن والجمال لتحلق في فضاء الحقيقية والخيال مدحاً أو ثناء أو غزلاً عفيفاً أو نثراً لطيفاً أو صوراً بلاغيَة جميلة تأنس بها الروح وتلتذ بها المشاعر فقد ورد أنَ خديجة زوجة النبي (ص) قد ردت بهذين البيتين الجميلين من الشعر عندما سألها النبي(ص) ما هو أحلى ما لديك في هذه الدنيا فقالت:
فلو أنني أمسيت في كل نعمة             وكانت لي الدنيا وملك الأكاسرة
لما سوَمت عندي جميعا بدرهم           إذ لم تكن عيني لعينك ناظرة
ويروى كذلك أن خديجة زوجة النبي(ص) استقبلت النبي(ص) حينما عاد من سفر له فقالت هذين البيتين من الشعر:
عاد الحبيب الذي أهواه من سفرٍ          والشمس قد أثرت في وجهه أثرا
عجبت للشمس من تقبيل وجنته           وكيف للشمس أن تدرك القمرا
وهناك الكثير من الشواهد الأدبية أو الروايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام وهي تحث على رقة المشاعر ومراعاة الأحاسيس وتحريك العواطف في الاتجاه الصحيح.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "قول الرجل للمرأة إني أحبُك لا يذهب من قلبها أبداً" (وسائل الشيعة، ج14، ص 10)..


المصدر: المرأة في مراحلها الثلاث ( مرحلة كونها بنتاً، مرحلة كونها زوجة، مرحلة كونها أمًا): الشيخ محمد حبيب المقداد، ط1، دار المحجة البيضاء، 1431هـ-2010م.

التعليقات (0)

اترك تعليق