مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

وقت الفراغ والرضا العام عن الحياة

وقت الفراغ والرضا العام عن الحياة

[...] يمثّل النشاط الذي نقوم به في وقت الفراغ واحداً من العناصر الهامة للشعور بالرضا العام عن الحياة، فما دام ما يفعله الناس في أوقات فراغهم ليس عليه القيود التي على العمل، فإن كيفية قضاء وقت الفراغ يمكن أن تعطينا مؤشرات هامة عمّا يريد الناس، وما الذي يجعلهم سعداء.
ما المقصود بأنشطة وقت الفراغ؟
إن كل شيء يفعله المرء أثناء الساعات التي لا يكون فيها نائماً أو يعمل أو يأكل أو يرعى نفسه أو أسرته تندرج تحت هذا العنوان، وساد الاعتقاد زمناً طويلاً أن نشاط وقت الفراغ هو ما يفعله المرء في الوقت المتبقي بعد العمل، ونحن نعرف الآن أن هذا تأكيد خاطئ، لأن بعض الناس لا يعملون، ولأن وقت الفراغ أكثر أهمية، بالنسبة للكثير من الناس، من العمل.
وكذلك تتداخل بعض أنواع نشاط وقت الفراغ مع العمل، وقد فرّق بعض السيكولوجيين تفرقة حادة بين العمل كفعل موجه أو وسيلي، وبين أنشطة وقت الفراغ كنشاط تعبيري يؤدى لذاته ويحقق إشباعاً ذاتياً.
ورغم هذا، تتضمن الصور الأكثر جدية من أنشطة وقت الفراغ السعي نحو أهداف محددة: فالناس لا تسبح فقط للاستمتاع بالماء والمرح ولكن لتحسين السباحة وسرعتها، وللمحافظة على اللياقة البدنية. والمنحى الأفضل هو أن نعرّف أنشطة وقت الفراغ على أنها تلك الأنشطة التي يقوم بها الأفراد لمجرد رغبتهم في ذلك ومن أجل إشباع أنفسهم، وللاستمتاع والترفيه والارتقاء بالذات، أو لأهداف اختاروها هم لأنفسهم، وليس من أجل عائد مادي.
نشاط وقت الفراغ والرفاهية:
يتضمن جانب من تعريف أنشطة وقت الفراغ أنها نشاطات يقوم بها المرء كهدف في حد ذاته، وربما تضمنت أهدافاً مباشرة، مثل المرح أو الاستمتاع بشيء، وأهدافاً بعيدة المدى مثل بلوغ كفاءة في مهارة أو رياضة، ويمكن النظر إلى كل هذه الأهداف على أنها غايات مقبولة في حد ذاتها، ولا تتطلب أي تبرير، ولكن ربما ظللنا نتساءل عمّا إذا كان نشاط وقت الفراغ يدعم الرفاهية بوجه عام، وكذلك الصحة البدنية والصحة النفسية.
ويعد الشعور بالرضا عن وقت الفراغ أحد مكونات مؤسسة الشعور العام بالرضا، وقد وُجد أن التعريف الضيق لنشاط وقت الفراغ على إنه الهوايات ليس مؤشراً جيداً للتنبؤ بالرفاهية، كذلك فلم يقدر على إنه مجال مهم، ولكن نشاط وقت الفراغ كان واحداً من أهم المؤشرات التي تنبئ بالرفاهية بوجه عام إذا حددنا معناه بأنه "الحياة خارج نطاق العمل".
ويؤثر نشاط وقت الفراغ أيضاً على الزواج وعلى جوانب الحياة الاجتماعية الأخرى، كما أن أنشطة وقت الفراغ التي تجري بصورة مشتركة بين الزوج والزوجة تقترن بدرجة أعلى من الشعور بالرضا عن الزواج، وخاصة في السنوات المبكرة عن الزواج، وكذلك بعد أن يستقلّ الأبناء ويعيشوا خارج البيت.

نشاط وقت الفراغ في المنزل:
يتداخل نشاط وقت الفراغ مع الحياة العائلية تداخلاً عميقاً، وتشير الدراسات إلى أن أكثر من نصف وقت فراغ الراشدين ينقضي داخل المنزل وحوله، رغم أن كثيراً من الأنشطة المنزلية يُنظر إليها على أنها خليط من العمل وقضاء وقت الفراغ وتمارس بعض أنشطة وقت الفراغ الرئيسة في المنزل، مثل العناية بالحديقة وأشغال الإبرة والتطريز، وإصلاحات منزلية وديكور، قراءة الكتب والاستماع لأشرطة وأسطوانات، وحديثاً أضيف الإنترنت إلى القائمة.
وكثير من النساء لا يجدن غير وقت فراغ ضئيل جداً، مثل النساء العاملات ومن لديهن أطفال، وهن يقضين وقتاً أطول في البيت وأكثر أوقات فراغهن تكون في البيت، ويُنظر إلى بعض الأعمال المنزلية على أنها تنتمي إلى نشاط وقت الفراغ مثل التسوّق والطبخ ورعاية الحيوانات الأليفة والنباتات المنزلية... ويشاهد النساء التلفزيون أكثر من الرجال، وبينما يمارسن أشغال الإبرة والتطريز، يقوم الرجال بأعمال الإصلاح المنزلية والعناية بالحدائق أكثر أو تزيين البيت.
وعند أعمار معينة يقضي الناس وقتاً أطول في البيت، فالأزواج صغار السن، ممن لديهم أطفال صغار، لا يملكون الكثير من الأموال لإنفاقها، ويمارسون أنشطة فراغ قليلة تتركز في البيت، وفي منتصف العمر، عندما يكبر الأولاد أو يتركون المنزل، يستغل القليلون منهم الفرصة للتوسع في أنشطة وقت الفراغ، ويزداد نشاط بعضهم في دور العبادة أو في السياسة أو الأندية الاجتماعية أو يتناولون الطعام خارج المنزل أو يحضرون الحفلات الموسيقية، ولكن أكثرهم يبقى في البيت، وبعد التقاعد ورغم الحاجة إلى استبدال العمل بنشاط يوفر عوائد مشابهة له، يقضي معظم كبار السن أوقاتهم في المنزل ويشاهدون التلفزيون، رغم أن نشاط بعضهم يتزايد في الحديقة أو القراءة.
نشاط وقت الفراغ الاجتماعي:
يقضي الناس جانباً كبيراً من وقت الفراغ جزئياً – أو كلياً – بصحبة الآخرين، ولكن هناك فروقاً واسعة بين الجنسين، فالنساء خارج المنزل يلتقين بالأصدقاء والأقارب أكثر، كذلك فهن يترددن أكثر على الكنيسة والرقص وصالات البنجو، وإن كن أقل من الرجال من حيث الإقبال على شرب الخمر، كذلك هناك فروق في أنماط شكل وقت الفراغ اجتماعياً بين الأعمار المختلفة... فالمراهقون والشباب الراشدون يمارسون كثيراً من أنشطة وقت الفراغ المختلفة خارج المنزل، ويجربون أنشطة وعلاقات مختلفة وخاصة مع الجنس الآخر، بالإضافة إلى هذا نجد أن معظم الألعاب الرياضية ذات طبيعة اجتماعية، إذ يتطلب أداؤها ما بين اثنين إلى 22 لاعباً، كذلك فمشاهدة التلفزيون نشاط اجتماعي في جانب منه، رغم أن مستوى التفاعل الاجتماعي ينخفض بشدة أثناء المشاهدة، وتتضمن الأنشطة المنزلية عادة بعض التعاون مثلما هو الحال في العناية بالحديقة وإجراء الإصلاحات المنزلية.
لماذا يشترك الناس في أنشطة وقت الفراغ؟
بعبارة أخرى لماذا يشاهد الناس التلفزيون ويلعبون الألعاب الرياضية ويرون أصدقاءهم بدلاً من العمل طوال الوقت أو النوم؟ ولماذا يشتركون في هذه الأنشطة بعينها؟
استخدام المهارات وتنميتها:
يثير الدافع الذاتي لأنشطة وقت الفراغ الكثير من الدهشة إذا ما نظرنا على وجه الخصوص إلى أولئك الذين ينغمسون في أنشطة تستغرقهم تماماً وتتطلب قدراً كبيراً من الجهد والطاقة، مثل تسلق الصخور ولعب الشطرنج...
وقد وجدت الدراسات أن أكثر مكونات هذه الأنشطة إشباعاً هي الاستمتاع بالخبرة، واستخدام المهارات، وطبيعة النشاط نفسه من حيث نمطه، ومحتوى النشاط والعالم الذي يوفره، وتنمية المهارات الفردية، وهناك استنتاج مماثل مستمد من دراسة سيسولوجية عن هواة التمثيل والحفريات ولعبة البيسبول، الذين يخصصون بعمق لنمط منظم من النشاط يفرض عليهم الكثير من المتطلبات، وهو عكس الاسترخاء تماماً، فبالإضافة إلى الشعور بالإشباع التعبيري الذي يحصل عليه الفرد هناك شعور بالإشباع ينجم عن الروابط الاجتماعية الوثيقة التي تكون الشعور بالهوية فيما بعد، ولكنها تبدو في هذه الحالات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً باستخدام المهارات وتحقيق مستوى مرتفع من الكفاءة، ويشبه الشعور بالرضا الناجم عن استخدام وتنمية المهارات ما نسميه "بالدافع الذاتي" الذي يخبره الناس الذين يستمتعون حقاً بعملهم: إكمال عمل ذي معنى في جو من الاستقلالية، وهو مؤثر على الآخرين، كذلك فهم قادرون على أداء عملهم بنجاح، ويتضمن هذا العامل الرغبة في تنمية المهارات، والقدرات والمعارف وتخطيط للنمو، ومتعة في مواجهة قدر معين من التحديات، إن هذا العامل الخاص باستخدام المهارة وتنميتها يمكن أن يفسر بعض الضروب المختلفة من أنشطة وقت الفراغ الرئيسة فالرياضة والتمرينات البدنية تدور حول استخدام وتنمية المهارات واللياقة البدنية، كذلك تتصل كثير من الهوايات والاهتمامات الفكرية بالمهارات الفنية والعقلية، وقد وجدت دراسة أجريت على من يقضون إجازات، أن واحداً من أهم دوافعهم هو اكتشاف الذات أو النمو الشخصي.
الدافع الاجتماعي:
لقد وجدت كل دراسة عن دوافع نشاط وقت الفراغ أو إشباعاته، أن واحداً من أهم مكوناتها هو الدافع الاجتماعي، ويتضمن هذا الدافع الاتصال بالأسرة والأصدقاء والجنس الآخر، ويتضمن أيضاً القدرة على مساعدة الآخرين وأن يكون الشخص قوياً ومنتمياً، ويذكر أحياناً على أن أهم أسباب نشاطات وقت الفراغ أو واحد من أهم أسبابها، وفي دراسة واحدة على الأقل كان هذا المكون الاجتماعي هو أفضل المؤشرات التي تنبئ بالإشباع العام المستمد من نشاط وقت الفراغ، ويكمن التنبؤ بهذا المكون الاجتماعي على أفضل وجه من الشعور بالرضا عن الأشياء التي تؤدى مع الأصدقاء، ومن أهم مصادر الرضا عن الحياة أن يشترك الفرد في مشروعات تعاونية، وقد رأينا أن مشاهدة التلفزيون تحدث عادة مع الأسرة، بالإضافة إلى ما كانت تزود به من تفاعل على مستوى الخيال أو شبه اجتماعي مع الشخصيات ومقدمي البرامج، كذلك فهي توفر موضوعات أساسية للحديث سواءً في العمل أو مع الأصدقاء.
وتتأثر الإجازات تأثراً كبيراً بالعامل الاجتماعي، فمعظم الناس يقضون الإجازات بصحبة الأزواج أو الأسرة أو الأصدقاء، ومن أهم أسباب الحصول على إجازة زيارة الأصدقاء والأقارب.
ولكن: ما الذي يفعله الناس معاً؟ الشعور بالصحبة هو أهم ما يوفره الآخرون، شخص آخر تشاركه الخبرات والأنشطة وتتحدث إليه، ويساعد على حل المشكلات، ويزامل في الألعاب، فوجود الآخرين ضروري للاستمتاع باللهو، كذلك يتناول الناس الطعام والشراب معاً، وهم يتناولون معاً في المنزل أو يخرجون لذلك معاً، وهم يذهبون إلى الحدائق العامة مع أعضاء من الأسرة، ويمارسون الألعاب مع جماعات من الأصدقاء.
الهوية وتقديم الذات:
كان توفير الهوية وتقدير الذات من مصادر الرضا عن الرضا التي بينتها الدراسات التي أجريت على المتعطلين، وهو أيضاً أحد مكونات الرضا عن نشاط وقت الفراغ.
ويمكن لأنشطة وقت الفراغ أن تقوم بهذه المهمة بطرق عديدة مثل:
1- ارتداء الملبس الجذاب (في الرياضة أو... الخ).
2- الحصول على مكانة من خلال مناصب في الأندية مثلاً أو مكانة غير رسمية كما في الجماعات الرياضية أو غيرها.
3- اكتساب مهارات وكفاءات جديدة (في الرياضة والموسيقى والخزف.. الخ).
4- استخدام أساليب خاصة للأداء (مثلاً في الفن).
5- التعبير عن مخالفة الأساليب المعتادة وإبراز الخصوصية.
6- الحصول على عضوية جماعة خاصة.
7- التحدث عن النشاط لمن لا يمارسونه.
وبينما يكون العمل المأجور هو المصدر الرئيس للهوية بالنسبة للكثير من الناس فإن هذا لا ينطبق على الجميع، وخصوصاً المتقاعدين والعاطلين عن العمل وربات البيوت، ومن لا يوفر لهم العمل الكثير من الشعور بالرضا.
ولا تساعد الأشكال الجمعية من نشاط وقت الفراغ على إعطاء إحساس بالهوية وذلك باستثناء تشجيع الفرق الرياضية التي تعطي ذلك الإحساس بالتأكيد، إنها الأنشطة الأقل شيوعاً والأكثر استغراقاً للطاقة هي التي تسهم أكبر إسهام في تركيز الشعور بالهوية، مثل الاشتراك في الحفريات كهواية، والتمثيل والاشتراك في رياضات الهواة ذات المستوى المرتفع وخصوصاً إذا تضمنت أداءً علنياً، وهناك في واقع الأمر عدد كبير ومتنوع من أنشطة وقت الفراغ يلبي كل منها حاجات جماعة صغيرة ويقدم هوية متميزة.
الاسترخاء:
بينتْ كل دراسات دوافع قضاء وقت الفراغ أن الاسترخاء واحد من أهم مكوناتها، كذلك فإن الحاجة إلى الاسترخاء بوجه خاص من أهم دوافع قضاء الإجازات، 37% قدموا الاسترخاء كدافع، ونجد أن الناس لو سئلوا لماذا يشاهدون التلفزيون، لأجاب 60% منهم بأن ذلك (للترويح والاسترخاء) بينما يجيب 41% لأنه طريقة لطيفة لقضاء الأمسية، كذلك يجيب 46% (لأنني أحب مشاهدة التلفزيون) ويجيب 27% لأنه ليس هناك شيء آخر أفعله في هذا الوقت، بيد أن التلفزيون يمكن أن يؤثر في الاتجاه العكسي أيضاً، بمعنى أنه يوفر إثارة للناس عندما يشعرون بالملل، ويقترح عدد من نظريات اللعب أن وظيفة اللعب هي ضبط مستوى الاستشارة، أما بزيادته أو بتخفيضه، وهناك بعض العقاقير التي يمكن لها أن تقوم بهذه الوظيفة كالنيكوتين مثلاً، وربما كان التلفزيون مشابهاً لهذه العقاقير في قدرته على تحقيق المستوى الأمثل من الاستثارة، وفي دراسة أمريكية وُضع الأفراد في حالات مزاجية مختلفة، وسُمح لهم بعدها بالاختيار بين برامج مختلفة ووجد أن من كانوا يشعرون بالملل اختاروا برامج مثيرة، وقد كان لهذا تأثير في رفع مستوى استثارتهم بينما اختار من تعرضوا لمشقة برامج محققة للاسترخاء وأخرى مثيرة بنفس القدر، وكلا من النوعين خفض مستوى استثارتهم.
نشاط وقت الفراغ كاستجابة للعمل:
كما رأينا في الفقرات السابقة فإن نشاط وقت الفراغ يوفر صوراً من الشعور بالرضا قريبة الشبه مما يزودنا به العمل، وبالإضافة إلى هذا فهو مصدر لصور أخرى مختلفة، وليس هناك فرق واضح بين العمل ونشاط وقت الفراغ في المجتمعات الأكثر بساطة، فليس هناك فترات محددة لوقت الفراغ، كما أن هناك الكثير من الغناء وحكاية القصص أثناء العمل ويقال أن وضع وقت الفراغ في مقابل العمل بدأ واتضح في بريطانيا منذ عهد الثورة الصناعية، عندما بدأ الناس يعملون في مصانع، ولساعات محددة، وغالباً تحت ظروف غير سارة، وقد كان إنجلزEngles هو أول من اقترح أن نشاط وقت الفراغ هو نوع من التعويض عن العمل.
وقد أصبح نشاط وقت الفراغ الآن منفصلاً عن العمل، وأصبح مقتصراً على أوقات عدم العمل لدى أغلب الناس إلى أي مدى يمكن القول بأن نشاط وقت الفراغ يمثّل ردّ فعل للعمل، أو تعويض عنه، أو مختلف عمداً عنه؟
لقد وُجد أن العمال اليدويين غير المهرة يشعرون عادة بالتعب، ويرغبون في الاسترخاء ومشاهدة التلفزيون بعد نهاية اليوم، أما الصيادون في أعماق البحار وعمال البناء فإنهم يسعون إلى "تعويض متفجر" عن عملهم الشاق.
ويلعب العاملون بالإعلان وأطباء الأسنان الكثير من الرياضة البدنية، ربما ليحققوا الاسترخاء، ويبدو أن نمط التعويض ينطبق أكثر على من يكون عملهم إما شاقاً للغاية، أو مملاً وغير مشبع، وكذلك على العمال كيدويين غير المتعلمين، ولكن الدراسات التي أجريت على الأهمية العامة للتعويض في نشاط وقت الفراغ توحي بأن يكون الهدف الرئيسي لدى حوالي 5% فقط من الناس ويكون هدفاً ثانوياً لدى 25%.
وترى النظرية المقابلة أن العمل يفيض على نشاط وقت الفراغ: وربما اختار الأفراد نشاطات وقت الفراغ مشابهة لعملهم، فالعمال الزراعيون يعتنون بالحديقة، ومديرو البنوك يعملون كأمناء لصناديق الأندية، والمثقفون يقرؤون الكتب أو يكتبونها، ويمتد العمل بالنسبة لبعض الناس إلى نشاطهم في وقت الفراغ: فالاختصاصيون الاجتماعيون والمديرون والأكاديميون والكتاب والفنانون لا يأخذون العمل إلى المنزل معهم ويخلطون بين العمل ونشاط وقت الفراغ فحسب، بل إننا لا نجد لديهم أيضاً تمييزاً واضحاً بين الاثنين، وذلك كما كان العمال قبل الثورة الصناعية، وهم ليس لديهم ساعات محددة للعمل، ويعملون أثناء نهاية الأسبوع وفي العطلات، ويخلطون بين حياتهم الاجتماعية وبين العمل، ويمارس رجال الأعمال الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية التي يمكن النظر إليها على أنها نشاط لوقت الفراغ أثناء العمل ويصبح الزملاء أصدقاءً، وينظرون إلى العمل ونشاط وقت الفراغ كشيئين متشابهين، وتصبح الرغبة في النمو والتقدم واحدة من أهم دوافع نشاط وقت الفراغ، والعمل بالنسبة للكثير من هؤلاء الأفراد مشبع جداً لأن به عدداً من خصائص أنشطة وقت الفراغ: درجة كبيرة من الحرية والاستقلال، والقدرة على أداء العمل حسب سرعتهم الخاصة وبطريقتهم الخاصة، وشعورهم – بمعنى معين – بأنهم يملكون ناتج العمل، ومن الخطأ أن نسميهم "مدمني عمل"، لأنهم في واقع الأمر يمارسون اللعب في نفس الوقت، ورغم هذا، فإن نظرية الفيض هذه لا تفسر إلا نسبة قليلة من نشاط وقت الفراغ.
وهناك نظرية ثالثة تقول باستقلال العمل عن نشاط وقت الفراغ: وقد اكتسبت هذه النظرية مزيداً من الدعم في السنوات الأخيرة نتيجة للفشل النسبي لمحاولات التنبؤ بنشاط وقت الفراغ من متغيرات العمل وبالنسبة للكثير من الناس – وربما للأغلبية – لا يرتبط العمل ونشاط وقت الفراغ معاً، وهما مختلفان، ولكن ليس عن قصد، وقد وُجد أن هذا يصْدق على موظفي البنوك والموظفين الكتابيين مثلاً، فهم يستمتعون بعملهم، ولكنهم ليسوا مرتبطين به ارتباطاً عميقاً مثلما هو الحال في المجموعة الثانية: "فهم، ليسوا مستغرقين تماماً في العمل بحيث يرغبون في نقله معهم إلى أوقات غير العمل، ولا متأذين بحيث تنمو لديهم علاقة عداوة أو علاقة حب – كراهية نحوه"، ويقل احتمال أن يصبح زملاؤهم أصدقاءً، والوظيفة الأساسية لنشاط وقت الفراغ لديهم هو الترويح، رغم أن بالنسبة لبعضهم يمكن لنشاط وقت الفراغ أن يكون أكثر أهمية وأكثر إرضاءً من العمل.
 


المصدر : الباحثون العدد 54 كانون الأول 2011

إعداد: هبة الله الغلاييني.

التعليقات (0)

اترك تعليق