دور الصبر في دوام الأسرة وبقائها
إن الأسرة هي النواة الأولى في ترکیب أیي مجتمع بشریي، وتبني أي بناء في تاریخ البشر، والعنصر الأساسي في تربیة النفوس الآبية، وفي ذلك یقول الله سبحانه تعالى في محکم کتابه: وَمِنْ آیَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَکُم مِّنْ أَنفُسِکُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْکُنُوا إِلَیْهَا وَجَعَلَ بَیْنَکُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِی ذَلِکَ لَآیَاتٍ لِّقَوْمٍ یَتَفَکَّرُونَ.
إنّ الأسرة وإن کان تأسيسها حاجة فطریّة غریزیّة طبیعیّة عند الإنسان، ولکن بقائها ودوامها حکم وجداني وعقلاني یحکم به العقلاء في المجتمعات الإنسانية.
إن الحياة الزوجية، كما عبروا عنها، تآلف روحين وتجانس قلبين، للوصول إلى سعادتهما وکمالهما، وهذه لا تتم إلا باستخدام العنصر الصبر والحلم، بعد المحبة الإنس بینهما، حتی ستعد كل منهما للتضحية بكل شيء في سبيل الآخر، وبهذا تبدو الحياة الزوجية جميلة ورائعة ومملوءة بالأمل.
لا ریب في أن للصبر دور واسع ومهم في دوام کل شيء وکل بناء وخصوصا في دوام الأسرة وبقائها.
لأنه إذا لم یکن الصبر والحلم والتحمل، في الأسرة بین الزوج والزوجة، لا محالة تتحول الأسرة إلى ساحة للحرب والمنازعة، ويجعل من الحياة سجن کبیر مخوف مظلمة وأنها تقف سداً يحول دون تكامل الإنسان وتقوده إلى الهاوية والسقوط.
إن الصّبر ضد الشكوی والجزع، وهو قوّة تحمّل الإنسان وثباته، وعدم اضطرابه عند مقاومته لأهواء النفس وشهواتها، أو عند إتيانه بالعبادات والطاعات وانتهائه عن المعاصي والمخالفات، أو عند تعرّضه لأنواع الشدائد ونزول المصائب عليه، فلا يجزع ولا يشتكي ولا يأتي بالأفعال والحركات غير الملائمة، بل يثبت ويتحمّل ويقاوم إلى أن تنجلي ظلمة المحنة.
وفي ذلك قال رسول الله(ص): الصبر خير مركب، ما رزق الله عبدا خيرا له ولا أوسع من الصبر. مسکن الفواد: ص 50.
الأسرة والعائلة میدان تعامل أعضائها، ومن أراد أن یتعامل مع الآخرین فلابد له من تهیئه الوسائل وخیر وسیلة في التعامل مع العائلة والأسرة هو الصبر والتحمل.
لأن التعامل الأسري یشمل التعامل في القول والعمل وکلاهما قد ینجر إلى إظهار العیوب والکروب وتتشت الأقوال والمواضع، وخیر وسیلة تقدر علی تستر العیوب والکروب هو الصبر والحلم.
وفي ذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الصبر ستر من الكروب، وعون على الخطوب. کنز الفوائد: 1/139.
إن مرکب الصبر في الأسرة لم یکن مختصا بأحد أعضائها، بل یشمل جمیع الأعضاء، رجالا ونساء، فلذلك ورد في الروایات التوصية بصبر الزوج علی سوء خلق زوجته وبصبر الزوجة علی سوء خلق زوجها، وجعل الله تعالی لکل منهما إذا عمل بالوصية، أجرا عظیما.
قال رسول الله (ص): من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه أعطاه الله تعالى بكل يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب (ع) على بلائه، وكان عليها من الوزر في كل يوم وليلة مثل رمل عالج.
وفي مقابلة قال رسول الله(ص): من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل [ثواب] آسية بنت مزاحم. ميزان الحكمة ج 2 ص1187.
الصابر والصابرة في الجنة ویجلسان مع الأنبياء
بما أن الصبر خیر مرکب للرجل والمرأة، جعل الله تعالی هذا المرکب سبب للوصول إلى المقارنة المکانیة في الجنة مع الأنبياء والأولياء.
وفي ذلك روی الحلبي عن أبي عبد الله ع قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: إن خلادة بنت أوس بشرها بالجنة، وأعلمها أنها قرينتك في الجنة.
فانطلق ع إليها فقرع الباب عليها، فخرجت وقالت: هل نزل في شئ؟
قال (ع): نعم. قالت: وما هو؟
قال(ع): إن الله تعالى أوحى إلي وأخبرني أنك قرينتي في الجنة وأن أبشرك بالجنة.
قالت: أو يكون اسم وافق اسمي؟ قال(ع): إنك لأنت هي.
قالت: يا نبي الله ما أكذبك، ولا والله ما أعرف من نفسي ما وصفتني به. قال داود عليه السلام: أخبريني عن ضميرك وسريرتك ما هو؟
قالت: أما هذا فسأخبرك به، أخبرك أنه لم يصبني وجع قط نزل بي كائنا ما كان، وما نزل ضر بي حاجة وجوع كائنا ما كان إلا صبرت عليه ولم أسأل الله كشفه عني حتى يحوله الله عني إلى العافية والسعة، ولم أطلب بها بدلا، وشكرت الله عليها وحمدته.
فقال داود عليه السلام: فبهذا بلغت ما بلغت.
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وهذا دين الله الذي ارتضاه للصالحين.
بحار الأنوار ج14/38.
مقتل السیده رقیه
قال المحدث القمي : وفي كامل البهائي نقلا من كتاب الحاوية أن نساء أهل بيت النبوة أخفين على الأطفال شهادة آبائهم ويقلن لهم إن آباءكم قد سافروا إلى كذا وكذا ، وكان الحال على ذلك المنوال حتى أمر يزيد بأن يدخلن داره ، وكان للحسين ( عليه السلام ) بنت صغيرة لها أربع سنين قامت ليلة من منامها وقالت : أين أبي الحسين ( عليه السلام ) فإني رأيته الساعة في المنام مضطربا شديدا .
فلما سمع النسوة ذلك بكين وبكى معهن سائر الأطفال وارتفع العويل ، فانتبه يزيد من نومه وقال : ما الخبر ؟ ففحصوا عن الواقعة وقصوها عليه ، فأمر بأن يذهبوا برأس أبيها إليها ، فأتوا بالرأس الشريف وجعلوه في حجرها ، فقالت : ما هذا ؟ قالوا : رأس أبيك . ففزعت الصبية وصاحت فمرضت وتوفيت في أيامها بالشام .
وروى هذا الخبر في بعض التأليفات بوجه أبسط وفيه : فجاؤوا بالرأس الشريف إليها مغطى بمنديل دبيقي ، فوضع بين يديها وكشف الغطاء عنها ، فقالت : ما هذا الرأس ؟ قالوا : إنه رأس أبيك . فرفعته من الطست ، حاضنة له وهي تقول :
يا أبتاه من ذا الذي خضبك بدمائك ، يا أبتاه من ذا الذي قطع وريديك ، يا أبتاه من ذا الذي أيتمني على صغر سني ، يا أبتاه من بقي بعدك نرجوه ، يا أبتاه من لليتيمة حتى تكبر - وذكر لها من هذه الكلمات إلى أن قال : - ثم إنها وضعت فمها على فمه الشريف وبكت بكاء شديدا حتى غشى عليها ، فلما حركوها فإذا هي قد فارقت روحها الدنيا . فلما رأى أهل البيت ما جرى عليها أعلوا بالبكاء واستجدوا العزاء وكل من حضر من أهل دمشق فلم ير ذلك اليوم إلا باك وباكية ، انتهى. موسوعة شهادة المعصومين (ع) ج 2 ص 386.
اترك تعليق