مجتمعنا الإسلامي ونمط الحياة الغربي
مجتمعنا الإسلامي ونمط الحياة الغربي
نمط العيش أو نمط الحياة هو التجلي والتمظهر الفعلي السلوكي والقيمي لمنظومة اجتماعية وثقافية ولتجربة حضارية راهنة تفرض نفسها من خلال قوة نموذجها وما يمكن تسميته بمخرجات منظومة كاملة من القيم والمفاهيم والرموز للحياة الحضارية السائدة والمهيمنة، وهو ليس عملا أو سلوكاً فرديا منفصلاً أو مستقلاً، وهو في الغالب ليس اختياريا أو تلقائياً، بل نتيجة موجات متدرجة من التأثر بنموذج نمط العيش السائد المنتشر في بيئة جغرافية واجتماعية معينة. فالتغير في القيم والعادات والأعراف الاجتماعية أمر لا يتم بسهولة عادة، بل يحدث بصورة بطيئة وتدريجية. ويلاحظ أنه نادراً ما عاش مجتمع معاصر وحديث غير مندمج بالعولمة الأميركية والغربية على نمط عيش حضارته السابقة، إلا ونظر إليه على أنه يعاكس الحضارة السائدة ويقف بوجه التاريخ الراهن ويستعيد تاريخا غابرا رجعيا ومتخلفا. لهذا، يولد المرء في كنف أهله وهو ينظر في محيطه ويلاحظ النمط المعيشي الأكثر انتشاراً ومقبولية في المجتمع، ومن هناك يبدأ رحلة إدراك واكتساب النمط المعيشي من خلال رؤية وملاحظة الأشكال والرموز وأنماط المأكل والمشرب والملبس في محيطه ومدرسته وما هو مقترح في وسائل الإعلام والاتصال، ولا يصبح صاحب اختيار في هذا المجال إلا بعد خروجه إلى دائرة الرشد الاجتماعي.
ففي ظل تنوع وسائل الاتصال أصبحت الثقافة الغربية هي المهيمنة في كثير من البلدان الغربية والإسلامية. ولا يمكن اعتبار نمط الحياة الأمريكي والغربي مجرد سلوكيات أو أنظمة أو أفكار بعيدة عن أهداف وغايات الهيمنة، بل هو وسيلة حرب إيديولوجية استراتيجية يتم فيها الإخضاع الثقافي والسياسي والاقتصادي. يقول الدبلوماسي البريطاني أنتوني بارسونز: “إن استأنست بلغة أحد وأدبه، إن عرفت وأحببت بلاده، مدنها، فنونها، شعبها، ستكون مستعدا بشكل لاشعوري لاقتناء ما تريده منه أكثر من مصدر لا تعرفه بدقة، ولدعمه حين تعتبر أنه على صواب، ولتجنب معاقبته بقسوة إن أخطأ”[1].
فالسيطرة على أذواق الناس بالموسيقى والتلفزيون والسينما، من مايكل جاكسون إلى رامبو ومادونا إلى المصارعة الحرة، إلى لباس الشوارع والأطعمة السريعة وغيرها من السلع الاستهلاكية تشكل عمليات تدجين ثقافي يومي يمهد لتغيير قيم الشعوب ويفتح أسواقها أمام التجارة الأمريكية، ويغير من مواقفها السياسية. وقد تمكنت أمريكا من استغلال قوتها في الإنتاج الفني التلفزيوني وفي الصناعة الترفيهية وشركات الأقمار الصناعية فدخلت إلى كل بيت وأثرت في كل فرد. وكما ورد في كتاب "الإعلام الأمريكي بعد العراق.. حرب القوة الناعمة" تروِّج عبر العالم للحلم الأمريكي، الذي أصبح هو النمط المثالي للحياة، وهو الذي يسعى لتحقيقه كل إنسان، وحينها، تتلخص السعادة بالنسبة لكَ، بغض النظر عن جنسيتك أو ديانتك، في أن ترتدي الجينز الأزرق، وتستمع لموسيقى الروك أند رول، بينما تتأبط ذراع فتاتك في حفلة صاخبة، وتتناولان الهامبورجر الساخن."[2] فالحلم الأمريكي الذي يجري تسويقه، يقوم على إشباع الملذات الحسية وضرب القيم الروحية والمعنوية.
ويشهد مجتمعنا اليوم بمختلف فئاته وخاصة الشباب والمراهقين تقليدا أعمى وانبهارا بكل ما هو أمريكي وغربي، في أزياء الملابس وقصات الشعر وفي المأكل والمشرب (الأكلات السريعة والجاهزة) وطريقة الكلام واللغة والكتابة والترفيه وزيارات المولات والهوس بعمليات التجميل والوشم وتناول المنشطات والمنبهات والتدخين والمباهاة بالمظاهر المترفة كالتلفون والسيارة وغيرها ناهيك عن دخول تكنولوجيا الانترنت التي أثرت بشكل لافت في العلاقة بين الجنسين، فبتنا نشهد نمطا جديدا في العلاقات بين المرأة والرجل إضافة إلى حالات كثيرة من الطلاق سببه الواتس اب أو الفايس بوك. بل أصبح الطلاق سهلا ومستسهلا عند الزوجين لأسباب يمكن معالجتها وإصلاحها. وبدأنا ننتهج مسلكاً استهلاكياً استعراضيا، وأضحت المظاهر رمزا لمكانة الشخص، فكلما زاد في استهلاكه التفاخري زادت مكانته الاجتماعية.
طبعا هذا السلوك الجماعي لم ينشأ من فراغ وهو ليس وليد ساعته وإنما عمل عليه ويعمل في الليل والنهار بمكينات إعلامية ضخمة.
ومن أبرز مظاهر نمط الحياة الأمريكي والغربي في مجتمعنا:
1- الاستهلاك: شراء ما يفوق قدراتنا المادية:
إن ثقافة الاستهلاك ثقافة تمّ تصنيعها من قبل شركات تجارية عملاقة ومؤسسات مالية ضخمة، تعمل جنباً إلى جنب مع السياسي والحاكم على رسم سياسات مؤثرة في الشعوب هدفها الربح وتوسيع دائرة الاستهلاك وزيادة أعداد المستهلكين وتغيير الهوية الثقافية لهذه المجتمعات. فهي تخطط بذكاء تقني، وبفكر عملي وعقلية إنتاجية ربحية، وبأساليب متنوعة. تخلق عند المستهلك التعطش لاقتناء كل ما هو معروض من سلع وتنمي لديه حب التملك، وتقدم له نوع من الإحساس بالتميز والتفوّق بما يعزز مكانته الاجتماعية من الوجاهة وحب الظهور والتفاخر، فتدفعه إلى الشراء المفرط بما يتجاوز حاجاته. ومن المؤسف أن مجتمعنا مبتلى بهذه الثقافة فتغيير وتبديل السيارات، عفش البيت، الهاتف الذكي... باتت من العادات التي تغزو مجتمعاتنا. وقد نرى نوعا من المستهلكين يلجأ إلى الاقتراض للحصول على إيرادات إضافية لأجل شراء غير الضرورات، ويصبح غير قادر على الوفاء بأقساط تلك القروض، فيلجأ إلى مزيد من الدين أو القيام بأعمال غير مشروعة لأجل حب الظهور والتفاخر.
2- عادات شراء المأكولات السريعة عبر الخدمة:
تعتبر وتيرة استهلاك المأكولات السريعة في لبنان عالية خاصة في بلد يعتبر دخل الفرد فيه محدود، وتشير الإحصاءات إلى أن 61 % من المستهلكين يتناولون المأكولات السريعة من مرة إلى خمس مرات في الشهر، و21 % لا يتناولونها على الإطلاق. ونسبة الذين يشترون مأكولات سريعة 18% أي أكثر من 6 مرات في الشهر.
3- تكاليف الزواج:
إن إظهار الفرح والبهجة أمر محبوب ومطلوب بهذه المناسبات لكن لا أن تؤدي المبالغة فيها إلى المشقة والحرج والوقوع في الضيق أو إلى تفشي ظاهرة العنوسة وتراكم الديون على الشباب. لتشكل ضغوط اجتماعية كبيرة بدءً من غلاء المهور ونوعية العفش أو العادات الاجتماعية التي ترافق الزفاف من المبالغة في البذخ على الموائد، واستئجار قاعة الاحتفالات المكلفة أو نوعية الفساتين أو فرق الإنشاد ...
4-مناسبات وأعياد مخترعة:
يحتفل بأعياد ليست من الدين في شيء فتؤدي إلى فقدان الهوية وضياع الشخصية، ناهيك عما يصرف فيها من أموال تصل إلى حدود البذخ والإسراف من غير مسوغ ديني، من أبرزها عيد رأس السنة وعيد العشاق وأعياد الميلاد الشخصية....
5-الترفيه:
يعتبر الترفيه عامل ضروري لتحقيق توازن أي شخصية، فهو ينمي وينشط العلاقات الاجتماعية، ويخفف من الضغوط اليومية. ويؤثر تجاهله أو التعامل معه على أنه نوع من الترف أو الكماليات، سلبا على التعاطي مع باقي الأمور الحياتية. لكن لا أن يصبح ظاهرة سلبية في حياتنا، بحيث نسرف ونبالغ في الإسراف أو نقترض الأموال حتى تكون حياتنا سهر يومي أو تسلية مبالغ فيها.
6-الموضة:
تنتشر بين الشباب أنواع من أشكال الموضة الغربية بدءا من اللباس وقصات الشعر والوشم...، حيث بدأت تشكل ظاهرة وأصبح المجتمع يتقبلها شيئا فشيئا، صورة يومية تعتاد عليها العين في الشوارع، والساحات العامة والأماكن المزدحمة وأماكن التسلية والمطاعم والمقاهي. وباتت تشكل جزءا من سلوكيات المجتمع ولربما من عاداته وتقاليده. فهو يُقبل على الموضة بانهزامية وبسحق لهويته الثقافية. ومن مميزات هذه الموضة أنها غير ثابتة وتتغير بشكل سريع.
7-الهوس بعمليات التجميل:
إذا أدت هذه العمليات إلى أن تصبح من مظاهر التبرج والزينة وتجعل المرأة تتزين للأجنبي، يصبح هذا العمل غير مشروع. تشير بعض الدراسات إلى أن انتشار عمليات التجميل في لبنان بنسبة كبيرة حيث يتم إجراء أكثر من 120 جراحة تجميلية شهريا على الرغم من أن عدد السكان لا يتجاوز 4.5 مليون نسمة[3]. ويذكر أحد الأطباء أن نحو 55 في المئة من اللبنانيات يخضعن لعمليات تجميل من مختلف الفئات العمرية[4]. وتلهث النساء وراء هذه العمليات وتقبل عليها إلى حد الهوس إما لزيادة جمالهن أو للتشبه بالفنانات ونجمات السينما. ولا يقتصر الأمر على النساء بل يتعداه إلى الرجال أيضا. وتصل نسبة العمليات للرجال إلى 15% من إجمالي عمليات التجميل في لبنان[5].
ختاما:
طبعا هذا الأمر يحتاج إلى المعالجة والتنبه إذ لا تقف ثقافة الاستهلاك عند الاقتصاد فحسب بل تتعداها إلى البعد الثقافي والسلوكي فنستهلك الثقافة الغربية التي تؤثر بتصوراتنا وتفسیرنا للحیاة. وما نعيشه اليوم هو موت بطيء للهوية والذاكرة، وبشكل تدريجي يتآكل معه الجهاز المناعي لثقافة المجتمع وينعكس مباشرة على مواقفنا وسلوكياتنا، وينذر بأخطار على الأمن الاجتماعي.
________________________________________
[1] Sofia Kitsou: the power of culture in diplomacy: the case of us cultural diplomacy in France and Germany. 19 pages. 2013. p 2. In http://surface.syr.edu
[2] نقلا عن كتاب "الإعلام الأمريكي بعد العراق.. حرب القوة الناعمة "للكاتبان: “نيثان غردلز” و “مايك ميدافوي”.
[3] وفقا لإحصاءات International Society Of Aesthetic Plastic Surgery التي تحتسب حجم العمليات الجراحية في السنة قياسا الى عدد السكان. وتزداد العمليات التجميلية بنسبة 20% سنويا.
[4] -ايلاف- مقابلة مع طبيب التجميل غبريال خوري-27 نوفبر 2010.
[5] -ستيفاني غانم– (رصيف 22)- 17-3-2016.
المصدر: مركز الدراسات الاستراتيجيّة.
محمد شمص
اترك تعليق