مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

التقوى المجتمعية: متى يمكننا تفعيل التكافل الاجتماعي؟

التقوى المجتمعية: متى يمكننا تفعيل التكافل الاجتماعي؟

التقوى المجتمعية: متى يمكننا تفعيل التكافل الاجتماعي؟

بعد أن أنهى رسول الله، صلى الله عليه وآله، خطبته الرمضانية المشحونة بالوصايا والوجيهات الأخلاقية والروحية، سأله الإمام علي بن أبي طالب، عليه السلام، بأن "يا رسول الله! ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله -عزَّ و جلَّ-".
وفي القرآن الكريم وأيضا في السيرة المطهرة، ثمة تأكيد واضح على التزام التقوى والورع ذو المدخلية بالعلاقات الاجتماعية، على أن المطلوب ليس الإنسان المتقي والورع والملتزم بأحكام الله ليعيش وحده في هذه الحياة، إنما المسألة تتعلق ببناء المجتمع والأمة على أساس التقوى ومخافة الله –تعالى-.
وفي شهر رمضان المبارك، فإن الفرصة تكون مؤاتية لاستثمار شهر الصوم لإيجاد مصاديق عملية للتقوى المجتمعية، ولعل من أهداف الصوم، وهو عبادة خاصة تعني بين العبد وربه، هو أن ينعكس الإمساك عن الطعام وعن الشراب وعن الغريزة الجنسية، على سلوك الصائم وهو يتعامل مع أفراد أسرته أولاً؛ ثم مع جيرانه وأصدقائه والمحيطين به؛ سواء من القريبين أو البعيدين عنه.
خلال الأحد عشر شهراً الماضية جربنا عوامل عدّة للتقارب بين أفراد المجتمع، سواءً؛ التقارب في المستويات المعيشية، أو التقارب في الآراء والأفكار، فكان للمال والسياسة الدور الفاعل والقوي في الساحة، ولا ننكر نسبة النجاح في هذا المضمار، بيد أن الفشل والارتداد عكسياً بأضرار فادحة على المجتمع، لا يجب التغاضي عنه أيضا، لأن ببساطة؛ ليس كل الناس يمتلكون الأموال للإنفاق وبسط موائد الإفطار أو توزيع المساعدات العينية أو ما يسمى بـ "السلّة الرمضانية" التي تعد من أعمال البر المهمة والمؤثرة، كما إن الشريحة السياسية هم أناس معدودين يحظون بمواصفات وقدرات خاصة تمكنهم من جمع الناس حول عناوين مختلفة، وهي أيضا من الأمور الحضارية المطلوبة، والتي يعد التنظيم أولى ثمارها.
بيد أن المشكلة في كل هذا، عدم وجود الضمانات للاستمرارية وأيضا للنتائج المرجوة، فأي خطأ في الأداء ربما يؤدي إلى كوارث وأزمات تبدد كل الجهود المبذولة، بينما تقوى الله، وفي هذا الشهر الكريم، يمثل عملاً ذاتياً يتسم بالعفوية والعمق، ويجعل صاحبه ذو مسؤولية والتزام إزاء نفسه أولاً؛ ثم الآخرين، وهو الأهم، وهذا ممكن أن ينسحب على سائر أشهر السنة.
ولذا نجد أحد علمائنا يربط بين التلاحم الاجتماعي والوحدة في صفوف المجتمع والأمة، وبين حالة التقوى في القلب، فالقاعدة الأقوى التي يقوم عليها وحدة المجتمع، هي التقوى والعلاقة المتينة مع الله –تعالى- فإذا كان أفراد المجتمع يستسهلون أكل الربا وانتهاك الحرمات والتطفيف في الميزان والخيانة والكذب وغيرها من الرذائل، كيف يمكنهم مد يد الصداقة والتعاون مع الآخرين بحكم قاعدة عدم جواز اجتماع النقيضين.

ورب سائل عن كيفية تنمية ملكة التقوى في النفس؟
لقد كتب وتحدث علماؤنا كثيراً عن هذه المسألة الأخلاقية ذات الأبعاد الواسعة، وباختصار؛ فإن بإمكان الواحد منّا تقوية إرادته على الورع والتقوى وعدم الاستجابة إلى الرغبات والنزعات مهما كانت الظروف، وذلك بمساعدة عوامل عدّة منها؛ المداومة على تلاوة القرآن الكريم والتدبّر في آياته، والحضور في مجالس الذكر، حيث البحوث الثقافية والفكرية والعقائدية، وأيضا؛ الانفتاح الكامل على الأدعية والأعمال المندوبة في هذا الشهر الفضيل التي تشحذ الهمة على طاعة الله –تعالى- وحده، والخوف من عقابه، وهذه العملية الروحية والأخلاقية غير مقتصرة على الثري أو العالم أو الوجيه الاجتماعي والسياسي، إنما تعم الجميع، وربما تكون مصداق لكلام رسول الله، في إجابته على سؤال أحد الأصحاب خلال خطبته الرمضانية وهو يدعو إلى إفطار الصائمين، بأن "يا رسول الله! وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال: اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة، اتّقوا النار ولو بشربة من ماء".
إن التقوى تبدأ عملية فردية ترافق الإنسان الصائم في فريضته الصامتة، فإذا نجحت عند هذا وعند ذاك، وتكررت النجاحات حتى تحول العملية إلى تقوى مجتمعية، عندئذ بإمكاننا الحديث عن الوحدة والتلاحم والتماسك في المجتمع الذي له مدخلية في جميع المسائل الحيوية والمصيرية، من تنمية اقتصادية وتطور سياسي وتكافل اجتماعي.



محمد علي جواد تقي

التعليقات (0)

اترك تعليق