مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مذكرات أشرف بهارلو
الحياة في آبادان والإسعاف في مشفى طالقاني

مذكرات أشرف بهارلو الحياة في آبادان والإسعاف في مشفى طالقاني

مذكرات أشرف بهارلو
الحياة في آبادان والإسعاف في مشفى طالقاني


للمسعفات في مدينة آبادان نصيب كبير في تقديم الخدمات للجرحى. بقين بعيدا عن عائلاتهن دون توقع مردود مالي لخدمة الجرحى في مدن محاصرة بالعدو. وكانت أشرف بهارلو من هذه الفتيات المشاركات في الحرب المفروضة على إيران. وتحدث للموقع عن ذكرياتها عن تلك المدينة وشفى طالقاني الذي كانت تعمل فيه.
حين بدأت الحرب أين كنتِ؟
في آبادان، في مسجدالمهدي الموعود (عج) المعروف بمسجد "الانتصار" في منكقة شركة النفط. كنا ننشط أنا وبعض الأخوات قبل انتصار الثورة الإسلامية العام 1975 في مسجد المهدي الموعود (عج) في المجلات الثقافية ولنا نشاط سياسي أيضا. كنا نذهب أحيانا لمنزل أحدى صديقاتي. أغيّر شكلي. أغيّر عبائتي وأرتدي عباءة أمي الملوّنة. وبدل الحذاء أستبدله بنعل بلاستيكي ثم نقصد مع صديقاتي مرقد السيد عباس وهو معروف جدا في مدينة آبادان. هناك مزرعة نخيل تقع أمامه. نذهب للمنازل هناك، ونسمع تسجيل أشرطة المرحوم شريعتي والإمام الخميني (ره). في صفوفي القرآنية، أتحدث ضدّ الشاه. أغلقوا صفي. لم تكن عائلتي بعلم بنشاطاتي السياسية، ولكن أخي بات يعلم.
في إحدى المرات، وكنتُ للتو دخلتُ النشاطات الثورية وكادوا يقبضون عليّ. في أحد الجُمع وأمام مسجد كان فنّانون يصورون فيلما. يُقرأ دعاء الندبة والنس في حالة حركة، والنساء المحجبات في صالحهم لأنهن محجبات. غضبتُ وتشاجرتُ معهم لتصويرهم في هذا المكان.
جاء عدة أشخاص واستفسروا عني في المسجد. قال أحدهم: "ما هو اسمك؟ أنا عضو المنظمة!" ولم أكن أعرف قصده من المنظمة؟ قلتُ: "حتى لو كنتَ من المنظمة! ألا يمكنني قول الحقيقة؟"
حين انتهى دعاء الندبة جاءت صديقاتي وقالن: "جاءت الشرطة أمام المسجد! إهربي من باب المسجد الخلفي".قلتُ: "لن أهرب من الباب الخلفي". أحضر الناس ثيابا للمحتاجين. إخترتُ منها عباءة بيضاء. نزعتُ حذائي وابدلته بنعل بلاستيكي وخرجتُ من الباب الأمامي للمسجد. لم تعرفني الشرطة.
حين بدأت الحرب، هربت الكثير من العوائل، ومنها عائلتي، ولكني لم أرافقهم. بقيتُ مع المدافعين ناشطة في المسجد.
ألم تواجهِ مشكلة مع عائلتك لأنك آثرتِ البقاء؟
لا. لم يعارضون بقائي. كانت عائلتي متدينة. لم يسمحوا لي في زمن الشاه لأرتاد الثانوية ولم أدرس أكثر من الصفّ السادس، ولكن مع بدأ الحرب عرفوا تصميمي على البقاء وحتى لو رحتُ سأعود.
ما هي نشاطاتك في المسجد؟
نشاطات جمّة. نعدّ الفواكه للمقاتلين أو الطعام. نغسل الأواني. في تلك الفترة أحيانا ينقطع الماء، أذكر أننا نتوضئ بالماء الذي طبخنا به البيض.
هل ترسلون الطعام لمدينة خرمشهر؟
يأتي إلينا الإخوة من البسيج أو الحرس ويستلمون الطعام ولا نعرف الجهة التي تُرسل له.
هل تصلكم المساعدات الشعبية مثل، الطعام والثياب والدواء لكي تقسمونها ثم توزع؟
لا، لا يمكن في المسجد.
حتى متى استمر عملكِ في مسجد المهدي الموعود (عج)؟
حين حاصر العدو آبادان، كنا ما نزال هناك، ولكن بعد حدث ذو الفقاري قال الرجال: "عليكن الخروج من آبادان". لم أعرف أين عائلتي! كان لأبي صديق في اصفهان ومن المقرر أن يذهب لهم، ولكني لا علم لي به. ذهبتُ مع زوجة الشهيد محمد دشتي وهي نشطة جدا قبل الثورة وبعدها، إلى مدينة قم. الطرق الأرضية الأرضية مغلقة والخروج من المدينة صعب. أخذونا إلى قرية اسمها جويبده ولها منفذ مائي. وعلينا دخول المنفذ المائي إلى ميناء ماهشهر. يرافقنا الكثير من الجرحى. قالوا لنا هناك: "عليكم انتظار الانتظار لتأخذكم السفينة إلى ماهشهر، وإذا لم تأتِ سوف تعودون إلى آبادان ونسلحكم". سعدنا لأننا سنعود إلى آبادان مرة أخرى، ولكن السفينة جاءت وأخذتنا إلى ماهشهر ومن هناك اتجهنا إلى قم.
متى عدتِ مرة أخرى إلى آبادان؟
خرجتُ في يوم مع صديقة. ورأيتُ قبة السيدة معصومة (س) وعرضتُ عليها، ولم أكن مصرة، لو هناك طريقة لنعود لآبادان.
ظهراً ذهبتُ إلى محطة القطار مع صديقة لي. ركبنا قطارا متجها إلى مدينة أنديمشك وكل ركابه جنودا. دخل رجل إلى عربة القطار التي جلسنا فيها. ابن عمي رجل ثوري ونشط. قال للرجل: "هل تعرف فلانا؟" عرفه وقال لنا: "إذهبوا إلى حرس الأهواز وقولوا لهم أنّ أخاكم موسوي أرسلنا".
حين ذهبنا إلى حرس الأهواز قال لنا المسؤلون: "أرسلكم الله لنا، نحتاج ليد عاملة تعدّ الأدوية! ساعدونا على عزل الأدوية". أخذونا لمنزل قريب منهم مملؤ بالأدوية. ساعدناهم، ولكني لم آتِ للبقاء هنا. قلت لمن معي: "إذا أردتم البقاء، فابقوا وسأقصد آبادان". وخرجتُ. قبل ذهابنا، تناولنا المعلبات والخبز وكان قسم منه متعفناً.
ذهبنا إلى ماهشهر بالسيارة ومن هناك بالطائرة ولم تحطّ في نفس المدينة. حين وصلتُ لآبادان ذهبتُ إلى مسجد المهدي الموعود (عج). كانت الأخوات هناك. ذهبتُ إلى مشفى طالقاني وبدأتُ العمل هناك.
ما هو أو عمل قمت به في المشفى؟
كنتُ بداية في القسم، أغير الشراشف وأساعد الممرضات. ثم انتقلتُ إلى قسم الطوارئ.
هل شاركت سابقاً في دورات الاسعفات الأولية؟
لا. تعلمتُ الحرفة.تمرنا بداية على الحقن على أنفسنا أنا وصديقة لي. وبينما كنا أنا معها نتمرن وصلت الممرضة وبدأت بالصراخ علينا.
حين دخلت المشفى كيف كانت وضعيته؟
مزدحم جدا. يصله الجرحى باستمرار. وكان المشفى قريبا من جبهة فياضية آبادان وهو أقرب مشفى لخرمشهر.
ماذا عن الامان؟
المدينة محاصرة. استهدف العراق المدينة بكل الاسلحة. تسقط أحيانا بقرب مشفى طالقاني قذائف. كنتُ في مرة أغسل ثيابي حين وقعت قذيفة. ارتبكتُ. وفي مرة خرجنا من المشفى وإذا بالأرض تنشق أمامنا ثم سمعنا صوت الانفجار. تضررت أذني إثر الانفجار.
هل يأتي فقط جرحى الجبهات للمشفى؟
لا، من بقي من السكان يأتون للمشفى أيضا. رأيتُ مرة شهيدا عمره ستة أشهر في الثلاجة. وفي مرة قصفوا خلف المشفى وسقط العديد من كبار السن والنساء، كانت بنيهم عجوز عمرها أكثر من مائة سنة. لم يجرأ أحد على حقنها. قالوا: "من يمكنه حقنها؟" قلتُ: "أنا!" ثم قالت إحدى الممرضات: "أخت بهارلو نحن لا نحقن مثلها وقد تجاوزت المائة، كيف تفعلين ذلك. قد تصاب بالتشنج!" الحمد لله لم تصب التشنج. وفي مرة أحضروا امرأة حامل وتريد أن تسمي طفلها "كاتيوشا"!
هل كانت نشاطاتك محصورة في قسم الطوارئ؟
لا. إحتاجوا بعد فترة لشخص في غرفة العمليات وأرسلوني هناك. كنتُ أنظف بداية الأدوات الجراحية أو أرجعها لمكان بعد العملية. ثم أصبحتُ مساعدة الطبيب، وأبقى مهما طالت العملية. بتُّ أعرف ما تحتاجه العملية. في مشفى طالقاني خمس غرف للعمليات، ثلاث غرف كبيرة وإثنان أصغر.
أين كانت غرفك نومكن؟
كان منام المسعفات في غرفة خالية في إحدى طوابق المشفى، ولكننا كنا ننام دائما على أسرة غرفة العمليات، لكي نكون مستعدات إذا وصل جريح. في إحدى المرات أحضروا أربع جرحى، كل واحد منهم في غرفة وكنتُ وحدي. كنتأخرج وأدخل في الغرف. وبخني أحد الأطباء قائلا: "لماذا تتهربين من العمل؟ ألا تعرفين القيام بعمل مفيد؟" قلت له: "يا دكتور جئتُ لأتعلم". وبخني مرة أخرى، ثم قام أحدهم بشرح ما يحدث له.
ألم تذهبي لبيتكم؟
كانت بيتنا في خرمشهر. يعمل أبي في شركة النفط وسلموه أحد بيوت الشركة. وطبق قانون شرطة النفط يسلموه قرضا لكي يشتري منزلا له في آبادان ويستلموا منه بيت الشركة. لذلك اشترى أبي منزلا في خرمشهر. وقد احتل العراق ذلك القسم. في إحدى المرات ذهبتُ لبيتنا. بيت جيراننا متهدف وبيتنا مسروق أكثر ما فيه. وحين خرجنا ازداد القصف. مرت من أمامنا سيارة تابعة لشركة النفط مسرعة، ثم عادت لنا. سأل السائق: "ماذا تفعلن هنا يا أخوات؟"
قلت له: "جئنا لنرى بيتنا". وسارت السيارة في حال أنّ إحداهن لم تركب بعد.
هل كانت كل الاخوات من مدينة آبادان؟
لا. بيننا من مدينة خرمهشر وواحدة من شيراز.
هل كنتِ تحصلين على إجازة من المشفى؟
نعم. كان يمكننا الذهاب في إجازة. ولم أكن أعلم لستة أشهر أين عائلتي. بهرام، ابن عمي، كان يدرس في ألمانيا قبل الحرب. ترك دراسته وعاد لإيران لنضم لمحاربة العدو. عن طريقه توصلتُ لعائلتي في شيراز، لأنه إضافة لعمي الذي يعمل في شركة النفطّ ويسكن آبادان، رحل البقية إلى شيراز.
كنت في البسيج، ولكن يُكتب على ورقة الإجازة الحرس.نذهب مع السيارات المتجهة إلى جويبده. ثم نذهب من هناك إلى ماهشهر ثم إلى شيراز.
هل تحملين ذكرى عن غرفة العمليات حين يحضرون الجرحى؟
نعم. أذكر حدثت معركة وأتوا بجرحى كُثر. وغرفة العمليات قليلة نظرا لحجم الجرحى. أحد الجرحى وكان من مدينة مشهد إعترض من الوضع الذي نمر به: "لماذا لا تأخذوني إلى غرفة العمليات؟" تحدثتُ معه وقلت: "أخي، أنا بمثابة أختك. حاضر. حسب رأي الطبيب سوف ندخلك غرفة العمليات، ولكن الطبيب الذي يجب أن يقوم بالعملية منشغل بعمليات أخرى." وبينما كنتُ أريد أخذ جريح أصيب بجانب قلبه، إعترض الرجل مرة أخرى. فقلت له: "يا أخي، هذا الجريح أصيب بقرب قلبه وهو مثلك يريد الصراخ ويتألم، ولكن لو فعل ذلك لتحركة الطلقة من مكانها! لو تأخرت نصف ساعة أخرى أقصى ما ستلاقيه قطع رجلك، ولكن هذا الرجل سيفقد روحه!."  سكن وقال: "خذوه هو."
ما هي أسباب توقف نشاطاتك؟
كنتُ أريد الزواج بذوي الاحتياجات الخاصة. اسمه عبدالحسين راضية نجاد، قُطعت رجليه وأصيبت إحدى يديه. وأخوه مفقود. تزوجته، وبعد الزواج أخذ عائلته لمدينة كرج، ثم جاءني وأخذني معه. كان من المقرر أن أعود ولكني بقيت في كرج. من شدة شوقي للرجوع وقعت مريضةً. رغم كل ما حدث لزوجي لكنه يعادل ثلاث رجال. وأقول دائما لو تريدون الحديث عن أكثر النساء سعادة في العالم فأنا واحدة منهن.




www.oral-history
فائزة ساساني خاه 
ترجمة: أحمد حيدري مجد 

التعليقات (0)

اترك تعليق