مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

غض الأبصار.. ((وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن ویحفظن فروجهن))

غض الأبصار.. ((وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن ویحفظن فروجهن))

مصطلح "غض الأبصار" من المصطلحات التي طالما وردت في القرآن الکریم، وفي تفسیر هذا المصطلح، یقول المفسرون: الغضّ إطباق الجفن على الجفن والإبصار جمع بصر وهو العضو الناظر، ومن هنا یظهر أن (من) في ((من أبصارهم)) لابتداء الغایة لا مزیدة ولا للجنس ولا للتبعیض کما قال بکل قائل، والمعنى یأتوا بالغض آخذا من أبصارهم.[1]
فقوله عز وجل: ((قل للمؤمنین یغضوا من أبصارهم)): لما کان ((یغضوا مترتباً على قوله: ((قل)) ترتب جواب الشرط علیه دلّ ذلک على کون القول بمعنى الأمر والمعنى مُرهم ْیغضّوا من أبصارهم والتقدیر مُرهمْ بالغض إنک إن تأمرهم به یغضوا، والآیة أمر بغض الأبصار وإن شئت فقل: نهی عن النظر إلى ما لا یحل النظر إليه من الأجنبي والأجنبیة لمکان الإطلاق. والمقابلة بین قوله: ((یغضوا من أبصارهم)) و((یحفظوا فروجهم)) یعطی أن المراد بحفظ الفروج سترها وعن النظر لا حفظها عن الزنا واللواط، کما قیل، وقد ورد فی الروایة عن الصادق(ع) أن کل آیة في القرآن الکریم في حفظ الفروج فهي من الزنا إلا هذه الآية فهي من النظر.
وعلى هذا یمکن أن تتقید أولى الجملتین بثانیتهما ویکون مدلول الآية هو النهي عن النظر إلى الفروج والأمر بسترها.
ثم أشار إلى وجه المصلحة في الحکم وحثّهم على المراقبة في جنبه بقوله: ((ذلک أزکى لهم إن الله خبیر بما یصنعون)). قوله تعالى: ((وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن ویحفظن فروجهن)) نظیر ما مرّ في قوله: ((قل في الآية السابقة فلا یجوز لهن النظر إلى ما لا یجوز النظر إليه ویجب علیهن ستر العورة عن الأجنبي والأجنبیة. وأما قوله تعالى: ((و لا یبدین زینتهن إلا ما ظهر منها)) فالإبداء الإظهار، والمراد بزینتهن مواضع الزینة لأن نفس ما یتزین به کالقرط والسوار لا یحرم إبداؤها فالمراد بإبداء الزینة إبداء مواضعها من البدن. وقد استثنى الله سبحانه وتعالى منها ما ظهر، وقد وردت الروایة أن المراد بما ظهر منها الکفان والوجه والقدمان. وقوله: ((لیضربن بخمرهن على جیوبهن)) الخُمر بضمتین جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها وینسدل على صدرها، والجیوب جمع جیب بالفتح فالسکون وهو معروف والمراد بالجیوب الصدور، والمعنى ولیلقین بأطراف مقانعّهن على صدورهن لیسترنها بها. وقوله: ((ولا یبدین زینتهن الا لبعولتهن إلى قوله- أو بني أخواتهن)) البعولة هم أزواجهن، والطوائف السبع الأخر محارمهن من جهة النسب والسبب وأجداد البعولة حکمهم حکم آبائهم وأبناء أبناء البعولة حکمهم حکم الأبناء.
وقوله: ((أو نسائهن)) في الإضافة إشارة إلى أن المراد بهن المؤمنات من النساء فلا یجوز لهن التجّرد لغیرهن من النساء، وقد وردت به الروایات عن أئمة أهل البیت(ع). وقوله: ((أو ما ملکت أیمانهن)) إطلاقه یشمل العبید والإماء.
وقوله: ((أو التابعین غیر أولي الإربة من الرجال)) الإربة هي الحاجة، والمراد بهم کما تفسره الروایات البُله المولى علیهم من الرجال ولا شهوة لهم.
وقوله جل شأنه: ((أو الطفل الذین لم یظهروا على عورات النساء)) أي جماعة الأطفال واللام للاستغراق ـالذین لم یقووا و لم یظهروا  من الظهور بمعنى الغلبةـ على أمور یسوء التصریح بها من النساء وهو ـکما قیلـ:
کنایة عن البلوغ ـوقوله: ((ولا یضربن بأرجلهن لیعلم ما یخفین من زینتهن)) ذلک من قبیل أسباب الزینة کالخلخال والعقد والقرط والسوار.
وقوله تعالى: ((توبوا إلى الله جمیعا أيها المؤمنون لعلکم تفلحون)) المراد بالتوبة -على ما یعطیه السیاق- الرجوع إليه تعالى بامتثال أوامره والانتهاء عن نواهیه وبالجملة اتباع سبیله (ص 111ـ 112) وفي ما جاء من التفسیر الأمثل في تفسیر الآية 30 ـ 31 من سورة النور في البدایة بین سبب النزول ثم یبدأ في تفسیر الآية.
وما جاء في تفسیر الأمثل[2] :
کلمة ((یغضوا)) مشتقّة من ((غضّ)) من باب ((ردّ)) وتعني في الأصل التنقیص، وتطلق غالبا على تخفیض الصوت وتقلیل النظر. لهذا لم تأمر الآیة أن یغمض المؤمنون عیونهم. بل أمرت أن یغضّوا من نظرهم. وهذا التعبیر الرائع جاء لینفی غلق العیون بشکل تام بحیث لا یعرف الإنسان طریقه بمجرّد مشاهدته امرأة لیست من محارمه، فالواجب علیه أن لا یتبحّر فیها، بل أن یرمي ببصره إلى الأرض، ویصدق فیه القول أنه غضّ من نظره وأبعد ذلک المنظر من مخیلته.
وممّا یلفت النظر أنّ القرآن الکریم لم یحدد الشيء الذي یستوجب غضّ النظر عنه. لیکون دلیلا على عمومیته. أي غضّ النظر عن جمیع الأشیاء التي حرم الله النظر إلیها.
ولکن سیاق الکلام في هذه الآیات، وخاصة في الآیة التالیة التي تتحدث عن قضیة الحجاب، یوضح لنا جیدا أنها تقصد النظر إلى النساء غیر المحارم.
ویتّضح لنا ممّا سبق أن لیس هو حرمة النظر الحاد إلى النساء غیر المحارم، لیتصور البعض أنّ النظر الطبیعي إلى غیر المحارم مسموح به، بل إن نظر الإنسان یمتدّ إلى حیّز واسع ویشمل دائرة واسعة، فإذا وجد امرأة من غیر المحارم علیه أن یخرجها عن دائرة نظره. وألاّ ینظر إلیها، ویواصل السیر بعین مفتوحة، وهذا هو مفهوم غضّ النظر.
إن الإسلام نهى عن هذا العمل المندفع مع الأهواء النفسیة والشهوات، لأن ((ذلک أزکى لکم)) کما نصّت علیه الآیة.
ثم تحذر الآیة أولئک الذین ینظرون بشهوة إلى غیر محارمهم، ویبررون عملهم هذا بأنّه غیر متعمّد فتقول: ((إن الله خبیر بما یصنعون)).
وفي الآیة التالیة إشارة إلى الواجبات التي على النساء والتي تشابه ما على الرجال، فتقول: ((وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن ویحفظن فروجهن)).
وبهذا حرم الله النظر بریبة على النساء أیضا مثلما حرّمه على الرجال، وفرض تغطیة فروجهن عن أنظار الرجال والنساء مثلما جعل ذلک واجبا على الرجال.
ثمّ أشارت الآیة إلى مسألة الحجاب في ثلاث جمل:
1ـ ((ولا یبدین زینتهن إلاّ ما ظهر منها)).
اختلف المفسّرون في تفسیر الزینة التي تجب تغطیتها، والزینة الظاهرة التي یسمح بإظهارها.
فقال البعض: إنّ الزینة المخفیة هي الزینة الطبیعیة في المرأة (جمال جسم المرأة) في حین أن استخدام هذه الکلمة بهذا المعنى قلیل.
وقال آخرون: إنّها تعني موضع الزینة: لأن الکشف عن أداة الزینة ذاتها کالعضد والقلادة مسموح به، فالمنع یخص موضعها، أي الیدین والصدر مثلا.
وقال آخرون: خصّ المنع أدوات الزینة عندما تکون على الجسم، وبالطبع یکون الکشف عن هذه الزینة مرادفا للکشف عن ذلک الجزء من الجسم. (وهذین التّفسیرین الأخیرین لهما نتیجة واحدة على الرغم من متابعة القضیة عن طریقین مختلفین).
والحق أنّنا یجب أن نفسر الآیة على حسب ظاهرها ودون حکم مسّبق، وظاهرها هو التفسیر الثّالث.
وعلى هذا، فلا یحق للنساء الکشف عن زینتهن المخفیة، وإن کانت لا تظهر أجسامهن، أی لا یجوز لهن الکشف عن لباس یتزیّن به تحت اللباس العادی أو العباءة، بنصّ القرآن الذي نهاهنّ عن ذلک.
وذکرت الأحادیث التي رویت عن أهل البیت(ع) هذا المعنى، فقد فسّروا الزینة المخفیة بالقلادة والدملج (حلی یشدّ أعلى الساعد) والخلخال.[3]
وقد فسّرت أحادیث عدیدة أخرى الزینة الظاهرة بالخاتم والکحل وأمثاله، لهذا نفهم بأنّ المراد من الزینة المخفیة الزینة التي تحت الحجاب.
وثاني حکم ذکرته الآیة هو: ((ولیضربن بخمرهن على جیوبهن)) وکلمة ((خُمُر)) جمع ((خمار)) على وزن ((حجاب)) في الأصل تعني ((الغطاء))، إلا أنّه یطلق بصورة اعتیادیة على الشیء الذی تستخدمه النسوة لتغطیة روؤسهن.
و ((الجیوب)) جمع ((جیب)) على وزن ((غیب)) بمعنى یاقة القمیص، وأحیانا یُطلق على الجزء الذي یحیط بأعلى الصدر لمجاورته الیاقة.
ویستنتج من هذه الآیة أنّ النساء کنّ قبل نزولها، یرمین أطراف الخمار على أکتافهن أو خلف الرأس بشکل یکشفن فیه عن الرقبة وجانبا من الصدر، فأمرهن القرآن برمي أطراف الخمار حول أعناقهن أي فوق یاقة القمیص لیسترن بذلک الرقبة والجزء المکشوف من الصدر.
3- وتشرح الآیة في حکمها الثّالث الحالات التي یجوز للنساء فیها الکشف عن حجابهنّ وإظهار زینتهنّ، فتقول ((ولا یبدین زینتهن إلاّ)).
1) ((لبعولتهن)).
2) ((أو آبائهن)).
3) ((أو آباء بعولتهن)).
4) ((أو أبنائهن)).
5) ((أو أبناء بعولتهن)).
6) ((أو إخوانهن)).
7) ((أو بني إخوانهن)).
8) ((أو بني أخواتهن)).
9) ((أو نسائهن)).
10) ((أو ما ملکت أیمانهن)).
11) ((أو التابعین غیر أولي الإربة من الرجال)) أي الرجال الذین لا رغبة جنسیة عندهم أصلا بالعنن أو بمرض غیره.
12) ((أو الطفل الذین لم یظهروا على عورات النساء)).
وتبیّن الآیة رابع الأحکام فتقول ((ولا یضربن بأرجلهّن لیعلم ما یخفین من زینتهنّ))  أي على النساء أن یتحفّظن کثیرا، ویحفظن عفتهن، ویبتعدن عن کلّ شيء یثیر نار الشهوة في قلوب الرجال، حتى لا یتهمن بالانحراف عن طریق العفة.
ویجب أن یراقبن تصرفهن بشدّة بحیث لا یصل صوت خلخالهن إلى آذان غیر المحارم، وهذا کله یؤکد دقّة نظر الإسلام إلى هذه الأمور.
وإنتهت الآیة بدعوة جمیع المؤمنین رجالا ونساء إلى التوبة والعودة إلى الله لیفلحوا ((وتوبوا إلى الله جمیعا أیها المؤمنون لعلکم تفلحون)) وتوبوا أیّها الناس ممّا ارتکبتم من ذنوب في هذا المجال، بعدما اطلعتم على حقائق الأحکام الإسلامیة، وعودوا إلى الله لتفلحوا، فلا نجاة لکم من کلّ الإنحرافات الخطرة إلاّ بلطف من الله ورحمته، فسلّموا أمرکم إلیه!
وما جاء في تفسیر الآية في تفسیر "في ظلال القرآن"[4]:
غض البصر من جانب الرجال أدب نفسي، ومحاولة للاستعلاء على الرغبة في الاطلاع على المحاسن والمفاتن في الوجوه الأجسام ـ کما أن فیه إغلاقا للنافذة الأولى من نوافذ الفتنة والغوایة، ومحاولة عملیة للحیلولة دون وصول السهم المسوم.
وحفظ الفرج هو الثمرة الطبیعیة لغض البصر، أو هو الخطوة التالیة لتحکیم الإرادة، والاستعلاء على الرغبة في مراحلها الأولى. ومن ثم یجمع بینهما في آیة واحدة، بوصفها سببا ونتیجة، أو باعتبارهما خطوتین متوالیتین في عالم الضمیر وعالم الواقع. کلتاهما قریب من قریب ((ذلک أزکى لهم)).. فهو أطهر لمشاعرهم، وأضمن لعدم تلوثها بالانفعالات الشهویة في غیر موضعها المشروع والنظیف، وعدم ارتکاسها إلى الدرک الحیواني الهابطـ وهو أطهر للجماعة وأصون لحرماتها وأعراضها، وجوها الذي تتنفس فیه.
((إن الله خبیر بما یصنعون)) والله هو الذی یأخذهم بهذه الوقایة، وهو العلیم بترکیبهم النفسي وتکوینهم الفطري،الخبیر بحرکات نفوسهم وحرکات جوارحهم.
((وقل للمؤمنات: یغضض من أبصارهن ویحفظن فروجهن)).. فلا یرسلن بنظراتهن الجائعة المتلصصة، أو الهاتفة المثیرة، تستثیر کوامن الفتنة في صدور الرجال. ولا یبحن فروجهن إلا في حلال طیب، یلبي داعي الفطرة في جو نظیف، لا یخجل الأطفال الذین یجیئون عن الطریقة عن مواجهة المجتمع والحیاة.
((ولا یبدین زینتهن إلا ما ظهر منها)).. والزینة حلال للمرأة، تلبیة لفطرتها. فکل أنثى مولعة بأن تکون جمیلة، وأن تبدو جمیلة، والزینة تختلف من عصر إلى عصر، ولکن أساسها في الفطرة واحد، هو الرغبة في تحصیل الجمال أو استکماله، وتجلیته للرجال والإسلام لا یقاوم هذه الرغبة الفطریة، ولکنه ینظمها ویضبطها، ویجعلها تتبلور في الاتجاه بها إلى رجل واحد، ویشترک معه في الاطلاع على بعضها، المحارم والمذکورون في الآیة بعد، ممن لا یثیر شهواتم ذلک الاطلاع،فأما ما ظهر من الزینة في الوجه والیدین، فیجوز کشفه، لأن کشف الوجه والیدین مباح لقوله ـصلى الله علیه وآله- لأسماء بنت أبي بکر: "یا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحیض، لم یصلح أن یرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وکفیه". رواه أبو داود في سنته وقال: إنه مرسل ((ولیضربن بخمرهن على جیوبهن)) .. والجیب فتحة الصدر في الثوب. والخمار غطاء الرأس والنحر والصدر. لیدرأن مفاتنهن، فلا یعرضنها للعیون الجائعة، ولا حتى لنظرة الفجاءة، التي یتقي المتقون أن یطیلوها أو یعاودوها، ولکنها قد تترک کمینا في اطوائهم بعد وقوعها على تلک المفاتن لو ترکت مکشوفة. إن الله لا یرید أن یعرض القلوب للتجربة والابتلاء في هذا النوع من البلاء! والمؤمنات اللواتي تلقین هذا النهي وقلوبهن مشرقة بنور الله، لم یتلکأن في الطاعة، على الرغم من رغبتهن الفطریة في الظهور بالزینة والجمال، وقد کانت المرأة في الجاهلیة ـکما هي الیوم في الجاهلیة الحدیثةـ تمر بین الرجال مسفحة بصدرها لا یواریه شیء ـوربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها، وأقرطة أذینها. فلما أمر الله النساء، یضربن بخمرهن على جیوبهن، ولا یبدین زینتهن إلا ما ظهر منها، کن کما قالت عائشة: "یرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: ((ولیضربن بخمرهن على جیوبهن)) شققن مروطهن فاختمرن بها" أخرجه البخاري.
لقد رفع الإسلام ذوق المجتمع الإسلامي، وطهر إحساسه بالجمال، فلم یعد الطابع الحیواني للجمال هو المستحب، بل الطابع الإنساني المهذب.. وجمال الکشف الجسدي جمال حیواني یهفو إليه الإنسان بحس الحیوان، مهما یکن من التناسق والاکتمال. فإن جمال الحشمة فهو الجمال النظیف، الذي یرفع الذوق الجمالي، ویجعله لائقا بالإنسان، ویحیطه بالنظافة والطهارة في الحسن والخیال.
ویستثني القرآن المحارم الذین لا تتوجه میولهم عادة ولا تثور شهواتهم وهم: الآباء والأبناء، وآباء الأزواج وأبناؤهم، والإخوة وأبناء الإخوة وأبناء الأخوات.. کما یسثتني النساء المؤمنات: ((أو نسائهن)) فأما غیر المسلمات فلا لأنهن قد یصفن لأزواجهن وإخوتهن، وأبناء ملتهن مفاتن نساء المسلمین وعوراتهن لو اطلعت علیها. أما المسلمات فهن أمینات، یمنعهن دینهن أن یصفن لرجالهن جسم المرأة المسلمة وزینتها.. ویستثني کذلک ((ما ملکت أیمانهن)) قیل من الإناث وقیل من الذکور کذلک. ویستثني کذلک ((التابعین غیر أولي الإربة من الطفل)).. کذلک یستثني ((الطفل الذین لم یظهروا على عورات النساء)).
کذلک الآیة تنهى المؤمنات عن الحرکات التي تعلن عن الزینة المستورة، وتوقظ المشاعر النائمة. ولو لم یکشفن فعلا عن الزینة: ((ولا یضربن بأرجلهن لیعلم ما یخفین من زینتهن)).. وإنها لمعرفة عمیقة بترکیب النفس البشریة وانفعالاتها واستجاباتها. وکثیرون تثیر شهواتهم رؤیة حذاء المرأة أو ثوبها، أو حلیها أکثر مما تثیرها رؤیة جسد المرأة ذاته.
والقرآن یأخذ الطریق على هذا کله لأن مُنزله هو الذي خلق، وهو الذي یعلم من خلق. وهو اللطیف الخبیر وفي نهایة الآیة یرد القلوب کلها إلى الله، ویفتح لها باب التوبة مما ألمت به قبل نزول هذا القرآن: ((وتوبوا إلى الله جمیعا أیها المؤمنون لعلکم تفلحون)). بذلک یثیر الحساسیة برقابة الله، وعطفه ورعایته، وعونه للبشر في ضعفهم أمام ذلک المیل الفطری العمیق، الذي لا یضبطه مثل الشعور بالله، وبتقواه..

في مناقشة الآیات من سورة النور:
هذا هو النص القرآني الصریح في وجوب الحجاب وهذا أمر الله الذي لن یتردد مسلم ولا مسلمة في وجوب الخضوع له والاستمساک به.
حیث أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنین في هذه الآية بأن یغضوا من أبصارهم وهو أمر واجب الالتزام به وأمرٌ لا إستثناء فیه، فالآیة فیها أمر هو النهی عن النظر إلى ما یحل إليه من المرأة الأجنبية والرجل الأجنبي، والنهي هنا مطلق النظر الذي لا یحل إليه من دون ضرورة.
فالقرآن الکریم قد أسهم المرأة في تطبیق هذا النداء وهو أن تلتزم بالحجاب، فالنقطة القرآنیة صریحة والمعنى هو التزام کلا الطرفین الرجل والمرأة. وهذا هو ضمان الله للمؤمنین بأن ذلک أزکى لنفوسهم وأطهر لمجتمعهم، ضمان الله بذلک فلا یختلف في وقت ولا یتغیر في حال.
فهو بفرض الحجاب،فرض أن لا تتبرج المرأة المسلمة ولا تبدي من زینتها إلا ما ظهر منها، فالتشریع الإسلامي یرید بذلک سلامة البشریة من الإثارة والطموح الجنسي غیر المشروع والابتعاد عن الأهواء والمیول. فالزینة هي رغبة المرأة في تحصیل الجمال، والإسلام جاء لتهذیب هذه الزینة وتنزیهها عن المساؤى.
وفي قوله تعالى: ((لیضربن بخمرهن على جیوبهن)) الخمار هو القناع الذي تغطي به المرأة رأسها، والجیب فتحة الثوب التي تلي صدرها، فلا یبین من رأس المرأة ولا من نحرها ولا من صدرها شيء. فالآیة جاءت على صیغة الفرض واللزوم وقد سبقتها لام الأمر لتأکید المعنى الفعلي والکلمة ککل فیها أمر خارجي توجیه الکلمة المتصدرة في الآیة وفي: ((وقل للمؤمنات)) کل ذلک یعطینا صورة حیة عن أهمیة الحجاب في حفظ المرأة بالدرجة الأولى وحفظ المجتمع الإسلامي ککل بالدرجة الثانیة.

ثانیاً: ما جاء في تفسیر آیات الحجاب من سورة الأحزاب:
جاء في تفسیر ((علي بن إبراهیم)) في سبب النزول: فإنّه کان سبب نزولها أنّ النساء کن یخرجن إلى المسجد ویصلّین خلف رسول الله(ص) فإذا کان اللیل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء الآخرة، یقعد الشّباب لهنّ في طریقهنّ فیؤذونهن ویتعرّضون لهنّ فأنزل الله: ((یأیها النّبي قل لأزواجک وبناتک ونساء المؤمنین یدنین علیهنّ من جلابیبهنّ ذلک أدنى أن یعرفن فلا یؤذین وکان الله غفورا رّحیما)).
في تفسیر الآیة: ((یدنین علیهن من جلابیبهن)) أي یتسترن بها فلا تظهر جیوبهن وصدورهن للناظرین.
وقوله: ((ذلک أدنى أن یعرفن فلا یؤذین)) أي ستر جمیع البدن أقرب إلى أن یعرفن أنهن أهل الستر والصلاح فلا یؤذین أي لا یؤذیهن أهل الفسق بالتعرض لهن.
وقیل: المعنى ذلک أقرب من أن یعرفن أنهن مسلمات حرائر فلا یتعرض لهن بحسبان أنهن إماء أو من غیر المسلمات من الکتابیات أو غیرهن والأول أقرب.[5]
 
وما جاء في تفسیر الأمثل[6]:
هناک رأیان لدى المفسّرین في المراد من ((المعرفة)) وهما لا یتناقضان:
الأول: أنّه کان من المتعارف ذلک الیوم أن تخرج الجواری من المنازل مکشوفات الرأس والرقبة، ولمّا لم یکن مقبولات من الناحیة الأخلاقیة، فقد کان بعض الشباب المتهوّر یضایقوهنّ، فأمرت المسلمات الحرائر أن یلتزمن الحجاب التامّ لیتمیّزن عن الجواري، وبالتالي لا یقدر أن یؤذیهنّ أولئک الشباب.
والآخر: أنّ الهدف هو أن لا تتساهل المسلمات في أمر الحجاب کبعض النساء المتحلّلات والمتبرجات المسلوبات الحیاء رغم التظاهر بالحجاب، هذا التبرّج یغري السفلة والأراذل ویلفت انتباههم.
والمراد من (یدنین) أن یقربن الجلباب إلى أبدانهن لیکون أستر لهنّ، لا أن یدعنه کیف ما کان بحیث یقع من هنا وهناک فینکشف البدن، ویتعبیر أبسط أن یلاحظن ثیابهنّ ویحافظن على حجابهنّ.
یستفاد من هذه الآیة، أنّ حکم الحجاب بالنسبة للحرائر کان قد نزل من قبل، إلاّ أنّ بعض النسوة کنّ یتساهلن في تطبیقه، فنزلت الآیة.
ولمّا کان نزول هذا الحکم قد أقلق بعض المؤمنات ممّا کان منهن قبل ذلک، فقد أضافت الآیة في نهایتها ((وکان الله غفورا رحیما)) فکلّ ما بدر منکنّ إلى الآن کان نتیجة الجهل فإن الله سیغفره لکنّ، فتِبْن إلى الله وارجعن إلیه، ونفذن واجب العفّة والحجاب جیدا.

وما جاء في تفسیر "في ظلال القرآن":
في الآیة الکریمة حکم عام یشترک فیه نساء النبی وبناته ونساء المؤمنین، یأمرهن فیه بإرخاء جلابیبهن عند الخروج لقضاء الحاجة حتى یتمیزن بهذا الزي ویعرفن، فلا یتعرض لهن ذوو السیرة السیئة من المنافقین والمرجفین والفساق الذین کانوا یتعرضون للنساء في المدینة.
قال السدي في هذه الآیة: کان ناس من فساق أهل المدینة یخرجون باللیل حین یختلط الظلام إلى طریق المدینة فیتعرضون للنساء. وکانت مساکن أهل المدینة ضیقة، فإذا کان اللیل خرج النساء إلى الطریق یقضین حاجتهن، فکان أولئک الفساق یبتغون ذلک منهن. فإذا رأوا المرأة علیها جلباب. قالوا: هذه حرة. فکفوا عنها. وإذا رأوا المرأة لیس علیها جلباب قالوا: هذه أمة فوثبوا علیها..
وقال مجاهد: یتجلببن فیعلم أنهن حرائر ،فلا یتعرض لهن فاسق بأذى ولا ریبة. وقوله تعالى: ((وکان الله غفورا رحیما)) أي لما سلف في أیام الجاهلیة حیث لم یکن عندهن علم بذلک.


________________________________________
[1]. تفسیر المیزان- العلامة الطباطبائي- المجلد الخامس العشرـ ص 111ـ 112
[2]. تفسیر الأمثل، مکارم الشیرازي، جز11، ص 49ـ 52
[3]. تفسیر علی بن إبراهيم
[4]. في ظلال القرآن، سید قطب، المجلد الرابع، 2512ـ 2511
[5]. تفسیر المیزان، المجلد السادس عشر، ص 340ـ 339
[6]. تفسیر المیزان، المجلد سادس العشر، ص 229ـ 228
 



المصدر: مجلة الطاهرة.
ریحانة حیدري.

التعليقات (0)

اترك تعليق