مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

هذا هو انتخابي وهذا انتخاب أبي واُمّي! لمن الاختیار: الأبناء أم الآباء؟

هذا هو انتخابي وهذا انتخاب أبي واُمّي! لمن الاختیار: الأبناء أم الآباء؟ إنّ هؤلاء الآباء والاُمهات إنّما یعرّضون مستقبل أولادهم إلى الخطر

لمن الاختیار: الأبناء أم الآباء؟ إنّ هؤلاء الآباء والاُمهات إنّما یعرّضون مستقبل أولادهم إلى الخطر..
 
هذا هو انتخابي وهذا انتخاب أبي واُمّي!
ما أکثر نظائر هذه القصة التي قد نشرت في الصحف:
فتاة في سن الثامنة عشرة من عمرها، کانت ترتدي ثیاب العرس، وقبل أن یتم عقدها بلحظات، خلعت ثیاب عرسها وارتدت زي الرجال ثمّ ألقت بنفسها من نافذة الغرفة إلى فناء الدار وهربت من البیت من دون أن یشعر بها أحد وبعد ذلك أوصلت نفسها إلى أحد الحمامات وفي الحمام قطعّت شریان یدها مما سبّب لها نزیفاً دمویاً شدیداً کانت عاقبته أن اُغمي علیها فاضطر عمّال الحمام إلى نقلها الى أحد المستشفیات ثم إنقاذها من مخالب الموت المحتّم، وبعد أن استعادت حالتها الطبیعیة سألها حاکم التحقیق عن سبب انتحارها فقالت:
کنت أدرس حتى العام الماضي في إحدى المدارس الثانویة، وکنت قد تعرّفت على شاب أنیق لائق ولشدّة أواصر العلاقة بیننا وازدیاد ثقتي به أصبح خطیباً لي، وفي ذات یوم عندما کنت أُطالع الجریدة الیومیة فوجئت بصورته کمجرم اُلقي القبض علیه من قِبل المسؤولین نتیجة سرقة مجوهرات، فاتصلت بمنزله هاتفیاً -مع أني لم أکن أُصدّق الخبر- ففهمت بعد التحقیق بأنّ القضیة واقعة حقیقیة وأنه کان یمارس السرقة بمعیة عصابة، وکل ما یملکه الآن هو ملك للآخرین!
مع هذا لم أکتف بهذا التحقیق بل اتصلت بالشرکة التي کان یدّعي بأنه یشتغل فیها کمهندس ذي مسؤولیة کبیرة فعلمت بأنّ کلامه کان کذباً وخداعاً وأنّ مسؤولي هذه الشرکة لا یعرفون مثل هذا الشخص أبداً.
وقبل شهر طلب یدي رجل في سن الأربعین ولم یمض زمن طویل على وفاة زوجته وهو من أصدقاء أبي الأثریاء، ولما لم أکن أرغب بمثل هذا الزواج فقد بیّنت رأیي مراراً وتکراراً ولکن «لقد أسمعت لو نادیت حیاً ولکن لا حیاة لمن تنادي» فقد أصرّ أبي على هذا الزواج، وعلى حین غفلة وجدت نفسي أمام أمر واقعي، آنذاك لم یکن أمامي سوى الفرار ثم الإنتحار».
هناک نظریتان متضادتان في موضوع الزواج:
الأولى: أنّ الزواج یجب أن یکون خاضع لرأي الآباء والاُمّهات واختیارهم.
الثانیة: أن تفوّض هذه المسألة المهمة للشباب أنفسهم ولیس لأي أحد شأن في ذلك.
ولکل من هاتین النظریتین أصحاب ومؤیدون، وقبل أن نجد الرأي والطریق الصحیح یجب أولا أن نتعرّف على أدلّة أصحابهما.
جماعة من الشباب یقولون:
«هل أن الآباء والاُمهات یریدون أن ینتخبوا زوجة لأنفسهم حتى أن رضاهم یکون شرطاً أساسیاً؟!
الشخص بنفسه یجب أن ینتخب شریکة حیاته.
إنّ الفتاة التي قد تکون في نظر آبائنا واُمهاتنا مَلَکاً من الملائکة، قد تبدو لنا أسوأ من الشیطان إذا لم تکن لدینا رغبة فیها.
تظهر تحقیقات علماء الإجتماع والقضاة، بأنّ أکثر وقائع الزواج التي تنتهي بالطلاق هي وقائع الزواج التي تقع في سن مبکّرة، والتي یکون ملاکها رضا الأب والاُم.
إنّ سبب فرر أو انتحار الکثیر من البنات والأولاد -الذی نقرأه في الجرائد دائماً- هو اشتباه أولیائهم وإلاّ فإنّ الإنسان العاقل لا یقدم على الفرار أو الإنتحار بدون سبب.
إذا فرضنا أنّ الشباب کانوا في وقت ما صمّاً عمیاً غیر قادرین على تشخیص مصالحهم، ففي عصرنا الحاضر لیسوا کذلك فهم أصبحوا یعرفون کلّ شيء قبل بلوغهم.
إنّ تفکیر الآباء والاُمّهات -أساساً- لا یوافق روح العصر ولهذا لا یستطیعون فهم احتیاجات الفتاة والولد العصریین.
والخلاصة أنّ الآباء والاُمّهات یجب أن لا یتدخلوا في هذه المسألة الحیاتیة ویجب أن یترکوا المیدان مفتوحاً لأبنائهم.
أمّا الآباء والاُمهات فیقولون:
الإنسان في بدایة شبابه خال من التجربة حتى لو کان عالماً وفیلسوفاً مثل أفلاطون أو ابن سینا، وبعبارة اُخرى، إنّ الشاب باعتبار عدم تجربته للاُمور یکون سلیم القلب، وعلى هذا الأساس، فإنه یأخذ الاُمور بظاهرها، ولهذا فإنه ینخدع بسرعة بالمظاهر الخارجیة الجذّابة بدون أن یعلم أن هناك شیاطین تختفي خلف تلك المظاهر الخارجیة الخلاّبة.
نجد کثیراً من الأفراد لأجل أن یوقعوا الأولاد والبنات في مصیدة العشق یحفظون عبارات جمیلة جذّابة وجملا ساحرة عذبة، وبالإستفادة من قوّتهم وفنونهم الشیطانیة وباستعمال هذه العبارات یسرقون قلب الطرف المقابل ویوقعونه في حبال شراکهم، وبعد أن یتزوّج الطرفان ویتم کلّ شيء یتبیّن خلاف ذلك.
مهما کان الشباب أذکیاء ومجرّبین فإنهم محتاجون إلى مرشد ودلیل في هذا الطریق الذي یقطعونه لأوّل مرّة، فیجب أن یسألوا عنه سالکیه، خوفاً من أن یضلّوا فیه.
هل أنّ الآباء والاُمّهات أعداء لأبنائهم حتى لا یریدون مصلحتهم ،إنّ أبناءهم أعز علیهم من أنفسهم ویحبونهم أکثر مما یحبّون أنفسهم ولذلك فإنهم یفدونهم بأرواحهم، ولو فرضنا أنّ الآباء لا یعرفون شیئاً ولیس لدیهم اطّلاع وثقافة ألیس أنهم ذاقوا طعم الحیاة وجرّبوها؟ ذاقوا مرّها وحلوها، فهم یعرفون خصوصیّات الحیاة الزوجیة ومزایاها ویستطیعون أن یمیّزوا بین الواقعیات وبین الأوهام والخیالات.
ومع غض النظر عن ذلك فإنّ عزل الإبن أبویه -اللذین لهما حق التربیة علیه واللذین ضحّیا بتمام قدرتهما وقوّتهما في سبیل إسعاده- عن هذا الموضوع الحسّاس الذي یؤثر في حیاتهما تأثیراً شدیداً یُعتبر أمراً قبیحاً وبعیداً عن الأخلاق جداً.
إنّ انتخاب الإبن لشریک حیاته بدون رضا أبویه وإن نسیانه لدیونهما علیه لا یتّفق مع أي أصل إنساني أو قیمة حضاریة.
نحن نعتقد بعدم صحة وواقعیة أی من النظریتین السابقتین، فلا الآباء والاُمّهات لهم الحق في أن یحمّلوا أبناءهم عقیدتهم الخاصة في انتخاب الزوجة، ولا من صالح الشباب اختیار الزوجة بأنفسهم فقط.
بل الصحیح هو أن یتشاور الأبناء والآباء حول هذه المسألة الحیاتیة ویتبادلوا النظر فیها حتى یوصلوها إلى الهدف المطلوب.
الآباء والاُمّهات یجب أن ینتبهوا إلى هذه الحقیقة وهی أنّ مسألة انتخاب الزوج أو الزوجة لیست کلها استدلالا وجدالا بل العنصر الرئیسي فیها هو الذوق، وأي ذوق؟ ذوق الأفراد أنفسهم، ومن الطبیعي أن الأفراد متفاوتون في هذه المسألة کثیراً حتى الأخوین.
من النادر جداً أن یدوم الزواج المفروض طویلا، ومع بقائه مدّة طویلة فإنه ینتهي بالفراق حتماً.
المسألة المهمة والخطرة جداً هو أن ینظر الآباء والاُمّهات إلى مصالحهم الشخصیة عند انتخاب زوجة لابنهم.
إنّ مثل هؤلاء الأفراد منحرفون عن الحقیقة وضالّون عن جادّة الصواب، ثمّ من جهة اُخرى یجب أن لا ینسى الشباب بأنّ الحب والعشق في هذا الوقت -وقت الشباب- یسدل ستاراً أمام العین بحیث یجعلها تغفل عن مشاهدة العیوب ولا ترى إلاّ المحاسن.
یجب على الآباء والاُمّهات والأصدقاء المخلصین أن یساعدوا الشباب في هذا الإنتخاب بأفکارهم القیّمة والصحیحة.
إضافة إلى ذلک فإنّ الشباب مهما کانوا أقویاء ومنعاء فانّهم لا یستغنون عن مساعدة الآباء والأصدقاء فی طوفانات حوادث الحیاة.
إنّ الشباب إذا عزلوا آبائهم واُمّهاتهم عن هذا الأمر فإنّهم لا یستطیعون أن یعتمدوا علیهم في حلّ مشاکل حیاتهم القادمة، ولا أن یرکنوا إلیهم مع العلم بأنّ الإعتماد علیهم ضروری بالنسبة لهم، وعلى هذا فیجب على الشباب أن یقنعوا آباءهم قدر المُستطاع.
إنّ الإسلام قد نظر في قوانینه إلى هذه المساعي المشترکة بین الطرفین وخاصة في موضوع البنت البکر حیث اشترط رضاها أولا ثمّ موافقة ولیّها.
أما موارد الزواج التي ینظر فیها إلى المصالح الشخصیة للأب أو الإبن فهي خارجة عن روح القانون الإسلامي.


المصدر: من كتاب المشاکل الجنسیة للشباب

 


التعليقات (0)

اترك تعليق