أعظم امتحانات النساء... لماذا يجب على كل فتاة أن تفكّر مليًّا قبل الزواج؟
أعظم امتحانات النساء... لماذا يجب على كل فتاة أن تفكّر مليًّا قبل الزواج؟
حين نتحدّث عن البلاءات التي تمر بها أي أُنثى في هذا العالم، فهذا لا يعني أنّ الذكور مستثنون منها أو أنّهم قد عبروها بنجاح. لكن لا شك بأنّ هناك أنواعًا من الامتحانات الإلهية ترتبط بطبيعة التكوين النفسيّ والاجتماعيّ لشريحة محدّدة من الناس. وإنّما تنشأ هذه الفتن والاختبارات من الظروف الاجتماعية التي تحيط بهؤلاء، نظرًا للثقافة والتربية السائدة في بيئتهم.
وفي البيئة التي يُعتبر الزواج مؤشّرًا قويًّا على النجاح في الحياة وعاملًا أساسيًّا في تعزيز الموقعية الاجتماعية والمكانة الشخصية، فإنّ امتحان الزواج سيكون بمنزلة الاختبار الكبير الذي يصعب أن نُستثنى منه.
ابتلاء النساء عمومًا في الزواج يرتبط بالاعتبارات الاجتماعية التي تصر على وضعهنّ في موقع المطلوب لا الطالب والمرغوب لا الراغب. وبسبب سيادة هذا الاعتبار والعرف الاجتماعيّ في مجتمعاتنا، وبغض النظر عن نظرة الشرع والدين لهذه القضية، فإنّ تقدّم الفتاة للزواج من رجلٍ، غالبًا ما يؤدّي إلى الانتقاص من قيمتها؛ ممّا يؤدي إلى تبعات غير محمودة، تلقي بظلالها على زواجها فيما بعد.
إنّ تقدّم الفتاة إلى الشاب غالبًا ما يؤدّي إلى تحوّل الزواج إلى قضية خاصّة به، فيصبح هذا الزواج بأسره متمحورًا حول حاجاته ورغباته. وحين يغفل الرجل عن دوره الأساسيّ في تعزيز مكانة زوجته ـ بسبب انهماكه هنا بتدوير زواجه حول نفسه ـ فإنّ الزوجة ستخسر بعض سحرها أو الكثير من جاذبيّتها.. فلا ننسى أنّ معظم جاذبية المرأة تأتي من كونها مرغوبة ومطلوبة ومورد حاجة شديدة.
قد ينجذب الكثير من الرجال إلى امرأة ما لمجرّد تمنّعها، في حين أنّهم يغفلون عن جاذبية زوجاتهم أو نساء أخريات لمجرّد أنهنّ غبّ الطلب (أي متاحات بسهولة).
ولا تبرير لهذا الانجذاب ولا تفسير له سوى الوهم الذي يسيطر على أي إنسان بسبب شدّة ولوعه بذاته.
وباختصار، فإنّ الأنانية الشائعة وسيطرة حبّ الذات والعجب والبعد عن المعاني الروحية العميقة، هي التي تجعل مثل هذا الاحتكاك فتنة حقيقية. وحديثنا هنا هو حول الفتنة التي تعصف بكل امرأة وسط هذا النوع من الظروف والأوضاع.
إنّ الحاجة الشديدة للزوج (أو للزواج) من جهة، والخسارة الكبرى التي قد تلحق بالمرأة إن هي تقدّمت وعرضت نفسها من جهة أخرى، يجعل النساء في حالة لا يُحسدن عليها من ناحية الضغط النفسيّ (وهنا تكمن هذه الفتنة). فكيف إذا أضفنا بعض العناصر الأخرى، كاستيلاء شعور المرأة بعدم المرغوبية، بسبب ما تراه في نفسها من نقص في الجمال والهيئة أو القدرة المادية أو الحسب والنسب.
تصوّر لو أنّك امرأة غير جميلة بحسب المعايير السائدة في مجتمعك، ولم يتقدّم إليك شاب واحد منذ أن بلغت سنّ الزواج، وأنت بحاجة ماسّة إلى الزواج (الأمر الطبيعي التكويني)، فكيف يمكن أن يكون وضعك وأي حالة نفسية ستعيشها على مدى ساعات يومك؛ خصوصًا إذا كنت في أجواء من المخالطة والاحتكاك الاجتماعيّ المتواصل؟
يصعب على من لم يمر بهذه التجربة أن يتحسّس حجم هذا الضغط وشدّته، لكنّنا نستطيع أن نقول أنه فائق جدًّا؛ ومذهلة حقًّا وأعجوبة هي التي تتمكّن من الثبات فيه.
لا شك بأنّ اجتناب أجواء الاختلاط قد يساعد؛ لكن ماذا عن تلك الحاجة المغروزة فينا؟ وهل يمكن للمرأة في هذا الزمن أن لا ترى رجلًا ولا يراها رجل؟!
لأجل ذلك ينبغي أن نستعد لهذا الامتحان والبلاء جيدًا؛ وأفضل طريقة لذلك تكمن في الإعداد له قبل حصوله؛ ولا يمكن الإعداد والاستعداد له إلا بمعرفة معقد الاختبار وجوهر الفتنة الكامنة فيه.
فإنّ السقوط في مثل هذا الاختبار لن يكون في أن تسعى هذه الفتاة للارتباط بشاب آخر أو التقدّم له أو عرض نفسها للزواج؛ ولا في أن يؤدّي ذلك إلى استرخاصها والتقليل من قيمتها؛ فكل هذا قابل للجبران، إن هي أحسنت التعامل مع هذه التبعات فيما بعد.. لكن السقوط الحقيقي هنا هو في امتحان التوحيد.. فماذا يعني امتحان التوحيد هنا؟
نظرًا لأنّ هذه المقالة لا تستوعب التفصيل في الشرح، يمكننا أن نحيل قرّاءنا الأعزّاء إلى الدراسات المفصّلة حول التوحيد وأهمّيته ودوره المصيريّ. لكنّنا باختصار نستطيع أن نقول أن سرّ وجودنا جميعًا على هذه الأرض يتجلّى في قضية كبرى وأساسية وهي قضية التوحيد. ولو لم يكن لهذه الحياة الأرضية من فلسفة وحكمة سوى أن نكتشف فيها حقيقة التوحيد، ونصبح موحّدين، لما كان هناك من عبثية أو تضييع أبدًا، ولتحقّقت كل أهداف الخلقة ومقاصدها!
إنّ الحياة الدنيا هي محل اختبار العقيدة والإيمان، وليست محل القطاف والتحصيل والحصاد. وأي شيء نحصل عليه فيها، فإنّه يكون لاختبار إيماننا فقط. ولهذا سيشكر المحرومون حرمانهم يوم القيامة وهم يرون الأثرياء يقفون لوقتٍ طويلٍ للحساب (وما أشد حساب الآخرة). وكلّ غنيّ (حتى لو كان سليمان النبيّ عليه السلام) سيتمنّى يوم القيامة لو أنّه لم يحصل من هذه الدنيا على أي متاع منها.
لقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) هذه الدنيا بكلمات بليغة مذهلة، وقال: "ماذا أقول في دنيا في حرامها عقاب وفي حلالها حساب". ولهذا، يكون الخطأ الأكبر الذي يقع فيه أي إنسان ـسواء كان امرأة أو رجلـ فيما إذا نظر إلى عدم توفيقه في الزواج أو الإنجاب أو المكانة الاجتماعية أو نيل أي خير، مهما كان، من خيرات الدنيا، واعتبره دليلًا على مطروديته أو إهانته أو عدم عناية الله به.. بالنسبة لي هذه حماقة كبرى أيضًا.
وقد أهبطنا الله إلى دارٍ يمكن أن تتظاهر فيها الأسباب إلى الدرجة التي قد يحسبها الجاهل أسبابًا واقعية. فيظن أنّه بالسعي والعمل يُرزق الناس، وبالجهاد ينتصرون وبالدراسة ينالون العلم، وبالمال يحصلون على الجاه و..
والتوحيد الحقّ يقول لنا أنّ كل كمال وخير وأثر إنّما هو من الله تعالى. وإن أراد الله تعالى أن يرفعنا فلن تقدر أي قوّة على وضعنا، وإن أراد أن يضعنا فلن يكون هناك أي أحد يقدر على رفعنا، وإن أراد أن يرزقنا فلا راد لرزقه وإن أراد أن يمنعنا فلا أحد يحول دونه، سبحانه تقدّست آلاءه: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.[1]
التوحيد الحقّ يقول لنا أنّ الجاه أو الاستقرار أو المنزلة الاجتماعية أو حتى المودّة والرحمة التي تتحقّق في الزواج، ليست منكم بل من الله تعالى. ولا تظنّوا أنّكم بسعيكم أو تدبيركم أو حنكتكم وشطارتكم ستحصلون على ما لا يريده الله تعالى.
لأجل ذلك، يجب على كل فتاة أن تعلم أنّ أي سعادة ينالها الناس في الزواج لم تكن بفضل شطارتهم وتدبيرهم، وإنّما كانت اختبارًا لهم وابتلاءً. وإنّما يتراءى للجاهل أنّ هذا الحب الزوجيّ وهذه المتعة في العلاقة وتلك الحميمية بين الزوجين قد كانت بفعل ذلك التدبير والسعي وأمثاله.
قد تكون الزوجة في قمّة الذكاء وحسن التبعّل والاستعداد وحتى الجمال والأنوثة، ومع ذلك لا تنال من تلك المتع شيئًا. وقد تكون المرأة أبعد ما يكون عن كل تلك العوامل، ومع ذلك تعيش حياة هنيّة وممتعة. لذلك علينا أن نبحث عن السعادة من مصدرها الحقيقيّ؛ وهذا هو البحث عن التوحيد. فإذا أدركناه واعتقدنا به، وجب علينا أن نسعى إلى تثبيته في القلب؛ كما قال الإمام الخميني: أن نكتبه بقلم العقل على صفحة القلب.
ما يوقفني هنا هو المفاجأة والسرعة التي يتميز بها هذا الامتحان والذي أراه صادمًا وكبيرًا وفوق قدرة الكثير من النساء في مجتمعاتنا. لكن بدل أن أتأوّه وأشكو أجد أنّ هذا الأمر يحمّلنا مسؤولية كبرى في التربية وفي التوعية. ويجب على كل عارف بالتوحيد أن يعمل على نشر قضيّته بين الفتيات قبل فوات الأوان، وقبل وقوع الواقعة وحصول السقوط في الدنيا. وباعتقادي إنّ القدرات العقلية الموجودة عند الفتيات في مرحلةٍ ما قبل الزواج (أي عمر الناشئة) تستطيع أن تستوعب قضية التوحيد كلّها وتدرك دورها في الزواج. الأمر الذي يجعلهنّ مستعدّات من الناحية الفكرية للتعامل مع ذلك الاختبار الشديد إن حصل.
التوحيد يقول لنا أنّ الفرج واليسر والسعادة والطمأنينة وكذلك الرزق (بكل أشكاله وأنواعه) إنّما يحصل في ظلّ التقوى والعمل الصالح والإخلاص لله تعالى. ولا يمكن أن نجد لهذه القاعدة أي استثناء؛ ولا يوجد مخلوق على وجه الأرض كُتبت له السعادة الواقعية بعيدًا عن التقوى.
ولأجل ذلك، وبدلًا من البحث عن الوسائل والحيل التي يمكن أن تؤمِّن لنا ما نصبو إليه، يجب أن نبحث عن مصاديق التقوى. وفي الحالة التي ندرسها، يجب أن نعرف ما هي التقوى في الزواج.
إنّ قسمًا مهمًّا من توفيق الزواج يكمن في تقوى الزواج قبل حصول الزواج!
أجل، إنّ الله تعالى إذا عرف في قلوبنا النية الصادقة لحسن التبعّل بعد الزواج، يفتح علينا أبواب الحصول على الزوج المناسب. ولا يعني هذا الكلام أنّ كل امرأة لم تُوفّق لزوجٍ صالح أو حتى للزواج من أصله، فهي غير صادقة في نية حسن التبعّل، لأنّ الله تعالى قد يبتلي البعض بالحرمان لأسباب يعلمها أصحابها إن هم أمعنوا النظر. وقد يكون بعض هذه الأسباب لأمور خارجة عنهم كلّيًّا، كما يبتلي الله أنبياءه بالفقر، لا ليختبر صبرهم (فقد عبروا هذا قبل نبوّتهم)، وإنّما ليجعل في صبرهم قدوة لغيرهم.
_____________________
[1]. سورة يونس، الآية 107.
اترك تعليق