عمرة بنت النعمان الأنصارية: قالت عندما أمرها مصعب أن تتبرأ من زوجها المختار: شهادة أرزقها ثم أتركها، كلا إنها موتة ثم الجنة والقدوم على الرسول وأهل بيته (ع)
عمرة بنت النعمان الأنصارية
إن التاريخ يحدثنا عن مسلمات صالحات، كمن مرَّ ذكرهن، إذ أن المرأة المسلمة العربية المؤمنة، الصادقة بعقيدتها قد قامت بدور عظيم في مجال التوجيه الاجتماعي والديني والأخلاقي والسياسي.
إن حادثة عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصارية من أروع الحوادث التي تدلنا على تمسك المرأة المؤمنة بالعقيدة والوقوف بجانب الحق مما جعلها تسير في صف أعاظم الرجال.
كانت عمرة بنت النعمان زوجة المختار الثقفي(1) الذي قتله مصعب بن الزبير بعد انتصاره عليه في الحرب التي دارت بينهما.
وبعد مقتل المختار أرسل مصعب وأحضر عمرة بنت النعمان زوجة المختار وطلب منها أن تتبرأ من زوجها أمام الناس وتطعن في دينه.
ولكن عمرة وقفت مواقف الأشراف الأباة، وهيهات أن تذل الحرة، وتبيع عقيدتها، أمر مصعب بقتلها لعلها تنهار أمام التهديد والخوف. واستعمل جميع وسائل الإغراء من بذل المال وأطماعها بالجاه، وغير ذلك.
لكنه وقف أمام عقيدتها الراسخة ووفائها وصمودها الجبار عاجزاً مقهوراً. فباء بالفشل والخيبة، ولم تنفعه الحيل.
ففي الطبري: (قال أبو مخنف) وحدثني محمد بن يوسف إن مصعبا لقى عبد الله بن عمر فسلم عليه وقال له أنا ابن أخيك مصعب فقال له ابن عمر نعم أنت القاتل سبعة آلاف من أهل القبلة في غداة واحدة عش ما استطعت فقال مصعب إنهم كانوا كفرة سحرة فقال ابن عمر والله لو قتلت عدتهم غنما من تراث أبيك لكان ذلك سرفا فقال سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت في ذلك:
أتى راكب بالأمر ذي النبأ العجب * بقتل ابنة النعمان ذي الدين والحسب
بقتل فتاة ذات دل ستيرة * مهذبة الأخلاق والخيم والنسب
مطهرة من نسل قوم أكارم * من المؤثرين الخير في سالف الحقب
خليل النبي المصطفى ونصيره * وصاحبه في الحرب والنكب والكرب
أتاني بأن الملحدين توافقوا * على قتلها لأجنبوا القتل والسلب
فلا هنات آل الزبير معيشة * وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب
كأنهم إذ أبرزوها وقطعت * بأسيافهم فازوا بمملكة العرب
ألم تعجب الأقوام من قتل حرة * من المحصنات الدين محمودة الأدب
من الغافلات المؤمنات بريئة * من الذم والبهتان والشك والكذب
علينا كتاب القتل والبأس واجب * وهن العفاف في الحجال وفى الحجب
على دين أجداد لها وأبوة * كرام مضت لم تخز أهلا ولم ترب
من الخفرات لا خروج بذية * ملايمة تبغى على جارها الجنب
ولا الجار ذي القربى ولم تدر ما الخنا * ولم تزدلف يوما بسوء ولم تحب
عجبت لها إذ كفنت وهي حية * ألا إن هذا الخطب من أعجب العجب
وفي البداية والنهاية لابن كثير:
وقد سأل مصعب أم ثابت بنت سمرة بن جندب امرأة المختار عنه فقالت: ما عسى أن أقول فيه إلا ما تقولون أنتم فيه، فتركها واستدعى بزوجته الأخرى وهي عمرة بنت النعمان بن بشير فقال لها: ما تقولين فيه؟ فقالت: رحمه الله لقد كان عبدا من عباد الله الصالحين، فسجنها وكتب إلى أخيه إنها تقول إنه نبي فكتب إليه أن أخرجها فاقتلها، فأخرجها إلى ظاهر البلد فضربت ضربات حتى ماتت، فقال في ذلك عمر بن أبي رمثة المخزومي(2).
إن من أعجب العجائب(3) عندي * قتل بيضاء حرة عطبول
قتلت هكذا على(4) غير جرم * إن لله درها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات(5) جر الذيول
وفي أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين:
عمرة بنت النعمان زوجة المختار الثقفي. بعد مقتل زوجها أرادها مصعب بن الزبير على أن تتبرأ من زوجها فأبت ذلك، فأمر مصعب أن توضع في حفرة. ووقف السياف على رأسها شاهرا سيفه ووقف بجانبه مصعب يحضها على أن تتبرأ من زوجها، تارة كان يهددها بالقتل وتارة يغريها بالمال والجاه. وهي تقول غير آبهة لوعده ولا مبالية بتهديده: كيف أتبرأ من رجل يقول ربي الله؟ كان صائم نهاره قائم ليله، قد بذل دمه لله ولرسوله، شهادة أرزقها ثم اتركها؟... اللهم أشهد أني متبعة لنبيك وابن نبته وأهل بيته وشيعته... فأمر مصعب السياف أن يضربها بالسيف فضربها ثلاث ضربات حتى ماتت، وفيها يقول عمر بن أبي ربيعة:
قتلوها ظلما على غير جرم * إن لله درها من قتيل
ويقول سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت:
فلا هنات آل الزبير معيشة * وذاقوا لباس الذل والخوف والحرب
كأنهم إذ أبرزوها وقطعت * بأسيافهم فازوا بمملكة العرب
ألم تعجب الأقوام من قتل حرة * من المحصنات الدين محمودة الأدب
وفي شجرة طوبى للشيخ محمد مهدي الحائري:
ثم أتى بحرم المختار فدعاهن إلى البراءة منه، والدخول في طاعة أخيه عبد الله بن الزبير ففعلن إلا حرمتين له أحديهما بنت سمرة بن جندب الفرازي: والثانية ابنة النعمان بن بشير الأنصاري، وقالتا: كيف نتبرأ من رجل يقول: ربي الله كان صائم نهاره وقائم ليله قد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قتلة ابن بنت رسول الله وأهله وشيعته فأمكنه الله منهم حتى شفى النفوس فكتب مصعب إلى عبد الله يخبره بخبرهما فكتب إليه إن رجعتا عما إليه وتبرئتا منه فخل سبيلهما، وإلا فأقتلهما فعرضهما مصعب على السيف فرجعت بنت سمرة ولعنته وتبرئت منه، وقالت لو دعوتني إلى الكفر مع السيف لكفرت أشهد أن المختار كافر وأبت ابنة النعمان بن بشير وقالت شهادة أرزقها لم أتركها كلا أنها موتة ثم الجنة والقدوم على رسول الله وأهل بيته، والله لا يكون أتي مع ابن هند فأتبعه واترك بن أبي طالب اللهم أشهد أني متبعة لنبيك وابن بنته وأهل بيته وشيعته ثم قدمها مصعب فقتلت صبرا ففي ذاك يقول الشاعر:
إنما أعجب الأعاجيب عندي * قتل بيضاء حرة عطبول
قتلوها ظلما على غير جرم * إن لله درها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا * وعلى الغانيات جر الذيول
ولا يخفى أن الرجل الغيور لا يتعرض لأحد من النساء، ولا يؤاخذها بكلامها وإن أخشنت في كلامها فكيف بأن يقتلها، ولذا لما قالت الحوراء زينب ما قالت في مجلس عبيد الله بن زياد (لع) وغضب اللعين وهم بها قام عمرو بن حريث: وقال يا أمير المؤمنين إنها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها فكف اللعين عنها مع تلك الشقاوة فيا للعجب من رجل صنع صنعا لم يصنعه ابن مرجانة وهو قتل حرة مسلمة لأنها لم تبايع وقتلها صبرا، وقد نهى رسول الله أن يقتل أحد صبرا وهو أن يمسك المقتول بحيث لا يقدر على الحركة، ولم يزل يضرب ويطعن ويرمى حتى يموت وكان الله قد شاء أن هذه المرأة الصالحة تتأسى بالحسين(ع) لأنه أيضا قتل صبرا كما قال زين العابدين(ع) في خطبته بالكوفة: أنا ابن من قتل صبرا وكفى بذلك فخرا، والحاصل لما صفي لمصعب العراق وأخذ البيعة من أهلها لأخيه خرج إلى الشام لحرب عبد الملك وإنفاذ أمره في أهله، وسار حتى وصل بباحميرا ففي ذلك يقول الشاعر:
أبيت يا مصعب الأسيرا * في كل يوم لك بباحميرا
وفي قاموس الرجال للشيخ محمد تقي التستري:
وفي المروج: أتى مصعب بحرم المختار فدعاهن إلى البراءة منه، ففعلن إلا حرمتين له، إحداهما: بنت سمرة بن جندب، والثانية: ابنة النعمان بن بشير، قالتا: كيف نتبرء من رجل يقول: ربي الله، كان صائما نهاره قائما ليله، قد بذل دمه لله ورسوله في طلب قتلة ابن بنت الرسول وشيعته، فأمكنه الله منهم حتى شفى النفوس؟(6) وفي الطبري: وتجرد المختار لقتلة الحسين (عليه السلام) فقال: مأمن ديننا ترك قوم قتلوا الحسين (عليه السلام) يمشون أحياءا في الدنيا آمنين! بئس ناصر آل محمد! أنا إذن الكذاب كما سموني، فإني أستعين بالله عليهم؛ الحمد لله الذي جعلني سيفا ضربهم به ورمحا طعنهم به، وطالب وترهم والقائم بحقهم؛ إنه كان حقا على الله أن يقتل من قتلهم وأن يذل من جهل حقهم؛ وقال: اطلبوا لي قتلة الحسين (عليه السلام) فإنه لا يسوغ لي الطعام والشراب حتى أطهر الأرض منهم. وقال لجمع من قتلته: قتلتم من أمرتم بالصلاة عليه في الصلاة؟! ولما قتل عمر بن سعد وابنه حفصا قال: هذا بالحسين وهذا بعلي بن الحسين ولا سواء، والله! لو قتلت ثلاثة أرباع قريش ما وفوا أنملة من أنامله(7).
وفي تاريخ الكوفة للسيد البراقي:
ولما قتل المختار تتبع مصعب أصحابه بالكوفة، فقتل من الناهضين معه سبعة آلاف رجل كلهم خرجوا للطلب بدم الحسين (عليه السلام)، ثم بعث على حرم المختار ودعاهن إلى البراءة منه، ففعلن إلا امرأتان له، إحداهما: أم ثابت بنت سمرة بن جندب الفزاري، وثانيتهما: عمرة ابنة النعمان بن بشير الأنصاري. قالتا: كيف نتبرأ من رجل يقول: ربي الله، وكان صائما نهاره قائما ليله، قد بذل دمه لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) في طلب قتلة ابن بنت رسول الله وأهله وشيعته، فأمكنه الله منهم حتى شفى النفوس. فكتب مصعب إلى أخيه عبد الله بخبرهما، فكتب إليه: إن رجعتا عما هما عليه وتبرأتا منه وإلا فاقتلهما. فعرضهما مصعب على السيف فرجعت ابنة سمرة بن جندب ولعنته، وتبرأت منه وقالت: لو دعوتني إلى الكفر مع السيف لأقررت، أشهد أن المختار كافر. وأبت ابنة النعمان بن بشير وقالت: شهادة أرزقها ثم أتركها، كلا إنها موتة ثم الجنة والقدوم على الرسول وأهل بيته (عليهم السلام)، والله لا يكون أتي مع ابن هند فأتبعه وأترك ابن أبي طالب، اللهم اشهد أني متبعة نبيك وابن بنته وأهل بيته وشيعته. فأمر بها مصعب فأخرجت إلى ما بين الحيرة والكوفة وقتلت صبرا، وفي قتلها يقول عمر بن أبي ربيعة القرشي:
إن من أعجب العجائب عندي * قتل بيضاء حرة عطبول
قتلت هكذا على غير جرم * إن لله درها من قتيل
كتب القتل والقتال علينا * وعلى المحصنات جر الذيول(8).
________________________________________
(1) المختار الثقفي هو الذي قام بأخذ ثأر الحسين عليه السلام. ممن قتله، أو أشرك بدمه وكان شعاره: يا لثارات الحسين: ولما قتل المختار عبيد الله بن زياد وأتباعه لعنهم الله... استتب الأمر للمختار. وبعث عبد الله بن الزبير أخاه مصعباً إلى العراق واليا. فدارت بين المختار وبين مصعب معارك كثيرة كانت الغلبة فيها لمصعب على المختار فقتله وقتل زوجته عمرة. فرحم الله المختار وزوجته شهداء العقيدة والمبدأ.
(2) في الطبري 7/ 158: عمر بن أبي ربيعة القرشي، وفي ابن الأثير 4/ 275: عمر بن أبي ربيعة المخزومي وفي مروج الذهب 3/ 119: ففي ذلك يقول الشاعر، وفي ابن الأعثم 6/ 200: فقال بعضهم في ذلك.
(3) في مروج الذهب: الأعاجيب، والعطبول: المرأة الفتية الجميلة الطويلة العنق.
(4) في مروج الذهب: قتلوها ظلما على غير جرم.
(5) في الطبري وابن الأعثم وابن الأثير: المحصنات.
(6) مروج الذهب: 3/ 99.
(7) تاريخ الطبري: 6/ 57، 61.
(8) الأخبار الطوال: 309، تاريخ اليعقوبي: 2/ 264، تاريخ الطبري: 4/ 574، تاريخ دمشق: 69/ 296- 297، البداية والنهاية: 8/ 319.
المصادر:
* تاريخ الطبري، الطبري، ج4، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت- لبنان، قوبلت هذه الطبعة على النسخة المطبوعة بمطبعة "بريل" بمدينة لندن في سنة 1879م.
* البداية والنهاية، ابن كثير، ج8، تحقيق وتدقيق وتعليق: علي شيري، الطبعة الأولى، 1408- 1988م، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان.
* أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج8، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت- لبنان.
* شجرة طوبى، الشيخ محمد مهدي الحائري، ج1، الطبعة الخامسة، محرم الحرام 1385، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف.
* قاموس الرجال، الشيخ محمد تقي التستري، ج10، مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1422، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
* تاريخ الكوفة، السيد البراقي، تحقيق ماجد أحمد العطية، استدراكات السيد محمد صادق آل بحر العلوم المتوفي 1399 ه، الطبعة الأولى، 1424 ه/ 1382 ش، انتشارات المكتبة الحيدرية.
* المرأة في ظلّ الإسلام، السَّـيدة مريم نور الدّين فضل الله، دَار الزّهـرَاء للطباعة وَالنشر وَالتوزيع، لبنان ـ بيروت.
اترك تعليق