مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الحوار قبل ظلمة الصمت

الحوار قبل ظلمة الصمت

كان يوماً شاقّاً على سعاد، فلقد كان عليها أن تهتم بطفلها الرضيع، وأن تمرّض ابنتها ليلى التي تعاني من التهاب الحنجرة، إضافة إلى تنظيف المنزل وتحضير الطعام قبل الساعة الثانية التي تعلن وصول زوجها أحمد من عمله. لكنّه تأخّر اليوم ساعة عن موعده، فاندفعت سعاد بسرعة إلى الباب: "مضت ساعة وأنا أنتظرك، لماذا تأخرت؟ ماذا حصل؟".
نظر أحمد إليها ولم يتعجّب وأكمل طريقه، فلحقته وهي منفعلة: "أصبحت متأكّدة، لم تعدّ تهتم بي، ولا بإرهاقي، لديك أمور أخرى أهمّ بالتأكيد". حاول أحمد تمالك أعصابه: "أنا متعب وجائع، حضّري الطعام لنأكل..".
تنفعل سعاد: "أنت متعب وأنا متعبة أيضاً، طعامك جاهز، اذهب وأحضره بنفسك..".
يخرج الزوج: "ما هذه الحياة..مشاكل في خارج المنزل وداخله... كل يوم..". ويغلق باب المنزل خلفه..
مشكلة تتكرر في منازل كثيرة...لم يَنتهي حوار الزوجين هكذا؟
أولاً- التواصل بين الزوجين:
«وَمِنْ آَيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجَاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِيْ ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون»(1).
الحوار السليم بين الزوجين هو مفتاح التفاهم والانسجام، وانعدامه من أول الأسباب المؤدّية إلى الطلاق.
بعض العوامل التي تجعل الحوار مُجديّاً:
1- الاعتماد على أسس مشتركة كالاحتكام إلى القرآن الكريم، والسنة الشريفة، أو مرجعية حكيمة.
2- مراعاة اللياقة، واستعمال الكلام الحسن، والسلوك الحسن: «ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحْسَنُ فِإِذَا الذّي بينَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ»(2).
3- الرغبة في الوصول إلى الصواب، لا الغلبة.
4- معرفة نمط شخصية (مَنْ نحاور).
5- استعمال اللّغة الخاصة (بمَن نحاور).
6- بعض العوامل التي تحول دون التواصل السليم بين المتحاورين:
أ‌- التعصّب للآراء والمذاهب والأشخاص.
ب‌-  اللّجاجة والجدل العقيم والمراء؛ لذا عندما يقوم النقاش إلى طريق مسدود، الأفضل تأجيله إلى وقت آخر. عن الرسول (ص): "أنا زعيمٌ ببيت في ريض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت أعلى الجنة لمن ترك المراءَ وإن كان محقاً"(3).
ت‌-  التسرّع في إصدار الأحكام، وسببه:
- الغرور بالنفس والاعتداد بسرعة البديهة.
- الكسل الذهني وعدم الرغبة في إجهاد النفس (التفكير السطحي).
- الانفعال الشديد (غضب-غيرة-حسد...).
- سيطرة الرغبات.
- إرجاع المشكلات إلى عامل واحد.
ث‌-  الحوار النفسي السلبي.
ج‌- الصمت.

ثانياً- الفروقات النفسية والفكرية في حوار الرجل والمرأة:

 
الرجل
 
 
المرأة
1- لا يتكلم إلّا بهدف معين، فهو لا يقصد الحوار لنفسه، بل لتحقيق غاية معينة. الحوار والتواصل بالنسبة لها حاجة نفسية ضروريّة وملحّة، إن لم تشبعها تُصاب بالاضطراب.
2- غالباً يعتبر المنزل المكان الذي لا يتوجب فيه الكلام، فهو للراحة. المنزل؛ في نظرها المكان الأمثل الذي يمكنها أن تتحدث فيه بحريّة مع زوجها.
3- لا يستخدم الحوار إلّا إذا أراد أن يستفسر، أو يتحقق، ونادراً ما يتحدث عن مشاكله. الحوار في نظرها أفضل وسيلة لتحقيق جو ملؤه المحبة والوئام، فتظهر أنّها ثرثارة.
4- يجد الرجال صعوبة قصوى في التعبير عن مشاعرهم، وقد يشعرون بأنّ كيانهم مهدد إن أفصحوا عن ذلك. تشعر النساء بقيمتهنّ الذاتيّة من خلال التحدث عن مشاعرهنّ وعلاقاتهنّ مع الآخرين.

ثالثاً- الفروقات التعبيرية واللغوية بين الرجل والمرأة:

 الرجل
  
المرأة
1- عندما يتكلم الرجل يختار كلماته بدقّة وواقعيّة، فهو يقصد كل كلمة ينطقها ويعنيها بذاتها.  عندما تتكلم المرأة فهي تطلق أحكاماً عامة شموليّة ولا تقصدها لذاتها، إنّما لتبالغ في التعبيرعن شعورها أو ما يزعجها.
2- يقدم النصائح غالباً؛ لأنّه يعتبر أنّ المرأة تشتكي بهذه الطريقة؛ لأنّها عاجزة عن إيجاد الحلول وبحاجة للمساعدة.
المرأة تعبّر عن معاناتها أو ما يؤلمها، ليس من أجل المساعدة بل تطلب الدعم النفسي؛ لذا فهي تتذمّر من النصائح.
3- عندما يطلب الرجل شيئاً، فإنّه يُصدر أمراً بذلك؛ لذا يعتبر أيّ طلب من المرأة كأنّه أمر أيضاً.  حين تطلب المرأة يكون قصدها أن تقترح؛ ليناقشها الزوج، ولا تقصد تبنّي موقف نهائي؛ لذا تُفاجأ من سرعة غضبه.
4- من عادة الرجل أن يناقش موضوعاً ولا يترك الملفات مفتوحة؛ أي يتحدث بطريقة عمودية، بتسلسل من موضوع إلى آخر عندما ينتهي الموضوع الأول. تنتقل المرأة من موضوع إلى آخر مختلف عادة، دون أن تنهي الموضوع الأول، وقد تستدرك ذلك في آخر حديثها فتعود إليه وتنهيه. الأمر الذي يجعل الرجل يتذمر، ويشعر بالتشتت.

رابعاً- الحوار النفسي السلبي عند الزوجين:
عندما يعجز أحد الزوجين عن التفاهم مع الآخر، ينتقل من الحوار معه إلى الحوار مع نفسه، من خلال ما يدور في باله من أفكار سلبية؛ مثال: هي لا تفهمني.. هو لا يكترث لمشاعري.. يسيء الظن بي.. هي لا تحترمني..
يطلب الزوجان الطلاقَ في كثير من الأحيان لأسباب تبدو شكليّة وبسيطة، لكن ما يولد تراكماً للمشاكل، أو ما يسمى الدافع الحقيقي، هو الحوار النفسي السلبي، الذي لم يُعالج، ولم يتم التحدث عنه، وتفريغه.

وتكثر حالات الحوار النفسي السلبي، عند الزوجين، في حال كانا يعيشان ظروف عدم الأمان، وعدم الشعور بالأهمية والتقدير الذاتي.
من أهم الأمور المساعدة للتغلب على الحوار النفسي السلبي:
الإيمان باليوم الآخر، والإلتزام بأصول التعامل الخُلُقي، ومجاهدة النفس الأمّارة بالسوء، والرغبة في ثواب الله ومرضاته.

خامساً- انقطاع التواصل بين الزوجين (ظلمة الصّمت):
الصمت بين الزوجين مؤشر على أنّ علاقتهما تقترب من الجمود.
- الصمت مرض يصيب الرجال أكثر من النساء.
- تختلف الأسباب المؤدية لصمت الزوجين، نذكر منها:
1- عدم الصراحة والوضوح بين الطرفين.
2- عدم التجديد و"الروتين" والرتابة في العلاقة الزوجية.
3- انعدام الجاذبية بين الطرفين.
4- ضغط الظروف الإقتصادية، دون وجود حلول بديلة، يشترك فيها الزوجان.
5- تناقض آراء الزوجين في أمور الحياة.
6- إخفاء حقيقة معينة.
7- عدم اهتمام أحد الطرفين بالآخر.
- التغلب على صمت الزوجين في يد كلاهما، فعلى كل طرف أن يراعي حقوق الطرف الآخر؛ لأنّ المشكلة تبدأ عندما يتجاهل أحدهما حقوق الآخر...
- على الزوجين تخصيص فترات زمنية؛ لتحقيق الاتصال بينهما (الحوار).
- على الزوجة ألّا تُشعر زوجها بأنّه في حالة استجواب، ففي هذه الحالة يرى الزوج أنّ الصمت يكون أفضل من الشعور بأنّه متّهم.
- على الزوجة أن تختار الحديث المناسب قبل أن تشتكي من صمت الزوج.



الهوامش:
(1) سورة الروم، 21.
(2) سورة فصلت، 24.
(3) المجلسي، محمد باقر: بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. ط2، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1983م. ج2، ص128.



المصدر: مجلة نجاة، العدد الثاني والثالث عشر.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق