مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

من رثاء السيدة الطاهرة زينب(ع) لأخيها الحسين(ع)

من رثاء السيدة الطاهرة زينب (عليها السلام) لأخيها الحسين (ععليه السلام): إنسابت على لسانها المراثي التي تنعى فيها الحسين

 بعد أن قتل الحسينعليه السلام وأصحابه، إنسابت على لسان زينبعليها السلام المراثي التي تنعى فيها الحسين، وتظهر تفجّعها وحزنها.
فعندما أرادت السيدة زينب(ع) الرحيل من كربلاء، ألقت نظرة الوداع على جسد أخيها الحسين (ع)، ثم قالت:
ولّما لحقنا بالمُحول تناشـرت          بنا مُقْصدات غاب عنها الطّوالعُ
ويا ليت شعري  هل أبينّ ليلة         بحيث اطْمأنت بالحبيب المضاجع
وكم من هوى أو خلّة قد ألفتهم       ترانا فلم  يمنعْهُم البيـن مـانع
كأني غداة البين رهن منيـةٍ           وأخو ظماء سُدّت عليه المشارع1
 
وقيل أنها أنشأت، عندما علمت باستشهاد أخيها الحسين قائلة:
قد  كنـت آمل آمالاً  أُسـرّ بها            لولا  القضاء الذي  في حكمه جار
جاء الجواد  فلا  أهلاً  بمقدمـه          إلا  بوجه حـسين  مُدرك  الثأْر
يا نفس صبراً على الدنيا ومحنتها      هذا  الحـسين قتـيل بالعرا عارِ2


ومن شعرها عندما رأت رأس الحسين(ع) [في الكوفة]:
يا  هلالاً  لمّا  اسْـتَتَمَّ  كمـالاً               غَالَهُ خسفـُه فأبدى غروباً
ما توهّمتُ  يا  شـقيق  فؤادي             كان هذا مقّـدراً  مكتوبـا
يا   أخي   فاطمة  الصـغيرة3    كلّمها    فقد كاد قلـبها أن يذوبـا
يا لأخي قلبك  الشـفيق  علينا            ما له قد قسا وصار صليبا
يا  أخي  لو  ترى علـيّا لدى     الأسر    مع اليُّـتم لا يطيق وجوبا
كلّما أوجعوه بالضـرب ناداك                  بِذُلٍّ  يفيـّض دمعاً سكُوبا
يا  أخـي   ضـمّه  إليـك                       وسـكّن  فؤاده الَمْـعُوبا
ما أذل اليتيـم حيـن يـنادي       وقَرِّبْهُ      بأبيه ولا يـراه مُجيـبـاً4
ولها أيضاً في رثاء الحسين:
على الطّفِّ  السلام وساكنيه            وروح الله في تلك القباب
نفوسٌ قُدِّسَتْ في أرض قُدْساً           وقد خُلقت من النُّطَف العذاب
مضاجع فتية عبدوا فنـاموا                 هُجوداً في  الفدافد والرّوابي
عِلَتْهُمْ في مضاجعهم قِبـابٌ              بأردانٍ  منـعمة  رطـاب
وصُيِّرت القبور لهم قُصورا                   مُناخاً  ذات أفـنية  رحاب5


وعندما سيق ركب الأسر بالسبايا إلى الشام، ولمّا نزلوا بالقادسية6، أنشدت زينب تقول:
ماتَتْ رجالي وأفْنَى الدَهْرُ سَادَاتي     وزَادَني حَسراتٍ بَعْدَ لَوْعَاتِ
صال اللئِامَ عَلينا بَعْدَ ما عَلـموا           إنّا بناتُ رسولٍ بالـهدى آتٍ
يُسِّيرونا على الأقتـابِ عـاريةً             كأننَّا بَيْنَهُمْ بَعْضُ الغنيـماتِ
عزَّ عليْكَ رسولَ الله ما صَنَـعوا            بأهْلِ بيتِك يا خَيْرَ البَريّـاتِ
كَفَرْتم برســولِ  الله ويْلَـكُمُ                أَهْداكُمُ مِنْ سُلوكٍ في الضَّلالاتِ7
وقالت في موضع آخر:
أَتُشْهِرُوَنّا في  البريَة عَنْـوَةً              ووالدُنا  أوحْى  إليه جَليــلُ
كَفَرْتُمْ بربِّ العرشِ ثَّم بنبيّـه             كَأَنْ لم يَجِئكُمْ في الزَّمانِ رسولُ
لَحُكْمُ إلهِ  العرشِ يا شرَّ أمّةٍ            لكُمْ في لظى يومِ المعاد عَويلُ8


ولمّا رجعن إلى المدينة، وعندما لمحت زينب ببصرها أعتابها، أنشأت زينب (أم كلثوم الكبرى)9 ما يقارب الأربعين بيتاً من جملتها:
مديـنة جدنا لا تقبليـنا           فبالحسـرات والأحزان جينا
ألا فاخبر رسـول الله عنّا         بأنّا قد فّجـعنا في أبيـنا
خرجنا منك بالأهلين جمعاً      رجعنا لا رجـالا ولا بنيـنا
وكُنّا في الخروج بجمع شمل   رجعنا حاسـرين مُسـلَّبينا
وكُنّا في أمان  الله  جـهراً        رجعنا بالقطيـعة خـائفينا
ومولانا الحسين لنا أنيـسٌ       رجعنا والحـسين به رهيّنا
فنحن الضّائعات بلا كفيـلٍ        ونحن النائـحاتُ على أخينا
ألا يا جدّنا  قتلوا  حُـسيناً        ولم يرعوا جناب الله فـينا
ألا يا جدنا  بَلَغَتْ  عـدانا          مُناها واشتفى الأعداءُ فينا
لقد هتكوا النّساء وحمّلوها      على الأقتاب قهراً أجْمعينا10
ولمّا اقتربت من قبر جدّها، قالت زينب:
إن كنتَ أوصَيْتَ بالقُربى بخير جزاء   فإنهم قطعوا القُربى وما وصـلوا
حتّـى أبادوهم قتـلى على ظـماءٍ    من بارد الماء ما ذاقوا وما وصلوا11

ومن ثم بثّت شكواها إلى أمها فاطمة الزهراء، قائلة:
أفاطمُ ما لقيّـت من عـداك              ولا قيراط ممّا قد لقيـنا
أفاطم لو نظرت إلى السبايا            بناتك في البلاد مشتّـتينا
أفاطم لو نظرت إلى اليتامى           ولو أبصرت زين العابدينا
فلو دامت حياتك لم تزالي              إلى يوم القيامة تندُبـينا12







الهوامش
1
. المستوفي، عباس. الطراز المذهب. ص174.
2. المازندراني. معالي السبطين. ج2 ص52-156.
3. يحتمل البعض هنا أن فاطمة الصغرى، هنا، تعني بها رقية بنت الحسين.
4. المجلسي، ج45. ص115. ووسيلة الدارين. ص357.
5. الحكيمي، أعيان النساء. ص161.
6. أبي مخنف، لوط بن يحي. مقتل الحسين. وفي بعض المقاتل، أنه أول منزل نزله أهل البيت، في طريقهم بين الكوفة والشام.
7. المازندراني، الحائري. معالي السبطين. ج2 ص121. أبي مخنف في مقتل الحسين. ص11.
8. المازندراني، ج2. ص130-131. وأبي مخنف ص115. الطبرسي في الإحتجاج. ج2 ص31.
9. المقرم. مقتل الإمام الحسين. ص472. وكما ذكرنا سابقاً، أن في كثير من الموارد التي ذكر فيها اسم أم كلثوم، فالمعنية هي زينب وكنيتها "أم كلثوم". وفي هذا المورد يحقق عبد الرزاق المقرم، أن هذه الأشعار منسوبة إلى السيدة زينب.
10. القمي، نفس المهموم، ص275.
11. الكاشاني، حبيب الله. تذكرة الشهداء،ص442.
12. المازندراني، معالي السبطين. ج2، ص210. (المذكورة هي أم كلثوم، وكما اعتمدنا هي كنية زينب). والقمي. نفس المهموم، ص471.
 



المصدر: الدور الثقافي والحضاري لنساء آل البيت، م. سلوى الموسوي

التعليقات (0)

اترك تعليق