تأثير الأسرة والوراثة في الأخلاق
تأثير الأسرة والوراثة في الأخلاق:
من المعلوم أنّ أوّل مدرسة لتعلیم القیم الأخلاقیّة، یدخلها الإنسان هي الاُسرة، فکثیرٌ من اُسس الأخلاق، تنمو في واقع الإنسان هناك، فالمحیط السّلیم أو الملّوث للاُسرة، له الأثر العمیق في صیاغة السّلوك الأخلاقي، لأفراد الاُسرة، إنّ على مستوى الأخلاق الحسنة أو السیئة، فالحجر الأساس للأخلاق في واقع الإنسان یوضع هناك
وتتبیّن أهمیّة الموضوع، عندما یتّضح أنّ الطفل في حرکته التکاملیّة، ومسیرته في خط التّربیة:
أولاً: یتقبّل ویتأثر بالمحیط بسرعة کبیرة.
ثانیاً: إنّ ما یتعلمه الطّفل في صغره، سوف ینفذ إلى أعماق نفسه وروحه، وقد سمعنا الحدیث الشریف عن أمیر المؤمنین(علیه السلام)، یقول فیه:
«العِلمُ فِي الصِّغَرِ کالنَّقشِ فِي الحَجَرِ»(1).
فالطفل یستلهم کثیراً من سجایا أبیه واُمّه واُخوته وأخواته، فالشّجاعة والسّخاء والصّدق والوفاء، وغیرها من الصّفات والسّجایا الأخلاقیّة الحمیدة، یأخذها ویکسبها الطّفل من الکبار بسهولة، وکذلك الحال في الرّذائل، حیث یکسبها الطّفل من الکبار بسهولة أیضاً.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الطّفل یکسب الصّفات من أبویه عن طریق آخر، وهو الوراثة، فالکروموسومات لا تنقل الصفات الجسمانیة فحسب، بل تنقل الصفات الأخلاقیّة أیضاً، ولکن من دون تدخل عنصر الإجبار، حیث تکون هذه الصّفات قابلةٌ للتغییر، ولا تسلب المسؤولیّة من الأولاد أیضاً.
وبعبارة اُخرى، أنّ الأبوین یؤثران على الطّفل أخلاقیاً من طریقین، طریق التّکوین، وطریق التّشریع، والمراد من التّکوین هو الصفات والسّجایا المزاجیّة والأخلاقیّة المتوفرة في الکروموسومات والجینات، والّتي تنتقل لا إرادیاً للطفل في عملیّة الوراثة.
والطریق التشریعي یتمثل في إرشاد الأبناء، من خلال أسالیب التّعلیم والتّربیة للصفات الأخلاقیّة، التي یکتسبها الطفل من الأبوین بوعي وشعور.
ومن المعلوم أنّ أیّاً من هذین الطّریقین، لا یکون على مستوى الإجبار، بل کلّ منهما یُهیّيء الأرضیّة لنمو ورشد الأخلاق في واقع الإنسان، ورأینا في کثیر من الحالات أفراداً صالحین وطاهرین، لأنّ بیئتهم کانت طاهرةً وسلیمةً، والعکس صحیح أیضاً. ولا شك من وجود إستثناءات في الحالتین تبیّن أنّ تأثیر هذین العاملین، وهي: «التربیة والوراثة»، لا یکون تأثیراً على مستوى جَبر، بل یخضع لأدوات التّغییر وعنصر الإختیار.
ونعود بعد هذه الإشارة إلى أجواء القرآن الکریم، لنستوحي من آیاته الکریمة ما یرشدنا إلى الحقیقة:
1ـ (إِنَّکَ إِنْ تَذَرْهُمْ یُضِلُّوا عِبَادَکَ وَلاَ یَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً کَفَّاراً)(2).
2ـ (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُول حَسَن وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَکَفَّلَهَا زَکَرِیَّا)(3).
3ـ (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِیمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِینَ * ذُرِّیَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِیعٌ عَلِیمٌ)(4).
4ـ (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَکُمْ وَأَهْلِیکُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(5).
5ـ (یَا أُخْتَ هَارُونَ مَا کَانَ أَبُوکِ امْرَأَ سَوْء وَمَا کَانَتْ أُمُّکِ بَغِیّاً)(6)
________________________________________
1. بحار الأنوار، ج 1، ص224.
2. سورة نوح، الآیة 27.
3. سورة آل عمران، الآیة 37.
4. سورة آل عمران، الآیة 33 و 34.
5. سورة التحریم، الآیة 6.
6. سورة مریم، الآیة 28.
المصدر: من كتاب الأخلاق في القرآن، آية الله العظمى مكارم الشيرازي مد ظله.
اترك تعليق