دور الصبر فی دوام الأسرة وبقائها (1)
إن الدنیا مليئة بالدعوات العديدة والمتنوعة، منها الدعوة إلى السعادة، إلى الجنة، النجاة من عذاب الدنيا، إلى الفلاح والنجاج، إلى العبادة، إلى التقوی.
ومنها الدعوة إلى الشقاوة، إلى النار، إلى المعاصي في الدنیا، إلى المال الحرام، إلى التلوث بعدم الإتيان بالفرائض.
والإنسان طيلة حیاته یقف بین هذه الدعوات الهادية والمهتدية من جانب والفتانة والمضلة.
فأيُّ إنسانٍ دعاك إلى شيء فقف عند هذه الدعوة؛ ما مضمونها؟ ما مصيرها؟ واعلم أنَّ الإنسان العاقل يعيش في المُستقبل ولكن الأحمق يعيش الحاضر، ولا ریب في أن المعصية والذنوب وإن کانت أکثرها حلو ولکنها عیش الحاضر، ومدته قلیل جدا، وأما التقوی فهو عیش المستقبل ومدته إلى الأبد ولا نهاية لها.
وفي ذلك قال الإمام الصادق(ع): من یتق الله فقد أحرز نفسه من النار بإذن الله وأصاب الخیر کله في الدنیا والآخرة. مختصر بصائر الدرجات: 79.
یعني أن التقوی هي الدعوة من الله تعالی إلى العیش الهنيء في المستقبل ومعناه عدم رضی الله تعالی للمتقي الإکتفاء بالعیش الحاضر!
فینبغی للإنسان العاقل المؤمن أن ینظر إلى الدعوة التي تدعوه إلى أمر، دائماً یسأل نفسه هذا السؤال: ماذا بعد الیوم وبعد هذا العمل الحاضر؟ وماذا بعد الموت وماذا بعد الحضر وماذا بعد الحساب وماذا.. ماذا..؟
فإذا وجد الجواب یمکن له أن یجیب عن السؤال بأن من أجاب کل دعوة هادیة ومضلة فقد أدرك الخسارة وأما من أجاب الدعوة إلى التقوی وعدم المعصية فقد تمسك بکل الخیر في الدنیا والآخرة.
دور الصبر في دوام الأسرة وبقائها (1)
مما اهتم به الإسلام وجمیع الأديان والرسالات السماوية، هو الأسرة والمجتمع العائلي، ودورها في المجتمع البشري، تأسيسها وبقائها، یعني أن للأسرة دور کبیر ومهم في إصلاح المجتمع الإنساني، وإذا کان کذلك فالأهم عند الإنسان العاقل هو السعي في دوام الأسرة وبقائها.
ومن تأمل في ذلك یجد أن لدوامها وبقائها عوامل وأسباب، ومنها الصبر عند وقوع الشدائد، والمصائب، لأن الأسرة هي ساحة الابتلاء والاختبار، وإن الله عز وجل أراد أن یختبر عباده في ساحة الأسرة بالمصائب والشدائد، ومن صبر حین ابتلاه الله بها، فهو الناجح، والمفلح، وأما من لم یصبر في ذلك الموضع، فهو الهالك وأما الهالك في ذلك من هلك أسرته وفسد بناء أسرته.
والمتأمل والناظر في القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بطرائقَ شتَّى ليمحِّصَهم، وأن مَن يجتاز الاختبار منهم بنجاح هو الذي يكون جديرًا بصفة الصابر؛ قال الله تعالی: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ. محمد: 31.
إن الصبر بمعناه الحقیقي من العناصر المهمة في اختبار الأمة وأسباب دوام الأسرة وبقائها، ولکن للصبر أساس وبنیان بحیث لولاه لما کان الصبر مفیدا ومثمرا.
الأول: المعرفة.
إن أول أساس الصبر في دوام الأسرة، المعرفة، ومن عرف الموضوع فکان یقدر أن یصبر علی الشدائد والمصائب.
وفي الأسرة وبین الزوج والزوجة إذا عرف واحد منهما الآخر نفسه ومکانته ومجبته وعلاقته به فکان یقدر علی الصبر علی المصائب الواردة والشدائد.
وأما إذا لم یکن علی معرفة فلم یکن قادرا علی الصبر.
فلذلک یمکن أن نقول: الصَّبر أساسه المعرفة، فإذا عرفت أنّ الله سبحانه وتعالى رحيمٌ بك، وخلقكَ لِيُسْعِدَك، فإذا رآك قد ساقَ لك من الشَّدائد، فیصبر ویشکر ولن یشتکي.
وإذا ابتلي أحد من الزوجة والزوج بالشدائد الأسرية، وعرف بأن طرفه الآخر
شریکه في الفرح والحزن وأسطوانة أسرته وعمید خیمة عیشه بحيث لولاه لما کانت الأسرة، فیصبر علی الشدائد وهذه المعرفة أحد أساس الصبر في تحققه في الأسرة.
الثاني: الحب.
لا شك في أن ثقافة الصبر ثقافة إيمانية تنبعث عن القلب وتوثر في الأعضاء وفي المجتمع وبالتالي توثر في بقاء المجتمع، وبما أن القلب هو إمام البدن والإمام قادر علی أن یؤثر في المأموم، فما کان في القلب أيضا یوثر لما کان خارج القلب.
وبما أن موضع استقرار المحبة هو القلب، فالمحبة یؤثر للصبر، لأن القلب وما کان فیه یوثر للآخرین. فعلی ذلك المحبة أيضا أساس الصبر، فالإنسان دائما يصبر على من يحب وهذا الأمر في الأسرة وبین الزوج والزوجة أکثر وجوداً من الغیر، لأن المحبة بینمها أکثر من الآخرین.
الزوج یصبر علی الزوجة حتی وأن تطالب بعض حقوقها بما أنه یحبها وأما الزوجة فتصبر علی الزوج وإن لم یعطها بعض حقوقها، لأنها تحبه والحب أساس الصبر.
فیمکن أن نقول الصابرون هم المحبون حقا، ومن صبر علی أمر فقد أحبه أشد الحب وبالطبع من لم یصبر علی أمور الدنیا والآخرة لم یکن محبا.
وهذا تجده واضحا في علاقة الأزواج والمحبين وخصوصا في علاقة الزوجية التبادلية، لأن الحب المشترك يحقق ما لا يحققه الآخرون.
الثالث: الإيمان.
الأساس والرکن الثالث في الصبر هو الإيمان، یعني من کان مؤمنا في صبر علی البلایا ومصائب والمشاکل، وبالتالي من لم یکن صابرا لم یکن مؤمنا، لأنه ورد في الحدیث عن أمير المؤمنین(ع):
وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه. نهج البلاغة خطب الإمام علي (ع) ج 4 ص 18.
إن الأسرة وأعضائها من الزوجة والزوج کالجسد الواحد وکما قاله الإمام علی(ع) رأس هذا الجسد الصبر، یعني إذا أرادا أعضاء الأسرة ببقاء الزوجية والعلاقات الأسرية فعلیهم الصبر علی ما حدث فیها من الأمور المختلفة.
أحب أن أريکم مثالا لبیان الصبر ودوره.
إن الصَّبر تمامًا يُشبه مريضًا جالسًا على كرسي طبيب أسنان، والمريض الواعي الراشد العاقل مع أنَّ له آلامًا مبرِّحة في الأسنان حين الحَفر، وفي أثناء المعالجة، لكنَ هذا المريض يضْغط على يدَيْه ويحْتملُ الآلام، وفي النِهاية يشْكر الطبيب لأنَه یؤمن بأن هذا الطبیب الذي يؤلِمُه هو في مَصْلحته.
فعلی هذا إن الثالث من الأساس والأرکان في الصبر هو الإيمان بالإقرار والتصدیق.
اترك تعليق